تصميم مكاتب لا تنازل فيها عن الأمان مقابل الخصوصية

5 دقائق

نرغب نحن أخصائيي التصميم الداخلي في جعل العالم مكاناً أفضل. قد يعتقد البعض أننا نفعل ذلك عن طريق تجميل الأماكن، ولكن عندما يتعلق الأمر بتصميم المكاتب يزداد تركيزنا على كيفية التأثير في سلوك الموظفين من خلال تصميم المساحات. وهدفنا هو تشجيع السلوك الجيد والحد من السلوك السيئ.

ولكن أصبح هذا الهدف شديد التعقيد في عصر ما بعد حركة "#أنا أيضاً" (MeToo#)، إذ تزايدت تساؤلات الموظفين عن أمور مثل: كيف يمكننا إنشاء مساحات عمل آمنة للجميع؟ هل من الممكن أن يساعد تصميم المساحة على الحد من التحرش وغيره من التجاوزات السلوكية في العمل؟ نطرح في هذا المقال عدة أسئلة نفكر فيها في عملنا في التصميم الداخلي، كما يفكر فيها من يهتمون بإنشاء مساحات عمل آمنة للموظفين أيضاً.

متى تتجاوز الخصوصية الدرجة المقبولة؟

يمكن أن تكون الخصوصية جيدة وسيئة في آن واحد. فمن جهة، نريد أن يحظى الموظفون بمكان عمل هادئ كي يتمكنوا من أداء عملهم بفاعلية، وقضاء شؤونهم دون الشعور بأنهم مكشوفون أكثر مما ينبغي (كإجراء اتصال هاتفي حرِج مع عيادة الطبيب مثلاً). ومن جهة أخرى، يمكن أن تتسبب الخصوصية المبالغ فيها في شعور الموظفين بأنهم غير آمنين.

على سبيل المثال، موظف يعاني من تعليقات الآخرين المهينة. إذا تلقى الموظف هذه التعليقات في مكان لا يمكن لأحد آخر سماعها فيه، سيشعر بالقلق من عدم وجود شاهد على تعرضه لهذه الإهانات، لأنه لا أحد سيصدقه. وسيحرص كل موظف على عدم التواجد مع هذا الشخص وحده في أي مكان بعدها، ولكن ماذا لو كان المكان يحول دون ذلك؟

أخبرتنا الدكتورة آناليزا إنرايل، المدرسة في جامعة جنوب كاليفورنيا (USC)، أنه "نظراً لقلق الجميع من التحرش في مكان العمل" فإنها تفكر في تصميم أماكن عمل لا يشعر الموظفون فيها أنهم محتجزون، أو لا يمكن محاصرتهم فيها. فمن الممكن على سبيل المثال وضع مخرجين في مساحة العمل المشتركة كغرف النسخ والمخازن وغرف تناول الطعام، أي المساحات التي يمكن أن تتسبب الخصوصية الشديدة فيها بالأذى لأحد الموظفين.

وعادة ما تكون المكاتب الخاصة هي أكثر الطرق فاعلية لتحقيق الخصوصية البصرية والصوتية للموظف، ولكن يجب التفكير بدرجة هذه الخصوصية. إذ يمكن أن يشعر مدير تنفيذي بالقدرة على الإنتاج في مكتبه الواسع المغلق، ولكن كيف يكون شعور مرؤوسيه المباشرين في الاجتماعات الفردية معه إذا لم تكن هناك إمكانية رؤية داخل هذا المكان المغلق ولو بقدر ضئيل؟ إذا كان ذلك الموظف يتساءل: "هل أنا بأمان هنا؟" فإلى أي مدى سيكون واثقاً ومنتجاً أو قادراً على التعبير عن نفسه؟ تظن الدكتورة آناليزا إنرايل أن هذا أحد الأسباب التي تدفع بعض الموظفات النساء لتفضيل إجراء الاجتماعات الفردية مع التنفيذيين في مكان مفتوح يمنحهن شعوراً بشفافية أكبر وتراتبية أقل.

عند تصميم الأماكن المغلقة، يمكن أن يساعد توفير الشفافية البصرية في تخفيف التوتر المحتمل عند عقد اجتماع مع شخص ما أعلى رتبة في مكان مغلق مع الحفاظ على الخصوصية الصوتية في الوقت ذاته. التصوير الفوتوغرافي من "أولستيل" Allsteel.
تستفيد غرف المشاريع المشتركة من وجود عدة جدران زجاجية لأنها لا تسمح بوجود أي زوايا مخفية. التصوير الفوتوغرافي من "أولستيل" Allsteel.

هل يمكن أن تكون الشفافية البصرية الزائدة سيئة؟

الإجابة باختصار هي: نعم. سمعنا جميعنا الشكاوى بشأن المكاتب المفتوحة ذات التصميم السيئ حيث تكون الخصوصية بأدنى درجة، ويكون الزملاء قادرين على رؤية وسماع بعضهم بعضاً عندما يأكلون أو ينامون أو يسعلون أو يجرون محادثات بصوت مرتفع، فضلاً عن مقاطعة بعضهم بعضاً. لذلك يمكن لهذه المساحات تقليص التركيز والإنتاجية، كما أنها تعطي شعوراً بانعدام الأمان.

كما يمكن لكثير من الشفافية البصرية أن تجعل الموظفين يشعرون بأنهم مكشوفون وضعفاء. تخيل أن يتلصص أحد من الموظفين على زميله ويراقبه، ففي مكان العمل الذي تكون جدرانه شفافة، لن يكون هناك مكان للهرب. هل سيشعر الموظف في هذا الوضع أنه من الملائم تقديم شكوى عن زميله الذي يحدق به طوال اليوم؟.

تشرح دايان روغرز، وهي مهندسة في شركة "آي أيه سان فرانسيسكو" (IA San Francisco)، أن تصميم المكتب يكون من خلال التوازن بين الانفتاح والدرجة المناسبة من الخصوصية. تقول: "نحن نرى عدداً أقل من الجدران في أماكن العمل ونعتمد على الأثاث لإضافة المزيد من الخصوصية للموظفين كي يتمكنوا من العمل عندما يحتاجون للخصوصية البصرية (انظر الصورة أدناه). "يحتاج الموظفون إلى أماكن يحصلون فيها على الخصوصية عندما تغلبهم عواطفهم أو يحتاجون إلى إجراء مكالمة هاتفية خاصة جداً".

يمكن تحقيق الخصوصية البصرية مع وضع قطع الأثاث وتنظيمها على نحو استراتيجي.  التصوير الفوتوغرافي من "أولستيل" Allsteel.

إذاً، في رأيك، ما الدرجة المناسبة من الشفافية البصرية في مؤسستك؟ تقول ليا بور، مديرة التصميم الداخلي في شركة "آتش دي آر" (HDR): "أعتقد أن طريقة التصفيف ناجحة جداً. وهو تقدُّم مدروس من المساحات الخاصة إلى المساحات شبه الخاصة إلى المفتوحة".

ويكمن السر في امتلاك تنوع كافٍ يلبي احتياجات الجميع. إذ تشمل المساحات الخاصة كلياً الحمامات وبعض الغرف الخاصة وغرف الاستجمام التي يمكن إقفالها. ويمكن تقديم الخصوصية العملية عن طريق المكاتب التي تحتوي على نوافذ مطلة على المساحة المفتوحة أو وجود عارضة بجانب الباب أو بوضع زجاج مغطى كلياً أو جزئياً لقاعات الاجتماعات وغرف الهواتف، بحيث يكشف وجود شخص في الداخل دون أن يبدي تعابير وجهه.

تكون بيئات العمل المرنة مصممة لدعم راحة المستخدم وتشجيع التعاون والابتكار، ولكنها تتطلب اتباع سياسات وتدريبات تحدد السلوك الملائم في جو أقل رسمية. التصوير الفوتوغرافي من "أولستيل" Allsteel.

هل بإمكان جو العمل المرن تشجيع الموظفين على عدم اتباع القوانين؟

تهدف شركات كثيرة في القطاعات التقليدية كالمحاماة والمصارف إلى جعل أماكن العمل لديها أقل رسمية، لتتضمن طاولات كرة الطاولة (بينغ بونغ) أو أجهزة ألعاب الفيديو التي تشجع على التواصل والتفاعل المستمرين بين الموظفين. ليس من الغريب أن نرى مساحات اجتماعية تبدو كالمقهى كما هو مبين في الصورة. يقول المنطق إنه إذا شعر الموظفون براحة أكبر فعلى الأرجح أنهم سيتشاركون الأفكار.

ولكن عندما يبدو العمل وكأنه مجموعة من التفاعلات غير الرسمية، ويُمضي الموظفون ساعات طويلة في المكتب، فمن المحتمل أن يحتاج الموظفون لتوجيه أكبر فيما يتعلق بما يلائم مكان العمل وما لا يلائمه. تقول الدكتورة آناليزا إنرايل: "تتماشى السياسات والممارسات والتدريبات جنباً إلى جنب مع تصميم مكان العمل. إن جميع الإجراءات المتبعة لأوقات ما بعد ساعات العمل أو ما قبلها هي سياسات مهمة يجب التفكير فيها بالتوافق مع الأمان، كالأشخاص المسموح بتواجدهم في المكان، وما إن كان مسموحاً ببقاء شخص بمفرده في المكان خارج أوقات العمل".

ويقول جيف لايتنر، وهو مبتكر مقيم سابق في جامعة جنوب كاليفورنيا (University of Southern California) حيث كان يدرس القوانين الاجتماعية: "إن القوانين الاجتماعية تفوق كل ما يمكن للمصممين فعله فيما يخص المساحات وما يمكن للقادة فعله فيما يخص السياسات". مثلاً، قد تقول إحدى الشركات إن لديها سياسة تمنع العمل قبل الساعة 6:00 صباحاً وبعد الساعة 7:00 مساءً، ولكن قد يكون هناك قانون اجتماعي غير مكتوب يقول إنه في الواقع يمكنك العمل في أي وقت تريده لأن "الجميع يفعل ذلك". ربما كانت رغبتك في العمل لوقت متأخر بريئة، ولكن عدم الالتزام بالسياسات قد يفتح الباب لبيئة غير آمنة محتملة.

ونحن ندرك جيداً أن التصميم الداخلي لن يمنع التحرش بالكامل، كما لن تمنعها السياسات المتبعة أيضاً. ولكن اتخاذ التدابير الوقائية لمنع التحرش والإساءات في أماكن العمل هو أمر يجب أن نركز عليه جميعاً وأن نسخّر مهاراتنا الفريدة لتنفيذه. وهو بالنسبة إلينا عمل في التصميم، ونحن ملتزمون بطرح أسئلة على أنفسنا وعلى عملائنا من شأنها أن تساعد في إنشاء بيئة عمل صحية وآمنة للجميع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي