هل تُريد أن تُصبح قائداً عظيماً؟ اقرأ المزيد من القصص الخيالية

6 دقيقة
الأدب القصصي
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/غيتي إميدجيز/جيروم تيسني/يويتشيرو تشينو

عند مواجهة معضلات أخلاقية أو غيرها من المشكلات الشائكة في العمل، قد تفضّل البحث على جوجل عن كيفية تعامل الآخرين مع الأزمة أو الرجوع إلى مقرر أخلاقيات العمل الذي درسته في الجامعة أو إلى كتاب عام يتناول موضوعاً معيناً في المهارات القيادية.

لكن هل فكرت يوماً في الاستفادة من قوة القصص الخيالية لفهم القرارات الصعبة والتعامل معها؟

بمقدور الأعمال القصصية الكلاسيكية والمعاصرة تعزيز قدرة القادة على إدارة التعقيدات الأخلاقية في العمل على نحو بنّاء من خلال دروس وممارسات غير مكلفة؛ ويمكن اتخاذ القصص الخيالية (أو الأدب القصصي) في واقع الأمر دليلاً إرشادياً للتعامل مع مختلف الجوانب الأخلاقية، بدءاً من التعبير عن موقف دقيق بشأن قضية أخلاقية معينة وصولاً إلى التعامل مع المعضلات المرتبطة بالجشع أو خداع الذات أو نيل القبول لدى الآخرين. إذ تتعامل شخصيات الأعمال القصصية دائماً مع هذه المشكلات وتدخل في صراعات مريرة من أجل اتخاذ قرارات تتوافق مع قيمها، وبالتالي تحوي قصصها دروساً مهمة يمكن الاستفادة منها في الحياة الواقعية التي يواجه فيها القادة وغيرهم عادة مواقف قد تضطرهم إلى تقديم تنازلات أخلاقية.

من المهم أن ندرك أن استخدام الأعمال القصصية على هذا النحو يمكّننا من تجاوز المعتقدات المغلوطة، مثل الاعتقاد بأننا "نعيش هذه الأيام حالة من الاستقطاب الشديد لدرجة أننا لا نستطيع العثور على قواسم مشتركة" و"استحالة التفاهم بين الأجيال"، دون إثارة الخلافات حول مواضيع حساسة أو محظورة. باختصار، يمثل الأدب القصصي مَدخَلاً أدق وأكثر حيادية لتناول الموضوعات الشائكة، ومن ثم يشجع على الحوار بدلاً من المواجهة ويتجنب العبارات المبتذلة الشائعة، لذلك ليس من المستغرب أن يصبح الأدب مكوِّناً أساسياً في برامج صقل المهارات القيادية في العديد من الشركات باعتباره وسيلة لخلق مجتمع متماسك وتشجيع الحوار.

وأمتلك خبرة شخصية في استخدام الروايات في تطوير القدرات القيادية بصفتي مدرّبة تنفيذية وأستاذة في كلية كيلوغ للإدارة (Kellogg School of Management) خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية. وعملت في آخر مقرر تعليمي درّسته لطلابي حول التعقيدات الأخلاقية في القيادة على تسخير قوة الأدب القصصي لاستكشاف التحديات الأخلاقية المتوقعة التي تظهر في حياة القادة الناجحين. علاوة على ذلك، حصلتُ على درجة الدكتوراة من كلية اللاهوت، حيث تعلمت أن القصص استخدمت على مدى آلاف السنين حرفياً لتعكس أحوالنا الإنسانية الشائكة وأدركت أهميتها.

ومن هنا اعتدت تشجيع عملائي وطلابي حالياً على التعاون مع زملائهم للاستعانة بالروايات والقصص القصيرة لوضع المواقف الصعبة في سياق يتيح فهمها على نحو أفضل وإبداء التعاطف في التواصل مع الآخرين، والاسترشاد بها عند التفكير في استراتيجيات المسائل المعقدة وحلولها.

استناداً إلى تجربتي، أود أن أسلط الضوء على 3 طرق محددة للاستفادة من قراءة الأدب القصصي في التعامل مع التحديات الأخلاقية، أياً كانت المرحلة التي وصلت إليها في مسيرتك المهنية، بالإضافة إلى تقديم نصائح عملية حول كيفية القراءة بهدف العثور على دروس عملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع واستخلاصها.

القصص الخيالية تعلّم القادة طرق بناء الروابط مع الآخرين وتصحيح المسار وتوسيع الأفق

يساعدك الأدب القصصي على بناء روابط مع الآخرين مهما كانت المسافات والاختلافات الفاصلة بينكم، بالإضافة إلى تمكينك من تصحيح مسارك عند مواجهة أزمة أخلاقية مستعصية ومساعدتك على تحديد وجهتك عند الخوض في المجهول وتوسيع أفقك الأخلاقي وتعزيز قدرتك على إدارة القضايا الأخلاقية الدقيقة في العمل بفعالية.

بناء الروابط مع الآخرين

بات الاستقطاب مشكلة مهيمنة على المجتمعات المعاصرة، حتى إن الكثيرين يعتقدون أن تبادل وجهات النظر والوصول إلى تفاهمات مشتركة بات مستحيلاً بسبب الانقسامات الحادة حول الاختلافات العرقية والتمييز بين الرجل والمرأة والأيديولوجيات السياسية والكثير من العوامل الأخرى. وتتجلى مظاهر هذا الاستقطاب كثيراً في العمل حيث يشعر أفراد وفئات بالتهميش وسوء الفهم، ما أدى إلى ارتفاع معدل الإضرابات والانسحابات الجماعية والاحتجاجات في العام الماضي.

لكن عندما نحاول تشجيع الأفراد على مشاركة القضايا الشائكة والتواصل بشأنها، نستخدم في أغلب الأحيان أساليب قاسية، كأن نقول مثلاً: "هل ثمة مشكلات في ماضيك الشخصي تجعلك تشعر بصعوبة نيل القبول لدى الآخرين؟") أو بأساليب عدائية، كأن نقول مثلاً: "هل أنت مستعد للاعتراف بأنك تلقى معاملة تفضيلية بسبب عوامل ديموغرافية؟"، والأسوأ من ذلك أننا قد نتجنب الموضوعات الحساسة تماماً، خوفاً من تأثير ثقافة إلغاء الآخر.

بدلاً من ذلك، فكر في استخدام قوة الأدب القصصي لتشجيع الحوار والتأمل. إليك قصصاً قصيرة، مثل "مسز سينز" (Mrs. Sen’s) للمؤلفة جومبا لاهيري و"حديقة الحيوانات الورقية" (Paper Menagerie) للمؤلف كين ليو، وهي تستعرض تجارب عاطفية صعبة وخفية في أغلب الأحيان؛ إذ تستعرض القصة الأولى شعور مهاجر هندي بالوحدة منذ وصوله إلى منطقة نيو إنغلاند بالولايات المتحدة، بينما تستعرض الثانية إحساس صبي أميركي من أصل صيني في سن الرشد بالعار من تراثه والتمرد عليه، وهو ما يندم عليه لاحقاً. تشجع كلتا القصتين على استكشاف الأحداث التي تشكل شخصياتنا، وتذكراننا بضرورة مراعاة رؤى الآخرين وتصوراتهم قدر الإمكان، وتذكراننا بعمق حياة مَن نعمل معهم وثرائها خارج جدران العمل.

من المعروف أن سعة الاطلاع والقراءة بتركيز هما السمتان المميزتان لبعض أشهر قادتنا الذين يحظون بمكانة مرموقة. من المعروف أيضاً أن الأدب القصصي يسهم في تعزيز ذكائنا العاطفي وقبول الغموض والتعقيد، بالإضافة إلى إسهامه في توسيع مداركنا وتحسين قدرتنا على مراعاة مشاعر الآخرين، حتى عند القراءة على انفراد؛ وستتضاعف قوة هذه الآثار عندما تشارك هذه القصص مع زملائك وتستخدمه لفهم الآخرين وفتح باب الحوار.

تصحيح المسار

بالإضافة إلى قدرة الأدب القصصي على إنشاء روابط بيننا وبين الآخرين، فهو يساعدنا أيضاً على تصحيح المسار أو إعادة تشكيل رؤانا وعقلياتنا وآليات عملنا مجدداً دون الحاجة إلى المواجهة المباشرة.

خذ على سبيل المثال مفهوم الجشع المتعدد الجوانب، وهو أمر نتعرض له جميعاً لكننا نادراً ما نناقشه صراحةً في العمل، وغالباً ما يؤدي الحديث عنه في إطار تجريدي إلى عبارات سطحية مبتذلة في أفضل الأحوال، خذ مثلاً شخصية الفلاح باهوم في قصة الروائي الروسي المعروف، ليو تولستوي، القصيرة التي كتبها عام 1885 تحت عنوان "كم هو نصيب الإنسان من الأرض؟" (How Much Land Does One Man Need?)، إذ تعزز دراسة الجشع من خلالها قدرتنا على التأمل العميق؛ عندما علم باهوم بأن له الحق في امتلاك الأرض التي يستطيع مشيها من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، أخذ يمشي إلى أن ابتعد عن نقطة البداية أكثر مما ينبغي، فعاد يهرول بأقصى سرعته إلى أن سقط جثة هامدة، وفي النهاية كان "نصيبه من الأرض" مساحة القبر الذي دُفن فيه. تشير القصة إلى ضرورة التحلي بالتواضع الأخلاقي والوعي بمحاولاتنا التي قد نبذل فيها جهوداً مبالغاً فيها بحثاً عن الكسب المادي، مثل سعي الكثيرين لجني أرباح مضاعفة من أجل تحقيق الاستقرار المالي.

وعلى نحو مماثل، تسلط القصة القصيرة الوحيدة للروائية الأميركية، توني موريسون، بعنوان "ريسيتاتيف" (Recitatif) الضوء على أثر الاختلافات العرقية في تقسيم البشر من خلال قصة فتاتين فقيرتين قاصرتين تعيشان تحت الوصاية القانونية للدولة، إحداهما ذات بشرة سمراء والأخرى بيضاء، تشكّلت صداقتهما وتطورت عبر محطات مختلفة من حياتهما، ومنها اتخاذهما مواقف متعارضة من وقفة احتجاجية للأمهات. وبسبب عبقرية موريسون، تسلط هذه القصة الضوء على تجربة التحيز العنصري في العمل التي تنبع من تجربة الرواية نفسها، ما يجعل القارئ يتساءل طوال الوقت عن الهوية العرقية للشخصيات.

توسيع الأفق

أخيراً، يؤدي الانفتاح على الدروس المستفادة من الأدب القصصي إلى توسيع المدارك وتسليط الضوء على أهمية مراعاة رؤى الآخرين وتصوراتهم في قراراتنا وسلوكياتنا.

على سبيل المثال، تتناول المسرحيات التراجيدية اليونانية في كثير من الأحيان، مثل أعمال سوفوكليس، موضوعات من قبيل العجرفة وخداع الذات؛ ففي مسرحية "أنتيغوني" (Antigone)، يحكم ملك طيبة الجديد، كريون، على أنتيغوني بالإعدام لأنها سعت إلى دفن شقيقها بولينايسيز الذي لقي حتفه وهو يقاتل من أجل العرش. وعلى الرغم من تحذيرات الجميع يمضي كريون في تنفيذ العقوبة، ما يؤدي إلى آثار سلبية عديدة. ويقدم تشينوا أتشيبي في قصته المتميزة والموجزة "طريق الموتى" (Dead Men’s Path) دروساً مماثلة مستفادة من قصة مدير مدرسة تقدمي عُين حديثاً يتجاهل تقاليد أهالي القرية "الرجعيين" وقيمهم بدلاً من محاولة فهمها، ما يؤدي إلى نتائج كارثية.

تذكرنا هذه الأعمال الكلاسيكية بأن فضائح الشخصيات المعاصرة التي تناولتها الأفلام الوثائقية والسير الذاتية، مثل فيجاي ماليا وكارلوس غصن وإليزابيث هولمز، ليست بالأمر الجديد. وبتوسيع آفاقنا لرؤية هذه القضايا باعتبارها جزءاً من الحالة الإنسانية، نخلِّص أذهاننا من تفاصيل الحالات الفردية ونركز على استخلاص الدروس الصالحة لكل زمان: أهمية البحث عن مجموعة مستشارين متنوعة (من الزملاء وأعضاء مجلس الإدارة والمدربين) لمناقشة قراراتك بجرأة واكتشاف أي خلل يصيب منطقك ومنهجك في صناعتها.

اقرأ بتركيز ووعي

لا تستند الفكرة الرئيسية هنا إلى البحث عن قصة ما للعثور على حل لمشكلة أخلاقية محددة، بل تتحدث عن ضرورة وضع استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز القدرات. وأنصح بالإكثار من قراءة القصص التي كتبها مؤلفون متنوعون في حِقَب زمنية مختلفة وتستعرض رؤى وتصورات متباينة لأبطالها، ويُفضَّل أن تناقشها مع الآخرين. وبالاستفادة من قراءة الأعمال الأدبية في تعزيز قدرتك على بناء الروابط مع الآخرين وتصحيح مسارك وتوسيع أفقك، ستزداد قدرتك على رصد المواقف المعقدة أخلاقياً وتشخيصها ومعالجتها في المستقبل.

اطرح على نفسك في أثناء القراءة أسئلة رئيسية حول العمل القصصي:

  • فكِّر في كل شخصية رئيسية، واسأل نفسك: ما الذي أتعلمه من هذه الشخصيات؟
  • أي الشخصيات والعناصر تعاطفت معها بسهولة؟ وأيها وجدت صعوبة في التعاطف معها؟
  • حدّد ملامح الصراعات في القصة. كيف تتعامل الشخصيات مع هذه الصراعات أو تتجنبها في مختلف الأوقات ولماذا؟
  • ما هي النصيحة التي أوجهها للشخصيات وهي تتعامل مع الغموض الأخلاقي؟
  • إلى أي مدى تنطبق هذه القصة على المواقف التي أواجهها في الحياة الواقعية؟

قد لا يبدو الأمر سهلاً أو طبيعياً في البداية، لكنه سيزداد سهولة بمرور الوقت. من المؤكد أن الأدب وسيلة للترفيه والهروب من واقع الحياة الأليم، وهذا مهم أيضاً، لكنك إذا خصّصت بضع لحظات إضافية للتفكير أو الكتابة أو مناقشة الآخرين (وهذا أفضل بكل تأكيد!)، فستحدث هذه الهواية الممتعة أيضاً تغييراً بنّاءً في حياتك العملية والشخصية، وهذه أفضل نتيجة ممكنة لاتباع النصائح المرتبطة بقراءة الأدب القصصي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي