القيادة بالأصالة: عندما ينسجم شعورك بأهدافك

19 دقيقة
الأصالة
shutterstock.com/Thanadon88
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الأصالة هي الشعور الذي يعتريكِ عندما تتمكّنين من الحضور إلى العمل بشخصيتك الطبيعية، بحيث ينسجم سلوكك مع أهدافك. ولكنّ ثمة تحدياً يواجه النساء اللاتي يرغبن في أن يعبّرن عن أصالتهن في العمل. فالمرأة ابنة وأم وأخت ومديرة، وقد يكون من الصعب التوفيق بين كل هذه الأدوار الوظيفية المختلفة؛ لذلك، بينما يُنظر إلى القيادة الأصيلة في أغلب الأحيان باعتبارها مسألة تهتم بتلبية معيار حقيقي واحد، فإننا، نحن النساء، نعيش في عالم متعدد الأقطاب. فكيف نكون صادقات مع أنفسنا إذا كان هناك الكثير من الأدوار التي تتجاذبنا في اتجاهات مختلفة؟

مقابلة مع تينا أوبي بضيافة إيمي بيرنستين وسارة غرين كارمايكل ونيكول توريس، للحديث عن المعنى الحقيقي والمزيّف للأصالة في العمل.

سارة غرين كارمايكل: لقد عملت مع امرأة انتحت بها مديرتها جانباً ذات مرة وقالت لها: اسمعي، لديكِ إمكانيات ممتازة. وأتنبأ لك بمستقبل واعد في الوصول إلى أعلى المستويات الإدارية بالشركة. ولكن إذا كنتِ تريدين الوصول إلى هذه المكانة، فعليك أن تغيري طريقتك في ارتداء الملابس وأن تضعي بعض مساحيق التجميل على وجهك. كان الحديث يدور في هذا الموقف بين امرأتين، لكن زميلتي التي تلقت هذه النصيحة انتفضت غضباً. فهل تقديم نصيحة كهذه لإحداهن شيء ينم عن التحيز للرجل ضد المرأة؟

تينا أوبي: علينا أن نفرّق بين الصورة التي نريد أن يكون عليها العالم من حولنا وحقيقة العالم الذي نعيشه على أرض الواقع. فهل أرغب في عدم سماع هذه النصيحة مطلقاً أو التحدث عنها أبداً؟ وإذا كنتُ أبلي بلاءً حسناً في أداء مهمات عملي، فهل يجب عليّ أن أهتم بالذهاب إلى العمل كيفما أشاء وبالطريقة التي أحبها؟ هذا هو العالم الذي أريد أن أعيش فيه، هذا هو العالم الذي كرست أبحاثي ودراساتي من أجل بنائه. لكن الواقع الذي نعيشه يختلف كلياً وجزئياً عن هذه الصورة الوردية بكل أسف.

فنحن نعيش في عالم تمثّل فيه الانطباعات الشخصية عنصراً مهماً، ويرتبط فيه مظهرنا ارتباطاً وثيقاً بالانطباعات الشخصية التي يأخذها الآخرون عنا. ودائماً ما نجد الإنسان يصنف الآخرين فور رؤيتهم بصورة عفوية. وبسبب مثل هذه الظواهر، كثيراً ما نقول لأنفسنا تلقائياً: “سيكون هذا الشخص أكثر احترافية. أمّا  ذاك الشخص فلن يكون كذلك”. وإذا تم تصنيفك ضمن الفئة الثانية، فقد يتعيّن عليكِ بذل جهود إضافية حتى تثبتي للآخرين جدارتك واحترافيتك وبراعتك الحقيقية. لكن هذا قد يأتي بعد هذا الانطباع الأولي الذي ترسّخ في أذهان الآخرين عنكِ.

إيمي بيرنستين: عندما تخرجت في الكلية، كانت خزانة ملابسي تتكوّن من سروالين من الجينز الأزرق وثلاثة قمصان فقط، فأصرّت أمي، بذكاء وحكمة السنين بحكم عملها مسؤولة تنفيذية في إحدى شركات الإعلانات، على اصطحابي للتسوق قبل أن ألتحق بوظيفتي الأولى. وطلبت مني شراء تنّورة طويلة وسترة أنيقة وبلوزة لطيفة. ولو أن أحداً كان قد ألبسني زي سوبرمان، فما كنت لأشعر بهذا الكم من الانزعاج وعدم الأصالة. وكانت نصيحتها لي: إذا كنتِ تريدين أن تصلي يوماً ما إلى منصب نائبة رئيس الشركة، فعليكِ أن ترتدي الزي المناسب لنائبة الرئيس. وقد كانت نصيحة ممتازة لفتاة لم تكن تفهم معنى الأصالة في هذا السياق الجديد. ما رأيكِ في هذا الأمر؟

تينا أوبي: ما فعلته والدتك هو أنها اشترت لكِ زياً رسمياً، ونحن لا نحب أن ننظر إلى أنفسنا كمهنيات يضطررن إلى ارتداء الزي الرسمي. إذ تصوّر لنا عقولنا أننا يجب ألا نشغل أذهاننا بمثل هذه التوافه لأننا أكثر احترافية.

لكن بدلة العمل هي في الواقع زي رسمي، وقد أجريتُ بعض الأبحاث التي تتناول أصول بدلة العمل التي ترجع جذورها إلى بيئة العمل في أوروبا. كانت تمثّل في واقع الأمر طريقة للتمييز بين الطبقات ولإظهار مستوى معين من الاحتشام. وكانت البدلات الأنيقة في البداية ذات ألوان براقة، كاللون الأحمر والبنفسجي وما إلى ذلك، ثم تم التخفيف من حدة الألوان شيئاً فشيئاً إلى أن وصلنا في النهاية إلى الألوان الحالية: الكحلي والأسود والرمادي وغيرها من الألوان الدقيقة الخافتة للغاية؛ لأن ذلك يوحي بمستوى معين من الاحترافية والجدارة بالثقة.

وقد قدّمت والدتك لك النصيحة نفسها. كانت تعرض عليك ارتداء زي رسمي، وكانت تقدمك لعالم جديد، أو تأمل أن تسايري عالمك الجديد. فقد كان عالم الشركات والانخراط في عالم قوة العمل أمرين جديدين عليكِ ولم تكن لديك أي فكرة عنهما. ولو أنك ارتديتِ أياً من سراويل الجينز وقمصانك تلك، فلربما أُصبتِ بالذهول والإحراج لدى وصولك إلى مقر العمل، لأنك ما كنتِ لتري شخصاً آخر يرتدي مثل هذا الزي.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإنني أرتدي سروالاً من الجينز وبلوزة مشجّرة جميلة وبعض الأقراط اللطيفة، وأحب تصفيف شعري لأعلي. وآمل أن يأتي اليوم الذي أدير فيه شركة أشغل فيها منصب الرئيسة التنفيذية بحيث أرتدي ملابسي بهذه الطريقة بالضبط. وأتحدى أي شخص تواتيه الجرأة ليخبرني بأن مظهري غير احترافي. ولكنني أريد أيضاً أن أعمل في شركة يشعر فيها الموظفون بعدم الانزعاج من ارتداء بدلة العمل إذا كان عليهم ارتداؤها.

إيمي بيرنستين: أعتقد أن طالباتك يتوجهن إليك دائماً طلباً للمشورة. فهل يمكنك إطلاعنا على محادثة دارت بينك وبين إحداهن طلباً للنصيحة حول كيفية ارتداء الملابس المناسبة لمقابلة عمل؟

تينا أوبي: كانت لديّ طالبة سابقة اسمها نادية تخرجت الآن. حيث كنت أنظّم ورشة عمل في كلية بابسون حول الأصالة في مكان العمل، فجاءتني وقالت لي: “أرى أنك تتركين شعرك على طبيعته. هل تعتقدين أنه من الجيد أن أترك شعري على طبيعته في مكان العمل؟”. فانتحيت بها جانباً، وقلت لها: ” هل تحبين أن تتركي شعرك على طبيعته؟”. فأجابتني: “نعم، أحبه كما هو. فهو يجعل مظهري يبدو جيداً كفتاة لاتينية ذات بشرة داكنة، وأود أن أظهر بهذا الشكل”. رائع، لقد اتفقنا على حقيقة أن شعرها الطبيعي مرتبط بأصالتها وهويتها.

ثم سألتها: “ما المجال الذي تودين التخصص فيه؟”. فأجابتني: “أريد التخصص في القانون”. فأردفتُ: “صِفي لي السياق أو البيئة التي تعتقدين أنك ستواجهينها في مهنة المحاماة”. قالت: “إنها بيئة يرتدي العاملون فيها بدلات محافظة جداً ومصممة خصيصاً لهذا الغرض”. وعندما قالت “العاملون فيها”، كانت تقصد المحامين من الرجال. وحينما انتقلنا إلى الحديث عن المحاميات من النساء، وجدنا أن الأمر كان مشابهاً جداً. ولا أعتقد أنه يمكننا الهروب من حقيقة أن تصميم ملابس العمل النسائية كان يهدف في البداية إلى مضاهاة ملابس الرجال في مجال العمل. فقد تم تصميم أزياء المرأة في مكان العمل بطريقة تخفي أنوثتها واختلافها.

لذا، فإن أول شيء حرصتُ على الوصول إليه مع نادية هو التعرُّف على هويتها الحقيقية، ثم توصلنا معاً إلى سياق العمل في مجال القانون. وهنا يأتي الجزء الصعب. إذ يود المرء أن يتلقى إجابة واضحة حاسمة، في حين أن إجابة كهذه لا وجود لها في الحقيقة. فأخبرتها بأن عليها أن تزن العواقب. وقلت لها: “إذا كان شعرك يعبّر عن أصالتك، وإذا كنتِ تشعرين بأنك تستسلمين للأمر الواقع أو تقدمين تنازلات شخصية أو أن محاولاتك الجادة للتوافق مع الآخرين ستجعلك تصلين إلى نقطة تشعرين عندها بعدم الارتياح، فقد لا يكون هذا قراراً صائباً. لكن عليكِ أن تفهمي أنك إذا أردتِ دخول هذا المجال بالذات، فإن إصرارك على الاحتفاظ بمظهرك الذي يروق لك قد يعني أنك لن تحصلي على وظيفة.

وقد يكون البديل الأنسب أن تحاولي التوافق مع الآخرين وتفردي شعرك. لكننا عندما نقول “التوافق مع الآخرين”، فإن هذا المصطلح يعني بالنسبة للكثير من النساء المنحدرات من أصل إفريقي أننا نقصد إخفاء شعرهن الحقيقي، أي فرده، للتخلص من أي دليل مرئي قد يوحي بأصولهن الإفريقية ولونهن الأسمر. يمكنكِ فعل ذلك، ولكن إذا كان هذا سيجعلك تشعرين بالاستياء من نفسك، فقد لا يكون هذا القرار صائباً بالنسبة لك.

وأجد هذا التعليق مميزاً للغاية، لأنكِ إذا أردتِ الحصول على المال لدفع فواتيرك، فعليكِ أن تفردي شعرك، وأن تخفي الوشم وتتخلصي من أية أقراط في الأنف أو غيرها من الأقراط بعيداً عن الأذنين. والآن، قد تجدين البعض يقول أشياء أكثر غرابة، كأن يقول مثلاً: “حبذا لو كانت بشرتها أكثر بياضاً”. لكن لا حيلة لي فيما يخص لون بشرتي، وحتى لو كان بمقدوري تغييرها، فلن أُقدِم على فعل ذلك. ولست على استعداد لتحمل تكلفة شيء كهذا؛ لأنها عالية جداً حتى إن معظم الناس يعزف عن محاولة تغيير لون بشرتهم. لكن لدينا أمثلة لأشخاص يرغبون في تغيير أسمائهم، خاصة في المجتمع الآسيوي. ولديّ الكثير من الطالبات اللاتي يقلن: “ناديني إيمي”. لكنني أريد أن أناديهن بأسمائهن الحقيقية الموجودة في شهادات ميلادهن، على الرغم من أنهن لا يشعرن نحوها بالارتياح لأنها تكشف أصولهن الآسيوية. وأريد الانضمام إلى قوة العمل بطريقة يمكننا من خلالها التعبير عن هويتنا وعدم التخلي عن أصالتنا ونشجّع زملاءنا في العمل والدراسة على قبولنا في الوقت ذاته، دون إرغامنا على التماهي مع الآخرين.

نيكول توريس: بخلاف المظهر الشخصي، ما الجوانب الأخرى التي تجسّد الأصالة في مكان العمل؟

تينا أوبي: حسناً، قد تتجسّد في الطريقة التي تتواصلين بها. وقد قيل لي ذات مرة إن الملامح الثقافية لأصولي العرقية تظهر عليّ بوضوح لأنني ألوّح بيدي كثيراً عندما أتحدث. لكن العملاء أحبوا هذه الخصلة. إذ كانوا يقولون لي: “أنتِ بارعة في رواية القصص”. وبالتالي فإن الطريقة التي تتواصلين بها أو لهجتك في الكلام أو الطريقة التي تعبرين بها عن الغضب والخلاف والصراع، كلها ذات قيمة كبيرة للتعبير عن الأصالة. ويحرص البعض على تجنب أشياء كهذه بأي ثمن، فيما ينجرف البعض الآخر إليها دون تردد. وأرى من وجهة نظري أن الأصالة تقتضي البوح بمشاعر الغضب، لكن هذا يُعتبر سلوكاً غير احترافي في بعض المواقف.

ولكِ أن تتخيلي موقفاً تصرين فيه على الصراحة مع مشرفك أو مع مرؤوسك أو زميلك وأنت تقولين: “اسمع. كانت هذه فكرتي في الاجتماع. لقد تحدثنا عن هذا الأمر من قبل. اشرح لي لماذا تحاول أن تنسب الفضل لنفسك”.

نيكول توريس: لا أتخيل أنني سأقول كلاماً كهذا أبداً.

تينا أوبي: أجل. لكن اسألي نفسك عن السبب. يرجع السبب جزئياً إلى السمات الشخصية، لكنني أعتقد أن الآخرين سيعتبرونكِ في الكثير من السياقات المهنية شخصية كريهة إذا دافعتِ عن نفسك، خاصة إذا فعلتِ ذلك على الملأ أمام المجموعة كلها.

سارة غرين كارمايكل: عندما نتحدث عن أصالة القادة، يبدو أن الكثير مما نتحدث عنه يدور حول تعزيز مشاعر السعادة في مكان العمل. إذ نقول إننا نريد من العاملين الحضور إلى العمل بشخصياتهم الطبيعية، في حين أننا نعني في الحقيقة إحضار هذا الجانب المشرق والسعيد من شخصياتهم ولا نعني عادة الغضب، خاصة بالنسبة للمرأة.

تينا أوبي: أنتِ محقة تماماً. إذ تتعرض المرأة لردّ فعل سلبي جداً عندما تعبّر عن غضبها في مكان العمل. وأعتقد أن توري برسكول قد أجرت بعض الأبحاث حول هذه الظاهرة في كلية ييل لإدارة الأعمال. ولكن آشلي شيلبي روزيت في كلية فيوكوا للأعمال بجامعة ديوك، وروبرت ليفينغستون في كلية هارفارد كينيدي وغيرهما من الباحثين كانوا قد أجروا بعض الأبحاث التي أثبتت أن هذه الظاهرة ترتبط بصورة أو أخرى بما يُعرَف بـ”تقاطع أشكال التمييز” (Intersectionality)، وذلك لأن النساء ذوات البشرة الداكنة لا يتلقين القدر نفسه من ردّ الفعل السلبي الذي تتلقاه النساء ذوات البشرة البيضاء عندما يعبّرن عن غضبهن في مكان العمل. لذا لم أستطع أبداً فهم أسباب رد الفعل السلبي العنيف تجاه التعبير عن الغضب في مكان العمل. ولا أتحدث هنا عن شخص مصاب بحالة من الجنون الجامح يذرع الممرات جيئة وذهاباً ويصرخ في وجوه الآخرين، أو يشتم زملاءه، أو يمارس العنف الجسدي، أو يرمي يكل ما تطوله يداه هنا وهناك. هذا ليس ما أعنيه على الإطلاق. وما أعنيه بالغضب هنا الشعور بالاستياء والانزعاج. إنه ذلك الشعور الذي يوحي بأن شيئاً قد انحرف عن المسار السليم، ويشير إلى التعرّض للظلم بطريقة أو أخرى، لدرجة أن البعض قد يتساءلون: لماذا يعتبرون التعبير عن هذا الشعور أمراً كريهاً؟

علينا بالطبع التفكير في أنسب الطرق لتوجيه هذه المشاعر وأنسب الطرق للتعبير عن هذه الأفكار في مكان العمل. ويجب أن تنتبه المرأة على وجه الخصوص لهذه الأمر، لأنني أعتقد أن النساء اللاتي يمكنهن معرفة كيفية استخدام غضبهن بطريقة بنّاءة قد يجنين ميزة كبيرة.

هل شعرتن يوماً بالغضب في مكان العمل؟ وماذا فعلتن؟ هل اكتفيتن بالهرولة إلى مكاتبكن؟ وهل اتصلتن بصديق؟ هل دخلتن الحمام وانخرطتن في البكاء؟ يتملكني الفضول لمعرفة ما إذا كانت أيٌّ منكن قد رأت أمثلة على التوقيت الأمثل للتعبير عن الغضب.

إيمي بيرنستين: لقد ذكّرتني بالمواقف التي شعرتُ فيها بالغضب ودفعتني إلى الانخراط في نوبة من البكاء. ولكنّ هناك نوعين من الغضب عانيتهما. يتمثل أولهما في الغضب المؤلم على المستوى الشخصي الذي يدفعني إلى قول شيء على غرار: “لا أصدق أنك فعلت ذلك بي للتو”. ويسبّب لي هذا الشعور آلاماً مبرحة. وأتساءل دائماً عما إذا كان شعوراً مبرراً أم لا، وهل لي ذنب فيه؟ وأظل أراجع نفسي متسائلة عن الأسباب التي دفعتني لعدم التعامل معه. وعندما كنت أتعامل مع هذا الشعور، استطعت أن أحدث التغيير الذي أريده. ولكنّ هناك نوعاً آخر من الغضب كنت أشعر به بشكل متكرر، وهو ذلك الغضب الذي يعتريني حينما لا تسير الأمور بالطريقة التي طلبت أن تسير بها. حيث أدير فريقاً وأدير عمليات تشغيلية، وإذا اعتقدتُ أن طلباتي قد تعرّضت للتجاهل، فإنني أغضب وأعبّر عن غضبي. ولا أتردد في توبيخ الآخرين على ما حدث، لكنني أفعل ذلك على انفراد عادة. وإذا أدى تجاهل مطالبي إلى عرقلة تقدم المؤسسة، فإن هذا يصيبني بغضب عارم، وقد أعبّر عن غضبي بوضوح تام، وأكاد أتميز غيظاً في هذه الحالة.

تينا أوبي: الشيء المثير للاهتمام هو أنه عندما يتعلق الأمر بالعمل، فإننا نمنح أنفسنا الإذن بالغضب، إذ نقول لأنفسنا: هذا يتعلق بالعمل، لذلك لديّ الإذن بأن أغضب لأنني إذا لم أقل شيئاً، فإن المؤسسة ستعاني. وهذا ما يحدث معنا نحن معشر النساء اللاتي يرغبن في إنقاذ المؤسسة من كارثة محتملة. لذا فإننا على أتم استعداد لطرق كل السبل من أجل إظهار هذا النوع من الغضب.

أود أن أقول إننا نحن النساء قد نكون أكثر استعداداً للتعبير عن غضبنا إذا ظلم أحدهم شخصاً آخر أو إذا تعامل أحدهم مع أحد مرؤوسينا بطريقة غير عادلة، فقد نقول لأنفسنا: “أوه، ها أنا امرأة غاضبة. سأحاول…”، ثم تضعين يديك على خاصرتك وتميلين برأسك، متسائلة: “ماذا تفعلين؟”.

لكن إذا فعلوا الشيء ذاته معنا، فإننا لا نسمح لأنفسنا بالتعبير عن هذا الغضب ومناقشة المظالم الشخصية.

سارة غرين كارمايكل: لقد أمضيت كل مسيرتي المهنية تقريباً في “هارفارد بزنس ريفيو”، وأستطيع أن أقول من واقع خبرتي في مؤسستنا أن إظهار الغضب أمرٌ غير مرحب به في ثقافة المؤسسة. وأستطيع أن أدّعي أن هذه الثقافة الكارهة للغضب تناسبني بشكل عام؛ لأنني شخص أتجنب الصراعات بطبعي. وعلى الرغم من ذلك، فإنني أعتقد أنه كانت هناك أوقات شعرت فيها بالغضب في العمل. وأعتقد أنني كلما تقدمت في السن، كنت أكثر استعداداً لتسميته بالغضب وتمكنت أيضاً من اتخاذ قرار بشأن ما يجب فعله حياله بدلاً من الاكتفاء بكبحه.

نيكول توريس: حسناً، يبدو أن الأمر يرتبط بتوقع عدم إبداء المرأة الكثير من المشاعر في العمل، حتى إن شغفهن بشيء قد يُساء تفسيره باعتباره مشاعر عاطفية مبالغاً فيها. أشعر بأن هذه الحدود يتم فرضها على المرأة أكثر من الرجل.

إيمي بيرنستين: أعتقد أيضاً أن الأمر يرتبط بخوفنا من الصراحة. إذ يتم انتقادي لهذا السبب من حين لآخر. لكن في ثقافة تولي التهذيب اهتماماً كبيراً، مثل ثقافتنا، قد يُساء تفسير صراحتك ويُنظَر إليها باعتبارها نوعاً من الغضب أو الوقاحة، في حين أن كل ما تحاولين فعله في حقيقة الأمر هو الوضوح، لأن الافتقار إلى الوضوح من وجهة نظري هو أصل المشاكل. بالإضافة إلى أنني من سكان نيويورك، وبالتالي فهو أمر يجري في عروقي. ما رأيك إذاً في هذه المسألة يا تينا؟

تينا أوبي: أتفق معكما بكل تأكيد. إذ تدركين تمام الإدراك المفاهيم الثقافية المؤسسية للسلوكيات الاحترافية وغير الاحترافية. وترتبط الطريقة التي تعبرين بها عن نفسك في مكان العمل بالأصالة.

وأنا أنتمي إلى أسرة تحب الصراحة الشديدة، فنحن ننتمي إلى جنوب الولايات المتحدة، ويعتقد الكثيرون أن الجنوبيين يتميزون بالرقة في المعاملة، لكننا أسرة جنوبية ذات بشرة داكنة، ودعيني أخبرك بشيء. إذا جاء أحدهم إلى المنزل وكان سلوكه غير مهذب، فقد لا نقول ذلك أمامه، لكننا سنتحدث عن سلوكه ذاك لعدة أيام. والشيء المثير للاهتمام هو أنهم اكتشفوا بمرور الأيام أنني شخصية صريحة ومحبة للوضوح، لذا كانت والدتي تقول لي: “هيا يا تينا نالي منه. اذهبي وأخبريه بحقيقة أفعاله”؛ لأن هذه كانت طبيعة شخصيتي.

وكثيراً ما كان زملاء العمل ينبهونني إلى الاحتراس ويلومونني على صراحتي المبالغ فيها من وجهة نظرهم لأنني امرأة. لكنني حاولت أيضاً معرفة كيفية التغلب على هذه الخصلة. لذلك فأنا أتريث قليلاً حينما أقول لأحدهم عندما يأتي إليَّ ويطرح سؤالاً ما: “هل تريد أن تسمع مني الحقيقة؟ هل تريد أن تسمع رأيي الحقيقي؟ أم تريدني أن أقول لك شيئاً يرضيك فحسب؟”. وإذا أخبرتني بأنك تريدين سماع رأيي الحقيقي، فسأكون صريحة معك للغاية، ويعرف الجميع ذلك عني وينال هذا السلوك إعجابهم لسبب ما. وأؤمن في الواقع بأننا نستطيع تغيير ثقافتنا المؤسسية في أماكن العمل بحيث تتحوّل إلى ثقافة تُعلي من قيمة الصراحة الممزوجة باللطف ولا تشجّع المواربة التي قد لا تُبطن بالضرورة النوايا الحسنة. قد لا يريد أحدهم إيذاء مشاعرك، لكنه قد لا يرغب أيضاً في إعطائك التعليقات النقدية الصريحة التي من شأنها أن تساعدك على التطور لتصبحي موظفة أفضل.

سارة غرين كارمايكل: أنتمي إلى أسرة أنجلو سكسونية من ذوي البشرة البيضاء، وأعيش في نيو إنغلاند، ولا تحب أسرتي الصراحة.  ولطالما عانيت في مكان العمل بسبب حيرتي بين كيفية التعامل مع الآخرين بنوع من المواربة لكن مع مراعاة الوضوح واللطف، مقابل ما أشعر به حينما أتصف بالصراحة والوضوح ولكن مع مضايقة الآخرين.

نيكول، ماذا عن أسرتك؟

نيكول توريس: تقصدين خلفيتها؟ تفضل المواربة إلى حدٍّ كبير. فنحن نقمع العواطف. ونكبت مشاعر الحزن أو الغضب. لم نكن أسرة عاطفية للغاية، وأعتقد أنني لست شخصاً عاطفياً للغاية. وعندما أذهب إلى العمل، فلا أعتبر نفسي شخصاً يتعامل بطريقة فيها الكثير من المواربة، ولكنني أعتقد أنني مهذبة جداً في رسائلي الإلكترونية، لكنني أجد أن طلب شيء ما من الآخرين يمثّل لي تحدياً صعباً إلى حدٍّ ما. فقد أقول شيئاً على غرار: “ستكون هذه فكرة رائعة، هذا شيء عظيم لكلينا –”.

سارة غرين كارمايكل: قد تكونين الشخص الأكثر تهذيباً في مكتبنا.

نيكول توريس: أنا مهذبة جداً. وأحب علامات التعجب! وأريد أن يشعر الناس بأن طاقتي الإيجابية تنتقل إليهم. وأعتقد أن هذا مستوحى من البيئة التي نشأت فيها وعدم الشعور بالغضب العارم أو إظهار الغضب أو حتى الصراحة مع الآخرين أو طلب الأشياء بطريقة مباشرة.

تينا أوبي: اسمحي لي بأن أطرح عليكِ سؤالاً محرجاً بعض الشيء يا نيكول. هل تعترفين بأصولك الآسيوية؟

نيكول توريس: نعم.

تينا أوبي: من أي دولة؟

نيكول توريس: الفلبين.

نيكول توريس: أجل.

تينا أوبي: لقد سألتك يا نيكول إن كنتِ تعترفين بأصولك الآسيوية لأن هناك صوراً نمطية. إذ عُرف الآسيويون في مكان العمل بالأقليات النموذجية. فهم مهذبون للغاية وينكبُّون على إنجاز العمل بجد واجتهاد ويركزون على المهمات الموكلة إليهم، لكنهم لا يتبوّؤون مراكز قيادية. هل سمعت بهذه الصورة النمطية من قبل؟

نيكول توريس: نعم، هذا صحيح. وقد سبق لنا أن نشرنا بحثاً عن ذلك.

تينا أوبي: لقد اطلعت على هذا البحث وقرأت نتائجه، كما قدّمت المشورة لبعض طلابي الذين ينحدرون من أصول آسيوية. وكثيراً ما يواجهون هذه الصورة المأخوذة عنهم، وأعتقد أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: عندما قلتِ إنك لست شخصاً عاطفياً للغاية، هل يعني هذا أنك لا تحسين بالمشاعر؟ أم أنك لا تريدين التعبير عن المشاعر؟

نيكول توريس: بلى، أحس بالمشاعر. لكن مشكلتي تكمن في عدم معرفة كيفية التعبير عنها أو عدم معرفة المشاعر التي يمكن التعبير عنها دون إيذاء الآخرين نفسياً، ويشغل هذا السؤال حيزاً كبيراً من التفكير في عقلي الباطن. وأعتقد أن الأمر يرجع إلى البيئة الثقافية في المقام الأول، فمعايير أسرتي وتوقعاتها والمسار الذي رسموه لي تختلف كلياً وجزئياً عن التوقعات والمسار الذي أتخيله لنفسي الآن. إذ أجد أن محاولة التقدم في مكان العمل ومحاولة إثبات جدارتي في مجال القيادة وإقناع الآخرين باحترام آرائي تختلف تماماً عن الأعراف المتوارثة، لأن الدور الذي كان من المتوقع أن أؤديه في سن الطفولة كان يتلخّص في التالي: اجتهدي في دراستك، لا تجيبي الأكبر منك بقلة احترام، احصلي على درجات جيدة، احصلي على وظيفة جيدة، لا تسبّبي ضجة.

تينا أوبي: لقد نشأنا كلنا في ظل ثقافات لها معاييرها الخاصة. ثم ندخل في سياق مكان العمل، فنسأل أنفسنا: كيف نعبّر كأفراد عن أصالتنا؟ كيف نتعامل في هذه البيئات المتناقضة؟ لأنك إذا كنتِ تريدين التعبير عن مشاعرك، ولكنك تشعرين بأنك لا تعرفين كيف تفعلين ذلك، فتلك مسألة أخرى بكل تأكيد. ولكن إذا شعرتِ بأنه يتعين عليك التعبير عن مشاعرك لأن مكان العمل يجبرك على ذلك، فهذا أمر يتنافى مع الأصالة.

إيمي بيرنستين: لكنكِ تعلمين أن هيرمينيا إيبارا كتبت هذا المقال الرائع بعنوان “مفارقة الأصالة” (The Authenticity Paradox). وكانت إحدى النقاط التي أوضحتها ولمست لديّ وتراً حساساً هي أنه عندما يفكر المرء في الأصالة، خاصةً إذا كان في بداية مسيرته المهنية، فعليه أن يجرب تقمُّص شخصيات مختلفة لكي يحدّد الشخصية التي يشعر معها بالراحة، لأن الشخص الذي تخرج في الجامعة قبل بضع سنوات قد لا يكون الشخص نفسه القادر على الازدهار في أي مكان عمل، أليس كذلك؟ لذا عليكِ أن تتعلمي وتطوري نفسك وتكتشفي العالم من حولك. قد تصطدمين ببعض العقبات، ثم تجدين الطريق الصحيح المناسب لشخصيتك للمضي قدماً في حياتك. فهل تؤيدين هذه الفكرة يا نيكول؟

نيكول توريس: أجل. لقد قالت في هذا المقال إنه يجدر بك ألا تضعي تعريفاً صارماً للأصالة لا يقبل التغيُّر مع تغيُّر الظروف من حولك. لكني أود أن أعرف  الفارق بين الاتصاف بعدم الأصالة والخروج من منطقة الراحة؟ لأن الصفة الأخيرة تعني أنك بحاجة إلى التطور في مكان العمل وتنمية قدراتك القيادية.

تينا أوبي: أرى من وجهة نظري أن الأصالة هي إبراز أفضل ما لديك. وقد توصل بعض الأبحاث إلى أن المرء عليه أن يحتفظ بأصالته لنفسه في المنزل. إذ لا يريد أحد أن يرى ذاتك الأصيلة، فذاتك الأصيلة قد تكون بغيضة. حسناً، هذه ليست الذات الأصيلة التي أتحدث عنها. فليس من المقبول أن تشيري لأحدهم بإشارة بذيئة عندما يرتكب مخالفة تثير غضبك وأنتِ تقودين السيارة. قد يقول البعض إن هذا السلوك ينبع من ذاتي الأصيلة التي تتصرف على سجيتها دون تكلف. لكنني أرى أن هذا الكلام غير صحيح. إذ يدل هذا السلوك على طريقة تصرفي حينما أكون تحت الضغط. وإذا كان لديّ الوقت للتفكير والتريث وعدم السماح لانفعالاتي بالسيطرة عليّ، فلن أرتكب هذا الفعل المستهجن، لأنه يتنافى مع قيمي التي أعتز بها، ولا يتوافق مع أصالتي.

سارة غرين كارمايكل: ثمة مثال عملي حول كيفية تعديل المرأة لأسلوبها في التواصل لتفرض على الآخرين احترام رأيها خلال الاجتماعات، وكان من بين ما قلناه آنذاك إنه ينبغي للمرأة أن تتخلى عن قول: “حسناً، ماذا عن هذه الفكرة؟” وأن تقول بدلاً من ذلك: “أوصي بقوة باعتماد هذه الفكرة”. فهل سيبدو سلوكك منافياً للأصالة عندما تحاولين بوعي تغيير الطريقة التي تتحدثين بها لكي تفرضي على الآخرين احترام آرائك؟

تينا أوبي: دائماً ما يكون من الصعب التكهن بذلك، لأن بعضها عبارة عن استشارات مهنية ونصائح مهنية من شأنها أن تساعد النساء أو الرجال أو الجميع. لكن بعضها الآخر عبارة عن إشارات خفية لإبداء التوافق والتحدث بصوت أعلى والإكثار من العبارات التصريحية والتلفظ بعبارات توكيدية أكثر حسماً والدفاع عن موقفك وفرض وجودك على الآخرين وإثبات حضورك وفرض شخصيتك وامتلاك زمام السيطرة على أجواء الاجتماع. هل نتحدث عن مباراة لكرة القدم، أم نتحدث عن قاعة اجتماعات؟ وماذا لو كان صوت إحداهن أكثر نعومة من صوت شخص آخر، ولكنها ذكية جداً ويمكنها الجدال لإثبات حجة رأيها، وماذا لو كان بإمكانها عرض رأيها بطريقة مقنعة؟ أليست لدينا مساحة على طاولة الاجتماعات أو في مكان العمل لهذا النوع من الأصوات أيضاً؟ أعتقد أنه يمكننا مسايرة النصائح التقليدية ونقول للمرأة أشياء مثل: “تحدثي بصوت أعمق”. هل هذا ضروري حقاً؟ إذا كن ينقلن الأفكار، فهل يحتجن إلى التواصل بطريقة معينة؟

إيمي بيرنستين: ما الفارق بين ذلك وبين طريقتك في ارتداء الملابس؟

تينا أوبي: حسناً، هذا سؤال مهم. لا أدري. نحاول التعرُّف إلى الحدود المسموح بها، أليس كذلك؟ ونحاول أن نعرف كيف استطاع هذا الشخص التصرف بطريقة تنم عن الأصالة وتحقيق التميز في مكان العمل.

ولا تظهر لكنتي الجنوبية إلا حينما أغضب أو أشعر بالتعب الشديد. ويرجع هذا في الأساس إلى الأسلوب التربوي الذي نشأنا عليه في محيطنا الأسري، فقد ربانا والدانا على التحدث بطريقة تخفي اللكنة الجنوبية، لأنهما أدركا أن ذلك قد يعيق نجاحنا الأكاديمي والمهني. فهل يجب أن ألتزم بهذه القاعدة؟ وهل سأكون أكثر أصالة إذا احتفظت بلكنتي الجنوبية نظراً لأنني نشأت هناك وتربيت في كنف والدين من أهل الجنوب؟ لا أدري. كنت على استعداد للتخلي عن لكنتي، لكنني لست على استعداد لفرد شعري. وهذه هي الحدود التي لا يمكن تخطيها من وجهة نظري.

سارة غرين كارمايكل: ما العلاقة بين الأصالة وتوقعات الأصالة، وهل تختلف هذه التوقعات باختلاف الأصول العرقية للنساء؟

تينا أوبي: لقد أجريت بعض الأبحاث بالتعاون مع كاثرين فيليبس حول الشعر في مكان العمل على وجه الخصوص، وتحديداً العواقب الناجمة عن طريقة تصفيف الشعر. وقد اخترت التركيز في دراستي على الشعر لأنه سمة قابلة للتغيير، إذ يمكنك تغيير طريقة تصفيفه بسهولة، ولأنه وثيق الصلة بالهوية. ولأنني امرأة ذات بشرة داكنة خاضت مجال العمل في الشركات الأميركية، فقد تلقيت النصح بتجنب تصفيفات معينة لشعري لأن العملاء قد لا يحبون ذلك. وعندما أجرينا بحثنا التجريبي، وجدنا أن النساء ذوات الشعر الإفريقي المجعد أو اللاتي يضفرن شعورهن يتم تقييمهن على أنهن أقل احترافية من هؤلاء النساء أنفسهن عند تصويرهن بعد فرد شعورهن.

وقد شكّل هذا السلوك ظاهرة متكررة بين الجميع بلا استثناء، سواءً كان القائمون على عملية التقييم من ذوي البشرة الداكنة أم البيضاء. الشيء المثير للاهتمام هو أننا وجدنا أن الأشخاص المنحدرين من أصول إفريقية أكثر ميلاً للحط من قدر النساء ذوات الشعر الإفريقي المجعد (وأود أن أنوّه هنا إلى أن الشعر الإفريقي المجعد ذا الملمس الخشن لا يميز كل النساء اللاتي تنتمين إلى أصول إفريقية)، على الرغم من أن هذا السلوك شكّل ظاهرة متكررة بين الجميع بلا استثناء.

وقد لاحظنا وجود ما يُعرف بالتحيز للمجموعة. ولا يزال يتعين علينا إجراء المزيد من الأبحاث لمتابعة النتائج التي تم التوصُّل إليها حتى الآن والتحقق منها، لأن بعض الناس قالوا على الفور: “إن هذه الظاهرة ترجع في الأساس إلى كراهية ذوي البشرة الداكنة لأنفسهم”. وقد اندهشتُ متسائلة: حسناً. أنا لا أكره نفسي. وهذا ليس صحيحاً بالضرورة. قد يكون هناك نوع من العنصرية البينية، ولكن قد يرجع الأمر أيضاً إلى أن ذوي البشرة الداكنة يدركون تماماً أساليب إدارة الانطباعات الضرورية للتعامل بنجاح في مكان العمل. لذلك عندما طرحنا أسئلة، مثل: “ما النصيحة التي توجهها لهذه المرشحة لشغل الوظيفة؟” لم يقل أحد أي شيء، ولم يذكر الشعر على الإطلاق للنساء ذوات الشعر الناعم. ولكن عندما كان ذوو البشرة الداكنة على وجه الخصوص يطالعون هذه الصور للنساء ذوات البشرة الداكنة والشعر الإفريقي المجعد أو المضفَّر، كانوا يقولون أشياء، مثل: “قد تحتاج إلى تغيير تسريحة شعرها”، “قد تحتاج إلى فرد شعرها”، “قد تحتاج إلى تنعيم شعرها”.

وأعتقد أن السبب وراء تشديدهم على هذه النقطة الشكلية يرجع في الأساس إلى تلقيهم النصيحة ذاتها داخل مكان العمل وخارجه. وليس لدى الكثيرين أي فكرة عن مقدار الوقت المستغرق لتصفيف شعرك إذا كان خشناً بطبيعته والجهد اللازم بذله كل يوم لفرده وتنعيمه. إذ يعتبر هذا إلى حدٍّ كبير من الأعمال المتوارية عن الأنظار، وجهداً كبيراً لا تتلقين عليه أجراً يتعين عليك بذله خارج مكان العمل، وهناك الكثير من الأفكار التي تدور في ذهني حول كيفية فعل ذلك. ألن يكون من الأفضل أن يركّز موظفونا على عملهم؟ وأعود وأكرر أن هذا لا يعني بحال من الأحوال تشتيت انتباه النساء المنحدرات من أصول إفريقية في العمل. كل ما هنالك أن عليهن بذل مزيد من الجهد مقارنة بزميلاتهن. هل هذا يرتبط بالعمل؟ وما علاقة ذلك بالوظيفة؟

يشكل الأمر ببساطة إطاراً ثقافياً لفهم المظهر الاحترافي والفارق بينه وبين المظهر غير الاحترافي، وهذا ما أريد توضيحه، أي أن المؤسسات بحاجة حقيقية إلى مراجعة نفسها في هذا الشأن. فقد كانت هناك دعاوى قضائية رفعها أشخاص تم تعيينهم ومن ثم تم التراجع عن عروض العمل المقدمة لهم، لمجرد أنهم رفضوا أن يقصوا ضفائر شعورهم. هل تريد أن تخبرني المؤسسة التي أعمل بها بأنها قلقة للغاية من تسبب تصفيفة شعري في إغضاب عملائها، لدرجة أنها لا تتردد في فصل موظفة تعتقد أنها تمتلك أعلى المؤهلات لأداء مهمات هذا المنصب الوظيفي؟

أو قد يكون لديكِ قواعد مثل “لا بد من الحفاظ على معايير النظافة الشخصية”. وصدقي أو لا تصدقي، فحتى شيء كهذا قد يكون محل جدال. فقد لا يستحم الناس إلا مرة واحدة في الأسبوع. وقد يحضرون اجتماعاً في مكان اعتاد فيه الناس على الاستحمام مرة أو مرتين في اليوم الواحد، فتفوح منهم رائحة كريهة. فهل هم نظيفون؟ إنهم كذلك حسب معايير ثقافتهم. لكنهم وفقاً لثقافتنا، قد لا يكونون كذلك. ماذا نتوقع من هذا الشخص؟ وكيف نجري محادثة حول أمر كهذا؟

لا أعرف الإجابة في حقيقة الأمر. لكننا نحتاج إلى تحدي فهمنا الثقافي للطابع الاحترافي. فلم يعد من المقبول أن نحتفظ بهذه الأشياء في الكتب دون مناقشتها بجرأة، ودراسة أثرها على الموظفين.

نيكول توريس: أتذكر أن أمي كادت تُصاب بالإغماء حينما ثقبت أنفي وأخبرتها بذلك. لقد جُن جنونها وصاحت في وجهي: “لن تحصلي على وظيفة بهذا المنظر”. وكنت أقول لنفسي آنذاك: حسناً، لا أريد العمل في أي مكان لا يقبل بشيء كهذا. هل هذا سلوك عام بين المنتمين لجيل الألفية؟ أعلم أن هذا السلوك ينم عن المميزات المكتسبة لأبناء جيلنا. إذ يمكنني اختيار المكان الذي سأذهب إليه. لكني أتساءل عمّا إذا كانت هذه العقلية المختلفة ترتبط بالأجيال الشابة.

تينا أوبي: فرضتموها عليّ، لكنني سأرتدي جوارب صفراء. أو سأرتدي هذه البدلة المصممة خصيصاً، لكنني سأرسم وشماً على ذراعي لن يروه أبداً. أو سأصفّف شعري وألفه على شكل كعكة، لكنني لن أتخلى عن الضفائر. من يدري؟ أعتقد أن التمرد على المألوف جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية. وأعتقد أن كل جيل يعتقد أنه الجيل الأكثر تمرداً، وأود أن أُبدي اتفاقي مع هذا الطرح.

لكنني أتساءل هنا: ماذا ستكون الحال إذا كنتِ امرأة ذات بشرة داكنة وشعر مضفّر وأنف مثقوب وشعر وردي؟ هل سيكون هذا مقبولاً؟ لأن هذا أشبه بقولنا شيئاً على غرار: ربما يمكننا الظهور بطريقة أو طريقتين، ولكن إياكِ أن تأتي إلى هنا بمظهر يخالف الآخرين تماماً. لن يتم قبول شيء كهذا.

سارة غرين كارمايكل: هل تعتقدين أنه بمقدور المرأة أن تكون قائدة تتمتع بأصالة حقيقية؟

تينا أوبي: أعتقد أنه بمقدور النساء أن يكن قائدات يتمتعن بالأصالة. وهي المرأة التي تستطيع التعبير عن نفسها، ويعكس سلوكها سماتها الشخصية والقيم التي تريد الإعلاء من شأنها في مكان العمل وعلى أتم استعداد لمشاركتها مع مرؤوسيها، بكل إيجابياتها وسلبياتها.

والآن، فإن مشكلتي الحقيقية ترتبط بفكرة القيادة الأصيلة. فقد يتغير تعريفها اعتماداً على ما تتحدثين عنه. هل نعني شخصاً صادقاً ويتعامل بشفافية؟ أم نعني شخصاً يسعى لإظهار أفضل ما لديه، ويعمل على تبنّي وجهات نظر الآخرين الذين يعملون تحت رئاسته ويسعى لمراعاتها عند اتخاذ القرارات؟ أعتقد أنه بمقدور المرأة أن تتمتع بالأصالة وأن تكون قائدة بهذه الطريقة.

ولا أعتقد أن الأمر يقتصر بالضرورة على أنواع معينة من النساء، وإن كنت أعتقد أن المرأة تلقى مصاعب أكبر من الرجل في هذا المضمار. فكلما قلت صلاحياتك، كان من الصعب أن تتمتعي بالأصالة، وهذه حقيقة لا جدال فيها. فإذا كنتِ امرأة تعمل بنظام الأجر بالساعة وكان دخلك يعتمد على صاحب العمل الذي يخبرك بضرورة ارتداء مريلة وفرد شعرك، فقد تكونين أكثر حرصاً على تنفيذ رغباته مقارنة بما إذا كنتِ الرئيسة التنفيذية للمؤسسة التي تعملين بها. ومن هنا يجب أن ندرك حقيقة أن الأمر ليس سهلاً على الجميع، وأعتقد أن الصلاحيات تطل علينا برأسها هنا وتؤثر على قدرة النساء والرجال على التمتع بالأصالة في مكان العمل والقيادة بأسلوب ينم عن الأصالة الحقيقية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .