الأمومة تحسّن الإدارة والعكس صحيح أيضاً

3 دقائق

منذ 10 أو 15 عاماً لم يعد يشعر من يعمل منا في الشركات بالحرج من الحديث عن التوازن بين العمل والحياة كمسألة تتعلق بممارسة الأعمال، ولم يعد مستغرباً أن نناقش تحويل مكان العمل إلى بيئة أكثر إنسانية، وأصالة، ورأفة، أو أن نعتبر العمل نشاطاً يستحق العاطفة والمشاعر وحتى الحب.

جعلتني تجربة الأمومة أدرك مدى الهدر وتبديد الخبرات الذي يسببه ضعف تلك التأثيرات المتبادلة بين عالمي العمل والمنزل. تؤثر هويتنا بدورنا آباء في المنزل على تصرفاتنا في العمل. والمهارات التي نتعلمها من تربية الأطفال يجب أن نطبقها في أعمالنا، والعكس بالعكس.

ولأنني باحثة نظرت إلى دوري بصفتي أماً من زاوية تشبه مقاربتي للموضوعات البحثية، وامتلكتني رغبة حقيقية وفضول لفهم جميع تعقيدات ذلك الدور. لذا، عملت على قراءة كتب عن الأبوة والأمومة، وتحدثت إلى آباء آخرين لأتعلم من خبراتهم (وأنا أفكر في عقلي البحثي أن ذلك يعني إجراء المقابلات معهم)، وحضرت ورش عمل متعلقة بذلك، وكنت ألاحظ في كل ذلك مدى فعالية (أو عدم فعالية) مناهجي المختلفة لتربية الأطفال، على عكس معظم المدراء يبدي الأطفال ردود فعل سريعة جداً ومباشرة على منهجي في تربيتهم.

لا يزال بحثي مستمراً، لكنني ألخص في القسم التالي، 3 مهارات تعلمتها من تجربة الأمومة ساعدتني في عملي:

التكيف مع التغيير. بصفتي أماً، أجد نفسي أتكيف باستمرار مع الأوضاع الجديدة. يطرح "فريق العائلة" تحديات جديدة عليّ باستمرار من "مشاكل الآباء". تماماً مثلما لا تسير الأمور في العمل على الوتيرة ذاتها مطلقاً. فإن رحلتنا في عالم الأبوة تنتقل من مرحلة إلى أخرى ونحن نواكب أطفالنا يتعلمون كلماتهم الأولى، ويمشون خطواتهم الأولى، ويكونون الصداقات، ويواجهون خيبات الأمل. وفي اللحظة التي تشعر فيها أنك تسيطر على الأمور وكل شيء في يديك تتفاجأ بأن الوضع يتغير سريعاً، فتحدث طفرة نمو جديدة أو تصل إلى نقطة انعطاف تطورية، وعليك أن تجيب عن أسئلة جديدة فجأة.

ويمنحنا التعامل مع هذه الحالات الفجائية المتكررة قدرة أكبر على تطوير قدراتنا الديناميكية، وتعلمنا تربية الأطفال كيف نصبح أكثر تكيفاً مع التغيير، وأكثر قدرة على التعامل معه. ويفرض علينا الأطفال القبول بأن الاستقرار أمر غير طبيعي، وأن الاستعداد الدائم للتعامل مع حالة عدم اليقين وتقبّل التحديات اليومية الجديدة سيجعلنا أبوين أفضل. وبينما ينمو أطفالنا، تنمو قدراتنا معهم. وتتيح لنا هذه العملية من الأبوة التفكير بعمق والتكيف مع أطفالنا، والتعلم من أخطائنا أحياناً، وهي المهارات ذاتها التي تمثل الثروة التي يملكها المحترفون في عالم الأعمال اليوم.

احترام السلامة النفسية كضرورة إنسانية عامة. كم مرة تفكر في بذل جهد لجعل زملاء العمل يشعرون بالأمان؟ قد لا تفعل ذلك كثيراً إذ كنت مثل معظم الناس، أما إذا كنت أباً أو أماً فكم مرة تسعى لجعل أطفالك يشعرون بالأمان؟ إذا كنت مثل معظم الآباء، فأنت تفعل ذلك يومياً.

بصفتنا آباء، نسعى لخلق بيئة تتيح للأطفال التعلم والنمو، فنطرح عليهم مسائل جديدة، ونشعرهم بالأمان لاستكشاف العالم، وطرح الأسئلة والتعبير عن مخاوفهم. وكلما استطعنا إيجاد بيئة إيجابية مفتوحة للأسرة، تتعزز علاقتنا بأطفالنا أكثر.

وفي وضع مشابه، عندما ندخل المكتب، فإننا نواجه واحدة من أصعب مهام الإدارة، وهي إدارة العلاقات، فكلما كانت البيئة التي نوفرها لفريقنا أكثر انفتاحاً وأماناً من الناحية النفسية، زادت ديناميكيته. وكلما استطعنا تبني عقلية منفتحة تجتهد في رعاية زملائنا أو مرؤوسينا، بنينا روابط أقوى معهم. نحن نسعى بكل قوتنا إلى تعزيز صلابة أطفالنا وقدرتهم على إيجاد الحلول المناسبة لهم، كذلك نستطيع فعل الشيء نفسه لأعضاء فريق العمل لدينا. ويعني هذا إيجاد ثقافة عمل تحتل فيها السلامة النفسية رأس الأولويات، ويشعر فيها زملاء العمل بالطمأنينة والاستعداد للإفصاح عن هواجسهم واحتياجاتهم وأفكارهم.

تأمل النفس وتحسينها المستمر. تعد مهمة الأبوين من أصعب المهام في حياة البشر. فساعات العمل فيها مستمرة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ولكنها مهمة تمنحنا غالباً الرضا عن النفس. وكما يحفزنا تولي أي مسؤولية ويتحدانا، فإننا نريد أن نعطي أفضل ما عندنا لتنفيذها. لكن بينما قد نشكك في مهاراتنا في تربية الأطفال أو في العمل، فإننا قد نعاني أيضاً من مشكلة عدم القدرة على تخطي مسألة الشك الذاتي.

ومثلما يفعل مدربو القيادة، يشجعنا خبراء الأبوة ليس فقط على النظر بعين ناقدة إلى منهجنا الأبوي، لكن أيضاً إلى التعلم من أخطائنا وردود فعل أطفالنا. إن الأبوة الحقيقة، مثل القيادة الحقيقية، تدعونا إلى أن نكون صادقين مع قيمنا، ومنفتحين على ردود الأفعال، وخبراء في الاستماع للآخرين، ومستعدين لتبني أساليب جديدة.

وتمثل هذه النقطة الأخيرة ما تعتمد عليه فكرة "الآثار المتبادلة الإيجابية" بين الأبوة والعمل. لتحقيق تلك الآثار المتبادلة الإيجابية علينا التفكير بعمق في كيفية العمل ومن نحن في كلا المجالين. إذا لم نشكك في نجاعة أساليبنا الحالية لتنفيذ الأمور، فلن نتمكن من التعلم، أو التطور.

يمثل أطفالنا الحكام الأفضل والأكثر صدقاً لتقييم أدائنا مباشرة وبثقة عالية. يجب علينا أن نفكر بعمق فيما يعلمنا ذلك لنصبح قادة أفضل، وبإمكاننا استخدام ما نتعلمه في العمل لنصبح آباء أفضل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي