هل هذا هو المنصب المناسب في الإدارة التنفيذية العليا؟

13 دقيقة
الإدارة التنفيذية العليا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرض دراسات الحالة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص خيالية لمشاكل يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. تستند هذه الحالة إلى دراسة حالة في كلية هارفارد للأعمال بعنوان: “سونيا ميلر: التفاوض على شغل منصب في الإدارة التنفيذية العليا” من تأليف آن دونيلون، وجوشوا مارغوليس.

“هل أنتما جاهزان؟” سألت النادلةُ مارتا سيلز. كانت تعلم ما الذي تريده منذ أن جلست، ولم يسبق لأي كان أن اتهمها من قبل بالتردد في اتخاذ القرارات، لكنها كانت تنتظر أن يحسم شريكها في وجبة الغداء أمره. كان زاك لوكهارت هو الرئيس التنفيذي لشركة “توب ستريت ويلث مانجمنت” (Top Street Wealth Management)، وهي شركة خدمات مالية متخصصة بإدارة الثروات تعمل انطلاقاً من وادي السيليكون، تشغل مارتا فيها منصب العضو المنتدب. كان زاك مرشداً وموجهاً لها منذ بضع سنوات، وكانا غالباً ما يتناولان طعام الغداء معاً. ولكن في هذه المرة تحديداً، كان زاك قد قال إنه يريد “إطلاعها على أمر ما”، لذلك كانت تتوق إلى تجاوز مرحلة طلب الطعام وكلام المجاملات.

“أنا واثق أنك تشعرين بفضول شديد لمعرفة ما أريد مناقشته معك”، قال زاك وهو يعطي لائحة الطعام إلى النادلة.

“هل له علاقة بالتخطيط لمن يخلفك في منصبك؟” سألت مارتا مستفهمة.

كانت رئيسة قسم العملاء الخاصين، والشركات العائلية، والمؤسسات الخيرية، وهي الوحدة الأكبر والأهم في “توب ستريت”، وكانت عيونها شاخصة إلى منصب زاك بعد أن يتركه. كان يدنو من سن الستين، وقد سبق له أن شغل مناصب في عدة مجالس إدارة وجمعيات لا تتوخى الربح. كان معظم الناس يتوقعون له أن يغادر منصبه في غضون ثلاث إلى خمس سنوات من الآن. وكان زاك ومارتا قد تحدثا صراحة بخصوص ما هو مطلوب منها لكي تخلفه في المنصب.

“نعم، شيء من هذا القبيل”، قال زاك بادئاً كلامه بتمهّل. “كنت آمل أن أقنعك بتولي منصب جديد هو الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا”.

جفلت مارتا قليلاً، وكانت قد تفاجأت بصدق وشعرت أنها قد أُخذِت على حين غرّة. منصب الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا؟ قالت لنفسها. لقد كان الأمر غير متوقع مطلقاً.

وقبل أن تنبس ببنت شفة، أكمل زاك كلامه قائلاً: “كما تعلمين، فإن المنصب الجديد يشمل المسؤولية عن استراتيجيتنا للتكنولوجيا المالية (فينتك)، وتحديداً الذكاء الاصطناعي، ونحن بحاجة إلى شخص يمتلك رؤية استراتيجية ويستطيع أن يدفع المجموعة باتجاه تنفيذ المطلوب. نحن كلانا نعلم أن تحقيق مستهدفاتنا للعام 2025 يتوقف على تلك الاستراتيجية. لا بل مستقبل “توب ستريت” بأكمله مرتبطة بمنصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا”.

لم يكن زاك يبالغ في الحديث عن أهمية التكنولوجيا لمستقبل الشركة. فعلى الرغم من أن “توب ستريت” في وادي السيليكون، إلا أنها كانت متأخرة عن منافساتها، وكانت مجموعتها التكنولوجية بطيئة للغاية وغير قادرة على الاستجابة كما ينبغي. كانت مارتا قد تحدثت بصوت عالٍ مراراً وتكراراً عن هذه الأخطار، وبسبب إلحاحها هي وعضوان منتدبان آخران، كان زاك ومجلس الإدارة قد وافقوا أخيراً على ضخ استثمارات كبيرة داعمة للتكنولوجيا من أجل تحسين عملية تقديم الخدمات إلى العملاء، حيث كانوا يأملون في حرق المراحل والتقدم على الشركات المنافسة.1 كان أحد العناصر الأساسية في هذا الاستثمار هو ترقية منصب المدير التكنولوجي السابق إلى رئيس تنفيذي للتكنولوجيا يكون مسؤولاً عن تطوير استراتيجية التكنولوجيا المالية (فينتك) وبناء وظيفية تكنولوجية قادرة على تنفيذ المطلوب بسرعة. كانت مارتا قد افترضت أنهم سيبحثون من خارج الشركة عن شخص يتمتع بمعرفة تكنولوجية معمقة، وليس الاعتماد على مديرة منتجة مثلها. فبعد أن حصلت على البكالوريوس من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وعلى الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة شيكاغو، بدأت مسيرتها المهنية في تغطية قطاع التكنولوجيا كمحللة، لكنها انتقلت إلى مجال إدارة الثروات قبل سنوات عديدة.

“لماذا أنا؟” سألت. فشرح لها قائلاً: “هناك العشرات من الخبراء التكنولوجيين، لكنهم بحاجة إلى قائد. أعرف أن الانتقال من منصب مرتبط بالأرباح والخسائر إلى منصب اعتيادي يبدو وكأنه تهميش لك، لكن هذا غير صحيح. فأنا ومجلس الإدارة نريد رئيساً تنفيذياً للتكنولوجيا يمتلك خبرة هائلة في مجال الإدارة وتجربة العملاء، ويتفهم الأهمية الكبيرة للتكنولوجيا المالية (فينتك) بالنسبة لاستراتيجيتنا. وأي شخص يأتي من الخارج سيحتاج إلى وقت طويل حتى يصل إلى المستوى المطلوب”.2

كانت مارتا تعلم أنه ليس هناك إلا مرشح داخلي آخر واحد فقط هو نيلسون ميلون، العضو المنتدب لشؤون الأوقاف والصناديق التقاعدية، وأحد أنجح مدراء الأقسام التجارية في “توب ستريت”. كما كان هو أيضاً التنفيذي الآخر الوحيد المنافس على خلافة زاك في منصب الرئيس التنفيذي. كان نيلسون مشهوراً بنجوميته ولم يكن يخشى من مواجهة أي كان في سبيل الحصول على ما يحتاج إليه هو أو قسمه.

لم يكن أمام مارتا إلا أن تتساءل عما كان سيدور في ذهن نيلسون بخصوص عرض منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا عليه. كان زاك محقاً باعتقاده أنها ربما أفضل من يشغل المنصب. فبما أنها كانت مديرة موهوبة وتمتلك سجلاً حافلاً في تحقيق نتائج مالية قوية للشركة، ونظراً لأنها امرأة ناجحة في منصبها في المراتب التنفيذية العليا، فقد كانت ظاهرة نادرة في عالم الخدمات المالية.

“أنت تمتلكين مهارات التأثير التي يتطلبها هذا المنصب”، قال زاك. “سوف تدفعين المجموعة، وبالتالي الشركة، إلى التغير بسرعة، وهذا ليس بالأمر السهل على الإطلاق. وأنا أعرف أنك “قدّها وقدود”، كما يُقال بالعامية”. توقف لوهلة، ثم وضع شوكته على الطاولة.

“أحتاجك في هذا المنصب يا مارتا”. ابتسمت مارتا وهي تشعر بالسعادة لأنها محط ثقة. ومع ذلك فقد كانت بحاجة إلى التفكير على المدى البعيد. “يجب عليّ أن أطرح السؤال التالي: هل يؤثر ذلك على خطة التعاقب الوظيفي؟”

“سوف تكون نقطة لصالحك وستدعم موقفك” قال زاك. “نحن كنا متأخرين في المجال التكنولوجي، وهذه فرصتنا لتصدّر المشهد. أنت أصلاً نجمة، وإذا ما نجحت في هذه المهمة، فلن يقف في طريق طموحك أي عائق”.

وماذا لو لم أنجح؟ كانت مارتا أذكى من أن تعبّر عن قلقها أمام زاك الذي كان يشجّع موظفيه دائماً على الظهور بمظهر الواثقين من أنفسهم.

“أنا لن أغادر منصبي قريباً”، قال زاك مواصلاً كلامه. “لذلك فإن لديك الوقت الكافي لإنجاز هذه المهمة واستئناف دورك القيادي في مجال الأرباح والخسائر. هذه ستكون عملياً هي الدرجة التي ستنقلك إلى الوظيفة الأعلى مرتبة”.

كانت مارتا متأكدة من أنه يصدّق ما يقوله، لكنها لم تقتنع. “درجة تنقلني إلى الأعلى أم مخرج يُعيدني إلى الوراء”، قالت لنفسها.

السياسة المكتبية

عندما دخلت المكتب صباح اليوم التالي، رأت نيلسون، وكان الشخص الوحيد غيرها هناك. وعندما مرّت أمام بابه، أشار إليها بالدخول.

“ما أخبارك؟” سألت مارتا.

“كنت أريد أن ألقي عليك السلام فحسب”. لم يكن نيلسون معتاداً على كلام المجاملات، لذلك انتظرت لترى ماذا كان دافعه الحقيقي.

“بالمناسبة، تهانينا على تعيينك في منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا. افترض أنك ستتولينه، أليس كذلك؟” بذلت جهداً كبيراً لكي تحافظ على تقاسيم وجهها حيادية. كيف عرف بالأمر أصلاً؟

“المفروض أن أرد على عرض زاك الأسبوع المقبل”، قالت مارتا وهي تحاول تفسير لغة جسد نيلسون.

“بالطبع”، قال وهو يهز رأسه. “أنصحك بقبول المنصب. الجميع يعلم أنه المنصب المثالي بالنسبة لك. وسيكون ذلك هو الوضع الأفضل بالنسبة للشركة”.

حاولت مارتا وهي في طريقها إلى مكتبها فك شيفرة ما حصل للتو. هل عرف بالمنصب لأن زاك كان قد عرضه عليه أولاً؟ هل رفض هو المنصب؟ هل سيكون هناك من يقترح أصلاً أن ينتقل نيلسون الفتى المدلل إلى وظيفة اعتيادية؟ لو كان المنصب هو الخطوة التالية بحق إلى موقع الرئيس التنفيذي، فلماذا يريدها نيلسون أن تشغله؟ هل يعتقد أن هذه الخطوة هي الأنسب للشركة؟3 أم الأنسب لمصلحته؟

نيتهم حسنة

“هو يريدك أن تخرجي من السباق”، قالت أوليفيا إيسكوبار. كانت أوليفيا هي كاتمة أسرار مارتا والشخص الأقرب إليها في المكتب، كما كانت واحدة من العضوات المنتدبات القليلات في “توب ستريت”.

“نعم. نيلسون يسهر على خدمة مصالحه على الدوام”، قالت مارتا.

كانت السيدتان تجلسان في غرفة الاجتماعات الصغيرة الموجودة في مؤخرة المكتب حيث اعتادتا أن تلتقيا عندما يكون لديهما أمر حساس تريدان مناقشته.

“هذه من المرات القليلة التي تقولين فيها “لا، شكراً” و”أنا أقدّر هذه الفرصة تقديراً كبيراً”، وما إلى ذلك من كلام”، قالت أوليفيا. “ومن ثم تعودين بعدها لتصبحين الرئيسة التنفيذية المقبلة”.4

“كان زاك واضحاً من أن الأمر سيحصل في جميع الأحوال، يا ليف”، قالت مارتا.

“هو ربما يعتقد أن ذلك سيحصل، ولكن حالما تشغلين هذا المنصب الاعتيادي، سيكون من الصعب أن تعودي، ولاسيما في هذا القطاع. الرؤساء التنفيذيون يأتون من صفوف الأشخاص المنتجين وليس من صفوف أصحاب المناصب الاعتيادية. انظري إلى ما حصل لكل من باييج وتانيا”. كانت أوليفيا ومارتا قد بدأتا عمليهما كمحللتين ضمن الدفعة ذاتها في بنك استثماري رفيع المستوى. كانت مجموعة يتمتع أفرادها بعلاقات وثيقة وظلوا جميعاً على تواصل. كان زميلهما السابق باييج قد أصبح الآن الرئيس التنفيذي للموارد البشرية في تلك الشركة، في حين تولت تانيا منصب الرئيسة التنفيذية لإدارة شؤون المخاطر في شركة تكنولوجيا متوسطة الحجم. لم يكن أي منهما يبدو غير سعيد في وظيفته، لكن مارتا فهمت وجهة نظر أوليفيا، ألا وهي أنه لن تسنح الفرصة لأي منهما في أن يحصل على الوظيفة العليا في الشركة التي يعمل فيها.

“أنا واثقة أنهما حظيا بمرشدين من ذوي النيات الحسنة مثل زاك ممّن شجعوهما على تولي هاتين الوظيفتين”، قالت أوليفيا وهي تواصل حديثها. “لكن كل ما أخشاه هو أنك تتعرضين للتهميش. فأنت واحدة من أفضل الأعضاء المنتدبين أداءً في هذا القطاع بأكمله. وأنت دائماً ما ترفضين العروض المقدّمة إليك من مكاتب التوظيف. وسيكون من السخف أن تفكري في التخلي عن مسؤولياتك المتعلقة بالأرباح والخسائر وعن استقلالك الذاتي.5 وأي تقدّم تحرزينه مع مجموعة التكنولوجيا سيكون بعرق جبينك. لو كنت رجلاً، لا أعتقد أن الموضوع كان سيُطرح أصلاً”.

“ولكن هل هذا صحيح”، قالت مارتا معترضة. “لو كانت لدى نيلسون ذات المهارات والخلفية الموجودة لديّ، ألم يكن زاك ليطلب منه شغل المنصب؟”

“لكنه لا يتمتع بمهاراتك!”، قالت أوليفيا. “بما أنك امرأة، كنت دائماً مضطرة إلى أن تتمتعي بالكفاءة وأن تكوني محبوبة لكي تمضي قدماً. أما الآن، وبسبب هذا الشيء، يُطلب منك تولي هذا المنصب المحفوف بالتحديات الذي لن تنالي منه لا حمداً ولا شكوراً، في حين سيُسمح لنيلسون أن يستمر في استقطاب الزبائن والأموال النقدية. أنت تعلمين أنه حين سينظر مجلس الإدارة في موضوع خليفة الرئيس التنفيذي، سيسألون عمّن سيكون قادراً على تحقيق الإيرادات واتّباع أسلوب صارم في الإدارة”.

“أعرف أنه من الصعب عليّ الجلوس ومراقبة نيلسون وهو يؤدي دور الفتى المدلل”، أجابت مارتا، “لكنني أثق بزاك. فهو لم يسبق له أن وجّهني إلى المكان الخاطئ من قبل”.

“أعلم أن زاك يريد، ومن صميم قلبه، أن يساعدك على تحقيق مصالحك الفضلى”، قالت أوليفيا. “لكن أصدقاءنا ومرشدينا هم في أغلب الأحيان من يلجمون حركتنا من دون قصدهم. هو حسن النية، لكنه قد لا يقل تحيّزاً عن الآخرين”.6

فسحة للتفكير

في صباح يوم السبت التالي، ذهبت مارتا لتسلق الجبال في حديقة فوتهيلز. كانت بحاجة إلى فسحة معيّنة وبعض الهدوء لكي تفكر في القرار الذي تريد اتخاذه. وبينما كانت تصعد في مسار كويوت الجبلي، راجعت في رأسها الحوارات التي خاضتها في المكتب.

كان صوت أوليفيا هو الأقوى في رأسها. كانت مصرّة على رفض مارتا للعرض. لكن مارتا ذكّرت نفسها أنها بحاجة إلى قبول نصيحتها بشيء من التحفظ. فقد كانت أوليفيا رئيسة لجنة التنوع والمساواة والشمول في الشركة والراعي التنفيذي لمجموعة الموارد المخصصة للموظفات فيها. كانت ترى التحيز المبني على النوع الاجتماعي في كل مكان، ورغم أنها نادراً ما كانت تخطئ في ملاحظتها لهذه الأشياء، إلا أن مارتا لم ترغب في أن تكون وجهة نظر صديقتها مهيمنة.

كانت لا تزال قادرة على الإحساس بصدق زاك وإصراره عندما قال: “أحتاج إليك في هذا المنصب”. فكيف بوسعها أن ترفض طلباً لمرشدها العتيق؟ لم تكن ترغب في تقويض سمعتها لديه ولدى مجلس الإدارة، ما يعرّض فرصتها لأن تصبح الرئيسة التنفيذية في نهاية المطاف للخطر. هل كانت أمام خيارين أحلاهما مر؟

راجعت في رأسها المزايا الإيجابية لتولّي منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا. لا شك أن المنصب سينطوي على تحديات، وسيقتضي منها تعلم الكثير من الأشياء التكنولوجية بسرعة، لكنه يمنحها أيضاً مقعداً على طاولة كبار المدراء التنفيذيين. كما أن إدارة أهم وظيفة في الشركة، ووضع استراتيجيتها، وإدخال التحولات على القسم سيمنحها الفرصة لتميّز نفسها وتستميل أعضاء مجلس الإدارة الذين قد يفضّلون نيلسون أو خليفة من خارج أروقة الشركة إلى صفها.

كانت تعلم أن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن أيضاً. فرؤية زاك ومجلس الإدارة لشركة “توب ستريت” كشركة معتمدة على التكنولوجيا قد لا تكون واقعية. وقد تبذل قصارى جهدها ومع ذلك قد تفشل في الإيفاء بتوقعاتهم. وهذا كفيل أن يخرجها من السباق على منصب الرئيس التنفيذي في شركتها أو في أي شركة أخرى.

توقفت لكي ترتشف القليل من الماء وجالت ببصرها على منطقة خليج سان فرانسيسكو. كانت السماء صافية وكان بوسعها أن ترى لمسافة عدة كيلومترات. فكّرت بينها وبين نفسها قائلة: “أتمنى لو كان بمقدوري أن أرى مستقبلي بهذا القدر من الوضوح”.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”50″ link_color=”#66abe8″ link_style=”button” link_align=”right”]

ملاحظات على دراسة الحالة

  1. في استبيان لبي دبليو سي، يقول 60% من مدراء الأصول والثروات أن جزءاً من نشاطهم التجاري معرّض للخطر بسبب التكنولوجيا المالية (فينتك)، لكن 45% فقط قالوا إنهم قد وضعوها في صميم استراتيجيتهم.
  2. تُظهِرُ دراسة حديثة أنه على الرغم من الرؤساء التنفيذيين الذين يُرقّون من داخل شركاتهم غالباً ما يُبلون بلاء حسناً وينجزون مهمتهم بقدر أكبر من الفاعلية مقارنة بمن يأتون من خارج هذه الشركات، إلا أن المعينين من خارج الشركة أقدر على إدارة مبادرات التغيير وهم يميلون إلى جعل مؤسساتهم أكثر إنتاجية على المدى البعيد.
  3. هل يجب أن تؤثر دوافع نيلسون على اهتمام مارتا بالمنصب؟
  4. ارتفع عدد الرئيسات التنفيذيات للشركات المدرجة على مؤشر “إس آند بي 500” في عام 2020، لكن نسبتهن ما تزال أقل من 8% من مجمل القائمة. وتُظهرُ الدراسات أن الشركات التي تضم نساء في 50% على الأقل من الأدوار التشغيلية الأساسية يحققن عائداً على حقوق المساهمين أعلى بنسبة 19% وسطياً بالمقارنة مع الشركات التي يقودها رجال على الأغلب.
  5. تُبينُّ الأبحاث أنه في الوظائف التي كان الرجال هم من يشغلونها تاريخياً، هناك افتراض أن الرجال يتمتعون بالكفاءة، في حين يتعين على النساء كسب ثقة الآخرين، ما يعني أن مرشحين مثل نيلسون يتمتعون بميزة إضافية في السباقات على تولّي المناصب القيادية.
  6. هل يمكن القول إن زاك يوجّه مارتا نحو منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا لأنه في لاوعيه لا يؤمن بقدرتها على الوصول إلى قمة الهرم؟
[/su_expand]

رأي الخبراء

هل يجب أن تقبل مارتا بمنصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا؟

راكيت روساك أمينواخ (Rakefet Russak Aminoach): شريكة إدارية في شركة رأس المال الجريء “تيم 8” (Team8).

هذه هي الفرصة المثالية لكي تبيّن مارتا لزاك، ولمجلس الإدارة، ولجميع الناس في “توب ستريت” أنها جاهزة لشغل منصب الرئيس التنفيذي.

فبقبولها لهذا العرض، الذي يأتي بطلب شخصي من مرشدها، هي تُظهرُ أنها شخص مستعد للإقدام على خطوة شجاعة ووضع مصالح الشركة أولاً.

التوقيت بالنسبة لها مثالي أيضاً. فزاك لن يغادر منصبه قريباً، ومارتا كانت قد نجحت أصلاً في منصب العضو المنتدب. فهل ستكون أفضل حالاً إذا ما ظلت في مكانها بانتظار مغادرته لمنصبه أم إذا ما واجهت تحدياً جديداً وتركت بصمتها في منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا؟ لا شك في أن كسبها للمزيد من المصداقية والمهارات سيجعلها تظهر بمظهر جيد.

أتفهم السبب الذي يجعل الناس يعتقدون أن الانتقال إلى منصب اعتيادي يخرجها من السباق على منصب الرئيس التنفيذي، فعوضاً عن أن يكون الشخص قادراً على استقطاب الإيرادات والتفاعل مع الزبائن الأساسيين للشركة، يتحول إلى مركز تكلفة فيها. في الحقيقة، لو كان الأمر يخص أي منصب آخر في الإدارة التنفيذية العليا، لربما كان هذا الكلام صحيحاً. غير أن منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا ليس مجرّد أي وظيفة. بل هو وظيفة تسهم في إحداث تحوّل، وخاصة إذا ما أخذنا بالحسبان الوضع الحالي لقسم المعلوماتية في الشركة. فإذا ما تمكنت مارتا من إصلاحه، فإن ذلك سيغيّر قواعد اللعبة. في العام 2021، التكنولوجيا هي العنصر الأهم، الذي يساعد على إحداث أي تغييرات جذرية في المؤسسة.

في يونيو/ حزيران 2019، واجهت قراراً مشابهاً بخصوص مستقبلي. فقد كنت الرئيسة التنفيذية لأحد البنوك لمدة سبع سنوات ونصف السنة، وهي فترة أصبح البنك خلالها صاحب الحصة السوقية الأكبر. كان بوسعي البقاء في منصبي، لكنني كنت قد حققت معظم ما أريد تحقيقه، وأدركت أنني مستعدة للمضي إلى الأمام. لذلك تنحيت عن منصبي واتخذت لنفسي مساراً مهنياً ثالثاً، وهذه المرة وقع اختياري على قطاع التكنولوجيا، حيث أسست شركة التكنولوجيا المالية “تيم 8 فينتك” (Team8 Fintech).

أنصح مارتا بصمّ آذانها عن كل ما يشوّش ذهنها لكي تستطيع اتخاذ القرار. ومن المؤكد أنها يجب أن تتجاهل أي شيء يقوله نيلسون. ولا يهم إذا ما كان يعتقد أن المنصب مناسب لها أو إذا ما كان يريد لها أن تفشل. أما تجاهل نصيحة أوليفيا وزاك، فهو أصعب قليلاً، ولكن يجب على مارتا أن تتذكر أن الأصدقاء والمرشدين غالباً ما يكونون متحيزين بسبب معتقداتهم ومخاوفهم وتجاربهم في الحياة. وحتى لو كانوا يريدون لنا الخير، إلا أنهم ليسوا حياديين. قراري أنا بالتنحي كان نابعاً بصورة أساسية من شعوري الداخلي.

يجب على مارتا أن تفكر فيما تريده. القرار ليس سهلاً. فهي بغريزتها جفلت عندما عرضت عليها الوظيفة، وأنا أتفهم السبب. فخبرتها في مجال التكنولوجيا عفا عليها الزمن نوعاً ما، وهي ناجحة جداً في منصبها الحالي، ما يهيئها لكي تتولى المنصب من زاك. ثم فجأة يأتي زاك ليُخرِجْهَا من منطقة راحتها!

ولكن لو سُئلتُ أنا عن الصفة التي دفعتني لأصبح الرئيسة التنفيذية لمكتب “كيه بي إم جي” (KPMG) بعمر الرابعة والثلاثين، والرئيسة التنفيذية لأحد البنوك بعمر السادسة والأربعين، لكنت قلت إنها عدم قدرتي على البقاء في منطقة راحتي. فإذا ما كانت طموحات مارتا بالضخامة التي تتحدث عنها، فإنها لا يجب أن تبقى في منطقة راحتها أيضاً.

ناديا رولينسون (Nadia Rawlinson): الرئيسة التنفيذية لشؤون الموظفين في “سلاك” (Slack) وهي عضو مجلس إدارة في “فيل ريزورتس” (Vail Resorts) و”جيه كرو غروب” (J. Crew Group).

قبول مارتا بهذا المنصب لا يُعتبرُ خطوة ذكية.

ليس من السهل عليها أن ترفض، ولكن إذا كان هدفها هو أن تصبح الرئيسة التنفيذية لشركة “توب ستريت” أو أي شركة أخرى، فإن هذا ما يجب عليها فعله.

ولكن قبل أن ترفض العرض، يجب أن تحصل على تفاصيل أوضح بخصوص خطة التعاقب الوظيفي. زاك يقول إنها موجودة في السباق إلى المنصب، لكن تعيين الرئيس التنفيذي ليس من اختصاص الشخص المغادر لمنصبه فقط، وإنما القرار النهائي هو في يد أعضاء مجلس الإدارة. وهم قد ينظرون إلى هذه الحركة التي تُقْدِمُ عليها مارتا بطرق عديدة. فقد يرون في منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا محطة في طريق مارتا إلى قمة الهرم، أو قد يرون فيها فرصة تطوير الغاية منها هي تحديد مدى ملاءمتها للمنصب. ومن الوارد أيضاً أنه في حال لم يقع الاختيار عليها لتكون خليفة زاك، فإنهم سيستغلون فرصة الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا كطريقة للاحتفاظ بقائدة قوية ذات تاريخ حافل بالنجاحات.

بما أن مارتا لا تعلم ما الذي يدور في رؤوس أعضاء مجلس الإدارة، فإن خطوتها التالية يجب أن تكون التواصل مع معارفها لتتعرف أكثر على تفاصيل عملية تخطيط التعاقب الوظيفي السابقة عندما اختير زاك لقيادة الشركة. فعندما تعرف كيف كان التعامل مع العملية الانتقالية فإن ذلك سيدلها على الشكل الذي ستتخذه الإجراءات في المرة التالية. يقتضي الوضع المثالي أن تتعرف على التفاصيل من زاك، وأن تتحدث إلى عضو مجلس إدارة مستقل أيضاً. ويُفْتَرَضُ بها أن تكون قد وثقت علاقتها بعدد من أعضاء مجلس الإدارة في منصبها الحالي، وإذا لم تكن قد فعلت ذلك، فهذا يشي بالكثير. رغم أنها قد لا تحصل على إجابات مباشرة، إلا أنها قد تكون قادرة على ربط الخيوط بناءً على التفاصيل التي تحصل عليها من تلك الحوارات بما يساعدها في تكوين فهم أفضل للوضع.

أنا شخصياً لدي تحفظان أساسيان على منصب الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا. أولاً، من الواضح أن التكنولوجيا هي عنصر أساسي في الاستراتيجية المستقبلية للشركة، وأنا لست واثقة ما إذا كانت مارتا جاهزة لتحقيق النجاح في هذا المنصب. فالمعلوماتية ليست من الوظائف التي كان يُنظرُ إليها في السابق على أنها وظيفة هامة، وبما أن مارتا مديرة عامة تمتلك مهارات تكنولوجية عفا عليها الزمن، فهذا يعني أنها تفتقر إلى الخبرة العميقة المطلوبة لقيادة عملية التحول. كما أنها قد تعاني في كسب احترام أقرانها وزملائها في الفريق، ما يجعل التحدي الذي تواجهه أصعب.

ثانياً، من النادر رؤية امرأة تتولى منصباً مسؤولاً له علاقة بالأرباح والخسائر في قسم أساسي في شركة للخدمات المالية، وأنا أنصح مارتا بعدم التخلي عن هذه الورقة بسهولة. نعلم من الأبحاث المتعلقة بموضوع “فجوة العقاب” أن النساء وأصحاب البشرة غير البيضاء يتلقون معاملة مختلفة عندما يتعثرون، وهم يحصلون على فرص أقل للعودة إلى مسارهم. فإذا لم تنجح في منصب الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا، فسيكون من الأصعب عليها العودة إلى ذات المنصب الذي كانت تشغله ويرتبط بالأرباح والخسائر. وعليه فإن الخسارة التي يمكن أن تتعرض لها مارتا قد تكون كبيرة.

التوصية التي أتقدّم بها هي أن تبقى في منصبها الحالي وأن تقدّم المشورة المتعلقة بالتحول التكنولوجي من موقع قوة. ربما يكون العمل مع نيلسون ورئيس تنفيذي جديد للتكنولوجيا فرصة لكي تظهر مهاراتها الدبلوماسية وقدرتها على التعاون، ولكي تبيّن لمجلس الإدارة أنها قادرة على إدارة هذين الشخصين في المستقبل.

لن يمر رفض العرض المقدم من المرشد مرور الكرام. فزاك على الأغلب كان قد استثمر الكثير من رصيده المعنوي للدفاع عن قراره بتعيينها في منصب الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا، لكن هذا الخطر هو من النوع الذي يمكن التعامل معه، وليس سبباً لقبول العرض. وهي يجب أن تقدّم إثباتاً على قدرتها على الإسهام في دعم التحول الحاصل في الشركة في منصبها الحالي.

بالنسبة لكثيرين، سلوك طرق ملتوية إلى القمة هو أمر مقبول. وهم يستطيعون التحلي بالصبر وقادرون على التعامل مع المسألة بنفس طويل. أما مارتا المرأة الناجحة جداً في عالم الأعمال، فإنها ستكون أقرب على الأرجح إلى منصب الرئيس التنفيذي إذا ما بقيت على المسار المستقيم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .