هل سبق وأن تركت عملاً هاماً دون إنجازه لأسابيع، وبقي هذا العمل معلقاً أمامك وسبّب لك القلق بصورة يومية، وعلى الرغم من ذلك، تنجز مئات المهام الأخرى بدلاً من الانتهاء منه؟
هل شعرت يوماً بالذنب لعدم ردك على رسالة بريد إلكترونية، على الرغم من أن الأمر لا يستغرق من وقتك سوى 10 دقائق؟
هذه الأنماط من سلوكيات تدمير الذات تبقينا دائماً في دوامة الأمور الكثيرة التي يجب القيام بها (أو على الأقل الشعور بهذه الحالة). إذا كنت تستنزف قدراً كبيراً من طاقتك الذهنية المطلوبة للتخطيط واتخاذ القرار والتأقلم، فمن المحتمل وقوعك في هذه الفِخاخ. دعونا إذاً نحلل المشكلات بمزيد من التفصيل ونناقش الحلول.
1- تندفع في عملك من دون التوقف قليلاً للتفكير وتحديد الأولويات.
عندما نكون منشغلين ونشعر بالإجهاد، فإننا غالباً ما نختار العمل على المهمة التي لها موعد نهائي قريب، حتى لو لم تكن الأهم. يسبب الإجهاد في تراجع تركيزنا إلى درجة تجعلنا نواصل عملنا من دون تفكير. ما نفعله يومياً، هو الرد على رسائل البريد الإلكتروني والانطلاق في إنجاز المهام من دون التوقف قليلاً للتفكير والنظر في الأمور الأكثر أهمية للعمل عليها. قد تجد نفسك تقضي ساعات في إنجاز عمل ليس بتلك الأهمية التي تجعلك تبدأ به، على الرغم من أنّ لديك الكثير من الأمور الأخرى التي يمكنك القيام بها.
يكمن الحل في تغيير طريقة تعاطينا مع الأمر، وذلك بالعمل على الواجبات المهمة غير الملحة. استخدم مبدأ "استثمر في نفسك أولاً" لإنجاز الأمور المدرجة في قائمة أولوياتك قبل الانتقال إلى الاستجابة لاحتياجات الآخرين. قد لا تتمكن من اتباع هذا المبدأ يومياً، ولكن اسع إلى الالتزام بذلك لعدة أيام من الأسبوع.
2- تتجاهل تماماً الحلول السهلة لإنجاز الأمور.
عندما نكون مجهدين، فنحن لا نفكر في الحلول السهلة التي أمامنا. وكما ذكرنا، يحدث هذا لأنّ رؤيتنا تكون ضيقة، إذ نفعل ما نفعله عادة ولا نفكر بمرونة. وإذا كنت ممن يسعون إلى الكمال بصورة خاصة، فمن المحتمل أن تجد نفسك تميل إلى تعقيد الحلول عندما تشعر بعبء العمل. على سبيل المثال، لا يحتفظ الكثير من الأشخاص المنشغلين عادة بما يكفيهم من الطعام في المنزل، وهذا يؤدي إلى اضطرارهم للذهاب إلى البقالية يومياً تقريباً من أجل شراء شيء أو اثنين، أو اكتساب عادة الذهاب إلى المطعم؛ وينتهي الأمر بهم إلى دفع فواتير مرتفعة التكلفة، أو إضاعة الكثير من الوقت، أو كسب الوزن، أو كل ما سبق مجتمعاً. يبدو الحل معقداً جداً، فهناك ساعات من التخطيط للوجبات والتسوق والطهي.
للخروج من فخ تجاهل الحلول السهلة. توقف قليلاً وحلل افتراضاتك. إذا كنت تميل إلى التفكير في طرفي النقيض، فهل هناك خيار بين الطرفين يمكن أن تأخذه بعين الاعتبار؟ (لحل معضلة الطعام، اشتريت ثلاجة بمبلغ 150 دولاراً، والآن أحفظ على الأقل حوالي عشر وجبات مجمدة صحية، وخبز مجمد، وغيره من المواد الغذائية الأساسية. أنا لست مارثا ستيوارت التي لديها حلول لجميع هذه المشكلات، لكنني بذات الوقت لا أتناول الطعام الجاهز في كل وجبة).
على المستوى الأشمل، فإنّ فترات الاستراحة التي تسمح خلالها لتفكيرك بأن يتشعب هي الحل الأساسي لمشكلة الرؤية الضيقة، حتى الفواصل القصيرة قد تتيح لك الخروج من دوامة التفكير الضيق. وفي بعض الأحيان، قد تكون استراحة أخذ حمام منعش كافية. جرب أي شيء يتيح لك النهوض من مكانك والتجول قليلاً، إذ يمكن أن يعوضك هذا عن الاستعانة بمساعدة خارجية في إنجاز بعض المهام. إنّ تلك الأمور تعطي تفكيرك فرصة للشرود بينما يكون جسدك نشط أيضاً، إنها حالة مثالية لإنتاج الأفكار والإلهام.
3- تؤجل حل المشكلات بدلاً من إنشاء نظم أفضل لحل المتكرر منها.
عندما تُستنفد طاقتنا الذهنية، نميل إلى الاستمرار بفعل الشيء بأنفسنا بدلاً من تفويض بعض المهام أو الاستعانة بمصادر خارجية، وذلك لأننا لا نملك النشاط الإدراكي الأولي الذي نحتاجه لإشراك مساعد وإعداد النظم. لنفترض على سبيل المثال أنه من المجدي حقاً تلقيك لبعض المساعدة في تنظيف منزلك، ولكن العثور على شخص جدير بالثقة، والاتفاق معه على جدول زمني، وتدريبه على الطريقة التي تفضلها في إتمام الأمور يشعرك بأنّ الأمر مكلف أكثر مما يمكنك التعامل معه الآن (أو في أي وقت آخر). لذلك، تؤجل الأمر أسبوعاً بعد أسبوع وتقوم بالعمل بنفسك، على الرغم من أنّ إعادة تخصيص الوقت المنقضي في جلسة تنظيف واحدة قد يكون كافياً لتعيين شخص آخر للقيام بتلك الواجبات.
غالباً ما تكون سبل معالجة المشكلات المتكررة بسيطة إذا كان بإمكانك التفكير بما يكفي لترى الأمر من منظوره الصحيح. هل تنسى دائماً شحن هاتفك؟ احتفظ بشاحن بطارية إضافي في المكتب. هل تصحح دائماً نفس الأخطاء؟ اطلب من فريقك وضع قائمة مراجعة حتى يتمكنوا من الانتباه لأخطائهم بأنفسهم. هل تسافر كثيراً من أجل العمل؟ أنشئ "قائمة رئيسة لمتطلبات حزم الحقائب" بحيث لا تتطلب محاولة تحديد ما يجب إحضاره الكثير من الجهد الذهني. إنّ تخصيص الوقت لإنشاء هذه الأنواع من النظم وتعديلها، قد يأخذ منك يوماً خاصاً من العمل للبدء به، ومن ثم قضاء ساعة واحدة أسبوعياً للاستمرار فيه؛ وتطلق المؤلفة غريتشن روبن على هذا اسم "ساعة شحذ الطاقة" الأسبوعية. عندما تبدأ في تحسين نظمك، فإنّ ذلك سوف يخلق حلقة مثمرة يمكنك خلالها الحصول على مزيد من الطاقة والثقة للاستمرار بها. ومن خلال تراكم هذه الاستراتيجيات تدريجياً مع مرور الوقت، يمكنك شيئاً فشيئاً حل مشكلاتك.
4- تستخدم أساليب التجنب أو الهروب للتعامل مع القلق.
لدى الأشخاص الذين يعانون من عبء العمل دافعاً قوياً لتجنب القلق أو الهروب منه. يمكن أن يؤدي تجنب الشعور بالقلق إلى تأجيل نقاش مع مديرك في العمل أو تجنب إخبار صديقتك بأنه لا يمكنك حضور حفل زفافها. وقد يأخذ الهروب شكل الاندفاع في نقاش هام، لأنك تريد الهروب من الحاجة إلى التفكير مليّاً في الأمر. يمكن أن يؤدي هذا إلى اتباع نمط الإفراط في تأجيل بعض القرارات واتخاذ بعضها الآخر بتهور. ويمكن أن يأخذ التجنب أو الهروب أشكالاً أخرى أيضاً، مثل مشاهدة التلفزيون، أو تقليب صفحات الفيسبوك من دون تفكير، وقد يأخذ أيضاً شكل اختيار العمل على الواجبات التي تعتبر أقل أهمية ضمن قائمة مهامك لتجنب المهمة العاجلة التي تجعلك قلقاً.
إذا كنت تريد التعامل مع المواقف التي تسبب لك القلق بطريقة بناءة، فسوف تحتاج إلى هندسة بعض المرونة وأخذ الحيز الكافي في حياتك بحيث يمكنك العمل من خلال عواطفك وأفكارك عندما تشعر بالقلق. ومن خلال الممارسة، ستبدأ في ملاحظة متى فعلت أمراً ما لتجنب أمر آخر.
إذا شعرت أنك مرتبط بتلك الأنماط أعلاه، فأنت لست وحدك. هذه المشكلات ليست عيوباً في شخصيتك أو ناتجة عن عجزك في ضبط نفسك، بل إنها أنماط يرتبط بها الكثير من الناس. قد تكون شخصاً لديه ضمير واع جداً ومنضبط بطبيعتك، ولكنك ما زلت تعاني من هذه العادات. إذا كنت ضمن هذه الفئة، فمن المحتمل أنك محبط بسبب أنماط سلوكك وانتقادك لذاتك. تعاطف مع نفسك، واسع إلى كسر هذه الأنماط بدلاً من توقع عمل تغيير شامل لعاداتك أو القضاء على جميع سلوكيات تدمير الذات في حياتك.