10 أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك قبل أن تغيّر مسارك المهني

6 دقائق
الانتقالات المهنية
فريق هارفارد بزنس ريفيو/بيكسلز

ملخص: لقد ولّت أيام اختيار المرء لوظيفته أو مساره المهني والاستمرار فيه بقية حياته، وباتت الانتقالات المهنية أكثر شيوعاً اليوم مقارنة بما كانت عليه الحال في أي وقت مضى. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الانتقالات المتتابعة التي شهدتها أوبرا وينفري من مذيعة تلفزيونية إلى واحدة من ألمع مضيفات البرامج الحوارية، ثم ممثلة ومُنتِجة سينمائية وإحدى أشهر أباطرة الإعلام. ولكن كيف تعرف إذا ما كنت مستعداً للتغيير، أو إذا ما كان انتقالك المهني سيُكتَب له النجاح؟ أفضل ما يمكنك فعله في هذه المرحلة هو اتخاذ قرار مستنير. كن واضحاً بشأن الدوافع التي تحاول تلبيتها، لا سيما التغيُّرات التي تطرأ على ذاتك أو هويتك المهنية، وألقِ نظرة فاحصة على مزايا الخيارات المتاحة وعيوبها في مقابل مهاراتك واهتماماتك وسماتك الشخصية. لا بد من تحقيق التوازن بين الانفتاح على الرغبة في التجريب والالتزام بركيزة استراتيجية، والصدق مع نفسك عند تقييم نتيجة اختياراتك، لأن هذا التوازن سيمكّنك من الاستمرار في التقدم وتطوير إمكاناتك. تستعرض هذه المقالة قائمة بالأسئلة التي يجب أن تطرحها على نفسك عندما تفكر في تغيير مسارك المهني، للمساعدة على توجيهك في عملية تقييم احتياجاتك.

عندما كلّف الفاتيكان مايكل أنجلو بزخرفة سقف كنيسة سيستين، كان أنجيلو نحاتاً مرموقاً ولكنه لم يكن قد رسم أي لوحات بعد. ولحسن حظ الفاتيكان، ومايكل أنجيلو، أتت المغامرة ثمارها؛ فقد تحولت اللوحة الأولى التي كُلف برسمها إلى واحد من أروع الأعمال الفنية وأكثرها فخامة في التاريخ، حتى إنها تحولت إلى مقصد سياحي لنحو 6 ملايين زائر سنوياً.

ما حدث مع مايكل أنجيلو تكرّر مع آخرين غيره كثيرين. يحفل التاريخ في واقع الأمر بانتقالات مهنية شهيرة تحولت إلى قصص استثنائية للنجاح الفردي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الانتقالات المتتابعة التي شهدتها أوبرا وينفري من مذيعة تلفزيونية إلى واحدة من ألمع مضيفات البرامج الحوارية، ثم ممثلة ومُنتِجة سينمائية وإحدى أشهر أباطرة الإعلام. هناك أيضاً انتقال فيرا وانغ من متزلجة على الجليد إلى واحدة من أشهر مصممي الأزياء في العالم، وكذلك انتقال أندريا بوتشيلي من محامٍ في قاعات المحاكم إلى مغنٍّ في قاعات الحفلات الموسيقية.

أصبحت الانتقالات المهنية في الواقع أكثر شيوعاً اليوم مقارنة بما كانت عليه الحال في أي وقت مضى. وولت أيام اختيار التخصصات الدراسية استناداً إلى اختيارات وظيفية أو مسارات مهنية واضحة. ويبدو أن أفضل خطة هي عدم وجود خطة على الإطلاق، أو ببساطة إبقاء خياراتك مفتوحة.

عكفت الأبحاث الأكاديمية على دراسة الانتقالات المهنية لعقود من الزمن، بهدف فهم ليس فقط مزاياها وعيوبها، بل أيضاً أفضل الاستراتيجيات والظروف التي تتيح لها فرص النجاح. وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون، فإن الانتقالات المهنية لا تعتمد على عامل السن بقدر ما تعتمد على العوامل المؤسسية والنفسية والسياقية الأخرى. بعبارة أخرى، لا يوجد شيء اسمه “السن المثالية” لتغيير المسار المهني، بل يجب مراعاة عدد من العوامل الأخرى بدلاً من ذلك.

الدوافع الرئيسية لتغيير المسار المهني

لخَّصت زميلتي الأستاذة في كلية لندن للأعمال ومن أبرز المفكرين في هذا المجال، هيرمينيا إيبارا، الدوافع الرئيسية لتغيير المسار المهني فيما يلي:

  • دوافع ظرفية (خارجية): قوى السوق الخارجية، مثل الأحوال الاقتصادية أو السياق العام لحركة المواهب؛ والتغييرات المؤسسية، مثل عمليات إعادة الهيكلة؛ وظهور فرص واعدة، التي يُنظر إليها عادة على أنها عوامل “جذب”.
  • دوافع شخصية (داخلية): تشمل العوامل الداخلية كلاً من “المهارات والمواهب والتفضيلات والخبرات السابقة والمرحلة العمرية والمفاهيم الذاتية التي يجلبها الأفراد إلى أدوارهم في العمل وحياتهم المهنية” وشبكات العلاقات الشخصية و”عوامل التحفيز” والفرص التي تدفع المرء نحو السعي لسلوك مسارات جديدة.

كيف نحدّد هوياتنا المهنية والشخصية ونوائم بينها؟

من الأهمية بمكان أن نتعرّف هنا إلى مفهوم “الهوية المهنية”، لا سيما فيما يتعلق بمفهوم الفرد لذاته. لا تتأثر هويتنا بخبراتنا السابقة في العمل فحسب، بل تتأثر أيضاً بخبراتنا العملية المتوقعة. عندما نشعر بأننا نسير في اتجاه لا يتوافق مع مفهومنا الذاتي، بحيث تكون “الذات الفعلية” المتصورة لدينا غير متزامنة مع “الذات المثالية”، فإننا نتحفز لاتخاذ الإجراءات والإقبال على التغيير.

وتشكّل الانتقالات المهنية من الناحية النفسية محاولات دؤوبة لمواءمة خياراتنا المهنية مع مفاهيمنا الذاتية وهوياتنا. يتوافق هذا الرأي أيضاً مع المفهوم الأساسي لاندماج الموظفين الذي اقترحه ويليام خان عام 1990. وأشار إلى أن العامل الحاسم في تحديد المستويات المختلفة من التحفيز والحماس والطاقة بين الموظفين، لا سيما أولئك الذين يشكّلون جزءاً من الفريق نفسه أو المؤسسة نفسها، هو درجة تماهيهم مع شخصية العمل. فالموظفون الذين ينظرون إلى عملهم باعتباره رمزاً لذواتهم أو هوياتهم يميلون إلى الاندماج، في حين أن الموظفين الذين لا ينظرون إليه من هذه الزاوية لن يهتموا بشيء سوى الحضور والانصراف في المواعيد المقرَّرة وسيشعرون بالغربة، وفي أحسن الأحوال يأملون في إيجاد معنى في أنشطة أخرى.

لكن ما الذي يحدد مفهومنا الذاتي وهويتنا؟ تؤدي شبكات العلاقات دوراً كبيراً في هذا السياق. وقد أوضحت في كتابي الأخير، أنا، بشري: الذكاء الاصطناعي والأتمتة والسعي إلى استعادة التميّز” (I, Human: AI, Automation, and the Quest to Reclaim What Makes Us Unique)، أن البشر هم آلات تتوق إلى المعنى، والمصدر الأساسي للمعنى هو الآخرون. وما كنا لنستطيع التوصل إلى استيعاب العالم أو فهم أي شيء على الإطلاق لو لم نكن قادرين على تلقي أنظمة المعنى التي استوعبها الآخرون مسبّقاً وفهمها واستخدامها (كالآباء والمعلمين والأصدقاء والزملاء والأزواج، فضلاً عن المدونات الصوتية). وكلما كانت شبكات علاقاتك الاجتماعية أكثر شمولاً وكثافة وثراءً، زادت احتمالية تطوير مفهوم ذاتي معقد يتوافق مع سمعتك واهتمام السوق بمهاراتك وإمكاناتك.

قبل 50 عاماً، ربما كنا نعتمد ببساطة على النصائح التي نتلقاها من جيراننا أو عمّاتنا لتكريس حياتنا المهنية المستقبلية لمجال عمل واحد محدد، دون التفكير كثيراً في خياراتنا. أما اليوم فنتلقى عدداً لا حصر له من الاقتراحات (بما في ذلك الاقتراحات التي تتلقاها من أقاربك وأحبائك)، ونتمتع بإمكانية الوصول إلى كم هائل من المعلومات والفرص وتوقعات قطاعات العمل. يؤدي هذا إلى خلق الكثير من التعقيدات وما يطلق عليه خبراء الاقتصاد السلوكيون “مفارقة الاختيار”: كلما زاد عدد الخيارات المتاحة أمامنا، ازدادت صعوبة الرضا عن خياراتنا أو الشعور بالثقة فيها (حسبما أشار سكوت غالواي). ومن هذا المنطلق، فإن تسخير شبكات العلاقات المناسبة والاستماع إلى موجهين وأبطال وزملاء مختارين بعناية وقادرين على فهم إمكاناتنا وتحديد أفضل مجال لاستغلالها الاستغلال الأمثل، سوف يساعدنا بكل تأكيد على رسم خطة عملنا.

هناك أيضاً بعض القواعد العامة التي تدعم نجاح الانتقالات المهنية وتُمثل قائمة مراجعة تفيد عملية التقييم الذاتي، هذا إن كنت مهتماً بتقييم إمكاناتك في تغيير مسارك المهني. يشدّد معظم النماذج على عدد من العوامل الشخصية، مثل نموذج “العوامل الخمسة” الذي يركّز على العوامل التالية: السيطرة وحب الاستطلاع والالتزام والثقة في النفس والاهتمام. وللمرء أن يستشف من سمات العوامل الخمسة المشار إليها أعلاه أن هذا النموذج يفترض أن فُرص الفرد في النجاح في انتقالاته تزداد عندما يُحكِم سيطرته على وظيفته وحياته المهنية، وعندما يزداد فضوله لاستكشاف الخيارات الخارجية (بما في ذلك المسارات غير العادية)، وعندما يلتزم بتغييراته، وعندما يُظهِر مزيجاً صحياً يجمع بين الثقة في قدراته والاهتمام بالحاجة إلى التحسين. يترتب على ذلك أنه إذا فقد المرء أياً من هذه المكوّنات، فسوف يواجه تحديات إضافية في الانتقال المهني.

علاوة على ذلك، يجدر بك أن تفكّر في هذه الأسئلة البسيطة لإجراء تقييم ذاتي أولي يسهم في توجيهك في عملية تقييم احتياجاتك.

أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك عندما تفكّر في تغيير مسارك المهني:

  • ما أكثر ما يعجبني في وظيفتي (وظائفي) الحالية أو السابقة؟
  • ما الوظائف أو مجالات العمل التي يلتحق بها الأشخاص الذين أعتبرهم أشخاصاً رائعين أو مثيرين للاهتمام أو ناجحين؟
  • ما المهارات المميزة التي يرى الآخرون أنني أتمتع بها، وما المؤشرات المحددة التي تجعل الآخرين يرونها (كأوراق الاعتماد والسلوكيات والخبرات، وما إلى ذلك)؟
  • ما العناصر الأكثر إثارة للإعجاب في سيرتي الذاتية؟ (ركّز على الإنجازات المتفرّدة والصعبة).
  • ما المهارات التي أحب اكتسابها خلال 3 إلى 5 سنوات؟
  • ما أكثر ما يضايقني في وظيفتي (وظائفي) الحالية أو السابقة؟
  • ما الوظائف أو مجالات العمل التي يلتحق بها الأشخاص الذين أعتبرهم أشخاصاً مملين وغير ناجحين؟
  • ما الوظائف أو مجالات العمل الجديدة الموجودة التي تتطلب مهاراتي واهتماماتي؟
  • ما الثقافات المؤسسية التي تلقى صدى طيباً في نفسي لأنها تتناسب مع قيمي وأسلوبي وتفضيلاتي؟
  • إذا كان بإمكاني الحصول على 3 وظائف مختلفة من الآن وحتى التقاعد، فما الوظيفة التي سأختارها (إذا لم تكن هناك عوائق أو حدود، وإذا كانت مؤهلاتي تتيح لي الالتحاق بها)؟

ضع هذه الأسئلة في الاعتبار عندما تفكر في خيارات مختلفة. ناقش إجاباتك مع الأصدقاء والخبراء والزملاء الذين تثق بهم. استخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي للتدقيق والبحث والاكتشاف. ويُفضَّل أن تطلب من الأشخاص الذين يعرفونك جيداً أن يجيبوا عن هذه الأسئلة من وجهة نظرهم الشخصية؛ لأن الآخرين يفهمون في الغالب هويّتنا أفضل من فهمنا لها نحن أنفسنا.

وغنيٌّ عن القول أن الانتقالات المهنية ما هي إلا رهان، وكما هي الحال مع أي رهان فإن النتيجة ستتحدد في المستقبل. وأفضل ما يمكنك فعله أن تتخذ قراراً مستنيراً: كن واضحاً بشأن الدوافع التي تحاول تلبيتها، لا سيما التغيُّرات التي تطرأ على ذاتك أو هويتك المهنية، وألقِ نظرة فاحصة على مزايا الخيارات المتاحة وعيوبها في مقابل مهاراتك واهتماماتك وسماتك الشخصية. لا بد من تحقيق التوازن بين الانفتاح على الرغبة في التجريب والالتزام بركيزة استراتيجية، والصدق مع نفسك عند تقييم نتيجة اختياراتك، لأن هذا التوازن سيمكّنك من الاستمرار في التقدم وتطوير إمكاناتك. واعلم أن أخطاءك ما هي إلا إخفاقات ذكية، بمعنى تعزيز قابليتك للتوظيف في المستقبل والنجاح الوظيفي؛ فالتقدم لا يسير في خط مستقيم على الرغم من كل شيء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .