اقترح كل من المرشحين الرئاسيين هيلاري كلينتون وبيرنيساندرز استيراد الأدوية الرخيصة من كندا من كندا كجزء من الحل الذي قدّماه لتخفيض أسعار الأدوية للأميركيين. لم يكن هذا الاقتراح جديداً: فقد صادق عليه سياسيون آخرون منهم المرشح الرئاسي الجمهوري السابق جون ماكاين
لماذا الاستيراد من كندا؟
للدفاع عن هذا الاقتراح تُقدم بعض الحجج منها انخفاض الأسعار (الأسعار أقل بنسبة تتراوح ما بين 35% و55%) وتوفر قوانين السلامة لضمان عدم تزييف أو تلوث الأدوية، وسهولة النقل بسبب عامل القرب الجغرافي.
غير أن استيراد الأدوية الصيدلانية من البلدان الأخرى يعتبر حالياً أمراً غير قانوني. ومع ذلك فإن إدارة الدواء والغذاء الأميركية تقر بأنها قد تغض الطرف في بعض الحالات مثل الاستيراد الشخصي للأدوية الذي يقتصر على الكمية اللازمة للاستهلاك في مدة أقل من 90 يوماً.
"سنخفض أسعار الأدوية الأميركية باستيراد أدوية أرخص من كندا"، تبدو هذه العبارة أخاذة. وتدفع الناخبين للاعتقاد بأن الحل بسيط ويقتصر على نقل بعض الحبوب الرخيصة عبر الحدود، لكن الواقع أبعد وأعقد من ذلك بكثير. ومن المبالغة الاعتقاد بأن المسؤولين التنفيذيين في شركات الأدوية سيتراجعون ويقولون صراحة "أكيد، نحن موافقون على ترك أرباحنا الكبيرة في الولايات المتحدة تقل، لأننا سنبيع الأدوية بأسعار مخفضة في كندا". فلن تسمح شركات الأدوية بحدوث استيراد كاسح مثل هذا.
إن سبب ارتفاع أسعار الأدوية نسبياً في الولايات المتحدة هو أن شركات الأدوية توظف استراتيجية مشتركة تسمى التسعير التفاضلي. وتستهدف هذه الاستراتيجية قطاعات محددة بأسعار مختلفة. وبدلاً من أن يتم تحديد سعر موحد للجميع، تهدف هذه الاستراتيجية إلى تخصيص السعر "المناسب" لقطاعات متنوعة. فعلى سبيل المثال تستخدم دُور السينما التسعير التفاضلي بتقديم عروض أسعار مخفضة للطلبة والمسنين. وتفترض هذه الدُور أن الطلبة والمسنين لديهم حساسية من مسألة الأسعار، وبناء على ذلك يعتبر تقديم تخفيضات مستهدفة لهم أمراً مربحاً. فترى عشاق السينما يجلسون جنباً إلى جنب على الرغم من أنهم دفعوا أسعاراً مختلفة.
ولكي يكون التسعير التفاضلي مربحاً يتعين أن تكون القطاعات المستهدفة سهلة التحديد والأهم من هذا ألا تحدث أي مضاربة. وأعني بعدم المضاربة ألا يعيد المستفيدون من التخفيضات بيع المنتج إلى الزبائن الذين يدفعون أكثر. تنجح هذه الاستراتيجية في دور السينما، حيث يكون من السهل تمييز المسنين والطلبة، وما دامت التذاكر تباع للأفراد في مدخل السينما، فإن هؤلاء المسنين والطلبة الجريئين لا يعيدون عموماً بيع التذاكر المخفضة من أجل الربح.
لماذا تعتبر أسعار الدواء أغلى في الولايات المتحدة من غيرها؟
الجواب واضح وبسيط: فمعظم البلدان تنظم الأسعار أو تتوفر على نظام واحد لتسديد تكاليف الرعاية الصحية، يحث تدفع الحكومة من خلاله تكاليف الرعاية الصحية لمواطنيها. تشتري الحكومة في إطار نظام التسديد الموحد كل المستحضرات الصيدلانية في البلاد، وتمتلك كامل النفوذ في مفاوضاتها مع شركات الأدوية وتواجهها بمنطق "خذ أو اترك".
وفي المقابل فإن الولايات المتحدة لا تنظم أسعار الأدوية ولا تتوفر على نظام واحد لتسديد تكاليف الرعاية الصحية. ونتيجة لذلك يتعين على المؤسسات العاملة في قطاع الصحة (وعلى رأسها شركات التأمين) التفاوض بصفة فردية مع شركات الأدوية ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار لسببين. أولاً، لأنه لا يوجد جهة تأمين صحي تتمتع بمكانة كافية تؤهلها للقيام بكل ما يلزم لمواجهة شركات صناعة الأدوية من أجل تحديد الأسعار. وثانياً، تعمل شركات التأمين تحت الضغط لعقد صفقات تزويد المشتركين في خدماتها بأفضل الأدوية، ويحظى هذا الأمر بالأهمية ذاتها التي يحظى بها الحفاظ على تنافسية خططها. وعلى عكس البلدان الأجنبية التي تُملي أسعار الأدوية، فإن لشركات الأدوية اليد العليا في مفاوضات الولايات المتحدة. ما هي النتائج المنتظرة من التسعير التفاضلي؟ من المنتظر أن تدفع مختلف البلدان أسعاراً مختلفة مقابل الدواء نفسه، في حين يدفع المواطنون الأميركيون مبالغ كبيرة.
ولفهم أسباب عدم انخفاض أسعار الأدوية باستيرادها من كندا دعونا نعود إلى دور السينما. هب أنك تمتلك داراً للسينما ولاحظتَ أن مجموعة من الطلبة يعيدون بيع تذاكرهم المخفضة السعر في بهو السينما لزبائن يؤدون عادة ثمن التذكرة كاملاً. فماذا ستفعل؟ ربما ستوقف تخفيض أسعار التذاكر أو تفرض قيوداً لمنع المضاربة. وسيكون هذا بالضبط هو رد فعل المسؤولين التنفيذيين لشركات الأدوية إذا بدأ الأميركيون استيراد الأدوية بكميات كبيرة من كندا. وهنا سيتم فرض قيود جديدة على الصفقات الكندية المخفَّضة الأسعار. وسيتم على سبيل المثال حظر الصادرات أو الحد من الكميات المستوردة من هذه الأدوية (في حدود تكفي لتغطية احتياجات المواطنين) مع فرض سعر كامل على الكميات الزائدة. ثم سرعان ما سيتم إطلاق خطة كبرى لتخفيض أسعار الأدوية الأميركية.
يحتاج صناع السياسات إلى إدراك أن استيراد الأدوية من كندا سيؤدي إلى الدخول في متاهة لا مخرج منها. إذ ستقوم شركات الأدوية بسرعة وبسهولة بتعديل استراتيجياتها من أجل سد ثغرة التخفيضات. فهي في نهاية المطاف تبقى مؤسسات إنتاج الدواء مؤسسات ربحية فوضها المستثمرون لجني أعلى الأرباح.
إن إصلاح أسعار أدوية الوصفات الطبية عملية من مرحلتين. أولاً، استيعاب حقيقة رغبة الأميركيين في هذا الإصلاح. فقد يكونون مرتاحين لدعم البلدان الأخرى باستيراد الأدوية منها، ولا يرتاحون لأي مقايضة مقابل الإصلاح، مثل احتمال تقليل ميزانيات البحث والتطوير. كما يحتاج الأميركيون بالدرجة نفسها من الأهمية إلى إدراك أنه لا توجد آلية للسوق الحرة ستخفض أسعار الأدوية، وهو ما لا يمكن حدوثه إلا بخياري استراتيجيتي التنظيم أو نظام واحد لتسديد تكاليف الرعاية الصحية.
وتمثل هذه القضية أصل الجدل، ولا يستطيع الأميركي أن يتجنبها ببساطة بالالتفاف عبر استيراد الأدوية الرخيصة من كندا.