حدّد رسالتك التي تحاول إيصالها إلى الآخرين قبل أن تغرق في بحر التفاصيل.
قبل فترة غير بعيدة، كانت القدرة على رسم شكل بياني ذكي يهدف إلى تمثيل البيانات بصورة بصرية واضحة واحدة، من المهارات التي يُعتبر التمتّع بها أمراً لطيفاً. وكانت في غالب الأحيان مفيدة للمدراء المهتمين بالتصميم والبيانات والذين اتخذوا قراراً واعياً بالاستثمار في اكتساب هذه المهارة. لكن هذا الوضع تغيّر. فقد باتت مهارة التواصل البصري ضرورة أساسية يجب على المدراء التمتع بها لأنها أصبحت وبصورة متنامية الطريقة الوحيدة لفهم العمل الذي يقومون به.
تُعتبرُ البيانات هي القوة الأساسية الكامنة وراء هذا التحوّل. فقد باتت عملية اتخاذ القرار، وبصورة متزايدة، تعتمد على البيانات، التي أصبحت تردنا بسرعة فائقة ومذهلة، وبأحجام هائلة، إلى حدّ لا نكون معه قادرين على استيعابها دون شيء من التجريد، كتمثيلها بصرياً. وإليكم المثال النموذجي التالي: في شركة بوينغ، يجب على مدراء برنامج الطائرة الحربية (Osprey) تحسين عمليات إقلاع الطائرات وهبوطها. ففي كل مرة تقلع فيها الطائرة عن الأرض أو تحطّ من جديد، فإن أجهزة الاستشعار فيها تولّد ما مقداره تيرابايت من البيانات. وبالتالي فإن إقلاع الطائرة وهبوطها يولّدان من البيانات ما يعادل حجم البيانات الموجودة في مكتبة الكونغرس الأمريكي. ودون وضع أشكال بيانية بصرية، سيكون اكتشاف حالات عدم الكفاءة المخفية في الأنماط والشذوذات في هذه البيانات ضرباً من المستحيل.
ولكن حتى المعلومات التي ليست ذات طابع إحصائي تحتاج إلى التعبير عنها بطريقة بصرية. كما أن الأنظمة المعقدة – كآليات سير الأعمال التجارية، على سبيل المثال، أو الطريقة التي يتحرّك الزبائن بها ضمن المتجر – ستكون صعبة على الفهم، وصعبة على الإصلاح حتى، إذا لم نكن قادرين على رؤيتها.
ولكن بفضل الإنترنت وعدد آخر من الأدوات ذات السعر المعقول، فإن ترجمة المعلومات إلى أشكال بصرية بات الآن أمراً سهلاً (ورخيصاً) بالنسبة لجميع الناس بغضّ النظر عن المهارات التي يمتلكونها في مجال البيانات أو التصميم. وهذا بحدّ ذاته يُعتبرُ تطوّراً إيجابياً كبيراً. لكن واحداً من عيوب هذا الأمر يتمثّل في أنه يعزّز الدافع الموجود لدى الناس للنقر بسرعة على فأرة الكمبيوتر وإصدار الشكل البياني المطلوب دون التفكير أولاً في الغاية منه وأهدافه. فقد باتت "الراحة" في إنتاج الشكل البياني بديلاً مغرياً عن إنتاج الشكل الجيّد، لكن ذلك سوف يقود إلى أشكال بيانية لا تفي بالغرض المطلوب، أو أسوأ من ذلك حتّى، قد تقود إلى أشكال بيانيّة غير فعّالة. فتحويل الخلايا الموجودة في أحد ملفات برنامج إكسل بصورة تلقائية إلى شكل بياني لا يؤدّي إلا إلى تمثيل جزء فقط من ذلك الملف بشكل بصري؛ لكّنه قد لا يعبّر عن الفكرة المطلوبة بالضرورة. وكما تقول الخبيرة في تقديم العروض نانسي دوارت "لا تحاول إظهار الفكرة القائلة بأنك تعرض شكلاً بيانياً. بل حاول أن تظهر الفكرة القائلة بأنك تعرض تمثيلاً معيّناً للنشاط البشري، أو تمثيلاً لأشياء فعلها الموظفون لجعل أحد الخطوط يرتفع إلى الأعلى أو ينخفض إلى الأسفل. فلا يجب أن يكون لسان حالك هو: "إليكم نتائجنا المالية للربع الثالث"؛ وإنما يجب أن يكون: "إليكم المجالات التي لم نحقق أهدافنا فيها".
غالباً ما يبدأ المدراء الذين يريدون تحسين مهاراتهم في مجال رسم الأشكال البيانية بتعلّم القواعد. متى يجب أن استعمل الشكل البياني بالأعمدة (Bar Chart)؟ ومتى يكون عدد الألوان المستعملة زائداً عن اللزوم؟ وأين يجب أن أضع مفتاح الشكل البياني؟ وهل يجب أن يبدأ محور العينات (y-axis) عند الصفر؟ إن معرفة القواعد الخاصّة بالتمثيل البصري هي أمر هام ومفيد، لكن معرفة هذا القواعد لا يضمن رسم أشكال بيانية جيّدة. كما أن البدء انطلاقاً من قواعد رسم الأشكال البيانية يشبه تجاوز الاستراتيجية والانتقال مباشرة إلى التنفيذ؛ الأمر هنا يشبه توضيب الحقائب للذهاب في نزهة دون أن تعرف إلى أين ستذهب.
إن تواصلك مع الناس باستعمال الأشكال البيانيّة البصرية، سيكون أكثر نجاحاً بكثير إذا أدركت منذ البداية بأن الأمر ليس بمثابة إجراء وحيد تتّخذه، بل هو عبارة عن عدّة نشاطات، يحتاج كلّ واحد منها إلى أنواع خاصّة من التخطيط والموارد والمهارات. وكنت من جهتي قد وضعت النماذج التي أعرضها هنا كردّ فعل على ارتكابي للخطأ ذاته الذي وصفته للتو: فالكتاب الذي استقيت منه هذه المقالة كان يُفترضُ به في البداية أن يكون بمثابة كتاب لقواعد الأشكال البيانية. ولكن بعد أن قمت باستكشاف لتاريخ التجسيد والتعبير والتمثيل البصري، والحالة المثيرة للأبحاث المتعلقة بالتمثيل البصري، وبعد اطلاعي على الأفكار الذكية التي حصلت عليها من الخبراء والروّاد، أعدت النظر في المشروع. فنحن لم نكن بحاجة إلى كتاب جديد للقواعد؛ وإنما كنا بحاجة إلى طريقة للتفكير في علم التواصل البصري برمّته والذي تتزايد أهميته يوماً بعد يوم. وتُعتبر الأنماط الموصوفة في هذه المقالة بسيطة. ولكن إذا أجبت عن سؤالين اثنين فقط فإنك بذلك تستطيع تهيئة نفسك للنجاح.
السؤالان
إذا أردت أن تبدأ بالتفكير بصرياً، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الشكل البياني البصري الذي تريد وضعه والغاية منه:
هل المعلومات "معتمدة على المفاهيم" أمّ أنها "مبنية على البيانات"؟
هل أنا "أعلن" شيئاً أم أنني "استكشف" شيئاً؟
إذا كنت تعرف الإجابة عن هذين السؤالين، بوسعك أن تخطّط وتحدّد الموارد والأدوات التي سوف تحتاجها وأن تدرك الأشكال البصرية التي سوف تساعدك في تحقيق أهدافك بأكبر قدر من الفعالية.
يُعتبرُ السؤال الأول أسهل من السؤال الثاني، والإجابة عنه عادة واضحة. فإمّا أنك تحاول تحويل معلومات نوعية (كيفية) إلى أشكال بصرية، أو أنك تحاول عرض معلومات كمية: أي أنك تعرض أفكاراً أو إحصائيات. ولكن لاحظ بأن السؤال يتعلّق بالمعلومات بحدّ ذاتها، وليس بالأشكال التي قد تستعملها في نهاية المطاف للتعبير عن هذه المعلومات. فعلى سبيل المثال، تستعمل شركة غارتنر شكلاً بيانياً يعرف باسم (Gartner Hype Cycle) (راجع الشكل البياني إلى اليسار أعلاه) وهو يقوم على شكل تقليدي يعتمد على البيانات – شكل بياني خطي – لكنه لا يتضمّن بينات فعلية. بل هو مجرّد مفهوم.
غالباً ما يلجأ المدراء إلى استعمال الأشكال البيانية البصرية الإعلانية (declarative)، التي تعلن بياناً معيّناً، وهي تكون عادة موجّهة إلى جمهور معيّن وضمن سياق رسمي. فإذا كان لديك ملف إكسل مليء بالبيانات الخاصّة بالمبيعات، وكنت تستعمله لإظهار المبيعات الفصلية ضمن عرض معيّن تقدّمه فإن الغرض من عرضك إعلاني.
ولكن لنفترض بأن مديرك يريد أن يفهم السبب الذي دفع أداء فريق المبيعات إلى التراجع في الآونة الأخيرة. وأنت تشك بأن تكون التقلبات الموسمية هي السبب وراء هذا الانخفاض، لكنك لست واثقاً من ذلك. في هذه الحالة يكون غرضك تفسيرياً، وسوف تستعمل البيانات ذاتها لرسم أشكال بيانية بصرية تؤكّد فرضيتك أو تنقضها. وعادة ما يكون جمهورك مؤلفاً منك أنت شخصياً أو من فريق صغير. فإذا تأكّدت فرضيتك، فإنك قد تعرض على مديرك شكلاً بيانياً بصرياً إعلانياً، حيث تقول له: "دعني أريك ما الذي يحصل في المبيعات".
أمّا الأشكال البيانية البصرية التفسيرية فلها نوعان. في المثال الوارد أعلاه، أنت كنت تختبر فرضية معيّنة. ولكن لنفترض بأنك لا تعرف السبب الذي يجعل المبيعات تتراجع. في هذا الحالة أنت لا تعرف ما الذي تبحث عنه. وأنت تريد التبحّر في ملف البيانات الموجودة لديك لترى أي الأنماط أو التوجهات أو الشذوذات سوف تظهر. ما الذي ستراه، على سبيل المثال، عندما تقيس أداء المبيعات بالمقارنة مع حجم المنطقة التي يديرها مندوب المبيعات؟ وما الذي يحصل إذا قارنت التوجهات الموسمية في مختلف المناطق الجغرافية؟ وكيف يؤثر الطقس على المبيعات؟ إن القيام بعملية عصف ذهني (brainstorming) باستخدام البيانات يمكن أن يمنحك منظوراً جديداً للأمور. ويمكن للأسئلة الاستراتيجية الكبيرة – من قبيل لماذا يحصل تراجع في الإيرادات؟ وأين يمكننا تحقيق قدر أكبر من الكفاءة في العمل؟ وكيف يتفاعل الزبائن معنا؟ - أن تستفيد من استعمال الأشكال البيانية البصرية التفسيرية التي تركّز على الاكتشاف.
الأنماط الأربعة
إن الأسئلة المتعلقة بطبيعة الأشكال البيانية والغرض منها تجتمع معاً على شكل مصفوفة رباعية (2X2) ينجم عنها أربعة أشكال من التواصل البصري: التعبير عن الفكرة برسم إيضاحي، وتوليد الفكرة، والاكتشاف البصري، والأشكال البيانية البصرية اليومية المعتادة.
يتطلّب التعبير عن الفكرة برسم إيضاحي تصميماً واضحاً وبسيطاً، لكن اعتماده على المجازات والاستعارات قد يقود إلى استعمال زخارف غير ضرورية. وبما أن انضباط مجموعات البيانات المستعملة وحدودها ليست جزءاً داخلياً أو ضمنياً لا يتجزّأ من التعبير عن الفكرة برسم إيضاحي، فإن هذا الانضباط وهذه الحدود يجب أن تُفرض فرضاً. فالتركيز يجب أن ينصبّ على إيصال الأفكار بوضوح، وعلى هيكلية الأفكار ومنطقها. والمهارات الأكثر فائدة في هذه الحالة هي المهارات المشابهة لتلك التي يمتلكها المحرر اللغوي الذي يقوم بتحرير مسودّة أي نص – أي أن الشخص يجب أن يمتلك القدرة على إعادة الأمور إلى جوهرها. ولكن سيكون من المفيد امتلاك بعض المهارات في مجال التصميم، سواء كنت أنت من يمتلك هذه المهارات أو استعنت بشخص آخر يمتلكها.
لنفترض بأن شركة ما استعانت باستشاريين لمساعدة قسم الأبحاث والتطوير فيها على استقاء الأفكار من قطاعات أخرى. يستعمل الاستشاريون تقنية تسمّى "البحث الهرمي" (pyramid search) – وهي طريقة للحصول على المعلومات من الخبراء في المجالات القريبة من مجال عملك، والذين يرشدونك بدورهم إلى كبار الخبراء في مجالهم هم، كما يرشدونك أيضاً إلى الخبراء في مجالات أخرى، حيث يساعدك هؤلاء الخبراء بعدها في العثور على خبراء آخرين في تلك المجالات وهكذا دواليك.
قد لا يكون شرح الأمور سهلاً أحياناً، لذلك قد يلجأ الاستشاريون إلى استعمال الأشكال الإيضاحية البصرية لتساعدهم في الشرح والتفسير. فما هي الآلية التي تسير وفقها عملية البحث الهرمي؟ إليكم فيما يلي شكلاً يوضح معنى البحث الهرمي:
يوجد في الشكل الإيضاحي محوران، وهما يستعملان معايير يمكننا استيعابها فوراً: فالمجالات المستهدفة موضوعة على المحور الأفقي من القريب إلى البعيد، في حين أن الخبرة موضوعة على المحور العمودي، وهي موضّحة من الخبرة المنخفضة إلى الخبرة العالية. ويظهر شكل الهرم بحدّ ذاته الندرة النسبية للخبراء الأساسيين الكبار مقارنة مع الخبراء الأقل خبرة. وتساعدنا الكلمتان المستعملتان في العنوان – "تسلّق" و"الأهرام" – في فهم الفكرة بسرعة.
أخيراً، نجد بأن مصمّم الشكل لم يخضع للإغراء باستعمال أشكال زخرفية. فالأهرام ليست أشكالاً حرفية ثلاثية الأبعاد وملوّنة بلون الرمل.
في هذا الشكل الإيضاحي نجد بأن تدرّج الألوان، والظلال المستعملة، والأهرام الثلاثية الأبعاد تشتّت انتباهنا عن الفكرة الأساسية. كما أن الأسهم لا تشير فعلياً إلى الكيفية التي تسير وفقها آلية البحث الهرمي. في حين أن الخبراء والخبراء الأساسيين موضوعون على المستوى ذاته عوضاً عن وضعهم على ارتفاعات مختلفة، وذلك للتعبير عن الفرق النسبي في المكانة بينهما.
قد لا ينظر المدراء إلى عملية تمثيل الأفكار على هيئة أشكال بيانية بصرية بوصفها أداة تدعم توليد الأفكار، لكنهم يستعملونها على الدوام أثناء ممارسة العصف الذهني – سواء على الألواح البيضاء، أو على أوراق عادية ملوّنة، أو، كما يجري عادة، على ظهر منديل. وكما هو الحال مع التعبير عن الفكرة برسم إيضاحي، فإن توليد الأفكار يستند إلى صور مجازية واستعارات تعتمد على المفاهيم، لكنه يحصل في اجتماعات وأوضاع ذات طابع أقل رسمية، كأن تجري هذه العملية في أماكن تقع خارج المكتب أو ضمن الجلسات المخصّصة لوضع الاستراتيجيات، وفي المراحل المبكّرة من المشاريع المخصّصة للابتكار. وهي تُستعمل للعثور على طرق جديدة لرؤية آلية سير الأمور في الشركة وطريقة عملها وكذلك للتعامل مع التحدّيات المعقدة التي تواجه المدراء مثل: إعادة هيكلة مؤسسة معيّنة، أو طرح طريقة جديدة للعمل، أو برمجة نظام لاتخاذ القرارات.
رغم أن عملية توليد الأفكار هي شيء يمكنك إنجازه بصورة مستقلّة وبمفردك، إلا أنها يمكن أن تكون أفضل فيما لو جاءت ضمن سياق من التعاون واستفادت من التفكير التصميمي (design thinking) – أي جمع أكبر قدر من الآراء والمقاربات البصرية المتنوّعة قبل الاستقرار على واحد منها وصياغته بشكل أدق. يملأ جون كولكو، مؤسس ومدير مركز أوستن للتصميم، ومؤلف كتاب: "التصميم الجيّد: كيف تستعمل التعاطف مع الآخرين كوسيلة لصنع منتجات يحبّها الناس"، الألواح البيضاء الموجودة على جدران مكتبه بالكثير من الأشكال البيانية الإيضاحية سواء المعتمدة على المفاهيم أو التفسيرية. يقول جون: "هذه هي طريقة التفكير التي نستعملها خلال الظروف المعقّدة. وبالتالي فإن رسم هذه الأشكال البيانية الإيضاحية هو الجهد الذي نبذله للتعامل مع الحالات الغامضة والأوضاع الصعبة للخروج منها إلى حالة من العمل الرشيق". وسيكون المدراء الذين يجيدون إدارة الفرق، ولعب دور الميسّر في جلسات العصف الذهني، والتشجيع على التفكير المبدع ومن ثمّ التقاط ثماره، قادرين على تقديم أداء جيّد في هذا الربع من المربّع. في هذه الحالة، تعتبر مهارات التصميم وتحرير النصوص أقل أهمية، وفي بعض الأحيان يكون ضررها أكثر من نفعها. فإذا كنت تبحث عن تحقيق اختراقات، فإن القدرة على تحرير النصوص هي عكس ما تحتاجه تماماً، وإنما يجب عليك أن تفكّر باستعمال أشكال ورسومات إيضاحية سريعة؛ أمّا التصاميم المرتّبة والأنيقة فلن تفعل شيئاً سوى إبطاء وتيرة عملك.
لنفترض أن هناك فريقاً للتسويق يريد عقد اجتماع خارج مكاتبه. يحتاج أعضاء الفريق إلى التوصّل إلى طريقة لعرض استراتيجيتهم المقترحة لتحسين أوضاع الشركة في السوق على المدراء التنفيذيين. لا شكّ بأن جلسة تستمرّ لمدّة ساعة سوف تسفرُ عن عدد من المقاربات والأفكار التي تخص عرض الاستراتيجية سوف تُوضع على اللوح الأبيض (وهنا لا يجب مسح أي من هذه المقاربات والأفكار). في نهاية المطاف، ستحظى واحدة من هذه المقاربات بإجماع الفريق عليها بوصفها الأقدر على التعبير عن الفكرة الأساسية: أي دفع عدد أقل من الزبائن إلى إنفاق مبالغ أكبر. ويجب أن يكون شكل الورقة الموضوعة على اللوح الأبيض شبيهة بما يلي:
بطبيعة الحال، غالباً ما تقود الأشكال البصرية التي تنبثق عن عملية توليد الأفكار إلى رسوم إيضاحية تعبّر عن الأفكار بتصميم وبطريقة عرض أكثر رسمية.
يُعتبرُ هذا المربّع هو المربّع الأعقد، لأنه يتضمّن في الحقيقة فئتين. ولنتذكّر بأننا في الأصل كنا قد قسّمنا الأغراض التفسيرية (Exploratory Purposes) إلى نوعين اثنين: اختبار فرضية معيّنة، والتعمّق في البيانات بحثاً عن الأنماط والتوجهات والشذواذات. يُعتبرُ النوع الأوّل منها مركّزاً، في حين أن النوع الثاني أكثر مرونة. وكلّما كانت البيانات أكبر وأعقد، وكلّما كانت معرفتك بتفاصيل الموضوع في بداية العمل أقل، كلّما كانت النتيجة التي سيتوصّل إليها عملك مفتوحة أكثر وغير محدّدة النهاية.
التأكّد بصرياً من صحّة الفرضيات (Visual confirmation): في هذا النوع من المشاريع، أنت تجيب عن واحد من سؤالين اثنين: هل الأمر الذي أشكّ به صحيح فعلياً؟ أو ما هي الطرق الأخرى التي تساعدني على وصف هذه الفكرة؟
عادة ما يكون حجم البيانات معقولاً بحيث يمكن التحكّم به بسهولة، في حين أن أنماط الأشكال البيانية التي سوف تستعملها ستكون الأرجح من النوع الشائع – رغم أنك عندما تحاول وصف الأشياء بطريقة جديدة، قد تلجأ إلى بعض الأشكال الأقل شيوعاً. ولا يحصل هذا النوع من التأكّد من صحّة الفرضيات ضمن اجتماعات وسياقات رسمية؛ بل هو العمل الذي تقوم به للعثور على الأشكال البيانية التي تريد إنتاجها لكي تعرضها لاحقاً. وهذا يعني بأنك ستبتعد عن التصميم وستتّجه نحو وضع نماذج أولية (Prototypes) تسمح لك بأن تكرّر الأشكال البيانية البصرية وأن تغيّرها بسرعة. ومن بعض المهارات المفيدة في هذا السياق إمكانية التعامل مع ملفات إكسل والإلمام بالبرامج أو المواقع التي تسمح بوضع هذا النوع من النماذج الأولية بسرعة.
لنفترض بأن هناك مديراً للتسويق يعتقد بأن عدد الزبائن الذين يتسوّقون على موقعه على الإنترنت باستخدام أجهزة محمولة أكبر من عدد الزبائن الذين يتسوّقون باستعمال حاسب شخصي مكتبي، وذلك خلال بعض ساعات النهار، لكن برامجه غير مصمّمة للاستفادة من هذه الحالة. يقوم هذا المدير بإدخال بعض البيانات ضمن أداة متاحة على الإنترنت تسمّى (Datawrapper) ليعرف إذا كان على حق (الشكل رقم 1 إلى اليمين).
هو غير قادر بعد على التثبّت من صحّة فرضيته أو نقضها. والبيانات لا تخبره بالكثير، لكنه يحاول وضع نموذج أوّلي، ويستعمل أداة تسهّل عليه تجريب آراء مختلفة بخصوص البيانات. هو يعمل بسرعة؛ فالتصميم لا يشغل باله، ولا يشكّل هاجساً بالنسبة له. هنا يحاول هذا المدير استعمال شكل بياني بالخطوط (Line Chart) عوضاً عن شكل بياني بالأعمدة (Bar Chart) (الشكل رقم 2). الآن بدأ يلمح شيئاً، لكن العمل باستخدام ثلاثة متغيّرّات لازال غير قادر على منحه الرؤية التي يريدها والتي تساعده على التمييز بين مستخدمي الأجهزة المحمولة ومستخدمي أجهزة الحاسوب، لذلك يحاول مرّة أخرى باستخدام متغيّرين اثنين (الشكل رقم 3). وكلّ مرّة يكرّر فيها العمل، يحاولُ أن يُجريَ تقويماً ليعرف ما إذا كان قادراً على التثبّت من صحّة فرضيته الأصلية ألا وهي: "خلال بعض ساعات النهار، يكون عدد الزبائن الذين يتسوّقون على موقعه على الإنترنت باستخدام أجهزة محمولة أكبر من عدد الزبائن الذين يتسوّقون باستعمال حاسب شخصي مكتبي". وفي المحاولة الرابعة تتّضح الصورة أكثر ويتأكّد من صحّة فرضيته (الشكل رقم 4).
لقد باتت الأنواع الجديدة من البرمجيات تعني بأن رسم هذا النوع من الأشكال البيانية البصرية أصبح أسهل من ذي قبل: فهي جعلتنا جميعاً نتحوّل إلى محللي بيانات.
الاستكشاف البصري (Visual exploration): عادة ما تكون الأشكال البيانية البصرية المعتمدة على البيانات وذات النهايات المفتوحة من اختصاص علماء تحليل البيانات، إضافة إلى محللي الشركات الاستشارية في قطاع الأعمال، رغم أن الأدوات الجديدة بدأت تساعد المدراء العاديين حتّى على اقتحام عالم الاستكشاف البصري. فهي طريقة مثيرة للاهتمام تشدّ المرء لكي يجرّبها، لأنها غالباً ما تنتج نوعاً من الآراء التي لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى.
بما أننا لا نعلم ما الذي نبحث عنه، فإن هذا النوع من المستكشفين البصريين يميلون عادة إلى إدخال البيانات بطريقة أكثر شمولية. في الحالات المتطرّفة، قد يتضمّن هذا المشروع مجموعات مختلفة من البيانات أو قد يتضمّن تحميل بيانات ديناميكية لحظة بلحظة أثناء حصولها ضمن نظام يقوم بعملية تحديث تلقائية. وعادة ما تكون عملية الاستكشاف البصري مفيدة في مجال النمذجة الإحصائية (Statistical Modeling).
إن الاستكشاف يسمح بشي من التفاعلية: فالمدراء هنا قادرون على تعديل المتغيّرات والقواعد، وإدخال مصادر بيانات جديدة، ومحاولة إعادة صياغة الأشكال البصرية بشكل دائم ومتكرّر. كما أن بعض البيانات المعقّدة قد تكون أنسب أحياناً للأشكال البيانية البصرية المتخصّصة وغير المعتادة، مثل بعض الأشكال الإيضاحية التي تبيّن كيف يمكن للشبكات أن تشكّل مجموعات أو الأشكال الإيضاحية التي تعبّر عن معلومات تضاريسية.
هنا يتفوّق الجانب الوظيفي على كل ما عداه: فالمهارات التحليلية، والمهارة في البرمجة وإدارة البيانات وجمع المعلومات الخاصّة بقطاع الأعمال تُعتبرُ أكثر جوهرية وأهمية من القدرة على رسم أشكال بيانية قابلة للعرض. ومن غير المفاجئ أن يكون هذا النصف من المربّع هو المكان الذي يرجّح أن يلجأ المدراء فيه إلى الاستعانة بالخبراء لمساعدتهم في وضع أنظمة للتمحيص في البيانات ورسم أشكال بيانية تناسب أهدافهم التحليلية.
لجأ آنمول غارغ، اختصاصي البيانات في شركة تيسلا موتورز (Tesla Motors) للسيارات إلى استعمال الاستكشاف البصري كوسيلة للاستفادة من الكمية الهائلة من البيانات الواردة من أجهزة الاستشعار الموضوعة في السيارات التي تنتجها الشركة. فقد قام غراغ بتصميم شكل بياني تفاعلي يُظهرُ تغيّر ضغط الهواء في عجلات السيّارة مع مرور الوقت. وفي شكل من أشكال الاستكشاف الحقيقي، قام هو وفريقه أولاً برسم أشكال بيانية بصرية ومن ثمّ وجد استعمالات متنوّعة لها: مثل رؤية ما إذا كانت الإطارات مملوءة بالكمية المناسبة من الهواء عندما تغادر السيّارة المصنع، وما هي الوتيرة التي يعيد الزبائن بها ملء إطارات سياراتهم بالهواء، وما هو الزمن الذي يستغرقه تجاوب الزبائن مع التحذير بانخفاض الضغط في العجلات؛ وكذلك من أجل معرفة معدّلات تسرّب الهواء؛ ومن أجل وضع بعض النماذج التنبئية لتحديد متى يُحتملُ أن تفرغ الإطارات من الهواء. ويجري التعبير عن ضغط الهواء في الإطارات الأربعة جميعها بأشكال بصرية على رسم بياني نقطي، يُعتبر واضحاً بالنسبة للجمهور المستهدف بغض النظر عن الجمهور العام.
لقد كان غارغ يستكشف البيانات للتوصّل إلى بعض الخلاصات التي يمكن استنباطها من هذه الأشكال البيانية البصرية. يقول غارغ: "نحن نتعامل مع عدّة تيرابايتات من البيانات طوال الوقت. إذا نظرت إلى ملفات الإكسل المليئة بالبيانات وتبحّرت في قواعد البيانات، فإنك لن تستطيع العثور على أي شيء. بل يجب أن تتّخذ هذه البيانات شكلاً بصرياً. وعند تقديم العروض أمام فريق المدراء التنفيذيين، يحاول غارغ ترجمة هذه الجلسات التفسيرية إلى أشكال بيانية أبسط شبيهة بالأشكال التي نناقشها أدناه. يقول غارغ: "الإدارة تعشق الأشكال البيانية البصرية."
رغم أن العلماء المتخصّصين بالبيانات هم من ينجز معظم العمل عند رسم الأشكال البيانية البصرية الاستكشافية، إلا أن المدراء هم من ينجزون العمل عند رسم الأشكال البيانية البصرية اليومية المعتادة. ويتألف هذا الربع من المربّع من الأشكال والرسوم البيانية الأساسية التي تنسخها عادة من أحد ملفات إكسل إلى أحد العروض التقديمية. وهي عادة عبارة عن أشكال بسيطة، كالأشكال البيانية الخطية، والأشكال البيانية بالأعمدة، والأشكال البيانية التي تأخذ شكل الكعكة، والأشكال البيانية النقطية.
تتمثّل النقطة الأساسية في هذه الأشكال البيانية في "بساطتها". فمن الناحية المثالية، يجب على الشكل الإيضاحي البصري أن يرسل رسالة واحدة فقط، وألا يعبّر سوى عن عدد قليل من المتغيّرات. والهدف هنا واضح ومباشر، أي التأكيد وتحديد السياق. ويعتبرُ التبسيط تحدّياُ أساسيّاً بالنسبة للمصمّم، لذلك فإن امتلاك المهارات في مجال التصميم هو أمر هام للغاية. كما أن الوضوح والاتساق يجعلان هذه الأشكال البيانية في أقصى درجات الفعالية في السياق الذي تستعمل فيه عادة: ألا وهو العروض التقديمية الرسمية.
ففي أيّ عرض تقديمي، يُعتبرُ الوقت محدوداً. وبالتالي فإن الشكل البياني المصمّم تصميماً سيئاً سوف يهدر ذلك الوقت من خلال دفع الناس الحاضرين في الجلسة إلى طرح أسئلة تتطلّب من مقدّم العرض تفسير المعلومات التي يُفترض بها أن تكون واضحة. فإذا كانت الأشكال البيانية البصرية اليومية المعتادة غير قادرة على أن تشرح نفسها بنفسها، فهي ستكون فاشلة. كما أن هذا الأمر يشبه اضطرار المرء إلى شرح معنى نكتة يلقيها على مسامع الناس لأنهم لم يستوعبوها.
هذا لا يعني بأن الأشكال البيانية الإعلانية لا يجب أن تقود إلى خوض النقاشات. وإنما يجب أن يدور النقاش حول الفكرة من الشكل البياني وليس حول الشكل البياني ذاته.
لنفترض أن هناك نائبة للرئيس مسؤولة عن موضوع الموارد البشرية، تريد تقديم عرض أمام بقيّة أعضاء اللجنة التنفيذية حول تكاليف الرعاية الصحية بالنسبة للشركة. هي تريد أن توصل الرسالة القائلة بأن نمو هذه التكاليف قد تباطأ بشكل كبير، الأمر الذي يعطي الشركة فرصة للاستثمار في خدمات إضافية في مجال الرعاية الصحية.
نائبة الرئيس هذه كانت قد قرأت تقريراً منشوراً على شبكة الإنترنت حول هذا التوجّه السائد يتضمّن رابطاً إلى بعض البيانات الحكومية. لذلك قامت بتحميل البيانات ونقرت على خيار إنشاء شكل بياني خطي في برنامج إكسل. وبذلك تكون قد حصلت على شكلها البياني البصري خلال ثوانٍ فقط. ولكن بما أن هذا الشكل البياني مخصّص للاستعمال في عرض تقديمي، فهي تطلب من أحد زملائها المصمّمين إضافة بعض التفاصيل من مجموعة البيانات لإعطاء نظرة أشمل.
هذا عبارة عن شكل بياني جيّد التصميم ودقيق، لكنه ربما ليس الشكل البياني الصحيح. فاللجنة التنفيذية ليست بحاجة إلى سياق يمتدّ على مدار عقدين من الزمن لمناقشة استراتيجية الشركة الخاصة بالاستثمارات المتعلقة بالمزايا والمنافع التي يحصل عليها الموظفون. إن النقطة التي تحاول نائبة الرئيس إقناع اللجنة بها هي أن الزيادات في التكاليف قد تراجعت خلال السنوات القليلة الماضية. فهل هذه المعلومة واضحة في الشكل البياني؟ بشكل عام، عندما يحتاج الأمر إلى أكثر من بضع ثوانٍ لاستيعاب البيانات الموجودة في أي شكل بياني، فإن استخدام هذا الشكل البياني سيكون أفضل على الورق أو على شاشة كمبيوتر شخصي، وسيكون أنسب لشخص لا يُتوقَعُ منه أن يصغي إلى عرض تقديمي وأن يستوعب في الوقت ذاته هذا القدر الكبير من المعلومات. فعلى سبيل المثال، قد يستفيد صناع السياسات المتخصّصون بقطاع الرعاية الصحية من رؤية هذا الشكل البياني مسبقاً قبيل جلسة الاستماع التي سيناقشون فيها التوجهات على المدى البعيد.
إن نائبة الرئيس بحاجة إلى شيء أوضح وأنظف ليناسب السياق الذي تعمل فيه. ويمكنها ببساطة أن تقنع مستمعيها بوجهة نظرها باستعمال الشكل التالي:
يحتاج إنجاز هذا القدر من البساطة إلى الانضباط والشجاعة. فالمرء ميّال بطبعه إلى وضع كلّ ما يعرفه ضمن الشكل البياني. لكن الأشكال البيانية المزدحمة تشير إلى أنك شخص مشغول. كما أن لسان حالك وأنت تعرض هذا النوع من الأشكال البيانية هو: "انظروا إلى كلّ هذه البيانات التي جمعتها وإلى كلّ العمل الذي قمت به". لكن ليس هذا هو الهدف الذي تسعى نائبة الرئيس إلى تحقيقه. فهي تريد إقناع زملائها بالاستثمار في برامج جديدة. وإذا استعملت هذا الشكل البياني فلن تكون مضطرة للنطق بحرف واحد أمام فريق اللجنة التنفيذية لكي يفهم التوجّهات السائدة. وبذلك تكون قد مهّدت الطريق وبكلّ وضوح أمام التوصيات التي تريد تقديمها.
يُعتبرُ مصطلح "التعبير البصري عن البيانات" مصطلحاً مريعاً نوعاً ما. فعلى ما يبدو، يختزل هذا المصطلح عملية رسم الأشكال البيانية الجيّدة إلى إجراء ميكانيكي فقط. كما أنه يحيل إلى الأدوات والمنهجيات المطلوبة لخلق الأشكال البيانية وليس إلى الأشكال بحدّ ذاتها.
كما يعكس هذا المصطلح الهاجس المستمر الموجود في عالم التعبير البصري عن البيانات والذي يركّز على العملية نفسها على حساب النتائج والمحصلات. والتعبير البصري عن الأفكار والبيانات هو مجرّد عملية. وما نفعله عملياً عندما نصنع شكلاً بيانياً جيّداً هو التوصّل إلى حقيقة معيّنة وجعل الناس يشعرون بها، أي أنه يقودنا إلى رؤية ما لم يكن ممكناً رؤيته من قبل، وإلى تغيير العقول، كما أنه يدفع الناس باتّجاه اتخاذ إجراءات معيّنة.
إن امتلاك بعض القواعد الأساسية المشتركة سوف يحسّن قدرتنا على التواصل البصري. لكّن الوصول إلى محصلات جيّدة يتطلّب وجود فهم أوسع واستعمال مقاربة استراتيجية – وهو ما تحاول هذه الأنماط المعروضة هنا مساعدتكم على الوصول إليه.