كيف يمكن للأمل أن يصنع الفرق في عملك ومؤسستك؟

5 دقيقة
الأمل

قال الساخر توم ليرر ذات مرة: "توقع الأسوأ دائماً، وسيرى الناس أنك تعرف كل شيء".

أدلى ليرر بهذه الملاحظة على سبيل السخرية، لكن بعض القادة يتعاملون مع أفكار مماثلة على أنها حقائق ثابتة ومن المعروف أن الرئيس التنفيذي لشركة إنتل أندرو غروف، لطالما أشاد بالقادة الذين يركزون باستمرار على الأخطاء المحتملة خلال تطور شركاتهم.

عادة ما نولي اهتماماً شديداً بما يقوله مثل هؤلاء على الصعيدين الشخصي والمهني. فالسلبية تجذب الانتباه، إذ ثبت مثلاً أن كل كلمة سلبية ترد في عناوين الأخبار تزيد النقرات على الخبر بنسبة 2%. كما أن التركيز على الأحداث السلبية يفهم عادة على أنه دلالة على الذكاء؛ فقد أظهرت إحدى الدراسات الموثوقة أن المراجعات النقدية للكتب صنفت على أنها أذكى من المراجعات التي تنطوي على الإطراء، وفي دراسة أخرى طُلب من المشاركين إظهار كفاءتهم في مخاطبة الآخرين، فكتبوا كلمات لاذعة في الرسائل الإلكترونية التي أرسلوها وابتعدوا عن اللهجة الإيجابية. وبالنظر إلى مثل هذه السلوكيات، تقول الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال تيريزا أمابيل:

"يوحي التشاؤم بالعمق في حين يوحي التفاؤل بالسطحية".

عندما تركز المؤسسات على الأخطاء المحتملة، يساعدها ذلك بكل تأكيد على البقاء في دائرة الأمان، وبالنظر إلى مفهوم جهاز كشف الدخان، تمثل الإنذارات الكاذبة ميزة في نظام الدفاع ضد التهديدات لدينا لا عيباً، فهي قد  تكتشف تهديدات لا وجود لها، لكن ذلك يرجع إلى حساسيتها العالية التي تسمح لها برصد التهديدات الحقيقية، ومن الناحية التطورية فقد ساعدنا السلوك الدفاعي المبالغ فيه على البقاء.

لكن تبني موقف دفاعي على الدوام قد يحد من قدراتك، تخيل ما يحدث للاعب كرة القدم الذي يخاف خلال المباراة ويصب تركيزه على تجنب الخسارة، فالتركيز على مجال محدود بهذه الطريقة سيحد من إبداعه ويمنعه من اكتشاف الفرص، وقد يتجنب الخسارة فعلاً لكنه لن يحقق نتائج مبهرة.

يوفر الأمل حصناً منيعاً ضد هذا السلوك الدفاعي الذي يعوق التقدم، وإذا اغتُنم بطريقة ملائمة فسيكون دعماً كبيراً لنجاح المؤسسة. قد يرى معظم الناس أن هذه الفكرة مفرطة في التفاؤل أو غير واقعية لأنهم يخطئون في فهم مفهوم الأمل.

ما هو الأمل؟

أظهرت العلوم السلوكية أن الأمل يعزز النتائج الإيجابية للأفراد والمؤسسات وهذه هي الأسباب:

الأمل أكثر فعالية من التفاؤل

إذا كنت متفائلاً، فإنك تؤمن بأن المستقبل سيكون طيباً، فالأشخاص المتفائلون سعيدون وراضون وينتظرون غداً مشرقاً بصبر. أما الأشخاص الذين يتحلون بالأمل فهم يؤمنون أن الغد قد يكون أفضل لكنهم يؤمنون أيضاً أن للأفعال دوراً كبيراً في ظل حالة عدم اليقين. أي أن التحلي بالأمل لا يعني تخيل النتائج الإيجابية فقط، بل التحلي بالإرادة اللازمة لتحقيق النتائج المنشودة ووضع خطة واضحة لذلك.

يضع من يتحلى بالأمل خطة للمستقبل المنشود ويعمل على تحقيقها، ولذلك فإنه أكثر فعالية من الشخص المتفائل. أظهرت دراسة أن الأمل يمثل مؤشراً تنبؤياً لأداء طلاب الحقوق، لكن التفاؤل ليس كذلك، وأظهرت دراسة أخرى أن المسؤولين التنفيذيين في شركات فورتشن 100 الذين يتحلون بالأمل يعملون بفعالية أكبر ويقدمون حلولاً إبداعية أكثر للمشكلات مقارنة بالمسؤولين التنفيذيين الذين يتحلون بمستوى أقل من الأمل، بصرف النظر عن مستوى الذكاء.

الأمل يخلق حلقة من التأثيرات الإيجابية في العمل

يعمل الأفراد المفعمون بالأمل بجد ويتبنون منظوراً واسع النطاق، وقد أظهرت دراسة تجميعية أجريت على أكثر من 11 ألف موظف أن الأمل يعزز الرفاهة والمعنويات الإيجابية في العمل، كما أنه يخلق حلقات من التأثيرات الإيجابية بين الزملاء؛ أظهرت دراسة أجريت في عام 2024 أن العاملين الذين تلقوا الدعم، خاصة من المشرفين عليهم، كانوا أقدر على وضع خطة واضحة لتحقيق النتائج وأحسنوا استثمار هذه القدرة، ما عزز التزامهم تجاه المؤسسة ومد يد العون إلى زملائهم أكثر.

يفتقر العديد من أماكن العمل إلى هذا اللطف خاصة عندما تنطلق المناقشات من تحيزات سلبية. اكتشفنا في المختبر الذي أسسته أن الأفراد يتحدثون عن الأفراد الأنانيين أكثر بثلاث مرات من حديثهم عن الأفراد الذين يمدون يد المساعدة، ويثير انتشار هذا النوع من الأحاديث في العمل مواقف دفاعية لدى الموظفين ويخلق فتوراً بينهم، ما يدفعهم إلى الاحتفاظ بالمعرفة لأنفسهم بدلاً من مشاركتها مع الآخرين، وإذا كان الكثير من الموظفين يركزون بصورة مفرطة على تحديد التهديدات الخارجية وتجنبها، فقد يخلقون عن غير قصد بيئة داخلية ضارة.

الأمل مهارة يمكن اكتسابها

قد يبدو الاحتفاظ بالأمل في بعض الثقافات صعباً، لكنه مهارة مثل أي مهارة أخرى يمكن لأي شخص وأي مجموعة تعلمها بالممارسة. هناك صورة نمطية عن الأمل في ثقافتنا العامة وهي أنه نوع من السذاجة ومحصور بأشخاص يتمتعون بظروف معينة ويمثل خطراً حتى، لكن الأمل في الحقيقة أداة مفيدة في خلق أفكار مبتكرة وإيجاد سبل لتحقيقها، وإذا استثمرت المؤسسة الأمل من خلال التوفيق بين رؤية موظفيها وإرادتهم فستتمكن من تنفيذ أفضل استراتيجياتها الطموحة بفعالية.

استراتيجية الأمل

لطالما ركز الباحثون على تعزيز الأمل لدى الأشخاص الذين يواجهون الشدائد، مثل الطلاب المحرومين أو المرضى الذين يعانون أمراضاً مزمنة، لكن الرؤى التي تقدمها هذه الأبحاث قد تساعد المؤسسات أيضاً، فأنا أستفيد منها مثلاً عندما أعمل مع القادة لخلق ثقافات مفعمة بالأمل، وأطلب منهم على وجه الخصوص اتباع هذه الخطوات الثلاث:

1. ضع أهدافاً ترتكز على القيم المشتركة

عندما أجريت استطلاع رأي بين طلاب الجامعات والفرق الطبية والمسؤولين التنفيذيين حول قيمهم، أفاد المشاركون أنهم يتوقون إلى التواصل مع أقرانهم ومساعدتهم لكنهم لا يعرفون إذا كان هذا الشعور متبادلاً. تميل المجتمعات إلى التداخل أكثر مما نتصور، وإذا كان الأمل يرتبط بوجود هدف، فالأمل على مستوى المؤسسة يرتبط بوجود أهداف مشتركة، ومن ثم يمكن للقادة تعزيز الأمل في المؤسسة من خلال تذكير الأفراد بهذه الأهداف. على سبيل المثال كان بيان رسالة شركة باتاغونيا (Patagonia) كما يلي: "هدفنا الأساسي هو الحفاظ على كوكبنا"، وهي تركز على القيم التي تتوافق مع قيم الموظفين.

2. ابتكر سبلاً لتمكين الموظفين

قد يكون مستوى الأمل منخفضاً لدى الموظفين خاصة في الشركات الكبيرة لأنهم يشعرون بأنهم مقيدون، ولذلك فإن الأمل يزداد لديهم عندما تكون لديهم قدرة على التأثير في مستقبلهم، وهو أمر يمكنك مساعدتهم فيه من خلال تفويض المهام المهمة وتخفيف القيود الإدارية مثلاً. تستخدم شركة جوجل قاعدة الـ 20% المعروفة، حيث تمنح بعض الموظفين يوماً كل أسبوع لاستكشاف أفكارهم، وعلى الرغم من أن الشركة لم تقيم تأثير هذه المبادرة في مستوى الأمل، فالاستقلالية التي توفرها تعزز مبادرة الموظفين إلى تحديد الأهداف والسعي إلى تحقيقها؛ وهما عنصران رئيسيان للأمل. ويمكن للقادة أيضاً اتباع نهج يركز على الجانب النفسي من خلال تذكير الأفراد بالجوانب التي يمكنهم التحكم بها، مثل تسليم منتج في الوقت المحدد أو اكتساب مهارة تقنية، أو التواصل على نحو أعمق مع الفريق.  المهم هو اتخاذ منظور مزدوج: الوعي بالقضايا الأوسع مع تنمية الأمل من خلال التركيز على جوانب حياتك وعملك التي تتمتع باستقلالية فيها، وتنمية الشعور بالسيطرة.

3. احتفل بالتقدم

تتفاقم مشاعر اليأس تدريجياً، فعندما يتوقع الأفراد الأسوأ  تتقلص الثقة بينهم ويتعاملون مع مهامهم بسلبية، وعندما تسوء الأمور يزداد التشاؤم ويترسخ، لكن بناء الأمل ممكن إذا تصرفنا بطريقة صحيحة. تتمثل إحدى طرق تعزيز الشعور بالفعالية والإرادة في الانتباه إلى التقدم المحرز والاحتفال به، فتركيز الأفراد على انتصاراتهم وكيف تمكنوا من السيطرة على حياتهم المهنية، يعزز شعورهم بالقدرة على التأثير في حياتهم مستقبلاً.

يشكل التشاؤم والخوف جزءاً من تفكير الإنسان لأنهما بمثابة حارسين يحميانه من الأسوأ، لذا فهذه المشاعر ضرورية. ولكن عندما نخلط بينها وبين الحكمة ونسمح لها بالسيطرة على ثقافتنا فإننا نخسر فرصاً لا حصر لها. لا شك في أن المستقبل يحمل عقبات، ولكن القادة المفعمين بالأمل هم القادرون على رسم مسار أفضل لتجاوزها.  وإذا استندت استراتيجياتك إلى الأمل؛ ليس التفاؤل الساذج بل الإيمان الواعي بالأهداف والعمل المشترك المدروس، فسوف تتمكن من قيادة مؤسستك نحو النمو والترابط والابداع؛ فالأمل يسمح لك بتخيل مستقبل أفضل ويساعدك على بنائه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي