ملخص: عانت الولايات المتحدة لفترة طويلة من نقص حاد في خدمات الرعاية الصحية النفسية. وقد أبرزت الجائحة مدى فاعلية خدمات الرعاية الصحية النفسية الرقمية والافتراضية ومدى توافرها على نطاق واسع، فهي بمثابة طوق نجاة لنظام رعاية الصحة النفسية. فما هو دور الأدوات الرقمية في مجال رعاية الصحة العقلية؟
نواجه أزمة في رعاية الصحة النفسية في الولايات المتحدة. إذ إن 60% من الشباب المصابين باكتئاب شديد لم يتلقوا أي علاج للصحة النفسية في عامي 2017 و2018، وأفاد ربع البالغين المصابين بأمراض نفسية أن حاجتهم إلى العلاج غير ملباة. وفي الولايات المتحدة، 55% من المقاطعات ليس لديها طبيب نفسي أو اختصاصي علم نفس أو عامل في مجال الخدمات الاجتماعية، و70% من المقاطعات ليس لديها طبيب نفسي للأطفال. كما أن انتظار متعاطي المخدرات لتلقي الرعاية يمكن أن يستغرق أسابيع؛ على سبيل المثال 70% ممن كانوا يحتاجون إلى العلاج من تعاطي المخدرات في عام 2017 لم يحصلوا عليه. وما زاد الأمور سوءاً هو أن العديد من الممارسات إما ألغت أو قللت جهودها استجابة للشواغل الصحية ذات الصلة بالجائحة.
الرعاية الصحية الافتراضية
بسبب الجائحة أصبحت الرعاية الافتراضية والأدوات الرقمية الأخرى أكثر أهمية من ذي قبل في دعم الرعاية الصحية الحالية وتقديمها على نطاق واسع وزيادة قدراتها. فقد أصبحت الرعاية الصحية الرقمية (الافتراضية) القائمة على أطباء تحل محل الزيارات الطبية التقليدية التي تتم وجهاً لوجه في العيادات، ولها عدة أشكال مثل الزيارات الطبية عبر الفيديو والزيارات الطبية الصوتية وتلك التي تتم من خلال الرسائل النصية غير المتزامنة، ما يوفر بدائل لجلسات العلاج التقليدية التي تستغرق 50 دقيقة تقريباً، ويتيح المواءمة بشكل أفضل بين العرض والطلب في أوقات مختلفة من اليوم وعبر مختلف المناطق الجغرافية. على سبيل المثال، المراسلة غير المتزامنة تسمح للمرضى بإرسال رسالة نصية إلى الطبيب أو المدرب الإرشادي في أي وقت وتلقّي الرد في وقت لاحق.
وتُعد خدمات الصحة النفسية الافتراضية غير القائمة على أطباء، مثل روبوتات الدردشة والمحتوى المرئي والمكتوب والتدريبات المصممة على هيئة لعبة للمستخدمين وبرامج العلاج السلوكي المعرفي، إضافة جيدة للرعاية الافتراضية القائمة على أطباء، ما يسمح لهؤلاء الذين ليس لديهم احتياجات أقل إلحاحاً بالحصول على هذه الخدمات على مدار اليوم طوال أيام الأسبوع.
وقد أصبح مزودو خدمات الصحة النفسية المبتكرون يجمعون بين الأدوات الرقمية والرعاية الافتراضية على نحو متزايد لبناء نظام قوي لرعاية المرضى بلا توقف، بما في ذلك توجيه المرضى صوب الرعاية المباشرة وجهاً لوجه عند الحاجة. فهذا المزيج من الأدوات يزود نظام رعاية الصحة النفسية بحلول قابلة للتطوير ومزيد من المرونة مع تحسين سبل الحصول على الرعاية وتوفير الراحة للمستهلكين. وبسبب هذه المزايا، أصبحت غالبية خطط الرعاية الصحية التي يرعاها أصحاب العمل تقدم الآن خيارات افتراضية ورقمية لرعاية الصحة النفسية.
الفعالية
ما مدى كفاءة الخدمات الرقمية والرعاية الافتراضية؟ وجد تحليل تلوي أُجري عام 2016 لـ 452 دراسة حول الطب النفسي عن بُعد أن مستوى رضا المرضى المرتفع وجودة الرعاية يماثلان مستوى رضا المرضى وجودة الرعاية عند تقديم الرعاية الصحية وجهاً لوجه. ووجدت دراسة أجرتها "إدارة المحاربين القدماء" (Veterans Administration) عام 2020 أن تقديم العلاج النفسي عن بُعد عبر الفيديو كان فعالاً بقدر تقديم الرعاية الصحية بشكل شخصي وجهاً لوجه في العيادات لعلاج الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. وبشكل عام، تشير معظم الدراسات المنشورة إلى أن رعاية الصحة النفسية عبر الهاتف فعالة بقدر تقديم الرعاية الصحية بشكل شخصي وجهاً لوجه في علاج الاكتئاب والقلق واضطراب الوسواس القهري.
تم تحقيق نتائج مماثلة بالأدوات الرقمية التي توفر تعليمات من خلال مقاطع الفيديو باستخدام الرسوم المتحركة والبشر أو أحدهما والمكتبات الغنية بالمحتوى والتدريبات. وقد ثَبُت أن برامج العلاج السلوكي المعرفي الرقمية فعالة بقدر مثيلتها التي تُقدَّم بشكل شخصي وجهاً لوجه في علاج القلق والاكتئاب والأرق. وأظهرت تجربة عشوائية منضبطة باستخدام أدوية وهمية أُجريت على برامج تقديم العلاج السلوكي المعرفي على شبكة الإنترنت لعلاج الأرق أن هناك تحسناً في جودة النوم واليقظة. وقد نفّذ هذه التقنية، التي يتم تسويقها اليوم في صورة برنامج "سليبيو" (Sleepio)، العديد من كبار أصحاب العمل. كما أدى روبوت دردشة طورته شركة "وويبوت" (Woebot)، ويقدم العلاج السلوكي المعرفي والعلاج السلوكي الجدلي ويدعم اليقظة الذهنية، إلى تحسّن كبير في علاج القلق والاكتئاب لدى الشباب في تجارب سريرية عشوائية. ويعد "ميكويلبريوم" (meQuilibrium) تطبيقاً وبرنامجاً للتخلص من التوتر وزيادة المرونة والقدرة على التحمل ومتاح الآن من خلال العديد من أصحاب العمل، وقد أظهر تأثير الاستجابة للجرعة الإيجابي الكبير على التوتر والأعراض ذات الصلة لدى المسجلين في برنامج المرونة الذي يُدار بشكل رقمي.
يمكن تقديم كل نوع من أنواع حلول الرعاية هذه بطريقة تمتثل لقانون إخضاع التأمين الصحي لقابلية النقل والمحاسبة (HIPAA) مع توفير حماية ملائمة للخصوصية.
التصعيد وإمكانية الوصول
يعد "جينجر" (Ginger) برنامجاً لتقديم الدعم حسب الطلب ويوجه المستخدمين لتلبية احتياجات رعاية الصحة النفسية منخفضة الحدة مثل الاكتئاب أو القلق الطفيف من خلال تبادل الرسائل النصية غير المتزامنة مع مدربين يعملون تحت إشراف معالجين نفسيين وبدعم من تقنيات الذكاء الاصطناعي. (تستخدم العديد من منصات الرعاية الافتراضية الخوارزميات للتوفيق بين المستخدمين ومقدمي الخدمة، وتشير بعض الأدلة إلى أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى زيادة رضا المرضى وفعالية العلاج السريري أيضاً). في برنامج "جينجر" يتم تصعيد المرضى إلى معالج نفسي أو طبيب إذا طلبوا ذلك، أو إذا لاحظ الذكاء الاصطناعي أو المدرب الإرشادي أن هناك حاجة إلى التصعيد. ويركز المدربون على تلبية احتياجات تشمل إدارة التوتر وتحقيق الأهداف والتعافي من حالات الفقد باستخدام أدوات مثل المقابلات التحفيزية والمحتوى الذي يوفره البرنامج. ومن خلال معالجة المشكلات الأقل حدة بشكل مباشر وتصعيد الأشخاص إلى المعالجين النفسيين أو الأطباء حسب الحاجة، يقدم البرنامج دعماً قابلاً للتوسّع وفعالاً من حيث التكلفة. العديد من أصحاب العمل يقدمون برنامج "جينجر" بشكل مباشر، كما أنه متصل بالعديد من خطط الرعاية الصحية، ومن بين المستثمرين فيه شركة "سيغنا" (Cigna) وشركة "كايزر برماننت" (Kaiser Permanente). وبالمثل يوفر مقدمو خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك شركة "سبرينغ هيلث" (Spring Health) وشركة "لايرا" (Lyra) وشركة "مودرن هيلث" (Modern Health)، سلسلة متواصلة من خدمات الرعاية بداية من تلبية الاحتياجات منخفضة الحدة وحتى تصعيد المستخدمين للحصول على رعاية متقدمة بشكل أكبر.
تعد "توك سبيس" (Talkspace) منصة تضم أكثر من مليون مستخدم، وتزيد أيضاً من فرص الحصول على خدمات الرعاية الصحية لأنها تربط المستخدمين بمقدمي الرعاية المرخّصين. إذ يدفع الأعضاء أو أصحاب العمل رسوم اشتراك مقابل التواصل غير المحدود مع المعالجين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع من خلال الرسائل النصية أو الرسائل الصوتية أو الفيديو أو جميعها عبر هذا التطبيق الآمن. ويمكن للأعضاء والموظفين أيضاً تحديد موعد لجلسات عبر الفيديو أو الهاتف مع أحد المعالجين حسب الحاجة. وعلى الرغم من توفّر الجلسات التقليدية التي تستغرق 50 دقيقة، يتم تقديم قدر كبير من الرعاية في شكل دفعات صغيرة، ما يسمح للمعالجين برعاية عدد أكبر من المرضى ووضع جداول مواعيد أكثر مرونة.
وبالإضافة إلى المرونة في جدولة المواعيد وفعالية العلاج الذي تقدمه مثل هذه المنصات لكل من المرضى ومقدمي الخدمات، فإن هذه الحلول الرقمية يمكن أيضاً أن تساعد في تقليل نفقات الممارسين. (فهي لا تحتاج إلى مكتب). كما أنها تزيد بشكل عام من فرص الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية بتكلفة أقل بالنسبة إلى المرضى وأصحاب العمل من تكلفة توفير الرعاية الصحية التقليدية وجهاً لوجه للفئة نفسها من المرضى.
المسار المستقبلي
أدت جائحة "كوفيد-19" إلى زيادة كبيرة في استخدام خدمات الصحة النفسية الافتراضية والرقمية. فقد تسببت الجائحة، وتطبيق الحظر الشامل الذي اقترن بها، في ترك عدد كبير من المرضى في حاجة إلى الرعاية الصحية ولا يملكون خياراً سوى الابتعاد عن تلقّي الرعاية بشكل شخصي وجهاً لوجه. وقد واجه الأطباء الذين عارضوا الزيارات الطبية الافتراضية خسارة كبيرة في الدخل، وانتقلوا إلى الزيارات الطبية عن بُعد في نهاية المطاف. سيكون الحفاظ على المكاسب المحرزة فيما يتعلق بالحصول على الرعاية الصحية والاستفادة منها أمراً أساسياً. فقد اكتسب العديد من المستخدمين والأطباء خبرة جيدة في التعامل مع الأدوات الرقمية والرعاية الافتراضية، كما أن توافرها واستخدامها يمكن أن يساعدنا في تلبية احتياجات الصحة النفسية مع انحسار الجائحة.
من الواضح أن الرعاية الصحية الافتراضية والرقمية ليست مناسبة للجميع، كما أنها غير مناسبة في بعض الحالات؛ على سبيل المثال في معظم الحالات الطارئة. ولكن هذه الأنواع من الرعاية يمكن أن تحسن القدرة على تحمّل التكاليف، كما أنها توفر فرصاً إضافية للحصول على الرعاية الصحية في الحالات الحرجة لمَن هم في حاجة إليها. ذكرت شركة "أكسنتشر" (Accenture)، في دراسة حول الرعاية الافتراضية، أن 46% من المرضى "قد يختارون تلقّي الرعاية الصحية النفسية افتراضياً". كما أن مواليد الجيل زد (الذين وُلدوا عام 1997 أو بعده) كانوا أكثر تفضيلاً بأربع مرات من مواليد جيل الطفرة للرعاية الافتراضية على الرعاية بشكل شخصي وجهاً لوجه. علاوة على ذلك، قد تفضل بعض المجتمعات، التي تعرضت للوصم والتمييز على مر التاريخ، الرعاية الصحية الافتراضية أو الرقمية.
أبرزت الجائحة قيمة خدمات الرعاية الصحية النفسية الرقمية والافتراضية، فهي بمثابة طوق نجاة لنظام رعاية الصحة النفسية. وإذا استطعنا الاستفادة من الدروس المستقاة من الجائحة للتشجيع على الاستخدام المتزايد والمناسب للأدوات الرقمية والرعاية الافتراضية، سنتمكن من معالجة المشكلات التي طال أمدها المتعلقة بعدم كفاية فرص الحصول على خدمات الصحة النفسية، والأهم من ذلك أن دور الأدوات الرقمية في مجال رعاية الصحة العقلية والرعاية الافتراضية سيتيح لنا أن نلبي بفاعلية احتياجات الصحة النفسية لدى عدد من الأميركيين أكبر من أي وقت مضى.