كلما ازداد شعور الأشخاص المحترفين على مستوى العالم بضيق الوقت تخلوا عن أشياء ذات أهمية لهم. أفاد مقال نُشر حديثاً في هارفارد بزنس ريفيو أن أغلب الناس، وكما جاء في الدراسات المسحية، "بوسعهم أن يذكروا عدة أنشطة يودون لو أن لديهم الوقت لها مثل ممارسة إحدى هواياتهم".
ولهذا الأمر أهمية أكبر مما يبدو، لأنه ليس الأفراد وحدهم هم الذين يخسرون. فحينما لا يجد الناس وقتاً لممارسة هواياتهم، فإن الشركات هي التي تدفع الثمن. فالهوايات يمكنها أن تجعل الموظفين أفضل في أداء أعمالهم بدرجة كبيرة. فأنا أعلم هذا من واقع تجربتي الشخصية. لطالما أحببت عزف الجيتار وتأليف الموسيقى. ولكن، شأني شأن الموظفين في كل مكان، أقع فريسة للشعور بأن ليس لدي الوقت لممارسة ذلك. وبصفتي رئيساً لقسم خلق الطلب على السلع لدى شركة نيكستيفا (Nextiva)، لدي ما يكفي أن يبقيني منشغلاً على مدار الساعة. ويمكنني أن أقع بسهولة في شرك "نظام العمل الأسبوعي الممتد لـ 72 ساعة"، والذي يراعي الوقت الذي يمضيه الناس متصلين بأعمالهم عبر هواتفهم بخلاف ساعات العمل الرسمية. وعندما تُستنفَذ طاقتي، أجد أمامي دائماً الإغراء بممارسة نشاط قليل الحركة ودونما انتباه. وليس بمفاجأة كبرى أن تُشكل مشاهدة التلفاز النشاط الأكثر شعبية الذي يمارسه الناس في أوقات الفراغ في الولايات المتحدة، وأن تتصدر قائمة الأنشطة في دول أخرى أيضاً بما في ذلك ألمانيا وإنجلترا. ولكنني بتمضية وقتي في عزف الموسيقى، فإنني أصقل بعضاً من أهم مهاراتي المهنية.
الإبداع. لكي تتميز المؤسسات وتنافس في بيئة العمل التي تتسم اليوم بالازدحام والتغيير المستمر، فهي تحتاج للأفكار المبتكرة والجديدة التي تَبرُز وسط الزحام. وأنا مكلف بالبحث المستمر عن طرق جديدة لجذب انتباه المشترين المحتملين. ولكن الإتيان بفكرة أصيلة تماماً قد يعدو أمراً عسيراً حينما يصبح ذهن المرء مشغولاً بالأهداف ومقاييس الأداء ومواعيد التسليم. والهواية الإبداعية تسحبك من وسط كل هذا. فسواء كنت عازفاً أو فناناً أو كاتباً أو طاهياً، فإنك تبدأ في أغلب الأحيان وفي ذهنك لوحة بيضاء. ثم يتبادر لذهنك فقط السؤال التالي: ما الذي سأبدعه ومن شأنه أن يحرك لدى الناس المشاعر التي أشعر بها؟
ليس بغريب أن تستطيع أن توقظ روح الإبداع بداخلك مرة أخرى من خلال إعطاء نفسك هذه المساحة الذهنية والتركيز على مشاعرك. فقد وجد علماء الأعصاب أن التفكير العقلاني والمشاعر يُشغِلان أجزاء مختلفة في الدماغ. ولكي تنفتح بوابات الإبداع لدى الإنسان، ينبغي على كل من التفكير العقلاني والمشاعر أن يعملا في نفس الوقت.
الرؤية من منظور مختلف. إحدى أصعب المهمات في العملية الإبداعية هي أن تفكر كيف يستشعر شخص غيرك فكرتك. ولكن الناس يفكرون بهذه الطريقة طوال الوقت عندما يمارسون هواياتهم الإبداعية. فصانع الخزف يتخيل كيف سيتجاوب المتلقي مع المزهرية التي يصنعها. ومؤلف الروايات البوليسية سيفكر بشأن ما إذا كان القارئ الذي لا يخامره الشك سيتفاجأ بالتحول المفاجئ في حبكة الرواية.
عندما آخذ استراحة من عملي كي أذهب لأعزف الموسيقى، فإنني أعيد التواصل مع ذلك المنظور. وأظل أفكر كيف سيتجاوب من يسمع أغنيتي لأول مرة معها. وأفعل كل ما يمكنني كي أرى (أو أسمع) العالم من خلال عينيه (أو أذنيه). ثم آخذ معي طريقة التفكير هذه عندما أعاود استئناف مشاريع عملي.
الثقة بالنفس. عندما أواجه تحدياً صعباً بالعمل وأشعر أنني في مأزق، فمن الممكن أن أشرع في التشكيك فيما إذا كنت سأصل لأي حل ناجح على الإطلاق. فمن السهل أن أفقد الثقة في قدرتي على الإبداع. ولكن بعد قضائي ساعة من الزمن وأنا أعزف النوتات على الجيتار بامتياز، أجدني أشعر شعوراً طيباً. ويمكنني القول بأن دماغي كان يتوق لذلك النوع من الإشباع. وعندما أعود لمواجهة ذلك المشروع بالعمل أخذ تلك الثقة بالنفس معي.
وتبين لي أن الدراسات قد أجريت على من يفعلون مثلي. فقد وجد الباحثون في إحدى الدراسات أن "النشاط الإبداعي يرتبط ارتباطاً طردياً بعملية التعافي من ضغط العمل (أي التمكن والتحكم والاسترخاء) والنتائج المرتبطة بالأداء (أي الإبداع في العمل والسلوكيات الزائدة عن الدور الوظيفي). بل أن الباحثين وجدوا أن "ممارسة النشاط الإبداعي أثناء الابتعاد عن العمل قد تكون من بين أنشطة وقت الفراغ التي تقدم للعاملين موارداً ضرورية كي يؤدوا أعمالهم بكفاءة عالية".
لذا، زملائي المحترفين، فإنني أوصيكم بشدة بأن تخصصوا فسحة من الوقت للمواظبة على إحدى هواياتكم الإبداعية. ولا يجب أن تكون لمدة طويلة. فقد كشفت إحدى الدراسات أن قضاء خمس وأربعين دقيقة في القيام بأعمال فنية يعمل على تعزيز ثقة المرء بنفسه وقدرته على إتمام المهام الموكلة إليه.
كما أقترح عليكم أيضاً أن تحثوا شركاتكم على الاحتفاء بالهوايات لدى العاملين بها. فشركة زابوس (Zappos) تضع الأعمال الفنية للعاملين بها على الجدار وتحثهم على تزيين مكاتبهم بأية طريقة يشاءون. في حين تقيم بعض الشركات عروضاً للمواهب. حتى الموظفين الذين قد لا يتمتعون بهذا النوع من المواهب ينبغى أن يحظوا بالتشجيع على ممارسة نشاط يشعرهم بالإبداع والمرح. ويمضي بعض كبار المدراء قدراً من أوقاتهم في ممارسة هواياتهم ضاربين بذلك مثالاً حسناً.
وعندما تجد لديك القدر اليسير من الوقت لأخذ استراحة لممارسة هواية إبداعية، فقم بذلك دون أدنى إحساس بالذنب. فعندما تُقدِم على ذلك، يربح الجميع.