إن كنتَ مثل معظم القادة الناجحين، فقد تلقيتَ في المراحل الأولى من حياتك المهنية الكثير من الإرشاد والدعم. وحُظيتَ بالرصد والتدريب والتوجيه عن كثب. إلا أنّ مصادر الملاحظات الصادقة والمفيدة أضحتْ أقل مع ترقّيك السلّم الوظيفي، وبعد مرحلة معينة، أصبحتَ إلى حد كبير بمفردك. الآن، لم يعد مديرك – إن كان لديك مدير – يولي أفعالك اليومية الكثير من الاعتبار. وحين تظهر لديك أخطاء، من المرجح أن يكون الأوان قد فات لإصلاحها أو إصلاح تصورات مديرك عنك. وفي الوقت الذي تؤثر فيه عثراتك الإدارية سلباً على نتائج أعمالك، عادة ما يكون الوقت متأخراً للغاية لإجراء تصحيحات ستعيدك إلى المسار الصحيح، ولهذا عليك معرفة مجموعة أسئلة يطرحها القائد على نفسه.
سوف ترتكب أخطاء بغض النظر عن مدى موهبتك ونجاحك. كما سوف تكتسب عادات سيئة. وسيتغير العالم بهدوء، دون حتى أن تلاحظ ذلك، وستصبح السلوكيات التي نجحتْ في السابق غير فعالة.
لقد أُتيحتْ لي الفرصة، على مدار 22 عاماً من العمل في مؤسسة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs)، لإدارة العديد من الشركات والعمل مع العديد من قادة الأعمال أو تدريبهم. وقد ترأستُ جهود تدريب القيادات العليا للشركة، وترأستُ بصورة مشتركة لجنتها الخاصة بالشراكة، التي كانت تركز على المراجعات والترقيات وتطوير المدراء الإداريين. ولاحظت، من خلال هذه التجربة والمقابلات اللاحقة مع عدد كبير من المسؤولين التنفيذيين في مجموعة واسعة من الصناعات، أنه حتى القادة المتميزين يعانون باستمرار خلال فترات من حياتهم المهنية ينحرفون فيها عن المسار الصحيح لفترة من الزمن.
ومن الصعب رؤية التغيّرات عندما تكون في وسطها، لأن من شأن التغيّرات في البيئة أو المنافسين أو حتى الظروف الشخصية أن تُبعدك عن هدفك. وقد أدركتُ أن السمة الرئيسة للقادة الناجحين للغاية لا تكمن في معرفتهم كيفية البقاء دائماً على المسار الصحيح، بل في تطويرهم أساليب لمساعدتهم في التعرف على الموقف المتدهور والعودة إلى المسار الصحيح في أسرع وقت ممكن. وأفضل طريقة للقيام بذلك، حسب تجربتي، هي مراجعة النفس على نحو منتظم، كل ثلاثة إلى ستة أشهر مثلاً (وبالتأكيد كلما بدت الأمور وكأنها لا تسير على ما يرام)، وطرح بعض الأسئلة بصراحة على نفسك بشأن كيف تُبلي وما قد يلزمك القيام به بشكل مختلف. وبالقدْر نفسه من البساطة التي تبدو عليها هذه العملية، غالباً ما يشعر الأشخاص بالصدمة من إجاباتهم عن أسئلة الإدارة والقيادة الأساسية.
اقرأ أيضاً: كيف تغدو قائداً أكثر شمولاً؟
وقد أخبرني أحد المدراء في شركة خدمات مالية كبيرة تخطته الترقية أنه فوجئ بمراجعة أدائه في نهاية العام، التي أبرزتْ العديد من المشكلات الإدارية التي لم تلفت انتباهه من قبل. إذ قرأ مديره العديد من تعليقات المراجعة التي ألقتْ باللوم عليه فيما يتعلق بضعف التواصل والفشل في وضع استراتيجية فعالة للقسم الذي يديره والميل لعزل نفسه عن فريقه. وكان يعتقد أن المراجعة لم تكن عادلة. لأنه وبعد قضائه 15 عاماً في الشركة، بدأ يشعر بالحيرة وسوء الفهم، وتساءل عما إذا كان لا يزال لديه مستقبل في الشركة. وقرر طلب الملاحظات مباشرة من خمسة من المساهمين الرئيسين والمتعاونين معه منذ فترة طويلة. وفي اجتماعات فردية، طلب منهم تقديم ملاحظات ونصائح صريحة. وشعر بالصدمة لسماعه أنهم كانوا ينتقدون بشدة العديد من أفعاله الأخيرة، وأن الأمر اختلط عليهم بشأن المسار الذي كان يريد أخذ القسم إليه، وأنهم كانوا يشعرون أنه لم يعد يُقدّر مساهماتهم. وساعدته ملاحظاتهم على رؤية أنه كان منغمساً في الأعمال اليومية لدرجة أنه فشل في مراجعة نفسه والتفكير في ما كان يفعله. وكانت تلك الملاحظات بمثابة جرس إنذار جدّي بالنسبة إليه. واتخذ على الفور خطوات لتغيير سلوكه ومعالجة هذه المشكلات. وكان تقييمه في العام التالي أفضل بشكل كبير وحصل على الترقية في نهاية المطاف، وتحسن أداء قسمه.
وكان المدير محظوظًا لتلقي هذه الملاحظات في الوقت المناسب لإعادة مسيرته المهنية إلى مسارها الصحيح، على الرغم من شعوره بالأسف لأنه انتظر تلقي مراجعة سلبية لأدائه لطرح الأسئلة الأساسية بشأن أنشطته القيادية. وقطع على نفسه وعداً بعدم ارتكاب هذا الخطأ مرة أخرى.
مجموعة أسئلة يجب على القائد أن يطرحها على نفسه
وفي هذه المقالة، سأعرض سبعة أنواع من الأسئلة التي ينبغي للقادة طرحها على أنفسهم على أساس دوري. وأنا لا أقول إن هناك إجابة "صحيحة" عن أي من هذه الأسئلة، أو أنها جميعها ستلقى استحساناً لدى مسؤول تنفيذي معين في أي وقت من الأوقات. بل أقول إن المسؤولين التنفيذيين الناجحين يمكنهم تحسين أدائهم بانتظام واستباق مشكلات العمل الخطيرة عن طريق مراجعة أنفسهم وقضاء بعض الوقت في طرح أسئلة محددة على أنفسهم.
اختبر نفسك
إذا رغبت في تقييم أدائك والبقاء على المسار الصحيح، يجب عليك أن تخطو خطوة إلى الوراء وأن تطرح على نفسك عدة أسئلة مهمة.
الرؤية والأولويات
غالباً ما يفشل القادة في مشاركة رؤاهم مع المؤسسة بشكل مناسب في خضم الأنشطة اليومية التي يؤدونها. وبعبارة أخرى، لا يشارك القادة رؤاهم بطريقة تساعد مرؤوسيهم المباشرين في تحديد المجال الذي يجب عليهم تركيز جهودهم فيه.
كم مرة شاركتُ فيها رؤيتي حول الشركة؟
هل قمتُ بتحديد ثلاث إلى خمس أولويات رئيسة لتحقيق هذه الرؤية ومشاركتها؟
في حال طُلب مني مشاركة رؤيتي، هل سيكون موظفو الشركة قادرين على فهم هذه الرؤية والأولويات؟
إدارة الوقت
يجب على القادة التحقق من كيفية قضائهم أوقاتهم. كما يجب عليهم التأكد من أن تكون جداولهم الزمنية (وجداول مرؤوسيهم المباشرين) متوافقة مع أولوياتهم الرئيسة.
كيف أقضي وقتي؟ هل يتوافق وقتي مع أولوياتي الرئيسة؟
كيف يقضي مرؤوسيّ المباشرين أوقاتهم؟ وهل تتوافق أواقتهم مع أولويات الشركة الرئيسة؟
التقييمات
غالباً ما يفشل القادة في تدريب الموظفين بطريقة مباشرة وآنية، ويأجّلون الحديث عن هذه القضايا إلى حين موعد جلسات استعراض الأداء نهاية العام. وقد يُسفر هذا النهج عن مفاجآت غير سارة ويقوّض التطور المهني الفاعل. إلا أنه من المهم أن يعمل القادة على تنمية مرؤوسيهم المباشرين الذين يقدمون لهم النصح والمشورة خلال العام.
هل أقدّم ملاحظات مباشرة وآنية للموظفين تُتيح لهم اتخاذ إجراءات بشأنها؟
هل يوجد لديّ خمسة أو ستة مرؤوسين مباشرين مبتدئين يُبيّنون لي أموراً قد لا أرغب في سماعها ولكن يجب عليّ سماعها؟
التخطيط للخلافة
غالباً ما يعود سبب فشل القادة في التخطيط للخلافة بشكل فاعل إلى عدم اتباعهم نهج تفويض المهام بما فيه الكفاية، وهو ما قد يجعلهم يقفون عقبة في وجه عملية صناعة القرار. ومن المحتمل أن يترك الموظفون الرئيسون العمل في حال لم يجري إعدادهم وتحدّيهم بشكل فاعل.
هل اخترتُ واحداً أو أكثر من الخلفاء المحتملين، حتى وإن كان اختياري هذا ضمنياً؟
هل أقوم بتدريب الموظفين المحتملين للخلافة ومنحهم مهام صعبة؟
هل أمارس نهج تفويض المهام بما فيه الكفاية؟ هل أقف عائقاً أمام عملية صناعة القرار؟
التقييم والمواءمة
بما أن العالم يتغيّر باستمرار، يجب على القادة أن يكونوا قادرين على تكييف أعمالهم بما يتناسب مع هذا التغيير.
هل تصميم شركتي متوائم مع عوامل النجاح الرئيسة للعمل؟ في حال اضطررتُ إلى إعادة تصميم الشركة، كيف سيكون التصميم الجديد؟ وماهي نقاط الاختلاف التي ستميّز التصميم الجديد عن التصميم الحالي؟
هل يوجد حاجة إلى تكوين فرقة مهام مكّونة من المرؤوسين المباشرين للإجابة عن هذه الأسئلة وتقديم توصيات إلي؟
القيادة تحت الضغط
عادة ما يراقب المرؤوسون المباشرون تصرفات قادتهم في أوقات التوتر عن كثب، ويكون لتصرفاتهم تأثير بالغ على ثقافة الشركة وسلوك الموظفين. لذلك، يجب على القادة الناجحين أن يكونوا على دراية بمحفزات التوتر وأن يحاولوا تعديل سلوكياتهم عن وعي خلال هذه الفترات للتأكد من اتخاذهم إجراءات تتماشى مع معتقداتهم وقيمهم الأساسية.
ما هي الأحداث التي تجعلني أقبع تحت الضغط؟
وكيف أتصرف تحت الضغط؟
ما هي الإشارات التي أُظهرها لمرؤوسيّ المباشرين؟ وهل هذه الإشارات مفيدة أم أنها تقوّض نجاح عملي؟
كن صادقاً مع نفسك
يطوّر المسؤولون التنفيذيون الناجحون أساليب قيادية تناسب احتياجات أعمالهم وتتناسب مع معتقداتهم وشخصياتهم على حد سواء.
هل أتّبع أسلوب قيادة ليّن؟ وهل يعكس أسلوب القيادة هذا هويتي الحقيقية؟
هل أثق بنفسي بما فيه الكفاية، أم أنني أتردد عند اتخاذ القرارات؟
هل أبالغ في مراقبة كلماتي عند الحديث مع أحد ما؟
هل قلقي بشأن الحصول على ترقية أو مكافأة يجعلني أتحدث بصدق أم يجعلني أتردد في التعبير عن آرائي؟
الرؤية والأولويات
من المفاجئ عدد المرات التي يفشل فيها قادة الشركات في طرح سؤال على أنفسهم: ما هي الوتيرة التي أعمم بها الرؤية والأولويات على شركتي؟ وهل يمكن للموظفين لديّ بلورة الرؤية والأولويات، إذا طُلب منهم ذلك؟ ويتمتع العديد من القادة، نظرياً، بثروة من مواهب القيادة مثل: المهارات الشخصية والاستراتيجية والتحليلية والبراعة في بناء الفِرق، وبالتأكيد القدرة على وضع رؤية. لكن لسوء الحظ، فإنهم غالباً، في غمرة الأنشطة اليومية، لا يعممون الرؤية بشكل كاف على المؤسسة، وعلى وجه الخصوص، لا ينقلونها بطريقة تساعد الأشخاص على فهم ما يفترض بهم القيام به لدفع العمل. لأنه من الصعب للغاية قيادة الأشخاص إذا لم يكن لديهم فهم راسخ للوجهة التي يبتغونها وما هو متوقع منهم.
وكانت هذه هي المشكلة في إحدى الشركات الكبرى الموجودة على قائمة مجلة "فورتشن" (Fortune) لأكبر 200 شركة، التي قررت الاستثمار في ألف مدير من كبار المدراء فيها من خلال جعلهم يلتحقون ببرنامج تدريب إداري مكثف لمدة يومين، بواقع 100 مدير في المرة الواحدة. فخضع المشاركون، قبل كل جلسة، لمراجعة غير تقييمية بطريقة 360 درجة صنّف فيها عشرة من مرؤوسيهم العناصر الأساسية لأداء هؤلاء المدراء كل على حدة. وألقت الإدارة العليا للشركة نظرة على النتائج، مع التركيز على أعلى خمس سمات وأدنى خمس سمات لكل مجموعة. وعلى الرغم من أن هذه الشركة بحسن الإدارة صُنّفتْ القدرة على بلورة رؤية ضمن السمات الخمس الأدنى لكل مجموعة تقريباً. وفي حين أن المدراء في هذه الشركة وضعوا رؤية أشارت الملاحظات الواردة من مرؤوسيهم بقوة إلى أنهم لم يعمموها باستمرار بشكل كافٍ لتلبية نهم موظفيهم الهائل للتوجيه.
اقرأ أيضاً: كيف بوسعك أن تكبر كقائد مؤسسة؟
ويرغب الموظفون في معرفة الوجهة التي تصبو إليها الشركة، وما يلزمهم التركيز عليه. ومع تغيّر العالم، يريدون أن يعرفوا كيف يُمكن أن تتغير رؤية الشركة وأولوياتها لمواكبة هذا التغيّر. وفي حين تعلّم المدراء التواصل بفاعلية، فإن العديد منهم إما يُقصّرون في التواصل دون قصد أو يخفقون في وضع أولويات محددة من شأنها أن تضفي معنى على رؤيتهم. وعلى الرغم من أنه غالباً ما تعتقد أنك تناقش الرؤية والاستراتيجية، إلا أنه من الممكن أنك لا تقوم بذلك بالقدر الكافي أو بتفاصيل كافية تناسب احتياجات موظفيك. انظر إلى حالة الرئيس التنفيذي لشركة ناشئة في مجال التقنية الحيوية، الذي اعتراه إحباط شديد لما اعتبره عدم وجود توافق بين فريق الإدارة العليا في شركته. إذ كان يعتقد اعتقاداً راسخ أن الشركة يلزمها القيام بتمويل كبير لأسهم رأس المال في غضون 18 شهراً، إلا أنّ كبار المدراء في الشركة أرادوا الانتظار بضع سنوات حتى يتحقق تقدم في إجراءات موافقة إدارة الأغذية والعقاقير على اثنين أو ثلاثة من الأدوية الرئيسة للشركة. وفضّل هؤلاء المدراء إخبار المستثمرين بهذا الأمر عندما كانت الشركة على وشك تحقيق إيرادات. وعندما سألتُه عن رؤية الشركة، أدرك الرئيس التنفيذي بحرج أنه لم يكتب أبداً في الواقع بيان الرؤية. فقد كانت لديه خطة تكتيكية واضحة المعالم تتعلق بكل جهد من الجهود التي تبذلها الشركة في مجال المنتجات، إلا أنه لا يمتلك رؤية كاملة من شأنها أن تعطي سياقاً إضافياً لهذه الجهود. وقرر تنظيم اجتماع خارج مكان العمل لفريق الإدارة العليا للشركة لمناقشة رؤية الشركة وبلورتها بشكل خاص.
ووافقت المجموعة بسرعة، بعد مناقشة محتدمة، على رؤية وأولويات استراتيجية. وأدرك أعضاؤها أنه من أجل تحقيق أهدافهم المشتركة، ستحتاج الشركة في الواقع تمويلاً كبيراً بصورة عاجلة وليست آجلة، أو سيلزمهم تقليص بعض المبادرات التي كانت أساسية لرؤيتهم للشركة. وبعد إدراكهم الكامل لهذه المفاضلة، فهموا ما كان الرئيس التنفيذي يحاول إنجازه وغادروا الاجتماع متحدين بشأن استراتيجيتهم الخاصة بالتمويل. وفوجئ الرئيس التنفيذي تماماً بمدى سهولة التقريب بين أعضاء فريق القيادة في الشركة. وأضحى حل المشكلات المحددة أسهل بكثير؛ لأنهم اتفقوا على الوجهة التي تبتغي شركتهم بلوغها.
ويتمثل أحد الأخطاء الشائعة في بلورة الرؤية في الفشل في تشكيلها في قائمة من المبادرات التي يمكن التحكم بها. وتنطوي عملية تنقية القائمة على التفكير ملياً ثم اتخاذ خيارات صعبة وقرارات مفاضلة. وتنقل هذه الاختيارات الكثير إلى موظفيك بشأن كيفية قضاء وقتهم. وقد تحدثتُ مع مدير لأحد فِرق المبيعات الوطنية كان يشعر بالإحباط لأن مرؤوسيه المباشرين لم يكونوا يركزون على المهام اللازمة لتحقيق أهداف المبيعات الإقليمية الخاصة بكل منهم. ونتيجة لذلك، كانت المبيعات تنمو بمعدل أبطأ مما كان مقرراً في الميزانية في بداية العام. وعندما طلبتُ منه أن يعدّد الأولويات الثلاث إلى الخمس الرئيسة التي توقع أن يركز عليها مندوبو المبيعات، توقف لبرهة ثم أوضح لي وجود 15 أولوية رئيسة وأنه سيكون من الصعب للغاية تقليص القائمة إلى خمس أولويات.
وبينما كان يتحدث، برقت الفكرة في رأسه، وأدرك السبب في إمكانية عدم وجود ترابط بينه وبين موظفيه، فإنهم لم يعرفوا بالضبط ما يريد لأنه لم يخبرهم بطريقة مرتبة حسب الأولويات وبالتالي قابلة للتنفيذ. وأمعن النظر في هذه القضية خلال الأسبوعين المقبلين، وفكّر ملياً في تجربته بصفته مديراً إقليمياً واستشار مختلف الزملاء. ومن ثَم اختار ثلاث أولويات شعر أنها ضرورية لتحقيق النمو في المبيعات. وتضمنتْ أهم هذه الأولويات عملية رئيسة تستهدف المشاريع التجارية الجديدة يتبعها مسعى للتواصل مع العملاء الجدد المحتملين. وفهم المدراء الإقليميون على الفور هذه الأولويات وبدأوا يركزون على هذه المبادرات. والحقيقة هي أن وجود 15 أولوية لا يختلف عن عدم وجودها على الإطلاق. إذ يتولى المدراء مسؤولية ترجمة رؤيتهم إلى عدد معقول من الأولويات التي يمكن لموظفيهم فهمها والعمل بناءً عليها.
الحقيقة هي أن وجود 15 أولوية لا يختلف عن عدم وجودها على الإطلاق
وينجم عن الفشل في تعميم رؤيتك وأولوياتك تكاليف مباشرة عليك من ناحية الوقت وفعالية العمل. ومن الصعب تفويض الأشخاص إذا لم تكن لديهم فكرة جيدة عن الصورة الشاملة، وبالتالي ينتهي بك الأمر إلى إنجاز مزيد من العمل بنفسك. ويمكن أن تتالى هذه المشكلة عبر المؤسسة إذا كان مرؤوسوك المباشرون، بدورهم، غير قادرين على نقل الرؤية وتعزيز موظفيهم على نحو فعال.
إدارة الوقت
السؤال الثاني الذي يتعين عليك طرحه بسيط للغاية، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسؤال الأول، وهو: كيف أقضي وقتي؟ فبعد أن تعرف أولوياتك، يلزمك تحديد ما إذا كنت تقضي وقتك – وهو أغلى الموارد التي تمتلكها – بطريقة تتيح لك تحقيق أولوياتك. على سبيل المثال، إذا كانتْ أولويتك العليا هي تطوير المواهب العليا والتوسع العالمي، وأنت تقضي معظم وقتك في المسائل التشغيلية والإدارية الداخلية التي بوسعك تفويضها، فيلزمك الاعتراف بعدم وجود ترابط، ويُستحسن بك إجراء بعض التغييرات.
وهو سؤال بسيط إلا أنّ العديد من القادة، بمن فيهم أنا، لا يمكنهم الإجابة عنه بدقة في بعض الأحيان. وعندما يرصد القادة في نهاية الأمر وقتهم، فغالباً ما يفاجؤون بما يجدونه. لأن معظمنا يمر بفترات تجعلنا فيها الأحداث غير المتوقعة والفوضى اليومية في موقع رد الفعل بدلاً من العمل وفق خطة موضوعة مسبقاً. فتجعل الأزمات والمفاجآت وقضايا الموظفين والتوقفات أسبوع العمل يبدو مشوشاً. وقد أوصيتُ العديد من القادة برصد كيفية قضائهم كل ساعة من كل يوم لمدة أسبوع، ثم تصنيف الساعات إلى أنواع من الأنشطة مثل: تطوير الأعمال، وإدارة الأفراد، والتخطيط الاستراتيجي، على سبيل المثال. ونتائج هذه العملية، بالنسبة لمعظم المسؤولين التنفيذيين، مذهلة – بل ومرعبة – بوجود انفصال واضح بين طبيعة أولوياتهم العليا والكيفية التي يقضون بها وقتهم.
على سبيل المثال، اعترى الرئيس التنفيذي لشركة تصنيع متوسطة الحجم الإحباط لأنه كان يعمل 70 ساعة في الأسبوع، ولم يبدُ أبداً أنه يلحق بالركب. فتضررت حياته العائلية من ناحية، وفي العمل، كان غير متوفر باستمرار لموظفيه وكبار عملائه. واقترحتُ عليه مراجعة نفسه ومراجعة كيفية إدارته لوقته ساعة تلو الأخرى على مدار الأسبوع. وجلسنا لفحص النتائج، ولاحظنا أنه كان يقضي وقتاً طويلاً في الموافقة على نفقات الشركة، التي كان بعضها لا يتجاوز مبلغ 500 دولار أميركي، وهذا في شركة تبلغ مبيعاتها 500 مليون دولار. ووجد، أثناء جلوسه في مكتبي، صعوبة في تفسير سبب عدم تفويض جزء من هذه المسؤولية، واتضح أن الموافقة على نفقات الشركة كان نشاطاً استمر في أدائه منذ أن كانت الشركة أصغر بكثير. وأدرك أنه، عن طريق تفويض سلطة الموافقة على نفقات التشغيل المتكررة بمبالغ أقل من 25 ألف دولار، يمكنه أن يوفر ما يصل إلى 15 ساعة في الأسبوع. وقد دُهش لأنه لم يدرك هذه المشكلة ولم يُجرِ هذا التغيير البسيط قبل ذلك.
اقرأ أيضاً: 6 مهارات أساسية يجب على كل قائد تملكها وممارستها
والسؤال المتمثل في: كيف تقضي وقتكَ سؤال مهم ليس بالنسبة إليك فحسب بل بالنسبة إلى فريقك أيضاً؛ غالباً ما يستمد الأشخاص الحافز من القائد عندما يتعلق الأمر بإدارة الوقت. لذا، ينبغي لك التأكد من وجود تطابق بين أفعالك وأولويات عملك وأنشطة فريقك. وقد شعر الرئيس التنفيذي لشركة خدمات مهنية سريعة النمو تضم 300 شخص، أنه ومن أجل تطوير الشركة، يلزم على كبار المدراء إقامة علاقات أقوى وأكثر موضوعية مع العملاء. وهذا يعني أن كبار الموظفين يلزمهم قضاء وقت أطول بكثير خارج مكاتبهم في اجتماعات مع العملاء. وعندما سُئل الرئيس التنفيذي كيف كان يقضي وقته، لم يتمكن من الإجابة. وبعد رصد وقته لمدة أسبوع، صُدم عندما وجد أنه يُكرس قدراً هائلاً من وقته للأنشطة الإدارية المتعلقة بإدارة الشركة. وأدركَ أن مقدار الاهتمام الذي كان يوليه لهذه الأمور لا يعكس أولويات العمل، وكان يبعث رسالة مربكة إلى موظفيه. وبدأ فوراً في الضغط على نفسه لتفويض عدد من هذه المهام الإدارية وزيادة مقدار الوقت الذي يقضيه في جولات مع العملاء، ضارباً مثالاً قوياً لموظفيه. ووجّه كل مدير من كبار المدراء لديه بالقيام بعملية تخصيص وقت مماثلة للتأكد من أنهم يكرسون وقتاً كافياً للعملاء.
وبطبيعة الحال، يجب أن تكون الطريقة التي يقضيها القائد في وقته مصممة لتناسب احتياجات الشركة، التي يمكن أن تختلف اعتماداً على أوقات العام والتغييرات في الموظفين والعوامل الخارجية. والأمر المهم هنا هو أنه أياً يكن قرارك، يجب أن يكون تخصيص الوقت قراراً واعياً ينسجم مع رؤيتك وأولوياتك حيال الشركة. ونظراً للضغوط الناجمة عن إدارة شركة، من السهل أن تفقد التركيز، لذا من المهم أن تطرح على نفسك هذا السؤال بشكل دوري. وتلزمك مراجعة الطريقة التي تستثمر بها وقتك بموضوعية، تماماً مثلما تتريث وتراجع قراراً استثمارياً كبيراً.
المردود
عندما تفكر في طرق تعاملك مع الملاحظات، ينبغي لك أولاً أن تسأل نفسك: هل أقدّم للأشخاص ملاحظات فورية ومباشرة وبناءة؟ وثانياً: هل لديّ خمسة أو ستة موظفين صغار سوف يخبرونني بأشياء لا أود أن أسمعها، ولكن يلزمني سماعها؟
ويرغب موظفوك في أن يحظوا بالتدريب والتطوير بطريقة صادقة ومباشرة، إذا كانوا مثل معظم الموظفين الطموحين. فهم يريدون الحصول على ملاحظات بينما لا تزال ثمة فرصة للعمل وفقاً لها، أما إذا انتظرتَ حتى مراجعة نهاية العام، فغالباً ما يكون الأوان قد فات. وحسب تجربتي، عادة ما يخفق المدراء أصحاب النوايا الحسنة في تقديم ملاحظات صريحة ومباشرة وفي الوقت المناسب إلى مرؤوسيهم.
أحد أسباب هذا الإخفاق هو أن المدراء غالباً ما يخشون أن الملاحظات والانتقادات البناءة تثبط معنويات موظفيهم. وفضلاً عن ذلك، يمكن أن يُنظر إلى انتقاد أحد الموظفين بطريقة صريحة وفي الوقت المناسب على أنه أمر صِدامي للغاية. وأخيراً، يخشى العديد من المدراء أن يؤدي هذا النوع من الملاحظات إلى عدم إعجاب الموظفين بهم. وبالتالي، غالباً ما ينتظر القادة حتى مراجعة الأداء في نهاية العام. ولأن مراجعة نهاية العام هي مراجعة تقييمية (أي الحكم بشأن السنة)، فهي بالتالي لا تفضي إلى التدريب البنّاء. وعادة ما يكون الموظف في موقف دفاعي وليس منفتحاً إزاء النقد. وتترتب على هذا النهج مفاجآت، غالباً ما تكون غير سارة، تقوض الثقة وتقلل بشكل كبير من ثقة الموظف في المدير.
والحقيقة هي أن المدراء الذين لا يقدمون ملاحظات فورية ومباشرة غالباً ما يحظون بالإعجاب حتى نهاية العام، وعندئذٍ ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا مكروهين بشدة. وفي حال أخفق الموظفون في تحقيق التوقعات، فإن هذا الإخفاق ينعكس في المكافآت والعلاوات والترقيات. ويمكن أن يكون الشعور بالظلم هائلاً. والأمر الأسوأ من ذلك هو معرفة أنه إذا تلقى أحد الموظفين ملاحظات في وقت مبكر من العام، فمن المرجح أنه كان ليبذل جهوداً مجدية لتحسين هذه المسائل ومعالجتها.
وعلى الرغم من أن الأشخاص يحبون سماع ملاحظات إيجابية، إلا أنهم في نهاية الأمر يرغبون بشدة في معرفة الحقيقة، ونادراً ما رأيتُ شخصاً يتوقف عن سماع الحقيقة أو التعرض لتحديات لتحسين أدائه، إلا إذا فات الأوان على ذلك. وعلى العكس من ذلك، أود القول إنه من المرجح للغاية بقاء الأشخاص في حال فهموا المشكلات التي تلزمهم معالجتها، وكانوا على ثقة بك للفت انتباههم إلى تلك المشكلات بطريقة مباشرة وفورية. فإنهم يكتسبون الثقة في أنك ستعمل معهم لتطوير مهاراتهم، ولن يتفاجؤوا بها نهاية العام. ومن المرجح للغاية أن يتسامح الموظفون الذين لا يحصلون على الترقية المنشودة حيال عدم ترقيتهم إذا كنتَ تخبرهم طوال الوقت بما يلزمهم فعله بشكل أفضل، حتى إن لم يفعلوا بعد. لأنه يمكن أن يضاعفوا جهودهم ليثبتوا لك قدرتهم على التغلب على هذه المشكلات.
وقد وجدتُ باستمرار، خلال مسيرتي المهنية في مؤسسة "غولدمان ساكس"، أن التطوير المهني كان أكثر فاعلية بكثير عندما كان تقديم التدريب والملاحظات المباشرة للموظفين يتم طوال العام قبل وقت طويل من عملية مراجعة الأداء السنوية. وقد أظهرت الاستطلاعات الداخلية للمدراء الإداريين أنه في الحالات التي اقتصرتْ فيها الملاحظات على مراجعة الأداء في نهاية السنة، كان الرضا عن التطوير الوظيفي أقل بشكل كبير منه عندما يجري تقديم هذه الملاحظات طوال العام.
وبقدر صعوبة تقديم ملاحظات فعالة في الوقت المناسب، يجد العديد من القادة صعوبة أكبر في الحصول على ملاحظات من موظفيهم؛ لأنه عند بلوغك مرحلة معينة من حياتك المهنية، يكون الموظفون الصغار في وضع أفضل بكثير من مديرك لإخبارك بشأن كيف تُبلي. لأنهم يرونك خلال أدائك لأنشطتك اليومية، ويختبرون قراراتك بصورة مباشرة. وخلال هذه المرحلة، يكون مديرك بعيداً للغاية، ونتيجة لذلك، يلزمه عادة التحدث مع مرؤوسيك لتقييم أدائك في نهاية السنة. ولكي تتجنب المفاجآت في نهاية السنة، يلزمك إنشاء شبكة من الموظفين الصغار، الذين هم على استعداد لتقديم ملاحظات بناءة لك. والمشكلة هي أنه على الرغم من أن مرؤوسيك المباشرين يعرفون أن ما تفعله هو أمر خاطئ، إلا أن معظمهم لا يحرصون على إخبارك بذلك. ولسبب مقبول، يوجد القليل من الإيجابيات وقدر هائل من الجوانب السلبية في هذا الأمر. إذ كلما تبوأتَ منصباً أرفع وأضحيت أكثر أهمية، قلّت الحالات التي يخبرك فيها مرؤوسوك بـ"الحقيقة المفزعة"، وهي الأشياء التي يصعب سماعها ولكن تلزمك معرفتها.
في حين يعرف مرؤوسوك المباشرون أن ما تفعله أمر خاطئ، إلا أن معظمهم لا يحرصون على إخبارك بذلك. لأن الأمر يتطلب تضافر الجهود للاستفادة من المرؤوسين الذين سوف يقدمون لك النصح والتدريب.
ويتطلب الأمر تضافر الجهود للاستفادة من المرؤوسين الذين سوف يقدمون لك النصح والتدريب، كما يتطلب الصبر وبعض الشدة. وعندما أطلب من المرؤوسين تقديم ملاحظات بناءة، سوف يخبرونني عادة وبشكل متوقع أنني "أبلي بلاءً حسناً". وعندما أتابع وأسألهم: ما الذي ينبغي لي أن أفعله بطريقة مختلفة؟، يردون "لا يوجد شيء يمكننا التفكير فيه". وإذا تحديتهم قائلاً: لا بد من وجود أمر ما!، يستمرون في قول "لا شيء يتبادر إلى الذهن". ثم أطلب منهم الجلوس والتفكير؛ فلدينا الكثير من الوقت. وهذه المرة، تبدأ قطرات العرق في الظهور على جباههم. وبعد صمت مطبق، يتوصلون في نهاية الأمر إلى شيء ما، وغالباً ما يكون سماع هذا الأمر مدمراً. وهو مدمر لأنه انتقاد قاس ولأنك تعلم أنه صحيح.
وما تفعله بهذه الملاحظات هو أمر بالغ الأهمية؛ فإنْ كنتَ تعمل وفقاً لها، سوف تُحسّن أداءك. وبالقدر نفسه من الأهمية، سوف تتخذ خطوة كبيرة في بناء الثقة وإرساء الأساس لوسيلة من الملاحظات الصادقة. وعندما يرى المرؤوسون أنك تستجيب بشكل إيجابي للاقتراحات التي يقدمونها، سيشعرون غالباً بمزيد من تولي زمام الأمور في الشركة وفي نجاحك. وسوف يتعلمون أخذ زمام المبادرة في توجيه انتقادات لك، لأنهم يعلمون أنك سوف تقدّرها في الواقع وتعمل وفقاَ لها. وسوف يساعدك بناء شبكة من المرؤوسين "المدربين" على اتخاذ تدابير لتحديد مشكلاتك فيما يتعلق بالقيادة وتحسين أدائك بصورة مجدية.
التخطيط لتعاقب الموظفين
سؤال آخر يعرف المدراء أهميته، إلا أنهم يجدون صعوبة في الإجابة عنه بالإيجاب، وهو: هل اخترتَ واحداً أو أكثر من الموظفين المحتملين لخلافتك في المنصب، على الأقل في ذهنك؟ وهذه القضية ذات أهمية كبيرة لأنك إنْ لم تحدد الخلفاء المحتملين لك، فمن المرجح أنك لا تفوض الآخرين بقدْر واسع كما يجب، ومن الجائز جداً أنك تمثل عقبة في اتخاذ القرارات. ويعني وصفك بالعقبة أنك دائماً لا تقضي وقتاً كافياً في العمل على أولويات القيادة الحيوية، وتفشل في تطوير مرؤوسيك الأساسيين. ومن المفارقات أنه عندما يعتقد القادة أنهم موهوبون للغاية ويمكنهم أداء المهام أفضل بكثير من أي من مرؤوسيهم، وبالتالي يصرون على أدائها بأنفسهم، فإنهم عادةً ما يتسببون في ضعف أداء شركاتهم، وفي نهاية المطاف، ستتضرر حياتهم المهنية كذلك.
إنْ لم تحدد الموظفين المحتملين لخلافتك، فمن المرجح أنك لا تفوض الآخرين بقدْر واسع كما ينبغي لك أن تفعل.
وينطوي السؤال المتعلق بتعاقب الموظفين أيضاً على انعكاسات مهمة تتالي عبر المؤسسة؛ لأنه في حال لم يطور القادة موظفين لخلافتهم في المنصب، فمن الممكن أن تفتقر المؤسسة إلى عدد كافٍ من القادة لنمو أعمالها بنجاح. والأمر الأسوأ من ذلك أنه إذا لم يحظَ الموظفون الصغار بالتطوير، فربما يتركون الشركة للحصول على فرص أفضل في مكان آخر. ولهذه الأسباب، سوف تتردد غالبية الشركات التي تتسم بحسن الإدارة في ترقية المسؤولين التنفيذيين الذين أخفقوا في تطوير موظفين لخلافتهم في مناصبهم.
ويكفي تحديد الموظفين المحتملين لخلافتك في الوظيفة دون إخبارهم فعلاً أنك اخترتهم، ما دام أنّ هذا التحديد يجعلك تُديرهم بشكل مختلف. فسوف ترغب، بصفة خاصة، في تفويض المزيد من مسؤولياتك الرئيسة لهؤلاء الموظفين، وسيفضي ذلك إلى تسريع نضوجهم وإعدادهم للارتقاء إلى المستوى التالي. وستُظهر بقوة، من خلال إعطاء مهام شاقة لهؤلاء المرؤوسين، اهتماماً بتطورهم وارتقائهم الوظيفي، ما سوف يشجعهم على رفض العروض المقدمة من المنافسين. والقادة الذين يفعلون ذلك هم أكثر قدرة على الحفاظ على فِرقهم متحدة وتجنب فقدان المواهب الواعدة لمصلحة المنافسين.
ويُلحق فقدان المواهب ضرراً بالغاً بالشركة، وهو ضار بشكل خاص إذا كان من الممكن الاحتفاظ بالموظفين الأساسيين ببساطة من خلال حثهم بصورة أكثر كثافة. وقد تحدثتُ مع رئيس قسم بشركة كبيرة كان يشعر بالقلق إزاء ما ينظر إليه على أنه عجز في المواهب في مؤسسته. فقد كان يشعر أنه لا يستطيع استغلال وقته على أكمل وجه لأنه كان يرى أن مرؤوسيه المباشرين غير قادرين على تحمل بعض مسؤولياته الرئيسة. وكان يعتقد أن هذا العجز في المواهب يمنعه من إطلاق العديد من مبادرات المنتجات والمبادرات السوقية الجديدة. وفي خضم هذا كله، خسر اثنين من الموظفين الأساسيين على مدى ستة أشهر؛ وقد غادر كل منهما لتولي مسؤوليات أكبر لدى منافسين رئيسين للشركة. وقد حاول إقناعهما بالبقاء مشدداً على أنه كان يفكر فيهما بجدية للاضطلاع بمهام قيادية جديدة مهمة. ولأنهما لم يشاهدا أدلة على ذلك من قبل، فقد كانا متشككيْن وغادرا. وسألتُه عما إذا كان، قبل استقالتهما، قد حددهما (أو حدد أي شخص آخر) بصفتهما موظفيْن محتمليْن لخلافته، أو أنه أوكل لهما مسؤوليات أكبر، أو كثف من تدريبه لهذين الموظفين. وكانت إجابته أنه في فوضى الأحداث اليومية وفي خضم الجهود المبذولة لمواكبة عالم الأعمال، لم يفعل ذلك. واعترف أيضاً أنه قد قلل من تقدير إمكانات هذين الموظفين، وأدرك أن من المرجح أنه كان يقلل من تقدير العديد من الأشخاص الآخرين في الشركة. وجلس على الفور ووضع قائمة من الموظفين اللامعين المحتملين وبجانب كل اسم كتب خطة للوظيفة والمسؤولية. وبدأ فوراً العمل على خطة تعاقب الموظفين البنيوية هذه، على الرغم من أنه كان يشك في أنه قد انتظر طويلاً بالفعل.
وعندما تحث موظفيك وتختبرهم، فإنك تفوض إليهم سلطات بوتيرة أكبر، وهو ما يمنحك وقتاً أكثر للتركيز على المسائل الاستراتيجية الأكثر أهمية التي تواجه الشركة. وسيجعلك ذلك أكثر نجاحاً ويعزز من فرصك في الترقي في المستقبل.
التقييم والمواءمة
يتغير العالم باستمرار، وتتغير احتياجات زبائنك، وتتطور شركتك (بانتقالها، على سبيل المثال، من شركة ذات نمو مرتفع إلى شركة ناضجة). وتظهر منتجات وطرق توزيع جديدة بصفتها مهددات لشركتك. فإنْ لم تتغير لتواكب هذه التغييرات عند حدوثها، يمكن أن تخرج عن المسار بصورة جدية. ولم تعد المسائل مثل أنواع الأشخاص الذين تعينهم، والطريقة التي تنظمهم بها، والحوافز الاقتصادية التي تقدمها لهم، بل وطبيعة المهام التي تفوضها تخلق الثقافة وتحقق النتائج المهمة لنجاح شركتك. لأنّ وظيفتك هي التأكد من أن تصميم مؤسستك يتماشى مع عوامل النجاح الرئيسة للشركة. اسأل نفسك: هل أنا منسجم مع التغييرات في بيئة الأعمال التي تتطلب تغييراً في الطريقة التي ننظم بها شركتنا ونديرها؟
ومن الصعب، بالطبع، تحقيق مثل هذه الرؤية الثاقبة. فربما تكون، بصفتك قائداً، قريباً للغاية من الشركة لرؤية التغييرات الطفيفة التي تطرأ باستمرار. ونظراً لأنك ربما لعبتَ دوراً رئيساً في بناء الشركة وتصميمها، فربما يكون من الصعب عليك عاطفياً إجراء تغييرات ذات جدوى. فمن الممكن أن تضطر إلى إقالة بعض الموظفين، مثل الأشخاص الذين وظفتهم، وقد تضطر أيضاً إلى الاعتراف بأنك ارتكبت بعض الأخطاء، وأن تكون منفتحاً حيال تغيير أسلوبك التشغيلي بطريقة غير مريحة لبعض الوقت.
ونظراً لصعوبة مواجهة هذه المشكلات، من الحكمة أحياناً الاستعانة بالمرؤوسين أصحاب الإمكانات العالية للنظر إلى الشركة بمنظور جديد. ويمكن أن يكون هذا النهج فعالاً للغاية لأن الموظفين الصغار غير منخرطين عاطفياً في الغالب بقدرْك أنت، ويمكنهم أن يروا بموضوعية ما يلزم فعله. وهذا النهج هو أيضاً طريقة جيدة لحث القادة المستقبليين ومنحهم تجربة تطوير قيّمة. فسوف تمنحهم فرصة لممارسة مهاراتهم الاستراتيجية، وتحصل على لمحة عن إمكاناتهم (المتعلقة بالمناقشة السابقة بشأن التخطيط لتعاقب الموظفين)، ومن الممكن أن تحصل على بعض الأفكار الجديدة الرائعة بشأن كيفية إدارة الشركة.
نجح هذا النهج عندما استخدمه الرئيس التنفيذي لإحدى شركات التقنية الفائقة في شمال كاليفورنيا، وكانت شركته واحدة من أوائل المبتكرين في مجال منتجاتها، إلا أنها بدأت تتعثر وتفقد حصتها في السوق. وفي أيامها الأولى، كانت عوامل النجاح الرئيسة للشركة هي ابتكار المنتجات وتلبية احتياجات العملاء. وكانت تعمد بصورة نشطة إلى تعيين المهندسين وموظفي التسويق المبتكرين. ومع ظهور منافسين جدد، بدأ العملاء يركزون أكثر على التكلفة والخدمة (في شكل تطوير تطبيقات أكثر تطوراً). وشعر الرئيس التنفيذي، بعد مراجعته لنفسه، أنه تلزمه إعادة تصميم الشركة بخليط مختلف من الأشخاص، وتنظيم جديد، وهيكل حوافز منقح. وبدلاً من محاولة التوصل إلى نموذج جديد بنفسه، طلب من مجموعة أدنى درجة من المسؤولين التنفيذيين صياغة تصميم جديد للشركة كما لو كانت لديهم "صفحة بيضاء". واستغرقتْ دراستهم عدة أسابيع، وعند الانتهاء منها، أفضتْ إلى العديد من التوصيات التي بدأ الرئيس التنفيذي تنفيذها على الفور. على سبيل المثال، اقترحوا توحيد أقسام الهندسة والمبيعات وإنشاء فرق تغطية حسابات متكاملة. كما أوصوا أن تضغط الشركة على المزيد من مهندسيها للتعامل مع العملاء والتركيز على هذه المهارة في التوظيف. وأعرب الرئيس التنفيذي عن أسفه لعدم طرحه هذا السؤال - والقيام بهذه المهمة - قبل 12 شهراً.
وحتى أنجح الشركات عرضة للتحديات الجديدة الناشئة عن التغيّرات التي تطرأ على العالم. وينظر المسؤولون التنفيذيون الفعالون باستمرار إلى شركاتهم من خلال صفحة بيضاء سعياً للحصول على المشورة ووجهات النظر الأخرى من أشخاص أقل انخراطاً عاطفياً في الشركة، لتحديد ما إذا كانت الجوانب الرئيسة للطريقة التي يديرون بها مؤسساتهم لا تزال مناسبة.
القيادة تحت الضغوط
الضغوط جزء من العمل في الشركات؛ فتتسبب التغيّرات في ظروف العمل في مشاكل مُلحة، ويتطلب دخول منافسين جدد في السوق استجابة تنافسية، ويستقيل الموظفون الأكفاء، غالباً في الأوقات غير المناسبة مطلقاً. ويرتكب القادة وفِرقهم أخطاء، بغض النظر عن مدى ذكائهم.
والأمر المثير للاهتمام بشأن الأحداث المجهِدة هو أن تأثيرها يختلف من شخص لآخر؛ لأنّ ما يسبب لك الشعور بالقلق قد لا يضايق شخصاً آخر، والعكس بالعكس. فبالنسبة إلى البعض، من الممكن أن ينجم القلق الشديد عن توقّع الترقية، وبالنسبة إلى آخرين، يمكن أن ينجم عن ارتكاب خطأ جسيم، وبالنسبة إلى البعض الآخر، ينجم عن فقدان صفقة عمل لمصلحة أحد المنافسين. وبغض النظر عن مصدر الضغط، فكل قائد يتعرض له، لذا فإن السؤال الوجيه هو أن تسأل نفسك: كيف تتصرف تحت الضغط، وما هي الإشارات التي ترسلها إلى موظفيك؟
وبصفتك قائداً، فإنك تخضع للمراقبة عن كثب؛ فيراقبك موظفوك، خلال الأزمات، بتركيز بالغ، ويلاحظون كل خطوة تخطوها. ويتعلم موظفوك، في مثل هذه الأوقات، الكثير عنك وعما تؤمن به حقاً، بالمقارنة مع ما تقوله، هل تتحمل مسؤولية الأخطاء أم أنك ستبحث عن شخص تلقي عليه باللائمة؟ وهل تدعم موظفيك أم أنك ستنقلب عليهم؟ وهل أنت هادئ ورابط الجأش أم أنك تفقد أعصابك؟ وهل تدافع عما تؤمن به أم أنك تسلك الطريق النفعي وتؤيد ما تعتقد أن مدراءك يريدون سماعه؟ يجب أن تكون مدركاً لذاتك بما يكفي للتعرف على المواقف التي تثير لديك قلقاً شديداً ولتتحكم بسلوكك لتجنب إرسال رسائل عقيمة إلى موظفيك.
وقد قابلتُ عدداً من القادة الذين يتصرفون بأسلوب رصين ومدروس للغاية في أغلب الوقت. ولسوء الحظ، فإنهم، عندما يتعرضون لضغط شديد، يستجيبون بطرق تُرسي نبرة سلبية للغاية. وهُم بذلك يدربون موظفيهم دون قصد لمحاكاة هذا السلوك والتصرف بطريقة مماثلة. وفي حال كانت غريزتك هي حماية نفسك من اللوم أو تلقي الثناء بمفردك بدلاً من تشارُكه مع مرؤوسيك أو تجنب الاعتراف عندما ترتكب خطأ، فستمنح موظفيك الحق في القيام بالأمر ذاته.
شعر الرئيس التنفيذي لشركة كبيرة لإدارة الأصول بالإحباط، لأنه لم يتمكن من بناء ثقافة المساءلة والعمل الجماعي في شركته المتنامية. وتحدثتُ، بناء على طلبه، إلى عدد من أعضاء فريقه. وسألتُ بشكل خاص عن تصرفات الرئيس التنفيذي عندما تنخفض قيمة الاستثمارات التي كانوا قد أوصوا بها. وعدّدوا نوبات غضبه وانتقاداته الاتهامية اللاذعة المتكررة، التي أفضت إلى جو ساحق من إلقاء اللوم وتوجيه أصابع الاتهام. وفي الواقع، تُتخذ قرارات الاستثمار بشكل مشترك من خلال عملية مصممة بعناية تضم مدراء المحفظات ومحللي الصناعة والرئيس التنفيذي. ونتيجة لهذه النوبات، علِم الموظفون أنه عندما تفشل الاستثمارات، سيكون من الجيد محاولة العثور على شخص آخر لإلقاء اللائمة عليه. وأدرك الرئيس التنفيذي، بعد سماعه هذه القصص، أن تصرفاته عندما يتعرض للضغط كانت أكثر إقناعاً للموظفين من خُطبه بشأن العمل الجماعي والثقافة. وأدرك أنه يتعين عليه تعلم تخفيف حدة سلوكه عنما يتعرض للضغوط، ولاحقاً، اتخذ خطوات لتجنب الرد بغضب شديد على نتائج الاستثمار السلبية. وأصبح أيضاً أكثر إدراكاً لشعور المرؤوسين بالأسف والإحباط عندما تتراجع استثماراتهم، وأنّ من المرجح أنهم كانوا يحتاجون إلى المدح والتدريب أكثر من حاجتهم إلى التعنيف.
ومن الصعب للغاية توقُّع أن يُنبّهك الموظفون إلى المشكلات التي تلوح في الأفق عندما يخشون رد فعلك، خصوصاً عندما يعتقدون أنه من الأفضل لهم الابتعاد عن المشكلات المحتملة. ويمكن أن يخلق هذا جواً يزداد فيه، احتمال حدوث المفاجآت، لأنّ نظام الإنذار المبكر الطبيعي للشركة قد عُطّل دون قصد. فإنْ كنتَ خلقتَ هذا النوع من الثقافة، فمن غير المرجح تماماً أن تتعرف على المشكلات من المرؤوسين بصورة عفوية، ما لم يكونوا يريدون الانتحار الوظيفي.
ويكمن جزء من عملية النضج بصفتك قائداً في تعلّم مراجعة النفس والتفكير في ما يُلقي على عاتقك ضغوطاً، وأن تكون مدركاً لذاتك في هذه المواقف، وضبط سلوكك لضمان أن تتصرف بطريقة تتفق مع قيمك الأساسية.
الصدق مع نفسك
يسأل معظم قادة الشركات أنفسهم عما إذا كان أسلوبهم في القيادة يناسب احتياجات شركاتهم. ويتساءل عدد أقل من المدراء عما إذا كان أسلوبهم يناسب أيضاً معتقداتهم وشخصياتهم. والسؤال المطروح هنا هو: هل يعكس أسلوب قيادتي حقيقتي حقاً؟
المسار المهني سباق ماراثون، وليس سباقاً قصيراً، وما لم تكن صادقاً مع نفسك، فسوف تصاب بالإرهاق نهاية المطاف. ومع تطورك في حياتك المهنية، يُنصح بملاحظة أساليب القيادة المختلفة، وانتقاء العناصر التي تلائمك. لكن ضع في اعتبارك أن ملاحظة جوانب الأساليب الأخرى وتبنيها لا يعني أنه ينبغي لك السعي لتكون شخصاً آخر. وقد كنتُ محظوظاً، خلال حياتي المهنية، بأنْ حُظيت بالعديد من المدراء والزملاء الرائعين ذوي المهارات القيادية المميزة والفريدة من نوعها. وفي حين أنني حاولت تبني بعض أساليبهم، إلا أنني أدركت أيضاً أنه يلزمني تطوير أسلوب شامل يلائم مهاراتي وشخصيتي التي أتفرد بها. إذ يلزم أن يناسبك أسلوبك في القيادة. وحتى الأسلوب غير التقليدي يمكن أن يكون فعالاً للغاية إذا كان يعكس مهاراتك وقيمك وشخصيتك.
وعندما تصبح في درجة وظيفية أعلى، سيلزمك أن تسأل نفسك مجموعة إضافية من الأسئلة المتعلقة بالأسلوب، مثل: هل أثبتُّ نفسي بالقدر الكافي، أم أصبحت متردداً؟ وهل أنا لبِق بشكل مفرط؟ وهل يدفعني القلق بشأن الترقية التالية أو مكافأة نهاية السنة إلى التساهل أو التردد في الإعراب عن آرائي بوضوح؟ ومن الممكن، في العديد من الشركات، أن يحاول المسؤولون التنفيذيون الطموحون تجنب مواجهة المشكلات الحساسة أو خلق زوبعة. والأمر الأسوأ من ذلك أنهم قد يبذلون قدراً هائلاً من الجهد في محاولة التأكد مما يفكر به مدرائهم ومن ثم يتصرفون كما لو أنهم يفكرون بالطريقة نفسها. وإن كانوا يتمتعون بمهارة عالية في هذا الأمر، فمن الممكن أن يحظوا بفرصة للإدلاء بتعليقاتهم قبل أن تتاح للمدير فرصة لإبداء رأيه، ليشعروا بالوهج الدافئ لموافقة المدير على تعليقاتهم.
اقرأ أيضاً: كيف تكون قائداً مُلهِماً للآخرين؟
وتكمن المشكلة في أن المواجهة والاختلاف أمران بالغا الأهمية في اتخاذ القرارات الفعالة. فقد اتخِذتُ بعض أسوأ القرارات التي شاركتُ فيها بعد أن وافقتْ مجموعة من الأشخاص الأذكياء بالإجماع على مسار العمل. وعلى الرغم من ذلك، أقرّ العديد من المشاركين لاحقاً أنه كانت لديهم توجسات، إلا أنهم كانوا مترددين في الخروج عن الإجماع الواضح للمجموعة. وفي المقابل، من الصعب عليّ تذكر قرار سيئ شاركتُ فيه واتُخذ بعد نقاش مستفيض وأبدى فيه المشاركون آراء متعارضة بقوة (حتى لو لم أكن موافقاً على القرار النهائي). وتحتاج الشركات إلى قادتها لإبداء آراء قوية بدلاً من محاكاة ما يعتقدون أنه النهج السائد في الشركة. لذا، يجب عليك، بصفتك قائداً، أن تسأل نفسك عما إذا كنت تُبدي آراءك أو تتراجع وتكون لبقاً للغاية. وفي الوقت نفسه، يجب على القادة تشجيع مرؤوسيهم على إبداء آرائهم الصريحة وخلق زوبعة حسب مقتضى الحال والتوقف عن الحذر حيال القضايا المهمة.
ويعاني القادة الناجحون بشكل دوري خلال فترات من حياتهم المهنية. ويجب عليهم، للعودة إلى المسار الصحيح، أن يبتكروا أساليب لمراجعة النفس واكتساب منظور ووضع خطة جديدة. وغالباً ما يكون الحصول على الإجابات، في خضم هذه العملية، أمراً أقل أهمية من تخصيص الوقت لطرح الأسئلة الصحيحة على نفسك واكتساب أفكار أساسية. وتهدف الأسئلة المطروحة في هذه المقالة إلى إثارة تفكيرك. ومن الممكن ألا تتوافق معك سوى مجموعة فرعية فحسب من هذه الأسئلة، وقد تجد أنه من المفيد التوصل إلى قائمة تخصك. وفي الحالتين، سوف تساعدك عملية توجيه الأسئلة إلى الذات، التي تجريها على أساس دوري، في التغلب على تحديات القيادة وقضاياها التي يجب عليك معالجتها باستمرار خلال حياتك المهنية ويكون ذلك عبر معرفة مجموعة أسئلة يطرحها القائد على نفسه.