إذا كان عملك يتطلب رفع أحمال ثقيلة، فمن المرجح أن تكون هناك مبادئ توجيهية وقانونية تتّبعها المؤسسة التي تعمل بها لتأمين سلامتك. قد تتناول هذه المبادئ بيئة العمل والأحمال التي يمكنك رفعها، ووتيرة عملك، بما في ذلك فترات الراحة الإلزامية. لكن إذا كان عملك يتطلب جهداً ذهنياً فلا وجود لمبادئ وقواعد واضحة في الغالب. نظراً إلى أن الدماغ لا يتعرّق أو يتألم أو يُظهر أيّ علامات واضحة أو مرئية على الإجهاد، فإننا نفترض في معظم الأحيان أنه لا يتعب أبداً، أو أن بإمكاننا تجاهل تعبه سواء لإنهاء مهمة في الموعد النهائي أو إجراء مكالمة في الساعة الثانية صباحاً على سبيل المثال.
لكن تقنيات تصوير الدماغ تتيح لنا الآن مراقبة مستوى الإجهاد الذهني آنياً، وتكشف أن الدماغ يتعب بسبب الجهد المتواصل مثل العضلات تماماً. وعندما يتعب تقلّ كفاءته ويضعف أداؤه. وكلما طالت مدة عملك دون راحة، زادت صعوبة المهام، وأصبح من الصعب عليك الحفاظ على تركيزك.
وقد كشفت تقنيات تصوير الدماغ أسباب الإجهاد الذهني، كما كشفت جانباً آخر أهم يتعلق بما يمكننا فعله للوقاية من هذا الإجهاد.
ما هي أسباب الإجهاد الذهني؟
يحدث الإجهاد الذهني عندما يستشعر دماغك أن موارده ستنفد إذا استمر في العمل بالمستوى نفسه من الجهد. قد يحصل ذلك عندما تستهلك خلايا الدماغ الموارد بوتيرة أسرع من وتيرة تجددها. يحاول دماغك معالجة الموقف عن طريق صرف انتباهه نحو موضوع آخر، وقد تشعر بذلك عند شرود ذهنك عن المهمة التي تحاول التركيز عليها، وانجذابه نحو عمل أخف وقرارات أسهل.
كل عمل يتطلب جهداً ذهنياً يمكن أن يؤدي إلى الإجهاد، لكن سرعة تعب ذهنك ترتبط بنوعية العمل الذي تنجزه. تشمل العوامل التي تسرّع الشعور بالإجهاد الذهني ما يلي:
- الجهد الذهني الكبير: يشمل حل المشكلات المعقدة أو تعلّم المهارات الجديدة أو العمل المستمر على اتخاذ قرارات ذات مخاطر عالية.
- مقاومة الإغراءات: الاضطرار إلى تجاهل المشتتات طوال الوقت.
- الانتباه المستمر: ولا سيّما في المهام التي تتطلب تركيزاً مطوّلاً دون توقف أو استراحة.
استراتيجيات لزيادة القدرة الذهنية على التحمل
إذا كنت تشعر في كثير من الأحيان بالإجهاد الذهني، فإليك 3 استراتيجيات أساسية قد تزيد قدرتك الذهنية على التحمل وتحد من الإجهاد الذهني خلال اليوم كي تكون أكثر إنتاجية.
خصص أوقاتاً منتظمة للاستراحة
تتميز فترات الراحة بقوة تأثير كبيرة، لذلك من الضروري أن تمنح دماغك بعض الوقت للاستراحة. حين يبدأ الإجهاد الذهني تتراجع كفاءة المسارات العصبية التي تنقل الإشارات عبر مناطق الدماغ، لذلك فالتوقف عن العمل بانتظام لأخذ استراحة هو الحل الأكثر فعّالية لتقليل الإجهاد الذهني وتعزيز كفاءة دماغك من خلال تخفيف العبء عن مواردك الذهنية.
متى يتعين عليك أخذ هذه الاستراحة؟ كلما كان العمل الذهني شاقاً، ظهر الإجهاد بسرعة. في مواقف العمل التي تتميز بالضغط الشديد، مثل تصحيح خطأ قبل إطلاق مشروع ما أو إدارة أزمة، تصبح فترات الراحة القصيرة المنتظمة ضرورية ومهمة جداً، وكأنك تتيح لدماغك أن يتوقف ليلتقط أنفاسه. لذا، فإن التوقف عن العمل 5 ثوانٍ كل دقيقتين يمكن أن يحسّن أداءك بدرجة ملحوظة. وعموماً إذا كنت تنجز عملاً ذهنياً شاقاً مثل صناعة القرارات أو تحضير عرض تقديمي، فاحرص على أخذ استراحة كل 20 دقيقة. وفي المهام التي تتطلب تركيزاً شديداً مثل قراءة تقرير أو تحليل الكثير من البيانات، يبدأ مستوى الأداء بالتراجع بعد العمل مدة تتراوح ما بين 60 و100 دقيقة. والأفضل ألا تتعدى مدة العمل بين فترات الراحة 90 دقيقة. كما أن فترات الراحة القصيرة التي تقل عن 10 دقائق، مفيدة لك إذا كنت بحاجة إلى الحفاظ على زخم الأداء. وعندما يتعلق الأمر بعمل أكثر إرهاقاً للذهن فإن فترات الراحة الأطول، التي تتجاوز مدتها 10 دقائق، ستساعدك في الحفاظ على قدرتك على التحمل.
لكن أخذ الاستراحة لا يعني شغل دماغك بشيء آخر يرهقه؛ كي تستريح فعلاً تجنّب أي شيء له علاقة بالعمل، كما أن ممارسة نشاط مريح مثل تمارين الإطالة أو اليوغا أو جولة مشي قصيرة، قد يكون منعشاً لطاقتك أكثر من الاستراحة السلبية التي لا تبذل فيها أي جهد بدني. بل إن مجرد المشي مدة 10 دقائق قد يساعدك على تجديد طاقتك الذهنية، فهذه التمارين تصرف انتباهك عن العمل وتوجهه نحو كل ما يتحرك حولك. وإذا كان بالإمكان، فاحرص على أخذ قيلولة مدتها 15 دقيقة في بداية فترة بعد الظهر، إذ تُظهر الأبحاث أن هذه العادة قد تحسّن الأداء المعرفي طوال الساعتين اللاحقتين.
احصر مدة العمل المكثف في 4 ساعات يومياً
لا تثقل يومك كله بمهام مرهقة تتطلب جهداً كبيراً. على سبيل المثال إذا كان عملك يتطلب جهداً ذهنياً شاقاً مثل التعلم السريع للتقنيات الحديثة، أو استكشاف الأخطاء وإصلاحها فوراً فحاول حصر مدة العمل في 4 ساعات. فالعمل مدة أطول من ذلك يمكن أن يؤدي إلى إجهاد ذهني قد يستمر حتى اليوم التالي، ويمنعك من استرداد عافيتك وطاقتك كما يجب.
لإدارة هذا العبء، حاول أن تنظم عملك في فترات زمنية من 90 دقيقة، تمزج خلالها بين مهام صعبة مثل تحليل بيانات تقرير معين أو إنهاء وحدة تعليمية، وأنشطة سهلة لا تتطلب جهداً كبيراً مثل الرد على الرسائل الإلكترونية أو قراءة تقرير أو ملء جدول زمني.
استعن بالمحفزات للحفاظ على أدائك الذهني
إذا فشلت كل الحلول الأخرى، بإمكانك استخدام المكافآت للحفاظ على جهدك الذهني وأدائك، حتى عندما تشعر بالتعب. فعندما يجعلك الإجهاد الذهني تشعر أن عملك يتطلب جهداً أكبر، يمكنك استجماع المزيد من الطاقة الذهنية من خلال جعل هذا الجهد مجدياً ومستحقاً للعناء. وأبسط طريقة لتحقيق ذلك هي خلق حافز معين. إذا كنت تعلم مثلاً أن لديك يوماً حافلاً بالعمل الذي يجب أن تنهيه، فإن تخصيص مكافأة ملموسة لنفسك في آخر اليوم، مثل مشاهدة فيلم أو مقابلة صديق، قد يساعدك على إنجازه. كما أن التطلع إلى قضاء عطلة نهاية أسبوع مريحة مباشرة بعد تسليم عمل مهم في موعده النهائي يمكن أن يساعدك على الاستمرار في العمل على الرغم من الإجهاد. إن تحفيز نفسك من خلال مكافآت مثل هذه، يساعدك في الحفاظ على أدائك على الرغم من شعورك بالإجهاد. قد يستمر شعورك بالتعب لكن دماغك يمكن أن يستجمع جهداً إضافياً كي تحافظ على أدائك.
نظراً إلى أن الإجهاد الذهني ظاهرة غير مرئية، فمن السهل أن تنسى وجوده حتّى يبدأ ضرره بالتأثير في أدائك أو صحتك ورفاهتك. لذلك يساعدنا فهم الإجهاد الذهني باعتباره خطراً مهنياً وأخذ بعض التدابير الاستباقية للوقاية منه على الاندماج في مشهد العمل المعرفي السريع التطور وتسخير زخمه لمصلحتنا.