كيف تسهم فرق استخبارات الشركة في مساعدة الشركات على إدارة المخاطر؟

6 دقائق
الأعمال الاستخباراتية
خوان مويانو/ستوكسي

ملخص: تعتبر كلمة "استخبارات" كلمةً حمّالة أوجه، فبينما يخلط البعض بينها وبين تجسُّس الشركات على منافسيها، فإن كل شركة كبرى تقريباً لديها اليوم وظيفة استخباراتية أو تعمل على إنشاء واحدة. وقبل تفشي جائحة "كوفيد-19"، ركّز الكثير من فرق استخبارات الشركات على الأمن بشكل كبير، لكن الجائحة أظهرت أهمية الأعمال الاستخباراتية بمعناها الأوسع. ففي عالم يضج بالمعلومات المتناقضة والمضللة، يستخدم قادة الشركات الأذكياء القدرات الاستخباراتية بغرض التنبؤ بمجريات الأحداث وتخفيف حدة المخاطر والتوصّل إلى رؤى ثاقبة وصياغة عملية صناعة القرار بما يناسب ظروف العمل في مؤسساتهم. ويتناول كاتبا المقالة إطلالة عامة على الوظائف الاستخباراتية في الشركات ويقدمان المشورة حول كيفية هيكلة هذه الفرق الداخلية.

 

في يناير/كانون الثاني 2020، بدأ فريق صغير في شركة "فيسيرف" (Fiserv) العالمية المتخصصة في تكنولوجيا الخدمات المالية، يرصد من كثب المؤشرات التحذيرية المبكرة لتفشي مرض جديد في العاصمة الإقليمية ووهان بالصين. وعمل الفريق على استقصاء مصادر وسائل الإعلام الموثوقة، وطبّق أفضل الأساليب التحليلية بناءً على مؤشرات مبكرة قابلة للمقارنة مستمدة من الحوادث التاريخية لتفشي الأوبئة، مثل فيروس "سارس". وكشف التحليل العلمي عن احتمالية وجود مرض خطِر يوشك على التفشي. وأوصى الفريق بعدم سفر المسؤولين التنفيذيين حتى قبل اكتشاف الفيروس في الولايات المتحدة، وقبل معظم الشركات أو الحكومات. وأدت تقييمات سيناريو التأثير البشري والاقتصادي المحتمل إلى لجوء الشركة للاستثمار في معدات الحماية للموظفين في وقت مبكر وتخفيف حدة المخاطر عن طريق الانتقال السريع إلى استراتيجية العمل عن بُعد.

فلماذا أصابت شركة "فيسيرف" في توقُّع المخاطر التي تلوح في الأفق، في حين راح الآخرون يلهثون وراء نشرات الأخبار؟ لأنها كانت تمتلك فريقاً متخصصاً وموثوقاً به في التحليل الجيوسياسي، ويمارس العمل الاستخباراتي واستشراف آفاق المستقبل وإطلاع القيادة العليا على المخاطر المتزايدة وما يترتب عليها من آثار تجارية.

وفي عالم يضج بالمعلومات المتناقضة والمضللة، يوفر هذا النوع من المعلومات الاستخباراتية وعياً آنياً بحقيقة التهديدات الإلكترونية أو المخاطر الأمنية أو عدم الاستقرار السياسي أو غيرها من المشكلات المماثلة. ويستخدم قادة الشركات الأذكياء القدرات الاستخباراتية بوعي ويستفيدون منها في صياغة قراراتهم.

تعتبر كلمة "استخبارات" كلمةً حمّالة أوجه، إذ يخلط البعض بينها وبين تجسس الشركات على منافسيها، على النحو المشار إليه في كتاب باري ماير، "الفزع" (Spooked)، الذي يشبّه المشتغلين بالوظائف الاستخباراتية في القطاع الخاص بالأوغاد الخطرين. وقد تتجاوز الشركات حدود المبادئ الأخلاقية المسموح بها. ومن أسوأ الأمثلة على ذلك، مراقبة فريق العمل بشركة "إيباي" للمدونين ومضايقتهم، واستعانة "بنك كريدي سويس" بمحققين خاصين للتجسس على الموظفين. ولكن ما هذه المساوئ إلا استثناءات.

إذ ينجح موظفو الاستخبارات في القطاع الخاص كل يوم في إبعاد الشركات عن المشكلات وتوجيهها نحو الفرص والقدرة على اتخاذ القرار، دون خرق القانون أو انتهاك المبادئ الأخلاقية. وتحرص المؤسسات، مثل "الرابطة الدولية لمحترفي استخبارات المخاطر" (Association of International Risk Intelligence Professionals)، على وضع المعايير ومدونات القواعد السلوكية الحازمة، وتعمل المؤسسات الأكاديمية، مثل جامعة "ميرسيهرست"، على تخريج جيل جديد من المتخصصين في مجال الاستخبارات الذين يركزون على القطاع الخاص.

إذ تستثمر الشركات في مجالي الأمن والاستخبارات لأنهما يساعدان على تعزيز نتائجها النهائية. ووفقاً للويس سيج باسانت، باحث الدكتوراة في جامعة "لوبورو" الذي يدرس الاستخبارات في القطاع الخاص، فإن هذه الوظائف "منتشرة بقوة" في الوقت الحالي، حتى إن كل شركة كبرى إما لديها قدرات استخباراتية أمنية أو تعمل على إنشاء واحدة.

التنبؤ بمجريات الأحداث

يسهم أفضل الوظائف الاستخباراتية في مساعدة القادة على فهم ما يحدث وما يمكن أن يحدث بعد ذلك. فقد وصفت إيريكا بريشيا، التي شغلت حتى وقت قريب منصب الرئيسة التنفيذية للعمليات في شركة "غيت هاب" (GitHub)، قيمة فريقهم الاستخباراتي خلال جائحة "كوفيد-19"، قائلة: "لقد ساعدنا فريقنا على تحديد المخاطر والتواصل بشكل فاعل مع مختلف فئات الجماهير في كافة أفرع الشركة، على مستوى الوطن وعلى المستوى الدولي، للحفاظ على سلامة موظفينا وإدارة الأعمال".

وبالمثل، فقد أخبرتنا ليز مالوني، مديرة "برنامج مايكروسوفت للاستخبارات العالمية" (Microsoft Global Intelligence Program)، قائلة: "تعتبر الأعمال الاستخباراتية هي الخطوة الأولى نحو فهم المخاطر الماثلة أمامك... وتتمثل مهمتنا في تمكين صنّاع القرار من التخفيف من حدة المخاطر والاستجابة للمخاطر الأخرى التي لا يمكننا تجنبها".

وقد كشف استقصاء شمل 94 متخصصاً في الأعمال الاستخباراتية في القطاع الخاص أنه غالباً ما يتم استحداث مناصبهم رداً على "تهديد أو أزمة". إذ تدرك الشركات بعد فوات الأوان أن استثمار قدر صغير من المال بغرض الوعي بحقيقة المواقف التي تتعرض لها أفضل من اتخاذ رد فعل متأخر استجابةً للمشكلات غير المتوقعة في أعقاب تعرضها للهجمات الإرهابية والاختراقات الإلكترونية وحملات التضليل والتحولات السياسية المفاجئة.

وعلى ذكر الأمثلة الصارخة، فقد أدى الهجوم الإرهابي المروّع في عام 2013 على المشروع الاستثماري المشترك بين شركات "بي بي" (BP) و"ستاتأويل" (Statoil) و"سوناطراك" (Sonatrach) في بلدة عين أميناس بالجزائر، إلى تعزيز كلٍّ من شركتي "بي بي" و"ستاتأويل" قدراتهما الاستخباراتية بشكل كبير لتحديد المخاطر الخفية على نحو أفضل.

التخفيف من حدة المخاطر، والتوصّل إلى رؤى ثاقبة

بوسع الأعمال الاستخباراتية أن تخلق ميزة تنافسية من خلال تمكين العمليات التي يخشى الآخرون اتباعها. إذ تؤدي الأعمال الاستخباراتية القوية في البيئات الحافلة بالمخاطر إلى تمكين الشركات من توجيه موارد الأمن بكفاءة إلى المخاطر ذات الصلة. وعند دخول أسواق جديدة، فإن الفرق الاستخباراتية تساعد المسؤولين التنفيذيين على تجنب التورط مع شركاء غير شرفاء أو الإفراط في الإنفاق على الأمن في أثناء إتمام الصفقة. وقد قال لنا أحد خبراء استخبارات أمن الطيران إن "المعلومات هي كل شيء. ولست بحاجة إلى حراس مدججين بالسلاح إذا كان لديك استخبارات جيدة".

وتتمثل قيمة الأعمال الاستخباراتية بشركات القطاع الخاص، وفقاً لمالوني، في "منح الثقة للشركات وتجنب المبالغة في رد الفعل". على سبيل المثال: بعد أن اطلع المسؤولون التنفيذيون في شركة "مايكروسوفت" على تقارير خارجية مثيرة للقلق حول المخاطر الأمنية في بورتوريكو في أعقاب إعصار ماريا عام 2017، قدَّم فريق الاستخبارات الداخلي في الشركة تقييماً دقيقاً فيما يخص أعمال الشركة، ما منح المسؤولين من المناصب التنفيذية العليا الثقة لمواصلة العمل بأمان.

تقديم أكثر من مجرد الأمان

قبل تفشي جائحة "كوفيد-19"، ركّز الكثير من فرق استخبارات الشركات على الأمن بشكل كبير، لكن الجائحة أماطت اللثام عن أهمية الأعمال الاستخباراتية بمعناها الأوسع. وقالت ديانا دراجون، رئيسة الرؤى العالمية في شركة "ستاندرد إندستريز" (Standard Industries): "يمكن استخدام المهارات نفسها المستخدمة لتقييم المخاطر الأمنية في تحديد الاتجاهات والفرص". ووفقاً لخبير استخبارات أمن الطيران الذي تحدثنا إليه، فقد كان فريقه معروفاً قبل تفشي جائحة "كوفيد-19" باسم "رجال الأمن". ولكنهم باتوا يوفرون الآن معلومات استخباراتية استراتيجية على نطاق واسع.

ويمكن استخدام نتائج تحليل المعلومات الاستخباراتية ببساطة في نقل الحقائق لحماية الأشخاص والأصول (عند مستوى قاعدة الشكل الهرمي أدناه) ولكنه يغدو أكثر قيمة عند استخدامه لدعم صناعة القرارات الاستراتيجية والاستباقية (عند المستوى الأعلى). وكان لفريق التحليل الجيوسياسي في شركة "فيسيرف"، الذي بات يعمل خارج منظومة الأمن بالشركة، صلاحيات واسعة بالفعل وقدم تحليلاً استخباراتياً نقدياً في وقت مبكر أعطى الشركة فرصة للاستعداد لجائحة "كوفيد-19" الوشيكة. وبالمثل، فقد استفادت فرق العمل في شركتيّ "مايكروسوفت" و"غيت هاب" من إمكانات المستوى الأعلى، بتحليل الاتجاهات الأمنية أو الجيوسياسية لدعم اتخاذ القرارات التجارية الاستراتيجية.

 

إدارة أفضل للأعمال الاستخباراتية

غالباً ما يجري دفن الأدوار الاستخباراتية في أعماق المؤسسة أو تفريق دمها بين مختلف الوظائف في الشركة أو حجبها تحت مسميات وظيفية تفتقر إلى الشفافية. وتكشف الاستقصاءات عن ظهور أدوار استخباراتية في 20 وحدة عمل مختلفة.

غالباً ما يجعل هذا النهج موظفي الأعمال الاستخباراتية غير ظاهرين لكبار القادة الذين سيستفيدون من مهاراتهم وخبراتهم وشبكات علاقاتهم. يقول ريان لونغ، الشريك المؤسس والمضيف المشارك لبودكاست "بزنس أنتلجينس" (Business of Intelligence): "إن عدم وجود تواصل مباشر مع صنّاع القرار يقلل بشكل كبير من جودة الخدمة المقدَّمة لهم، وسيؤدي على الأرجح إلى فشل الموظف المختص في تحقيق النتائج المطلوبة".

لا توجد إجابة موحَّدة لإعداد الهياكل التنظيمية لكافة الفرق الاستخباراتية، لكن ثمة خصائص محددة تؤدي إلى النجاح. أولاً: التواصل المباشر مع صنّاع القرار أمر بالغ الأهمية. وكما أوضحت بريشيا إبّان عملها في شركة "غيت هاب": "يمتلك الفريق الاستخباراتي القدرة على التواصل المباشر مع صنّاع القرار في كل أقسام الشركة". وقد حرصت منذ البداية على الالتقاء برئيس فريقها الاستخباراتي، وحدّدت معه التوقعات والأولويات، ومنحت أعضاء الفريق الاستخباراتي صلاحية القدوم إليها إذا عثروا على مخاطر يجب لفت انتباه القيادة إليها. ويتم إشراك أفراد الفريق الاستخباراتي أيضاً في مجموعات العمل حول القضايا التي تهم قيادة الشركة في مرحلة مبكرة، ما يمنحهم القدرة على الاطلاع على الأولويات التنفيذية. وتحقق الفرق الاستخباراتية أفضل قيمة عندما تتوخى الوضوح بشأن القرارات التي يتعين اتخاذها والأسئلة التي يجب الإجابة عنها والأهداف الاستراتيجية للشركة.

ثانياً: يجب على الوحدات الاستخباراتية في الشركات التخلص من ظاهرة العمل في صوامع منعزلة وإشراك أصحاب المصلحة في كافة وحدات العمل. يقول لونغ: "من الأهمية بمكان أن يتفاعل الموظف المختص بالأعمال الاستخباراتية مع العملاء لفهم احتياجاتهم وتلقي أكبر كم ممكن من التعليقات والملاحظات وتطوير العلاقات". وتقدم الفرق المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاستراتيجية دعماً أفضل. ويؤدي طرح أسئلة أفضل إلى تلقي ردود أفضل.

وأخيراً، يجب أن يقود هذا الجهد متخصص في الأعمال الاستخباراتية. وسواء كان من القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، فيجب أن يكون على دراية بفن التحليل وأن يفهم منهجية جمع المعلومات في القطاع الخاص وأن يكون قادراً على تقييم جودة الجهات المورّدة وأخلاقياتها وأن يتمتع بالمهارات والخبرة اللازمة لفهم احتياجات العمل.

تمثل بعض الشركات قدوة يُحتذى بها من خلال حرصها على بناء قدراتها الاستخباراتية التي تسخّر إمكانات المعلومات الاستخباراتية لتخفيف حدة المخاطر وتيسير اغتنام الفرص المتاحة في قطاع العمل. ويعمل فريق التحليل الجيوسياسي التابع لشركة "فيسيرف" جنباً إلى جنب فريق الأمن تحت إشراف رئيس الخدمات العالمية. أما في شركة "ستاندرد إندستريز"، فقد خرجت وظيفة الأعمال الاستخباراتية من عباءة قسم الأمن عام 2021، وانضمت الآن رئيسة الرؤى العالمية إلى فريق القيادة التنفيذية بالشركة. وقد نشأ هذا الهيكل الجديد بسبب القدرة الواضحة للأعمال الاستخباراتية على توفير التوجيه الاستراتيجي والدعم لكبار المسؤولين التنفيذيين بشأن الفرص والاتجاهات، فضلاً عن المخاطر، عبر سلسلة أنشطة الشركة.

وإذا لم تكن لدى شركتك وظيفة استخباراتية، فإن منافسيك سينشئونها عمّا قريب على الأرجح. وحتى إذا أنشأت هذه الوظيفة، فقد لا تستخدمها لتحقيق التأثير المطلوب بالشكل الأمثل. هل أنت مندمج مع الفريق؟ وهل يفهم الفريق استراتيجيتك وجدول مواعيدك وثغرات المعلومات في شركتك؟ وهل تستخدم معلومات تتجاوز قضايا الأمن للتعرّف على تحديات العمل الأوسع نطاقاً؟

يجب على المسؤولين التنفيذيين تمكين الفرق الاستخباراتية في مؤسساتهم وإطلاعهم على الأهداف والغايات. وبالمثل، يجب على الفرق الاستخباراتية فهم العمل وتصميم منتجاتهم بطريقة تؤدي إلى تحقيق أقصى استفادة من الفرص المتاحة وتقليل المخاطر. وعندما يتم التوصل إلى الرؤية الصحيحة في الوقت المناسب لاتخاذ قرار مهم، ستكتسب الشركة ميزة هائلة. ويستحق الأمر استثمار قدر متواضع من الوقت والموارد لتحقيق هذه الغاية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي