الأخطاء الأربعة الأكثر شيوعاً في اتخاذ القرارات

7 دقيقة
الأخطاء في اتخاذ القرار
shutterstock.com/alphaspirit

من الجميل أن نفكر أننا نعيش في عالم تسخّر فيه الطبيعة لخدمتنا، ويميل كل شيء فيه لصالحنا، لكن هذا للأسف لا يعكس الواقع فيما يتعلق باتخاذ القرارات المالية. فجسد الإنسان وعقله خلقا ليؤديا كثيراً من الأعمال العظيمة بكفاءة استثنائية، لكن الاستثمار ليس أحدها. فيما يتعلق بالاستثمار، نحن لسنا مثاليين ولهذا نشهد تزايد الأخطاء في اتخاذ القرار.

فعقل الإنسان ليس مثالياً، وفيه "عيوب" تؤدي بصورة طبيعية إلى انعطافات حادة في سلوكه، وإنشاء نظام يأخذ هذه الانعطافات بالحسبان هو عنصر أساسي في أي فلسفة استثمار سليمة. وكما يحقق لاعبو الدفاع في الفريق الفوز في المباراة ليحصل لاعبو الهجوم على الأضواء، تتحكم إدارة المخاطر بالأداء لتحصل الإيرادات الكبيرة على الأضواء. وقبل أن نجيب عن السؤال: "كيف أصبح مستثمراً ماهراً؟" يجب أولاً أن نجيب عن السؤال الأهم الذي نغفل عنه: "كيف يمكنني ألا أفشل في الاستثمار؟" بعبارة ألطف: يجب أن نتعلم إدارة المخاطر. إذا تقبلت هذه الحقيقة، وبدأت بالقراءة عن مبادئ إدارة المخاطر، فعلى الأرجح أنك ستتعلم نوعين أساسيين من مخاطر الاستثمار: المخاطر المنهجية والمخاطر اللامنهجية.

الأخطاء في اتخاذ القرارات الاستثمارية

المخاطر المنهجية، أو ما تسمى "مخاطر السوق" هي احتمال أن تخسر المال نتيجة لتحركات في السوق الشامل وليس في شركة بعينها. والتنوع هنا لا يشكل أي حماية حقيقية من المخاطر المنهجية، لأن انحسار المد يؤدي إلى انخفاض مستوى طفو جميع المراكب، وهذا يشمل حوادث القضاء والقدر، كالكوارث الطبيعية والأوبئة العالمية. أما المخاطر اللامنهجية، والتي تسمى أيضاً "مخاطر الأعمال التجارية" فهي احتمال انخفاض قيمة الاستثمار في ورقة مالية منفردة. ويمكن، بل يجب التحوط ضد هذا النوع من المخاطر عن طريق التنويع، وسنستفيض في هذه النقطة لاحقاً. ولكن، على الأرجح، ستغفل المبادئ التي تقرؤها عن ذكر نوع ثالث من المخاطر ولربما كان الأهم، وهي المخاطر السلوكية.

اقرأ أيضاً: التحيّز في اتخاذ القرارات

إن تصنيف مجموعة المخاطر السلوكية هو شرط أساسي لنجاحنا في إدارتها، لأننا لن نتمكن من محاربة ما لا نراه في المقام الأول. وما أن ننتهي من تحديد أبعاد المخاطر السلوكية، سنتمكن من وضع نظام استثمار محكم لدرجة تمكننا من التغلب على أخطائنا. في كثير من الحالات، نستمد المعلومات في مجال المخاطر السلوكية إجمالاً من دراسة الأخطاء في سلوك المستثمرين. وكما يقول دانيال كانيمان في كتابه "مشروع التراجع" (The Undoing Project): "كيف تستطيع فهم الذاكرة؟ لا تجري دراسة على الذاكرة نفسها، بل على النسيان". في كتاب "أخطاء السلوك" (Misbehaving)، وهو المنشأ الأصلي المذهل لاختصاص الاقتصاد السلوكي، يروي المؤلف ريتشارد ثالر الطريقة البسيطة والفعالة التي اتبعها لوضع هذا الاختصاص على مساره الحالي. وبسبب شكه فيما كان يتعلمه بشأن الأسواق الفعالة، عمل ثالر على جمع الأفكار عن الاختلافات الواقعية بين الأشخاص الذين يعرفهم والأشخاص الخياليين القادرين على تحسين المنفعة واتخاذ القرارات المالية المنطقية دائماً، وهم الأخصائيون الاقتصاديون الذين ورد ذكرهم في المواد النظرية التي كان يدرُسها. لم يستخدم ثالر سوى تجربة فكرية بسيطة لأجل وضع قائمة العيوب التي أدت إلى انطلاق ألف مشروع بحث وعمقت فهمنا لطريقة اتخاذ البشر العاديين قرارات مالية.

وعلى الرغم من أن اكتشاف هذه العيوب السلوكية وتوثيقها كان خطوة أولى هامة، فإنها لن تفيد المستثمر إذا لم يكن هناك إطار عمل تنظيمي أشمل. واليوم، لدينا قوائم طويلة عن عيوبنا، بيد أننا لا نعلم الكثير عن الخطوات العملية التي يجب أن نتخذها. وكما بينت الأبحاث، فإن معرفة الأمور السيئة من دون معرفة حلول ملموسة لها تؤدي إلى تفاقم المشكلة.

اقرأ أيضاً: أيها القادة: توقفوا عن تجنب اتخاذ القرارات الصعبة

أربعة أنواع من المخاطر السلوكية المتعلقة باتخاذ القرار

ألهمتني البساطة الأنيقة لنهج ثالر فأخذت أفكر بكل الطرق الممكنة لتأثير سلوك شخص ما سلباً على اتخاذ قرارات الاستثمار. فوجدت أكثر من 117 نوعاً من التحيز والاستدلال يمكن أن تؤدي إلى عدم اتخاذ المستثمر الطموح قرارات مثالية. هذا كثير! وكي أزيد فائدة هذا المجال بالنسبة للمستثمرين، بحثت عن ركائز نفسية مشتركة بين أنماط الأخطاء المختلفة وصنفتها في مجموعات. بدأت هذه العملية من دون تصورات مسبقة، ولكن ظهرت أربعة أنواع من المخاطر السلوكية باستمرار، وهي:

1- الغرور

2- العاطفة

3- الانتباه

4- الاستبقاء

يمكننا اتخاذ عدد لا يحصى من القرارات السيئة، (هل شاهدت البرامج الواقعية على التلفاز يوماً؟) ولكن جميع المخاطر السلوكية تضم في جوهرها واحداً أو أكثر من عوامل الخطورة الأربعة هذه. هذه التصنيفات خاصة بهذا الكتاب، وهي تقدم نقطة انطلاق هامة لإنشاء عمليات قائمة على فهم السلوك لإدارة الاستثمار. لنتمعن في محاور سلوك المستثمر هذه كلاً على حدة.

خطورة الغرور

تظهر خطورة الغرور في السلوكيات التي تفضل تلبية حاجتنا إلى الإحساس بكفاءتنا الشخصية على حساب اتخاذ القرار بنباهة. وقد تشمل الأمثلة عنها فرط الثقة بالنفس التقليدي، أي الميل لاتخاذ موقف دفاعي إذا ما رُفضت أفكارنا المفضلة (أثر النتائج العكسية)، أو اعتقادنا بأن مجرد مشاركتنا في مشروع ما تزيد احتمالات نجاحه (أو ما يطلق عليه الاسم الملائم "أثر أيكيا"). تترك خطورة الغرور أدلة محددة على وجودها في سجل التداولات التجارية، وقد تتضمن هذه الأدلة التركيز الشديد على نوع واحد من الأسهم، والتداول المفرط واستخدام الرفع المالي بصورة مكثفة. ومهما كان هذا الدليل المحدد، يكون المصدر هو نفسه دائماً: "الأنا" الذي يهتم بإرضاء غروره على حساب اتخاذ قرارات جيدة.

أمثلة عن خطورة الغرور

التحيز الداعم للخيارات

الثقة المفرطة

التحيز التأكيدي

تسويغ ما بعد الشراء

تحيز الإدراك المتأخر

أثر الوهب

أثر النتائج العكسية

منعكس (أثر) سيملفيس

أثر أيكيا

تحيز المختبِر

وهم التحكم

التوافق الزائف

خطورة العاطفة

تنبع خطورة العاطفة من حقيقة أن تصوراتنا للمخاطر تتأثر بحالاتنا العاطفية العابرة ونزعتنا الفردية تجاه التفكير الإيجابي أو السلبي. تدفع العواطف معظمنا إلى الحط من شأن احتمال وقوع الأمور السيئة (تحيز التفاؤل)، وتجنب التفكير بالمشكلات التي قد تظهر (أثر النعامة) وتجاهل دور العواطف في القرارات التي نتخذها (فجوة التعاطف). وعندما يدخل الخوف، قد يشتد لدرجة تقييدنا بمحاولة تفادي الألم (تحيز السلبية). وعلى المستثمر الذي يبحث عن أمثلة عن التحيز العاطفي في القرارات التي يتخذها أن يبدأ بالتمعن في فترات اضطراب السوق، فيتفحص المداولات التجارية بحثاً عن قرارات المجازفة أو قرارات التماس السلامة أثناء فترات الانفعال العاطفي. كما يجب أن يبحث عن القرارات التي اتخذت من باب تقليد الجماعة (الخوف عندما يشعر الآخرون بالخوف) أو المخالفة الملائمة لاتجاه المستثمرين (الطمع عندما يشعر الآخرون بالخوف) في حالات صعود السوق وهبوطه السابقة. تبين الأبحاث أن العواطف تلعب دوراً مهماً في تيسير الاختيار، وفي الحقيقة، الشخص المصاب بعطب في الدماغ في بعض الأجزاء التي تعالج العواطف، يصبح غير قادر على اتخاذ القرارات، حتى اليومية منها مثل اختيار ملابسه. ليس من الضروري أن تخلو من العواطف تماماً، إنما يجب أن تفهم حساسيتك تجاه التوتر والذعر والخوف من فوات الفرص.

اقرأ أيضاً: 10 طرق للتقليل من الانحياز في عملية اتخاذ القرارات ضمن شركتك

أمثلة عن خطورة العاطفة

الاستدلال العاطفي

فجوة التعاطف

تحيز السلبية

تحيز التفاؤل

أثر النعامة

تعويض الخطورة

تحيز ضبط النفس

خطورة الانتباه

تتولد خطورة الانتباه من نزعتنا لتقييم المعلومات من الناحية النسبية، والسماح للأهمية بالتفوق على الاحتمال عند اتخاذ قرارات الاستثمار. "الأهمية" هي المصطلح النفسي الذي يعبر عن البروز، بمعنى أن المخاطر ذات الاحتمالات الأقل والمظهر المخيف أكثر (كهجوم سمكة القرش) تجذب انتباهنا وتدفعنا لتجاهل المخاطر ذات الاحتمالات الأعلى والمظهر غير المخيف (كتناول وجبة سريعة مليئة بالدهون والتوابل). كما أننا نميل لتقييم ما لم نألفه على أنه يحمل خطورة أكبر، فنفضل الأسهم المحلية (التحيز للداخل) والأسماء المألوفة (أثر التعرض المجرد)، بغض النظر عن ميزاتها الأساسية. بالنسبة لمن يبحث عن دليل ملموس عن خطورة الانتباه في سجل مداولاته التجارية، يجب التنبه للمداولات المكثفة، والإفراط في الاعتماد على الأسهم المحلية، والعلاقة الترابطية المفرطة، والمداولات القائمة على الإشاعات واحتمالات ربحها الضئيلة والتي أجريت بناء على لحظة خوف جماعية. يقول الدكتور بوب نيز إن عقولنا تعالج عشرة ملايين جزيئة من المعلومات في كل ثانية، لكن القسم الخاص بالتفكير الواعي يعالج خمسين منها فقط. وبما أن قسماً كبيراً مما يتحكم بأفكارنا وأفعالنا يدور في عقلنا اللاواعي، يجب أن تكون طريقة استغلالنا للجزء اليسير الذي نتحكم به من انتباهنا مدروسة بدقة.

أمثلة عن خطورة الانتباه

الارتساء

التحيز لما هو متوفر

تحيز الانتباه

أثر التركيز

التحيز للداخل

تحيز التأطير

أثر التعرض المجرد

خطورة الاستبقاء

تنتج خطورة الاستبقاء عن تفضيل الربح على الخسارة والوضع الراهن على التغيير بصورة غير متوازنة. فنحن نحب الربح أكثر بكثير من الخسارة، ونرى أن الطرق القديمة أفضل من الطرق الجديدة، وهذا ما يشوه نظرتنا للعالم ويعيق رؤيتنا له بوضوح. يمكن ملاحظة أثر الاستبقاء في مقاومتنا للطرق الجديدة في الحياة (تحيز الوضع الراهن) وتفضيلنا لعدم وجود خطورة إطلاقاً على تخفيض الخطورة بنسب كبيرة متزايدة (تحيز الخطورة صفر) ونزعتنا لتفضيل الوضع الحالي على احتياجاتنا المستقبلية (الخصم المغالي). والأدلة المتمثلة ببيع الأسهم الرابحة أسرع مما يجب، والاحتفاظ بالأسهم الخاسرة أطول مما يجب، والعجز عن الحفاظ على مستويات خطورة ملائمة عندما تكون الأسواق في تحسن، وعلامات الإفراط في المجازفة عندما تكون الأسواق في تراجع، هي إشارة إلى أنك وقعت فريسة لخطر الاستبقاء. إن نفورنا من التغيير والخسارة عامل أساسي، ولا يمكن التغلب عليه إلا عن طريق اتخاذ إجراءات مدروسة تهدف إلى إدراك القصور في سلوكياتنا والتغلب عليه.

أمثلة عن خطورة الاستبقاء

النفور من الخسارة

تحيز الوضع الراهن

مغالطة التكلفة الغارقة

تحيز الوضع الطبيعي

تحيز الخطورة صفر

أثر النزعة (الخوف من الندم)

الخصم المغالي

أخيراً، يشكل وباء "كوفيد-19" تهديداً فريداً من نوعه على صحتنا الجسدية والاقتصادية على حد سواء، بالإضافة إلى أنه عامل مجهد واسع الانتشار. وفي الأوقات التي ترتفع فيها مستويات القلق كالتي نعيشها اليوم، تصل قدرتنا على اتخاذ القرارات إلى حدها، خصوصاً أنها مرهقة أساساً. وهذا ما يمنعنا عن اتخاذ القرارات الأفضل في كل شيء، بدءاً من طرق إدارة أموالنا وصولاً إلى الطرق المثلى لحماية عائلاتنا. لذا، آمل أن يتمكن هذا الدليل الأولي حول عراقيل صناعة القرارات السليمة من تزويدك ومن تحب بالوعي اللازم عن أهم المزالق السلوكية، كي تتمكنوا من اتخاذ الخيارات السليمة وتجنب الأخطاء في اتخاذ القرار.

اقرأ أيضاً: لماذا يجب على القادة التمهل في اتخاذ القرارات؟

 

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي