لماذا عليك أن تصبر على مرؤوسيك؟

3 دقائق
سمة الصبر
shutterstock.com/Fifian Iromi
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: قد لا يكون الصبر أول ما يتبادر إلى أذهاننا عندما نعدُّ قائمة بسمات القائد العظيم، لكن استقصاءً جديداً أجراه أستاذ في معهد جورجيا تك كشف أن القائد الذي يبدي صبره يحفّز إبداع مرؤوسيه المباشرين ويزيد تعاونهم وإنتاجيتهم. لكن كيف يمكن للمدراء تطوير سمة الصبر الأساسية في عالم يتطلب التحلّي بالمرونة وتقديم نتائج سريعة؟ تنطوي الإجابة على شقّين، أولهما إعادة تعريف معنى السرعة، وأبرز مثال على ذلك فرق القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية التي تتحلّى بالتنظيم والصبر في تخطيط مهامها الحساسة تجاه عامل الوقت وتنفيذها؛ وثانيهما ممارسة الامتنان الذي تبين البحوث أنه يقلل التوتر ويساعد الإنسان على تأخير إشباع رغباته (مقاومة الرغبة في المكافأة الفورية لأجل الحصول على مكافأة أفضل على المدى البعيد).

تتطلّب القيادة الفعالة الصبر، لا سيّما في أثناء الأزمات، وإذا لم تتمكن من الحفاظ على رباطة جأشك عند مواجهة حالة من الإحباط أو عند الشدائد، فستخفق حينها في الحفاظ على هدوء الآخرين. وعليك بالتالي دعم مرؤوسيك المباشرين عندما تبدو عليهم علامات الإجهاد دون أن تُبدي غضبك منهم. وعلى الرغم من أن تطبيق الحلول المصممة للتحديات الجديدة يتطلّب بعض الصبر، لاحظتُ خلال عملي في التدريس والتدريب الموجّه للقادة ذوي الإمكانات العالية أن الكثيرين منهم لا يتحلون بـ “سمة الصبر” ولا يعرفون كيفية تنمية هذه المهارة حتى، فهم يريدون إجراء إصلاحات سريعة ولا يسعهم الانتظار إلى حين تترسخ الحلول التي توصلوا إليها في أعمال موظفيهم، وما يعزز هذا التوجّه هو عالم العمل الرقمي المرن الذي يقدّر العمل بسرعة فائقة.

وقد أجريت بالفعل استقصاءً على آراء 578 من المهنيين العاملين بدوام كامل في الولايات المتحدة ضمن مجموعة واسعة من القطاعات خلال إجراءات الإغلاق العام بعد انتشار جائحة كوفيد-19 لتحليل أثر صبر القادة في مرؤوسيهم المباشرين خلال الأوقات الصعبة. كان متوسط أعمار المشاركين 39 عاماً، ومعظمهم من خريجي الجامعات، وشغل أكثر من نصفهم مناصب إدارية. سألتهم عن السلوكيات القيادية التي يتبناها مشرفوهم المباشرون وعن مستوى صبرهم وطلبت منهم الإبلاغ الذاتي عن مستويات إبداعهم وإنتاجيتهم وقدرتهم على التعاون، وكشفت ردودهم عن التأثير القوي للصبر، فعندما أبدى القادة صبرهم (بمعنى أن تقييمات موظفيهم وضعتهم في الربع الأعلى)، زاد مستوى إبداع مرؤوسيهم المباشرين واستعدادهم للتعاون بمعدل 16% وزادت إنتاجيتهم بنسبة 13%.

ثم قررتُ بعد ذلك دراسة تأثير الصبر على السلوكيات القيادية. تقسم البحوث الأكاديمية مجال القيادة عادة إلى مجموعتين أساسيتين من السلوكيات، تلك الموجّهة نحو المهام والأخرى الموجهة نحو العلاقات، ويتمتع أفضل القادة بالقدرة على تحقيق التوازن بين المجموعتين. أفضّل أن أشبّه السلوك الموجَّه نحو المهام بعالِم المستقبليات والسلوك الموجّه نحو العلاقات بالميسّر، حيث يضع عالمو المستقبليات رؤية قوية ويحددون المقاييس اللازمة لتحقيقها، في حين يعزز الميسّرون التعاون ويمكّنون الفرق من التوصّل إلى حلول. والنهجان متكاملان وليسا متعارضين، لكن هل أثر الصبر عليهما متساوٍ؟

ما اكتشفته هو أن الصبر جعل كلا النهجين أكثر فعالية بشكل ملحوظ، على الرغم من أنه زاد التعاون والإبداع بمعدل 6% في سلوك عالِم المستقبليات مقارنة بسلوك الميسّر. والصبر ضروري لكلا النهجين في الواقع؛ إذ يحتاج عالِم المستقبليات إلى الصبر عند شرح رؤيته للأشخاص الذين قد لا يفهمونها على الفور أو لديهم شكوك حول جدواها، ويحتاج الميسّر إلى الصبر في الإشراف على عمليات المجموعة التعاونية عندما يفشل أعضاؤها في العمل معاً أو عندما يستغرقون وقتاً أكثر من المتوقع للتوصل إلى حلول.

كيف يعزز القائد سمة الصبر لديه؟

إذا كنت ترغب في زيادة قدرتك على الصبر، فعليك تحديد المواقف التي يُمتحن فيها صبرك. فإذا كنت تعلم أن تحدياً ما ينتظرك، فعليك أن تكون أكثر وعياً بشأن زيادة جهودك للحفاظ على هدوئك. وتتمثّل إحدى الطرق الجيدة لإدارة الضغط عندما تشعر بنفاد الوقت في إعادة صياغة فهمك للوقت، وإليك بعض الاستراتيجيات المفيدة:

أعِد تعريف معنى السرعة. تشتهر القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية بعبارة مفادها أن “التأني يعزز المرونة في العمل، والمرونة بدورها تعزز السرعة في العمل”. تتميز فرق الاستجابة السريعة هذه بتنظيمها وصبرها عند تخطيط مهامها الحساسة تجاه عامل الوقت وتنفيذها، فقد تعلّم أعضاؤها على مدى أكثر من 60 عاماً من العمل في الأزمات أن العمل بوتيرة بطيئة وسلسة يقلل من الأخطاء والتكرار، وهو ما يسرّع المهمة في النهاية. وأدركت الفرق ضرورة أن يميّز القادة “بين السرعة التشغيلية (اتخاذ إجراءات سريعة) والسرعة الاستراتيجية (تقليل الوقت المستغرق لتقديم القيمة)”، وذلك يتطلّب شرح معنى تقديم القيمة بوضوح منذ البداية.

عبّر عن امتنانك لنفسك الصبورة. للامتنان تأثيرات قوية على مواقفنا وسلوكياتنا. احتفظ بدفتر يوميات تسرد فيه الأمور التي تشعر بالامتنان لها، فذلك يعزز قدرتك على التعامل بسخاء مع الآخرين ويقلل من حدة توترك. ولا عجب إذاً أن يسهم الامتنان على نحو إيجابي في قدرتنا على إبداء الصبر، وقد توصّل بحث في علم النفس التجريبي بالفعل أنه عندما يشعر الإنسان بالامتنان، يكون أكثر صبراً وأفضل في تأخير الإشباع.

وعلى الرغم من إن إبداء مشاعر الامتنان في خضم الأزمات قد يكون صعباً، ستجد عند ممارسته فرصاً كنت تجهلها لتقديم الشكر، سواء احتفظت بدفتر لليوميات أو زدت وعيك بالتقدم الذي أحرزه الآخرون. وعندما تشعر أن صبرك بدأ ينفد في مرحلة ما، استقطع دقيقة من وقتك للتفكير في إنجازاتك وما تعلمته أو ما ستتعلمه من الأزمة.

خلاصة القول، تتعزز سلوكيات القيادة الفعالة من خلال التحلي بسمة الصبر. لذلك، تحلّ بالصبر وستلاحظ زيادة في إبداع مرؤوسيك المباشرين وإنتاجيتهم واستعدادهم للتعاون، وتذكّر أن في العجلة الندامة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .