كيف تهيئ مؤسستك للتكيّف مع سلبيات الاستراتيجية الجديدة؟

6 دقائق
الأولويات الاستراتيجية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: غالباً ما يكون مآل استراتيجيات الشركات الفشل، وغالباً ما يُعزى فشلها إلى تغييرات غير متوقعة في السياق. لكن معظم حالات الفشل تلك هي نتيجة تحديات متوقعة، ونتيجة تجاهل دائم لعامل مهم، ألا وهو دور الخسارة وتأثيرها. إذ غالباً ما تؤدي الأولويات الاستراتيجية الجديدة إلى خسائر حتمية عند تغيّر أوضاع الموظفين كفقدان القوة أو الكفاءة أو الهوية. وعادة ما تحتفي الشركات بالمكاسب وتتجاهل الخسائر، وتتعامل مع مهمة تنفيذ الاستراتيجية على أنها تحدٍ تقني مباشر. لكن عليها بدلاً من ذلك اعتبار مهمة التخطيط الاستراتيجي تحدٍ قيادي تكيفي يساعد المؤسسات على التعامل مع الحقائق الجديدة والتحسّر على الخسائر بوعي. ويجب على القادة إعداد عملية تخطيط استراتيجي تكيفية من خلال: تعزيز “البيئة الداعمة”؛ وتخصيص موعد رسمي لمناقشة الخسائر؛ وتحديد هوية المجموعات المتضررة وماهية الخسائر لكل أولوية استراتيجية.

 

لماذا تفشل الاستراتيجيات المؤسسية دائماً؟ لطالما حيّر هذا السؤال المسؤولين التنفيذيين والمدراء، لكن من المؤكد أن السبب لا يعود إلى ضعف التخطيط.

في الواقع، يقضي قادة الشركات ساعات لا تحصى في التفكير في استراتيجياتهم ومناقشتها والتخطيط لها. ومع ذلك، أفاد حوالي ثلثي المسؤولين التنفيذيين في الدراسات التي أُجريت مؤخراً بأن عملية التخطيط لا تُفضي بالضرورة إلى استراتيجية قوية. وعندما استكشفنا أسباب ذلك، أفاد المسؤولون التنفيذيون بأن فشل المبادرات الاستراتيجية عائد إلى تغييرات غير متوقعة في السياق التنافسي، كالأحداث والتوجهات الكبيرة المفاجئة. لكننا توصلنا من خلال بحثنا وعملنا مع الشركات الكبيرة والصغيرة الحجم في جميع أنحاء العالم إلى نتيجة واضحة، ألا وهي مبالغة الشركات في التذرع بحجة عدم القدرة على التنبؤ. على العكس من ذلك، وجدنا أن المؤسسات عادة ما تفشل في توقع التغييرات التي يمكن التنبؤ بها وتجاوزها، لا سيما التحديات المستمرة والمتكررة. ولاحظنا حتى وجود عامل مهم يتجاهله واضعو القرارات الاستراتيجية عند صياغة استراتيجياتهم وتنفيذها، ألا وهو الدور الحاسم للخسارة وتأثيرها.

الأولويات والخسائر الخفية

لاحظنا وجود علاقة ترابطية قوية بين فشل المبادرات الاستراتيجية وما نطلق عليه “الأولويات والخسارة الخفية”. سيولّد العمل على أولويات جديدة كبيرة العديد من الخسائر؛ حيث سيجري تخفيض عدد إدارات المؤسسة وتسريح بعض الموظفين وإلغاء بعض الوظائف والتخلي عن القيم والتقاليد تحت مسمى التقدم. وعادة ما تحتفي الشركات الكبرى التي تحاول تنفيذ المبادرات الاستراتيجية بالمكاسب وتتجاهل الخسائر، وتتعامل مع مهمة تنفيذ الاستراتيجية على أنها تحدٍ تقني مباشر. وذلك خيار مريح تختاره؛ فهو يخلق وهماً بأن التغيير الاستراتيجي يمثّل صفقة رابحة لها: بمعنى أنها لن تتكبد أي أضرار، ولن تتخلف عن الركب.

لكنه وهم محفوف بالمخاطر، وحتى خطِر. وتتضمن عملية التخطيط الاستراتيجي في أفضل حالاتها محادثات مستنيرة حول مستقبل المؤسسة، ما يسفر عن وضع خطة تعكس الأولويات الجديدة أو تُعيد ترتيب الأولويات القديمة. لكن نجاح أي استراتيجية يتوقف على تحديد المسؤولين التنفيذيين الخسائر التي ستواجهها المؤسسة في السعي وراء تحقيق أولوياتها الجديدة وفهم ماهيتها وتخصيص الوقت والجهد والطاقة والأموال اللازمة لها. ويمكن اعتبار التخطيط الاستراتيجي بذلك تحدٍ تكيفي، بحسب ما وصفه رون هيفيتز ومارتي لينسكي وألكسندر غراشو، ما يساعد المؤسسة على التعامل مع الحقائق الجديدة والتحسّر على الخسائر بوعي.

ويمكن مقارنة هذا التحدي “التكيفي” بالعمل “التقني” الذي تكون العوامل فيه محددة ومعروفة ويواصل فيه الموظفون العمل وفق نفس الأنظمة والظروف. وذلك يعني أن تتضمن عملية التخطيط الاستراتيجي جميع الأدوات وأطر العمل التي تساعد الفرق والمؤسسات على التعامل مع الخسائر التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من أداء العمل التكيفي، وأن يجري إشراك الموظفين وتعريفهم بالحلول التي ستُدمج في التزاماتهم وسلوكياتهم.

التعامل مع الخسائر المباشرة وغير المباشرة

تتطلب الأولويات الاستراتيجية الجديدة تغييرات مؤسسية. وجميعنا نتبنى التغيير عندما نؤمن بأهميته لنا؛ لكن ما نقاومه عادة هو الخسارة. وعادة ما يكون الخوف من الخسارة الكامن وغير المُفصح عنه السبب وراء الجمود المؤسسي والمقاومة. لذلك، من الضروري في أي عملية تخطيط استراتيجي فهم العلاقة بين الأولويات الجديدة التي يتطلبها السياق والخسائر التي قد تتكبدها المجموعات المختلفة ضمن المؤسسة عند التعامل مع تلك الأولويات.

قد تكون بعض أنواع الخسائر واضحة ويمكن تحديدها ومعالجتها بسهولة. على سبيل المثال، تكون قضايا الخسائر المباشرة المتعلقة بالسلطة والمال والمكانة والتطلعات المهنية والاستقلالية بارزة في عمليات التخطيط للمحادثات. بينما تكون قضايا الخسائر في الكفاءات مخفية. وقد يُثير الخوف من التعامل مع المطالب المؤسسية الجديدة قلقاً كبيراً. وقد تكون مشاعر الضيق المرتبطة بتلك الخسائر الحقيقية أو المتصورة للكفاءة مشابهة لتلك الناجمة عن الخسائر المباشرة أو تتجاوزها في الحدة حتى. وما زلنا نذكر قول أحد المدراء في أحد البنوك الكبرى: “بلغت الخمسين من عمري وما زلت أجهل ما إذا كنت قادراً على تطوير المهارات اللازمة لتجاوز التغييرات المستقبلية”. لا أحد يحب أن يبدو شخصاً غير كفء. ومع ذلك، تتطلب التحديات التكيفية كلاً من التجريب وتعلم كفاءات جديدة. كما أنها تتطلب التحمّل خلال الفترات الصعبة من حالات عدم اليقين الناجم عن نقص المعرفة والمهارات ذات الصلة. على سبيل المثال، يخلق التحوّل الرقمي في قطاع الصيرفة خسائر تمثّل عقبة كبيرة في وجه أولئك الذين عملوا في هذا القطاع لسنوات عديدة.

ويعتبر فقدان الولاء من الاعتبارات الجادة الأخرى. وفي الواقع، لا يمكن لأحد أن يعيش بمنأى عن الآخرين. وجميعنا نكنّ ولاءً لأولئك الذين يشاركوننا قيمنا أو اهتماماتنا أو تاريخنا. فإذا كنت تمثّل أصدقاءك أو زملاءك في العمل، فذلك يعني أنهم يتوقعون منك الدفاع عن قيم ووجهات نظر معينة. وقد يُسفر الإخلال بتلك التوقعات عن عواقب وخيمة، خاصة فيما يتعلق بالهوية والإحساس بالانتماء. فالخوف من تقوّض الثقة يعيق إجراء محادثات مفتوحة حول ماهية العمل الحقيقي المطلوب، كما أنه يقوض التقدم في الأولويات الاستراتيجية.

ولا توزّع هذه الخسائر بالتساوي، كما أن تأثيرها على المجموعات يتفاوت في النوع والحجم، وهو ما يفسر المستويات المختلفة للالتزام والمقاومة للأولويات. والخبر السار هو إمكانية توقع أولويات جديدة في مواجهة السياق المتغير وإمكانية توقع الخسائر التي ستولدها تلك الأولويات.

تطوير عملية تخطيط استراتيجي تكيفية

قد يُفيد فهم العلاقة بين الأولويات والخسائر فرق الإدارة العليا على جعل عمليات التخطيط الاستراتيجي أكثر فعالية في تعزيز التعلم والتغيير. وإليكم 3 خطوات يمكنكم اتخاذها لتسهيل ذلك:

تعزيز البيئة الداعمة.

تُمثّل البيئة الداعمة مساحة آمنة تتيح للمسؤولين التنفيذيين التحدث بشكل صريح حول ماهية الأمور التي يجهلونها والأمور التي يحتاجون إلى تعلمها وماهية المجالات التي يجب تعزيز القيم المثلى فيها. من جهة أخرى، قد تقلّ فرص التعلم الحقيقي دون وجود بيئة داعمة، ويصبح من الصعب تشكيل استراتيجية مناسبة مع مجموعة مترابطة من الأولويات.

وقد لا تتمكن من خلق بيئة داعمة مثالية أبداً، لكن يمكنك تنميتها لتصبح بيئة جيدة. وذلك يتطلب الإيمان أولاً بقدرتك على مواجهة التحديات الحقيقية وتلبية المطالب المرتبطة بها بعناية، ثم وضع بعض الحدود الزمانية والمكانية. فإدراك أهمية حل بعض المشكلات خلال فترة زمنية ومساحة معينة يساعد على التركيز وإحكام السيطرة. أخيراً، عزز الارتباط العاطفي. على سبيل المثال، لا يعرف الأشخاص الذين عملوا في فريق الإدارة لسنوات إلا القليل عن تاريخ أقرانهم وآمالهم ومخاوفهم، مقارنة بما قد تعتقد. وقد يصعّب هذا الانفصال العاطفي إبداء الضعف، ويقوّض بالتالي التقدم في نهج التعلم الجماعي. وتتمثل إحدى طرقنا المفضلة لتعزيز البيئة الداعمة في تخصيص وقت لمشاركة القصص الشخصية. وندعو المدراء قبل تلبية احتياجات شركاتهم إلى تعرف بعضهم على بعض من خلال مشاركة بعض الجوانب الشخصية من ماضيهم وحاضرهم.

خصص اجتماعاً رسمياً لمناقشة الخسائر.

تذكر أن الأنظمة، بما فيها المؤسسات، تمتلك القدرة على التعامل مع جميع أنواع التحديات، التحديات التي يمكنها تحديدها فقط. في حين ستظهر التحديات التي تفشل في تحديدها في شكل مقاومة. لذلك، يجب على القادة جعل مهمة تحديد التحديات خطوة أو هدفاً رسمياً. ويجب أن تنتقل المحادثة في أثناء مناقشة الأولويات والاتفاق عليها من العناصر التحليلية البحتة للاستراتيجية إلى تحديد هوية الأشخاص المسؤولين عن تنفيذ القرارات التي تنبثق من عملية التخطيط المركزة وإدارتها وتحمل عواقبها. قد يكون بعض أولئك الأشخاص ضمن فريق الإدارة العليا ومرؤوسيهم المباشرين. وبالتالي، فإن اعتبار الاستراتيجية عملاً من أعمال التكيف يضفي صفة الإنسانية عليها، ما يمكّن الفرق من مراعاة احتياجات أولئك الذين يحتاجون إلى المشاركة في تحقيق التغيير الاستراتيجي ومراعاة مخاوفهم. قد تكون هذه الخطوة صعبة، لكنها خطوة مريحة وغير مقيّدة، خاصة عندما تتبنى طرح أسئلة فضولية وتمارس الاستماع الفعّال.

حدد المجموعات المتضررة والخسائر لكل أولوية استراتيجية.

ارسم صورة أو مخططاً مختلفاً لكل أولوية استراتيجية في المنتصف وحدد المجموعات المتأثرة بها باعتبارها جزءاً من مرحلة التنفيذ. وحلّل مستوى التحدي التكيفي المطلوب لكل مجموعة، وطبيعة مساهمتها، وماهية العناصر التي يجب التركيز عليها، والعناصر التي يجب التخلي عنها لأنها تقيّد نموها. لكن تذكر أنك قد لا تمتلك فهماً كاملاً لما توحي به تلك الجوانب بداية.

على سبيل المثال، إذا تمثّلت إحدى أولوياتك الاستراتيجية في “تسريع التحول الرقمي”، فاكتب هذه المبادرة وسط الخريطة وحدّد 5 أو 6 مجموعات أو وحدات أساسية تعتقد أنها الأكثر تأثراً بالتحوّل. وضع قائمة لكل مجموعة بوجهات النظر المعتنقة فيما يتعلق بالمبادرة والقيم التي تكمن وراء وجهات النظر تلك. ثم قيّم مدى التزام المجموعة وماهية الخسائر المرتبطة بالقدرة والولاء والخسائر المباشرة التي يجب مواجهتها. وإذا كنت تمثل السلطة العليا للمؤسسة، فلا تنسَ تضمين نفسك في تلك الخريطة. ما الخسائر التي عليك الإقرار بها؟ وما المهارات التي عليك تنميتها؟

أخيراً، حافظ على قربك من الموظفين طوال العملية وقدم الدعم الشخصي لهم. ولا يعني ذلك حل مشكلات الموظفين، على الرغم من أنك قد ترغب في ذلك بالفعل. إذ قد لا تكون قادراً كقائد على حل بعض المشكلات الفنية التي يتطلبها التغيير الاستراتيجي، لكن تذكّر أن العمل الحقيقي يتطلب التكيّف. وأن الأولويات الاستراتيجية تتطلّب تعلماً منهجياً وفردياً مركزاً. وبالتالي، لا بد من مواجهة المخاوف وإعادة تعريف القيم المتجذّرة وتغيير السلوكيات والمواقف. باختصار، يجب أن يكون الأشخاص الذين يواجهون التحدي جزءاً من الحل.

ويمكنك مساعدة موظفيك من خلال اعتبار عملية التخطيط الاستراتيجي تدخّلاً قيادياً. قد لا يكون تبني منظور تكيفي أمراً سهلاً، لكنه سيكون أكثر رعاية وفعالية في النهاية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .