لماذا لا تزال الأسرار المعلومة موجودة في المؤسسات؟

4 دقائق

في العام 2017، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالة فضحت ما أصبح معروفاً من مضايقات وتحرش مارسها عملاق الإعلام هارفي وينشتاين لعقود. لقد شكّلت القصة صدمة للجمهور، ولكن بعد ظهور التفاصيل اتضح أن تجاوزات وينشتاين لم تكن مجهولة بالنسبة إلى المطلعين على شؤون هوليود، بل كانت في الواقع "سراً معلوماً".

يثير ما سبق السؤال التالي: لماذا تبقى هذه المسائل أسراراً معلومة في المؤسسات التي يعرف الكثير من موظفيها حول مسألة أو أمر ما من دون أن يتحدث عنها أحد في العلن؟ هذا ما نعمل على استشكافه في مجموعة دراسات نُشرت حديثاً في "مجلة أكاديمية الإدارة" (Academy of Management Journal).

وجدنا أنه مع شيوع المشكلات بين موظفي الخطوط الأمامية تتناقص رغبة أي موظف في إيصالها إلى الإدارة العليا. وبدلاً من التحدث عن المسألة، لاحظنا بين المشاركين في الدراسة شيئاً يشبه "تأثير المتفرّجين"، وهي ظاهرة نفسية تصف كيفية بقاء الناس على الهامش كمتفرجين سلبيين ينتظرون الآخرين لكي يتصرفوا بدلاً من أن يفعلوا شيئاً بأنفسهم.

يمكن فهم تأثير المتفرج من خلال المثال التالي: ياسمين، موظفة في فريق هندسي في إحدى الشركات التي تسعى إدارتها العليا إلى إطلاق منتج في السوق قبل أن يقلّده المنافسون. ومع ذلك، اكتُشفت ثغرة في المنتج، وظهرت حاجة لأن يتحدث أحد في المسألة. وبما أن ياسمين هي العضو الوحيد في الفريق الذي يعرف بها، دفعها ذلك إلى الشعور بمسؤولية شخصية لإخبار مدرائها عن هذه المشكلة. ولكن عندما يكون زملاؤها سمير ومحسن وجوليا على دراية بهذه الثغرة كذلك، تشعر ياسمين أن إخبار قيادتها بالأمر ليس من مسؤوليتها وحدها، وتصبح أقل ميلاً للحديث عن المسألة، وكذلك يفعل زملاؤها سمير ومحسن وجوليا.

في الواقع، أظهر بحثنا أنه عندما يعرف عدد من الأفراد بمسألة ما، يشعر كل واحد منهم بتوزيع المسؤولية أو بعدم الحاجة شخصياً إلى تحمل أي كلفة أو عبء ناتجين عن إخبار الآخرين بالأمر. يشعرون أن الآخرين يعرفون مثلهم بالأمر ويستطيعون بالتالي إثارة هذه المسألة مع الإدارة العليا. ويجدون أنه من المريح نفسياً لهم أن يلقوا مسؤولية التحدث على الآخرين، ما يجعلهم أقل احتمالاً للتحدث بأنفسهم.

من هذا المنطلق، يتضح منطقياً لماذا يمكن للمشاكل - مثل التحرش والإشراف التعسفي - أن تبقى بلا علاج لمدة طويلة من دون أن يتحدث أحد عنها. يُعتبر الحديث عن هذه المسائل خطراً في نهاية المطاف، إذ يمكن في الكثير من الأحيان أن يُعاقب الأفراد أو يُستغنى عنهم بسبب الحديث عن هكذا أمور. وهكذا، عندما يشعر كل من ياسمين وسمير ومحسن وجوليا بالمخاوف نفسها، يميل كل واحد منهم إلى انتظار تحمل أحد آخر لمخاطر التحدث عن المشكلة، كما لا يشعر أحد منهم بالذنب أو بالواجب تجاه إثارة القضية. وبالتالي، ينطلق تأثير المتفرج، ويؤدي توزيع المسؤولية إلى منع وصول المشاكل إلى المدراء.

ما الذي يظهره بحثنا؟

وجدنا هذه النتائج نفسها في 3 دراسات. ففي دراستنا الأولى التي أجريناها في فرع لشركة إلكترونيات في الهند، وهي شركة مصنفة ضمن قائمة "فورتشن 500"، استطلعنا 132 موظفاً (من 25 فريقاً) ومدرائهم حول عملهم وعدد المرات التي تكلموا فيها بصوت عالٍ. وعملنا بعناية على تحديد سير العمل في كل فريق، ما سمح لنا برصد مدى إتاحة فرص مراقبة مشاكل العمل مثل الزملاء لكل موظف في العينة. بالإضافة إلى ذلك، طلبنا من المدراء إبلاغنا عن مدى مشاركة الموظفين لأفكارهم أو مخاوفهم معهم.

