بحسب الأبحاث، الأشخاص ذوي الخبرات المتنوعة لهم أهمية أكبر مما نعتقد

5 دقائق
الأشخاص ذوي الخبرات المتنوعة لهم أهمية أكبر مما نعتقد

تزداد أهمية الابتكار يوماً بعد يوم كمصدر مهم للميزة التنافسية للشركات: وقد زادت المؤسسات على مدار الأربعين عاماً الماضية النسبة المئوية لنفقاتها على مشاريع البحث والتطوير إلى جميع نفقات بمعدل 800%. ومع ذلك، فإن زيادة ميزانيات مشاريع البحث والتطوير وحدها لا تُسفر دائماً عن ابتكارات حقيقية. بل إن أنواع الباحثين الذين توظفهم الشركات هي ما يؤدي دوراً مهماً فيما إذا كانت الشركة ستنجح في تصدر قائمة المنافسين. لكن ما هي أنواع الباحثين الأكثر قيمة أو من هم الأشخاص ذوي الخبرات المتنوعة أصحاب الأهمية؟

التصور التقليدي هو تعيين باحثين ذوي خبرة عميقة في مجال واحد مطلوب، مثل الذكاء الاصطناعي وعلم الأعصاب والفضاء. ومع ذلك، أظهر بحثنا الأخير أن هذه التوصية غير كافية. فتعيين مزيد من الباحثين ذوي الخبرة في مجالات متنوعة -"الأشخاص متعددو المهارات"- ضروري للشركات حتى تتمكن من التنافس بنجاح. لكن غالباً ما يُنظر إلى هؤلاء الباحثين على أنهم يتمتعون بقدرات ومهارات أقل من نظرائهم المتخصصين، تماشياً مع القول المأثور إن "متعدد المهارات لا يتقن أياً منها". بمعنى آخر، يفتقر أولئك الأشخاص إلى المعرفة العميقة التي يتمتّع بها المتخصصون. ومع ذلك، وجدنا أن تنوع معارف هؤلاء الباحثين واهتماماتهم يخدم وظيفة مهمة في الابتكار، وليس علامة على ضعف القدرة أو المهارة.

الاختيار بين الباحثين المتخصصين والباحثين غير المتخصصين

يحدث الابتكار في الأساس نتيجة الجمع الإبداعي بين أنواع مختلفة من المعرفة. ومع ذلك، قد يختلف نطاق ذلك المزيج الإبداعي اختلافاً كبيراً: حيث يمكن الوصول إلى الغاية المنشودة وتحقيق مكاسب إضافية من خلال استغلال الكفاءات الحالية، ويمكن تحقيق تلك المكاسب أيضاً من المزيج الديناميكي الذي يولّد تغييراً جذرياً. وأظهرت البحوث أن نشاط الاستكشاف الأوسع هذا هو ما يُحدث التأثير الإيجابي الأكبر في الشركات. ومع ذلك، من غير الواقعي أن تلجأ معظم المؤسسات إلى تعيين مجموعة واسعة من الباحثين المتخصصين في العديد من مجالات المعرفة على أمل التوصل إلى مزيج إبداعي قوي. ما البديل إذاً؟

توثّق العديد من الدراسات مزايا وعيوب تعيين باحثين متخصصين أو باحثين متنوعي المعارف، وتبيّن الفرق بين عمق المعرفة ونطاقها على وجه الخصوص. يتمتع الباحثون المتخصصون بميزة المعرفة العميقة في مجال خبرتهم، إلا أن نطاق معرفتهم ضيق في المجالات الأخرى. وعلى النقيض من ذلك، يتمتّع الباحثون أصحاب المعارف المتنوعة باتساع نطاق خبرتهم في كل مجال، إلا أن معرفتهم المتعمقة في كل مجال ضحلة.

ويُظهر بحثنا أن الأفراد الذين يتمتعون بمهارات بحثية متنوعة - الخبراء غير المتخصصين- هم أكثر قدرة على رصد الفرص القيّمة من المجالات الجديدة. وعلى الرغم من أن عمق المعرفة ضروري للتنفيذ الناجح لفكرة ما، وجدنا أن الخبراء غير المتخصصين كانوا أفضل في تطوير علاقات مع أفراد آخرين يضطلعون في تخصصات أخرى واكتشاف المزيج الإبداعي الواعد. إلا أن التغاضي عن خطوة الاكتشاف، يجعل القدرة على التنفيذ موضع نقاش.

لماذا يتفوق الخبراء غير المتخصصين؟

لإعداد أفضل تجربة بحث عشوائية منضبطة، قمنا باستغلال بيئة تجريبية شبه طبيعية، ألا وهي الاختراق غير المتوقع لجهاز "كنيكت" (Kinect) الذي ابتكرته شركة "مايكروسوفت"، وهو جهاز إضافي لنظام ألعاب الفيديو المخصصة للعب على جهاز "الإكس بوكس 360" طرحته الشركة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010 في سوق ألعاب الفيديو، حيث اخترق هواة وطلاب التكنولوجيا جهاز "كنيكت" في جهد منسق لإعادة توظيفه بصفته تقنية بحثية لاستشعار الحركة في مجالات تراوحت من الذكاء الاصطناعي والروبوتات والواقع الافتراضي إلى علم الأحياء القديمة والتعليم والرعاية الصحية والموسيقى والتصوير السينمائي وبحوث السوق والإعلان. وكان ذلك الاختراق مثالاً كلاسيكياً لوجهة النظر السائدة بأن التكنولوجيا تسهّل الوصول إلى المعارف الجديدة. واستخدمنا ذلك الحدث غير المتوقع لتقدير ميل الباحثين متعددي المواهب والباحثين المتخصصين لاستخدام جهاز "كنيكت" بنجاح في إعداد البحوث.

واستخدمنا عيّنة من مجموعة بياناتنا ضمّت أكثر من 180 ألف باحث في المجال الهندسي يتمتعون بدرجات متفاوتة من التنويع البحثي، كما تبيّن لنا من تاريخ نشر بحوثهم. وأظهر عملنا أن الخبراء غير المتخصصين (أعلى 25% من الباحثين متعددي المواهب) كانوا أكثر عرضة بمقدار 3.1 مرة لاستخدام جهاز "كنيكت" في بحوثهم خلال السنوات الأربعة الأولى مقارنة بالباحثين المتخصصين (أدنى 25% من حيث درجة التنويع) الذين يتمتّعون بقدرات مماثلة. والأهم من ذلك، تُظهر دراستنا أيضاً أن البحوث التي أعدّها الخبراء غير المتخصصين كانت أكثر عرضة لأن يجري الاستشهاد بها بمقدار 3.8 مرة، وهو ما يشير إلى أن عملهم كان أكثر تأثيراً. كيف تمكنوا من تحقيق هذا النجاح؟ في دراسة ذات صلة، وجد أحدنا (فلورنتا) أن الباحثين غير المتخصصين حققوا نجاحهم من خلال التعاون مع فرق أكبر وأكثر تنوعاً من الباحثين المتخصصين. وقد أتاح لهم ذلك التعاون الوصول إلى المعرفة العميقة التي يفتقرون إليها، فضلاً عن الاستفادة من قدرتهم على دمج المعلومات من مختلف التخصصات، وهو ما أسفر عن ابتكارات مؤثرة.

تطوير فرق البحوث والتطوير المبتكرة

يقدّم بحثنا اثنتين من الرؤى الثاقبة المهمة للمدراء الذين يحاولون تطوير فرق بحوث وتطوير مبتكرة للغاية. أولاً، يُعدّ الابتكار الاستكشافي الناجح جهداً جماعياً يتطلب باحثين متنوعي الخبرات ومتخصصين في تحليل المعارف المتاحة والجديدة لتحديد المزيج الإبداعي الذي له احتمالية عالية لتوليد ابتكارات مؤثرة، وباحثين متخصصين في مجالات معينة يمكنهم استغلال الفرص المحددة لتحقيق ابتكار استكشافي. ويتطلب هذا التوازن أن تأخذ المؤسسات بعين الاعتبار المزيج الاستراتيجي بين الباحثين ذوي الخبرة العامة والباحثين المتخصصين عند التوظيف. ولتحقيق التوازن، يجب على المؤسسات ابتكار أساليب تمكّنهم من تحديد هوية الباحثين المتخصصين ذوي القدرات العالية، والباحثين غير المتخصصين ذوي القدرات العالية على حد سواء. لذلك، يمكن للمؤسسات على المدى القصير تقييم المحفظة الابتكارية الخاصة بالباحثين فيما يتعلق بالتأثير واتساع نطاق مجالات المعرفة. ويمكن أيضاً تحديد هوية الباحثين غير المتخصصين ذوي القدرات العالية من خلال شبكة معارفهم الواسعة من الباحثين المتخصصين ذوي القدرات العالية المتعاونين معهم.

ثانياً، يحتاج المدراء إلى أداء عملية تعيين الباحثين ذوي الخبرة العامة بعناية، وذلك لأن مؤشرات سوق العمل وإجراءاته الحالية تميل إلى تفضيل الباحثين المتخصصين وإقصاء الباحثين غير المتخصصين. كما تُمنح المكافآت عادة للباحثين المتخصصين الناجحين، بما فيها الجوائز والمنح والترقيات. في حين تستثني مجموعة الحوافز نفسها الباحثين غير المتخصصين، بغض النظر عما إذا كانوا ذوي قدرات عالية أو منخفضة. وبالنظر إلى أن الحوافز الحالية مخصصة للباحثين المتخصصين، يجري تشجيع الأفراد الذين يوصفون أنهم باحثون ذوو معرفة عامة على التخصص، وهو ما يُسفر عن وجود نقص في أعداد الباحثين غير المتخصصين. وبالتالي، يجب على المؤسسات على المدى الطويل أن تأخذ في الاعتبار تحفيز الأفراد ليصبحوا باحثين غير متخصصين. ووجدنا في بحثنا أن حوافز أصحاب العمل غالباً ما تكون أكثر قيمة للباحث الذي يختار تنويع معارفه بدلاً من التخصص في مجال واحد وفق أهوائه الشخصية.

الباحثون متعددو المهارات والمواهب والمُتقنون للمعارف

على الرغم من أن نهج دمج المعرفة من المجالات المختلفة قد أضحى إحدى ركائز تحقيق الميزة التنافسية، تواصل العديد من الشركات توظيف الباحثين المتخصصين فقط في محاولة لتحقيق ذلك الهدف. إلا أن بحثنا يظهر أن تلك الاستراتيجية مُكلفة وعفا عليها الزمن لثلاثة أسباب. أولاً، قد لا يكون من المجدي تعيين باحثين متخصصين ذوي خبرة في مجموعة واسعة من المجالات، إذ عادة ما ينتهي الأمر بالشركات باختيار المجالات الأكثر أهمية لجعل التكاليف قابلة للإدارة. ثانياً، مع استمرار اكتشاف المعارف، تستمر مجموعة المعارف المتاحة في الازدياد، وبالتالي، لا تزال مجموعة المجالات التي يمكن للمرء أن يتخصص فيها في ازدياد أيضاً، وكذلك هي حاجة المؤسسة إلى تحديث قائمة الباحثين المتخصصين بشكل متكرر. أخيراً، تستلزم التحديثات زيادة عدد الباحثين المتخصصين اللازمين لتغطية الجزء نفسه من مجموعة المعارف المتاحة بالكامل. إلا أن هذه الاستراتيجيات غير مستدامة.

في النهاية، لا تحتاج جميع الشركات إلى إجراء استكشاف على الابتكارات الجذرية لكسب ميزة تنافسية. ومع ذلك، يجب على الشركات التي تسعى إلى إجراء تلك الاستكشافات التفكير بجدية في زيادة تعيين الأشخاص ذوي الخبرات المتنوعة وباحثين غير متخصصين. وعلى عكس القول المأثور الذي يصف الباحثين غير المتخصصين أنهم أشخاص متعددو المواهب لكنهم لا يتقنون أياً منها، يُظهر بحثنا أن هؤلاء الأفراد هم أشخاص متعددو المواهب والمهارات ومتقنون للمعارف بالفعل فيما يتعلق بالابتكار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي