"كاثرين، هل بإمكانك توضيح ذلك لنا؟".
أُحب هذا المشهد من فيلم "شخصيات مخفية" (Hidden Figures) الذي تم إطلاقه في العام 2017، حيث يتم وضع كاثرين، التي قامت بأداء دورها تاراجي هينسون، في موقف محرج من قبل رئيسها في العمل (كيفن كوستنر)، وذلك داخل غرفة مليئة بمسؤولين رفيعي المستوى في وكالة ناسا، وجميعهم من الرجال. إذ يُطلب منها أن توضّح رياضياً كيف يمكن العودة بكبسولة جون غلين من مدارها في الفضاء باتجاه الأرض.
تحتوي هذه اللحظة على جميع عناصر سرد القصة الكلاسيكية – إذ يحدث شيء غير متوقع؛ شيء مربك وغير مريح - ومن ثم تصبح تلك اللحظة التي لا تُنسى درساً يتعلمه كل مشاهد يَقظ.
تَفرض كاثرين نفسها من خلال استعراض عبقريتها في الرياضيات، التي لم تكن لتظهر للموجودين ما لم تكن قد وُضعت في ذلك الموقف.
في معظم المؤسسات، أن تكون محطّاً للأنظار في غرفة الاجتماع ليس بالأمر الطبيعي، وينظر إلى تلك اللحظة على أنها يمكن أن تكون محرجة أو على الأقل غير مريحة، ولكن إذا تعرضت لذلك الموقف – فليس بالضرورة أن تسمح لتلك المشاعر بالسيطرة عليك، بل يمكنك أن تجعل منها فرصة تنتهزها لتخلق انطباعاً إيجابياً عنك.
كشفت الأبحاث التي أجرتها شركة جوجل حول فرق العمل التي تتميز بأدئها العالي أنّ هنالك عاملين أساسيين دائماً ما يكونان موجودان على الدوام في اجتماعاتهم: ألا وهما مشاركة الجميع والسلامة النفسية. إنّ دعوة أعضاء الفريق للمساهمة في النقاش (حتى ولو بدا الأمر محرجاً لهم) هو أمر بالغ الأهمية لإشراك الجميع، وطالما أنّ أعضاء الفريق يناقشون موضوعاً هاماً ويكونون متيقظين جداً عندما يتحدث شخص ما، فإنّ الجميع سوف يشعر بالطمأنينة.
وبدلاً من أن تأمل بألا يتم وضعك في ذلك الموقف المحرج من قبل رئيسك في العمل أو الشخص القائم على الاجتماع، استعد لتُلاقي فرصتك غير المتوقعة في التألق؛ وإليك هنا استراتيجيات القيام بذلك.
- استعد جيداً لكل اجتماع. إذا كان منظّم الاجتماع قد أرسل المحاور الأساسية التي سيتم مناقشتها في وقت مبكر؛ فاطلع عليها قبل الاجتماع وتمعّن جيداً في كل موضوع، وقم بتدوين أي سؤال لديك وأي نقطة تود طرحها. ومن الأفضل أن تقوم بذلك قبل بدء الاجتماع، ولكن يمكنك أيضاً تدوين الملاحظات أثناء المناقشة طالما أنّ ذلك لا يمنعك من الاستماع الجيد، سيساعدك ذلك على ترتيب أفكارك طالما أنك متيقظ لكل ما يقال.
- ثق بنفسك. لا تصرف النظر عن أفكارك باعتقادك أنها غير متصلة بالموضوع أو أنها غير هامة، غالباً ما تكون أفكارك وأسئلتك وآراؤك مميزة أكثر مما تتصور، فأنت الشخص الوحيد في هذا الاجتماع الذي يتميز بذلك المزيج المعين من المؤهلات والخبرات والالتزامات والاهتمامات. ليس بالضرورة أن تكون فكرتك لامعة، حيث يمكنك التأثير بالآخرين طالما أنك صادق مع نفسك؛ بمعنى آخر، إذا كنت تقدّر أفكارك الخاصة؛ فإنّ ذلك سينعكس على الآخرين.
- اعتذر عن الإجابة إذا لم يكن لديك شيء قيّم لتضيفه. إذا تم طلب مشاركتك وكنت تشعر أنه ليس لديك شيء ذو قيمة للإدلاء به، فلا بأس في الاعتذار طالما أنك تقوم بذلك بطريقة صحيحة. مجرد ذكرك لعبارة "كل شيء تمام"، يمكن أن تفسر بسهولة على أنك غير مهتم أو أنك لم تستعد للاجتماع، عوضاً عن ذلك، قم بذكر شيء مما تم طرحه وقل شيئاً مثل "شكراً على السؤال، لقد تم ذكر ما أفكر فيه من قبل الآخرين"، أو "شكراً على مشاركتي في ذلك، ما تم ذكره يفي بالغرض".
- ابدأ الحديث ببطء. في حال كان قرارك هو أن تجيب على طلب المشاركة، تريّث قليلاً، ثم تحدث ببطء ووضوح، ففي كثير من الأحيان عندما نجد أنفسنا محطّاً للأنظار؛ فإننا نشعر بالتوتر ونتحدث بسرعة كبيرة؛ لا بأس في أن تأخذ نفساً عميقاً قبل البدء بالحديث.
- قم بهيكلة تعليقاتك. أعلم الفريق بما ستذكره. قد تقول، "أملك ملاحظة واحدة وسؤالاً واحداً" أو "لدي ثلاث نقاط لأتكلم عنها تهم أعضاء الفريق"، ستساعدك هذه الطريقة في تنظيم أفكارك وتجعلك أقل احتمالاً للتشتت والخروج عن الموضوع.
- اسمح لنفسك بالتفكير بصوت عالٍ، عندما يكون ذلك مناسباً. نظراً لأنه تم وضعك في موقف غير متوقع، فأنت بالتأكيد لن يكون لديك فكرة لامعة، إلى جانب ذلك، التفكير بصوت عالٍ هو أسلوب خلّاق وغير دقيق في الوقت نفسه. أعلم الفريق بأنّ ما ستقوله لن يكون مُنسقاً؛ قد تقول، "هناك شيء أريد التعبير عنه، ولكن ما أفكر فيه ليس واضحاً تماماً بعد، وإذا استمعتم إلي جيداً فإنني سأجد التعبير المناسب".
- استعن بإجابات محددة. من المفيد إعداد جملة معينة من الإجابات، إذ يمكن للعبارات والأسئلة التالية أن تساعدك على تجنب التعرض لموقف محرج:
"هل يمكنك أن توضّح أكثر ما تقصده؟": إذا لم تكن متأكداً مما طُلب منك التعليق عليه، فاطلب التوضيح، ففي سياق الحديث قد تظهر لديك إجابات مباشرة أكثر وذات صلة، لا تلجأ إلى هذه العبارة لغاية كسب الوقت؛ بل استخدمها في حال كنت بالفعل تريد معلومات أكثر قبل أن تجيب.
"ليس لدي معلومات عن هذا، سوف أزودك بها بحلول الساعة الواحدة ظهراً": عندما لا يكون لديك أي إجابة، لا تقدم أعذاراً، بل كن صادقاً في التصريح عن ذلك، ولكن حدد وقتاً لتزويد الآخرين بها للإشارة إلى أنك لن تماطل في القيام بذلك.
"هذا ما استخلصته من هذا النقاش": قد يُطلب منك توضيح موقفك من مسألة أو قرار ما، وبدلاً من الاكتفاء بالموافقة، أوجز ما لفت انتباهك؛ فإنّ السماح للآخرين بمعرفة القيمة التي تلقيتها من النقاش يؤكد صحة ما تم طرحه وتدعم مساهمات الآخرين، نادراً ما يقوم الأشخاص بذلك؛ لذا فهو أمر مُقدّر فعلاً.
"أعتقد أنّ فكرتك واضحة، لكنني أرى الأمر بشكل مختلف، هل تسمح لي بإبداء الرأي؟": عندما لا توافق مع ما تم طرحه، يجب أن تعبّر عن ذلك بكل وضوح، لكن من المجدي أن تعرض ملاحظاتك بطريقة تساعد الشخص الآخر على سماع وجهة نظرك. تشير هذه العبارة إلى دعمك، وتبين "الصواب والخطأ" في النقاش، وتقلّل من احتمال الخوض في مواقف دفاعية.
"على الرغم من تفضيلي لاتباع نهج مختلف، إلا أنني سأدعم ذلك تماماً": في بعض الأحيان، قد تُسأل عما إذا كنت تؤيد قراراً تمت مناقشته، من السهل أن تقول "نعم" إذا كان هذا هو التوجه الذي تتفق معه، ولكنك تحتاج أحياناً إلى أن توافق على قرار لست مقتنع به تماماً.
"هل أجبت على سؤالك؟": بعد الإجابة، من الجيد التحقق من استيفاء توقعات السائل من خلال هذا السؤال البسيط والمهذب. ففي النهاية، يَحدث أن تسيء فهم طلب شخص ما، أو تقدم إجابة ليست ذات صلة في حال كنت تفكر بصوت عالٍ، أو تكون الإجابة غير مكتملة في محاولة للإيجاز.
تحدث بعض أجمل اللحظات عندما يضع شخص ما ثقته بك وتكون على المستوى المطلوب، قد لا يكون السؤال عن رأيك في اجتماع ما بمثابة لحظة تغيّر حياتك، ولكن عندما يطلب الآخرون منك طرح وجهات نظرك وأفكارك وأسئلتك، فإنها دائماً ما تكون فرصة - ليس فقط لإضافة قيمة معينة، بل لجعل الناس يلاحظون فطنتك وبراعتك.