توصلنا إلى أنه لما لاحظ المزيد من الموظفين مشاكل يظنون أن أقرانهم لاحظوها أيضاً، كانوا أقل استعداداً للتحدث مع مدرائهم حول هذه المشاكل. بعبارة أخرى، عندما يعرف عدد من الموظفين عن المسألة يصبح كل منهم أقل رغبة في التحدث عنها.

أجرينا في الدراسة الثانية اختباراً سلوكياً مع 163 طالباً في جامعة في شرق الولايات المتحدة. قرأ الطلاب عن مسألة عدم وجود حافلات مكوكية بين مباني الحرم الجامعي البعيدة عن بعضها البعض. كان أمام الطلاب خيار لعرض هذه المسألة على مجلس الجامعة يشمل كتابة رسالة للمجلس ومقابلة محتملة مع مديره من أجل مناقشة المسألة. ثم عمدنا بعد ذلك إلى اختيار طلاب عشوائياً إما لعلمهم بأن أقرانهم يعرفون بالمسألة المطروحة وإما لعلمهم بأنهم الوحيدون الذين يعرفون بها.

وكما توقعنا، سجّل الطلاب الذين اعتقدوا أن أقرانهم يعرفون أيضاً بالمسألة مستوى مرتفعاً من توزيع المسؤولية حيال التحدث مع المجلس، مقارنة بأولئك الذين اعتقدوا أنهم الوحيدون الذين يعرفون. في الواقع، كان الأشخاص من الفئة الثانية أكثر ميلاً للتطوع من أجل إثارة المسألة شخصياً مع مجلس الجامعة بمرتين ونصف المرة.

وفي الدراسة الثالثة، أجرينا اختباراً سلوكياً آخر شمل 440 شخصاً من الراشدين العاملين، بحيث قرؤوا سيناريو واقعي حول مشكلة في منتج يعملون عليه في القسم. وجدنا مرة أخرى أن المشاركين كانوا أقل ميلاً للإبلاغ عن رغبتهم في التحدث حول المشكلة مع إدارة الشركة عندما كان أقرانهم يعرفون عنها، وذلك لأنهم شعروا نفسياً بأن مسؤوليتهم أقل تجاه إثارة هذه المخاوف.

تساوت النتائج في الأبحاث الثلاثة التي أجريناها حتى عندما كنا نأخذ بعين الاعتبار إحصائياً عدة عوامل مثل شعور المشاركين بالأمان للتحدث، أو اعتبارهم أن التحدث يحدث فرقاً. على سبيل المثال، حتى عندما أبلغ الموظفون عن شعورهم بالثقة تجاه قدرتهم على التحدث، فإنهم لم يتحدثوا عندما عرفوا أن أقرانهم يعرفون بالأمر مثلهم.

ما الذي ينبغي أن يأخذه المدراء بعين الاعتبار؟

يشير بحثنا إلى أن تأثير المتفرج يمكن أن يكون حقيقياً وقوياً في المؤسسات، خصوصاً عندما تبرز مشاكل في العلن أمام الجميع. لذلك، إذا كنت تتساءل عن السبب الذي يجعل مديراً معيناً يستمر بسلوكه السيئ، أو لماذا لا يتحدث أحد عن عيب ما في أحد منتجات الشركة، فكّر لماذا قد ينتظر الجميع - بمن فيهم أنت - شخصاً آخر للمبادرة.

ما الذي يمكن للمدراء أن يفعلوه إذاً من أجل تجنّب تأثير المتفرج كيلا تبقى المشاكل من دون معالجة؟ إليك بعض التوصيات الرئيسية:

في البداية، ينبغي على المدراء إخبار موظفيهم بأن أصواتهم مسموعة وأنهم بحاجة إلى مشاركة آرائهم حتى لو كان الآخرون يمتلكون المعلومات نفسها. بالمختصر المفيد، يمكن للمدراء أن يغيروا من الإيعاز المألوف على النحو التالي: "إذا رأيت شيئاً ما، قل شيئاً (حتى إذا رأى الآخرون الشيء نفسه)".

ومن المهم الإشارة إلى أن تأثير المتفرج يحدث لأن ثقافة العمل في الكثير من المؤسسات تشجع على تقاذف المسؤولية ورميها على المجموعة بدلاً من تحمل المسؤولية فردياً. بالإضافة إلى ذلك، يخاف الموظفون من الوقوف والتحدث بالحقيقة أمام من يملك السلطة، ولذلك، فإن المدراء الذين يكافئون شجاعة الموظفين بدل معاقبتها يمكنهم إخراج موظفيهم من الهامش ليصبحوا متفاعلين أكثر في مكان العمل.

يمكن لخطوات مثل هذه أن تساعد المؤسسة على تجنّب انتشار "الأسرار المعلومة" والمشاكل المعروفة التي لم تُحل والتي لا يفعل أحد شيئاً حيالها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي