تُظهر دراسات عديدة أنّ الأقليات تواجه تحيزاً عند التقدم لفرصة عمل. فعندما يتم إرسال السيرة الذاتية نفسها – الأولى تحمل اسم إيملي، والثانية اسم لاكيشا، مثلاً- إلى إحدى الوظائف المتاحة، فإنّ السيرة الذاتية لإيملي سوف تتلقى عدداً أكبر من الاتصالات لمقابلة العمل. إذ يبقى احتمال توظيف الأقليّات ضعيفاً، حتى لو كان لديهم نفس المؤهلات.
لكننا، لا نعرف إلا القليل عن كيفية حدوث التحيز بعد توظيف الأقليات، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأداء في العمل والإنتاجية. في بحث أجريته مؤخراً مع كل من ديلان غلوفر وويليام بارينتي، سيصدر لاحقاً في صحيفة الاقتصاديات الربع سنوية (التابعة لجامعة هارفارد)، حاولت التعامل مع هذه الفجوة. ووجدت أنه عندما يكون لدى المدراء معتقدات سلبية، (حتى لو أنها لاشعورية) عن العمال من الأقليات، فإنّ أداء الموظفين من هؤلاء الأقليات سيكون أسوأ بكثير مقارنة بعملهم مع رئيس عمل غير متحيز. بعبارة أخرى، يمكن لتحيزات المدراء أن تكون نبوءة قابلة للتحقق.
تضمنت الدراسة أمناء صندوق الحساب في سلسلة متاجر فرنسية للبقالة. كان أمناء الصندوق هؤلاء مثاليين للدراسة، لأنهم كانوا يعملون مع مدراء مختلفين في كل يوم، ما مكننا من مقارنة أداء العامل ذاته لدى عمله تحت إشراف مدراء مختلفين. ولم يملك هؤلاء العاملين تحكماً بجداول عملهم أو قدرة على اختيار المدير الذي سيعملون معه، لهذا لم يكن بوسعهم تجنب المشرفين الذين لا يفضلونهم. بالإضافة لهذا، كان تحديد مواعيد عملهم يتم بشكل شبه عشوائي من خلال برنامج كمبيوتر، وهو ما ضمن أنّ جميع الموظفين عملوا تحت إشراف ذات المدراء وذات الظروف.
لقد صنفت العاملين من منطقة شمال أفريقيا أو جنوب الصحراء الكبرى كأقليات، وذلك من خلال الكشف عنهم اعتماداً على أصل أسمائهم، لأنه من غير القانوني في فرنسا سؤال العامل عن عرقه. وقمنا بقياس تحيز المدراء نحو الأقليات من خلال اختبار ارتباط ضمني (Implicit Association Test) وهو اختبار يُستخدم كثيراً في علم النفس لقياس التحيزات غير الواعية. وتبين أنّ هذا الاختبار يتنبأ بالعديد من القرارات، ومن الصعب على المشاركين التلاعب بأجوبتهم كي يبدوا غير متحيزين.
يتضمن الاختبار عادة تصنيف مجموعتين من الكلمات إلى جهة اليمين أو اليسار في شاشة كمبيوتر. ضمن دراستنا، عرضت على المدراء، أولاً، أسماء تشير إلى أصل فرنسي أو أسماء تشير إلى أصل من شمال أفريقيا، وثانياً، صفات تصف الموظفين الجيدين أو صفات تصف الموظفين السيئين. وكانت تظهر على الشاشة كلمة واحدة في كل مرة، وتم تنبيه الخاضعين للتجربة على قواعد معينة مثلاً: (الصفات التي تصف الموظف الجيد إلى اليسار، والصفات التي تصف الموظف السيء إلى اليمين). كانت الأسماء والصفات مبعثرة ووُجّه المدراء ليقوموا بتصنيف الكلمات بأسرع ما يمكنهم. وفي إحدى الجولات، طُلب من المدراء تصنيف الأسماء التي تبدو فرنسية مع الصفات السلبية في نفس الجهة من الشاشة، بينما طُلب منهم في الدورة التالية تصنيف الأسماء التي تبدو من شمال أفريقيا مع الصفات السلبية في نفس الجهة. بعدها، قيس تحيز المدراء بحسب مدى سرعتهم في تصنيف الكلمات التي تحمل أسماء يبدو أنها من شمال أفريقيا مع الصفات السلبية في نفس الجهة من الشاشة.
حالما توافرت لدينا المعلومات، كنا قادرين على تحليل هذه البيانات عبر مقاييس متنوعة عن أداء العاملين، حيث وجدنا أنّ أداء الأقليات كان أسوأ عندما كانوا يعملون مع مدراء متحيزين. ويعود السبب في هذا أنهم كانوا يعرفون مسبقاً المدير الذي سيعملون معه، فكان احتمال تغيبهم عن العمل أعلى. إلى جانب ذلك، عندما كانوا يذهبون إلى العمل مع مدير متحيز، كان احتمال أن يبقوا في العمل إلى وقت متأخر ضعيفاً جداً. ولأنه كان يُدفع لهم اعتماداً على ساعات عملهم، فإننا نقدر أنهم كانوا يكسبون أقل بـ2.5% بسبب المدير المتحيز. وكانوا يمررون السلع بشكل أبطأ ويستغرقون وقتاً أطول بين الزبون والذي يليه.
بالمجمل، كان أداء الأقليات في هذه المتاجر بنفس مستوى العاملين الآخرين. لكن عندما كان العاملون من الأقليات يعملون مع مدراء غير متحيزين كانوا يخدمون عدداً أكبر من الزبائن بنسبة 9% مقارنة بغيرهم من العاملين، وكانوا يُصنفون ضمن الـ79 من أصل المئة الأفضل أداء.
من المهم هنا الإشارة إلى أنّ المدراء المتحيزين لم يكونوا مدراء سيئين يقودون العاملين معهم نحو الأداء الضعيف. فأداء العاملين الذين لم يُصنفوا على أنهم أقليات كان جيداً لدى العمل مع المدراء المتحيزين وغير المتحيزين على حد سواء. وفي الواقع، لا يمكن شرح التأثيرات السلبية الناشئة عن العمل مع مدراء متحيزين بمقارنتها مع صفات لدى المدراء الآخرين، بما في ذلك الانتماء العرقي لهؤلاء المدراء.
لماذا إذاً يؤثر تحيز المدير على أداء العامل؟ تكمن المفاجأة هنا أنّ المدير المتحيز لا يوجد في سلوكه ما يدل على سوء المعاملة للعامل. وفي استطلاع للآراء أُجري بعد انتهاء عقود العاملين في متاجر البقالة، لم يبلّغ العاملون من الأقليات عن أنّ المدير المتحيز كان يكرههم أو أنهم كانوا يكرهونه. ولم يبلغوا عن أنّ المدراء المتحيزين كانوا لا يرشحونهم للترقيات. بل في الواقع، قالوا أنّ المدراء المتحيزين كانوا يعاملونهم أفضل من حيث أنهم كانوا غالباً لا يوكلون إليهم مهام التنظيف، وهي أسوأ المهام بالنسبة لهم، ولا يطالبونهم بالعمل على صناديق الحساب الصعبة أو يجبرونهم على فترات استراحة غير مناسبة.
كل ما في الأمر أنه لم يكن لدى الأقليات التفاعل الكبير مع المدراء المتحيزين خلال مناوباتهم. إذ بدا الأمر كما لو كان المدراء لا يعيرونهم اهتماماً كبيراً. وهذا يتوافق مع ما توصلت إليه دراسة سابقة من أنّ الأفراد الذين لديهم تحيزات ضمنية نحو مجموعة ما، يكون احتمال تحدثهم إلى هذه المجموعة أقل، ويكونون أكثر تردداً لفعل ذلك، وأقل وداً نحو أفراد هذه المجموعة. وفي دراستنا، لا يشعر المدراء بالارتياح في التواصل مع عاملين من الأقليات، لهذا تراهم يقضون وقتاً أقل في إدارتهم. فتكون النتيجة هبوطاً في إنتاجية العامل.
مع أنه لا يزال هناك الكثير لتعلمه عن الطريقة التي يؤثر فيها المدير المتحيز على العلاقات بين المدراء والموظفين، لكن بحثنا يدل على أنّ للأمر عواقب مهمة على أداء العامل. على سبيل المثال: لا يتمتع المدراء في متاجر البقالة، إلا بسلطة قليلة نسبياً على العاملين على صندوق الحساب، فهم يكررون المهمة نفسها إلى حد كبير، فيقومون بالمسح الضوئي للسلع من تلقاء أنفسهم بغض النظر عن المدير الذي يعملون معه (ربما أسرع أو أبطأ قليلاً). أما في أوساط أخرى، حيث يعمل المدراء مباشرة مع الموظفين ولديهم تدخل أكبر بمهامهم، يتولد عن تحيز المدير في هذه الحالات خسائر أكبر في الأداء، عندما يؤدي التحيز به إلى تقديم تدريب وتوجيه ونصيحة وتحد أقل للأقليات.