تنتشر الألقاب في بيئة العمل الحديثة بكثرة، مثل لقب "جاك النيوترون" (Neutron Jack) الذي اشتهر به الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك، جاك ويلش، ولقب "كيت العظيمة" (Kate the Great) الذي اشتهرت به الرئيسة التنفيذية السابقة لصحيفة واشنطن بوست، كاثرين غراهام. وفقاً لبحثنا الأخير، فإن نحو 9 من كل 10 بالغين في الولايات المتحدة اشتهروا بلقب يخاطبهم به الآخرون أو أنهم لاحظوا شخصاً آخر يخاطبه الآخرون باستخدام لقب معيّن. لكن كيف يؤثر استخدام الألقاب في تجربة الموظفين في العمل؟
عندما نتحدث عن الألقاب، فإننا لا نعني تغيير أسماء الآخرين من باب التودد، مثل "حمادة" بدلاً من "أحمد" أو "نوارة" بدلاً من "نور". فاللقب هو تسمية تُطلق على الشخص من غير اسمه للتعريف أو التشريف أو الذم، يكتسبها بناءً على صفة تُنسب إليه وتشكّل هوية جديدة له، ومن أمثلته "حكيم أوماها" (The Oracle of Omaha) الذي اشتهر به وارن بافيت أو لقب "راعي البقر الفضائي" (Space Cowboy) الذي اشتهر به إيلون ماسك.
وقد أظهرت الدراسات أن استخدام الألقاب الودية يمكن أن يكون وسيلة رائعة لتعزيز العلاقات الشخصية، مثل تلك التي بين الأصدقاء أو الأزواج. لكن يتسم العديد من العلاقات المهنية بالتراتبية الهرمية الواضحة؛ إذ يتمتع أحد الطرفين بسلطة أكبر من الطرف الآخر، ولم يحدد الباحثون بعد كيفية تأثير هذا التفاوت في السلطة على مواقف الأفراد تجاه استخدام الألقاب في مكان العمل.
لذلك أجرينا سلسلة من التجارب التي شملت أكثر من 1,100 شخص بالغ في الولايات المتحدة لاستكشاف آثار استخدام الألقاب في العمل، وطلبنا من المشاركين أن يتخيلوا أنهم تولوا وظيفة جديدة، ثم قسمناهم إلى 4 مجموعات:
- أخبرنا أفراد المجموعة الأولى بأن الموظفين في شركتهم يطلقون على مديرهم لقب "الباندا" لأنه يرتدي دائماً بدلة سوداء وبيضاء مثل دب الباندا.
- وأخبرنا أفراد المجموعة الثانية بأن مديرهم يطلق اللقب نفسه على أحد الموظفين، لأنه يرتدي دائماً بدلة سوداء وبيضاء.
- أما أفراد المجموعة الثالثة، فقد أخبرناهم بأن الموظفين يخاطبون مديرهم باسمه الرسمي.
- في حين أخبرنا أفراد المجموعة الرابعة بأن مديرهم يخاطب أحد الموظفين باسمه الرسمي.
ومن أجل ضمان عدم تأثير النوع الاجتماعي على نتائجنا، أخبرنا أيضاً بعض المشاركين بأن المديرة امرأة وأخبرنا البعض الآخر بأن المدير رجل.
بعد وصف هذه السيناريوهات، طرحنا على المشاركين سلسلة من الأسئلة المصمّمة خصوصاً بهدف تقييم شعورهم بالأمان النفسي والقوة والاحترام في مكان العمل هذا، ووجدنا أن استخدام الألقاب في العمل يمكن أن يحمل آثاراً إيجابية في بعض الأحيان، لكن ليس دائماً.
استخدام الألقاب بنية حسنة ليس جيداً دائماً أو سيئاً دائماً
أشارت نتائج بحثنا إلى أن المشاركين الذين أخبرناهم بأن مديرهم يخاطب أحد الموظفين باللقب الذي أطلقه عليه كانوا يشعرون بمستوى أقل من الأمان النفسي والقوة والثقة والاحترام في العمل مقارنة بالمشاركين الذين أخبرناهم بأن مديرهم يخاطب أحد الموظفين باسمه الرسمي. في المقابل، أفاد المشاركون الذين أخبرناهم بأن الموظفين يخاطبون مديرهم باستخدام اللقب نفسه بأنهم شعروا بمستوى أعلى من الأمان النفسي والقوة والثقة والاحترام مقارنة بالمشاركين الذين أخبرناهم بأن الموظفين يخاطبون مديرهم باسمه الرسمي.
من خلال التعمق في البيانات أكثر، وجدنا أن هذه التأثيرات كانت ناتجة عن اختلاف تصورات المشاركين حول نزعة المدير للتعاون والعمل الجماعي واهتمامه بالفريق. عندما أخبرنا المشاركين بأن الموظفين يخاطبون مشرفهم باستخدام لقب معيّن، قالوا إنهم شعروا بأن هذا المشرف يبدو أكثر تركيزاً على احتياجات أفراد الفريق ومصالحهم. في المقابل، عندما علم المشاركون أن مديرهم يخاطب أحد الموظفين باستخدام لقب معيّن، رأوا أن المدير أقل اهتماماً بالفريق وبالعمل الجماعي، ما أدى إلى اعتقادهم أن مكان العمل سيكون أقل أماناً من الناحية النفسية.
وجدنا أيضاً أن ثقافة المؤسسة القائمة على التراتبية الهرمية لها دور حاسم في تحديد أثر استخدام الألقاب. في دراسة إضافية لاحقة، أخبرنا نصف المشاركين بأن احترام التراتبية الهرمية والالتزام بها أمر بالغ الأهمية في شركتهم، في حين أخبرنا النصف الآخر بأن الشركة لا تعتمد على التراتبية الهرمية بدرجة كبيرة. ثم قسّمنا المشاركين مرة أخرى إلى 4 مجموعات:
- أخبرنا القسم الأول بأن الموظفين في هذه الشركة كانوا يطلقون على مديرهم لقب "كابوتشينو"، لأنه يشرب الكثير من قهوة الكابوتشينو.
- وأخبرنا أفراد المجموعة الثانية بأن مديرهم كان يطلق اللقب نفسه على أحد الموظفين، لأنه كان يشرب الكثير من قهوة الكابوتشينو.
- أما أفراد المجموعة الثالثة، فقد أخبرناهم بأن الموظفين يخاطبون مديرهم باسمه الرسمي.
- في حين أخبرنا أفراد المجموعة الرابعة بأن مديرهم يخاطب أحد الموظفين باسمه الرسمي.
ثم سألنا المشاركين الأسئلة نفسها عن شعورهم بالأمان النفسي والقوة والاحترام في مكان العمل هذا، ووجدنا أن أثر استخدام الألقاب كان أقوى بكثير لدى المشاركين الذين أخبرناهم بأن مكان العمل يتسم بدرجة أكبر من التراتبية الهرمية. في المقابل، عندما وصفنا مكان العمل بأنه يعتمد على الهيكل التنظيمي المسطح أو غير الهرمي وأنه يتميز بالمساواة بين الجميع نسبياً، أصبح أثر استخدام الألقاب أقل بكثير، أو يمكننا القول إنه اختفى تماماً.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للمدراء؟ يشير بحثنا إلى عدة دروس مستفادة ونصائح عملية للقادة والمؤسسات:
1. من المقبول استخدام الألقاب لمخاطبة المدير
أولاً، تشير نتائج بحثنا إلى أنه يجب على المدراء والقادة عدم منع الموظفين من استخدام الألقاب لمخاطبتهم. على الرغم من أن المدراء قد يفضّلون منع استخدام الألقاب خوفاً من الظهور بمظهر غير مهني أو التقليل من قيمتهم، فإن أبحاثنا تظهر أن ذلك قد يؤدي إلى ظهور المدير على أنه غير ودود وغير اجتماعي بحيث لا يمكن التواصل معه. في الواقع، تُظهر أبحاثنا أن تشجيع الموظفين على استخدام الألقاب هو وسيلة رائعة يمكن أن يستخدمها المدراء لإرسال رسالة مفادها بأنهم يرون أنفسهم جزءاً من الفريق، ما يؤدي إلى إنشاء بيئة عمل تتسم بالمساواة والشمول بدرجة أكبر.
على سبيل المثال، فكر في كيفية تأثير الألقاب على مشاعرك تجاه بعض القادة والشخصيات المهمة، مثل رئيس مجلس إدارة شركة رينتوكيل إينيشال (Rentokil Initial) ورئيسها التنفيذي السابق، كلايف تومسون، الذي يشتهر بلقب "السيد 20%" (Mr. 20 Percent)، ومؤسس شركة تينسنت (Tencent) ورئيسها التنفيذي، ما هواتنغ، الذي يشتهر بلقب "بوني ما" (Pony Ma)، والمستشارة الألمانية السابقة، أنجلا ميركل التي اشتهرت بلقب "موتي" (Mutti) الذي يعني "الأم". عندما يسمح شخص يشغل منصباً رفيعاً أو يتمتع بسلطة قوية للآخرين بمخاطبته باستخدام لقب معيّن، فإنه يبدو بذلك أكثر تواضعاً وقرباً ممن يحيطون به. لكن تذكّر أن الألقاب يجب أن تنشأ بصورة عفوية وطبيعية ولا يمكن فرضها؛ إذ إنه من المحتمل أن يؤدي إجبار الناس على استخدام لقب معيّن إلى نتائج عكسية.
2. تجنب استخدام الألقاب عند مخاطبة الموظفين
في المقابل، يجب على المدراء والقادة توخي الحذر عند استخدام الألقاب لمخاطبة مرؤوسيهم. قد تعتقد أن الأمر كله مجرد مزاح، لكنّ بياناتنا تُظهر أن استخدام الألقاب الودية حتى إن كان ذلك بنيّة حسنة يمكن أن يحمل آثاراً سلبية.
نظراً لأن العلاقات المهنية تنطوي عادةً على تفاوت في السلطة، فإن إطلاق لقب على الموظف يمكن أن يؤدي إلى ظهور المدير وكأنه يسيء استخدام سلطته، وبالتالي قد يبدو أقل اهتماماً بالآخرين وبالعمل الجماعي، ما يؤثر سلباً على رفاهة الفريق وراحته النفسية. الأسوأ من ذلك، هو أن الموظفين يعتمدون عادةً على مشرفيهم لتقييم أدائهم والحصول على الترقيات، لذلك، قد يترددون في التعبير عن عدم ارتياحهم أو اعتراضهم على استخدام لقب ما لمخاطبتهم، ما يزيد صعوبة حل المشكلة. بناءً على ذلك، يجب على الشركات وضع سياسات واضحة وتدريب المدراء على استخدام الألقاب بطريقة مناسبة.
3. احرص على مراعاة ثقافة مؤسستك
تبيّن لنا أيضاً أن الآثار السلبية الناجمة عن استخدام الألقاب لمخاطبة المرؤوسين المباشرين كانت أوضح في المؤسسات التي تتميز بثقافات تعتمد بشدة على التراتبية الهرمية. لذلك، من المهم مراعاة التفاصيل الدقيقة في ثقافة مؤسستك ومعاييرها الفريدة قبل اتخاذ قرارك بشأن النهج الذي ستتبعه في التعامل مع الألقاب. على سبيل المثال، تشجع شركة علي بابا (Alibaba) موظفيها صراحةً على استخدام الألقاب لأنها ترى أنها تمثّل جزءاً من جهودها المستمرة للحفاظ على بنية تنظيمية وإدارية مسطحة، بما يتماشى مع فكرة أن الألقاب قد تكون مقبولة أكثر في ثقافات المؤسسات التي لا تعتمد على التراتبية الهرمية.
بناءً على ذلك، عند اتخاذ القرار بشأن استخدام الألقاب في مكان العمل، يجب على المدراء والقادة أن يراعوا مدى التركيز على التراتبية الهرمية في ثقافة مؤسستهم، وإذا كانت ثقافة المؤسسة تراتبية بدرجة كبيرة، فربما يكون من الأفضل تجنب استخدام الألقاب عند مخاطبة الموظفين. وعلى الرغم من أن استخدام الألقاب في بيئات العمل التي تتسم بتراتبية هرمية أقل آمن أكثر، فإننا لا نزال نوصي المدراء في المؤسسات التي تتسم ببنية تنظيمية مسطحة بمراقبة آثار استخدام الألقاب على المؤشرات الرئيسية لرفاهة الموظفين وتعديل سياساتهم وفقاً لها.
4. لا تستخدم الألقاب المسيئة أو الجارحة
من البديهي أيضاً الحرص على عدم استخدام الألقاب المسيئة أو الجارحة على الإطلاق. يوضح بحثنا أن استخدام الألقاب الودية يمكن أن يكون مفيداً في بعض الحالات، لكنّ استخدام الألقاب للسخرية من الأشخاص ليس فكرة جيدة إطلاقاً. في الواقع، أظهرت الأبحاث أن الإساءات الدقيقة، مثل إطلاق لقب مُهين أو مسيء على شخص ما، يمكن أن يكون لها تأثير سلبي مباشر وفوري، سواء على رفاهة هذا الشخص أو على فعالية الفريق كله. في بعض الحالات، قد يؤدي استخدام ألقاب غير مناسبة في العمل إلى رفع دعاوى قضائية.
5. لا تتردد في التواصل وطلب التوضيحات في حالة الشك
أخيراً، إذا لم تكن متأكداً من إمكانية استخدام اللقب لمخاطبة شخص ما، فلا تتردد في طرح السؤال عليه. ابحث عن فرصة مناسبة للتحدث إلى هذا الشخص والتأكد من أنه يتقبّل مخاطبته بهذا اللقب، وإذا لم يكن يحبّذ ذلك، فلا تستخدمه.
تتسم التفضيلات الثقافية واللغوية بطابع شخصي؛ إذ ربما تختلف هذه المعايير بدرجة كبيرة بحسب أنواع بيئات العمل المختلفة والثقافات العالمية المتنوعة. ركزت دراساتنا فقط على الموظفين المقيمين في الولايات المتحدة، وتشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين ينتمون إلى ثقافات عالمية مختلفة قد يملكون معايير وتوقعات مختلفة جداً فيما يتعلق بتحديد الأوقات أو المواقف المناسبة لاستخدام الألقاب.
بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تختلف كيفية استخدام الألقاب من بيئة عمل لأخرى ومن شخص لآخر حتى ضمن الثقافة العامة نفسها، وذلك اعتماداً على تجارب الأفراد ووجهات نظرهم وآرائهم الفريدة. على الرغم من ذلك، فأبحاثنا تشير عموماً إلى أن تشجيع الموظفين على استخدام الألقاب لمخاطبة مشرفيهم، ولا سيما في أماكن العمل التي تتسم بالتراتبية الهرمية، يمكن أن يعود بالنفع على المؤسسة، لكن عندما يستخدم المشرفون الألقاب لمخاطبة المرؤوسين فقد يؤثر ذلك سلباً على رفاهة الموظفين وراحتهم النفسية.