بحث: عند التواصل مع الآخرين اقتصد في الكتابة وأكثر من الكلام

3 دقائق
الاقتصاد في الكتابة والإكثار من الكلام

تسمح لنا وسائل التواصل الحديثة بتبادل المعلومات مع الآخرين باستخدام الإشارات النصية والصوتية والمسموعة والمرئية، ولكن نظراً لأن التواصل ينطوي أيضاً على الحفاظ على العلاقات الاجتماعية التي تمثل أهمية كبرى لسعادتنا وصحتنا وحسن سير العمل، فإن التواصل مع الآخرين يتطلب تحديد أفضل السبل للقيام بذلك. وتعتبر قيمة الصوت هي كلمة السر في هذا الصدد. فيجب عليك الاقتصاد في الكتابة والإكثار من الكلام.

الآثار الإيجابية لاستخدام الصوت مقارنة باستخدام النص

وقد أجرينا مؤخراً عدداً من التجارب أثبتت أن الإنسان يستهين بالآثار الإيجابية لاستخدام الصوت مقارنة باستخدام النص وحده، وهو ما يدفعه في النهاية إلى تفضيل الكتابة بدلاً من التحدث، وهو تفضيل غير حكيم بالمرة.

طلبنا من المشاركين في إحدى التجارب، على سبيل المثال، أن يفكروا في صديق قديم لم يتواصلوا معه منذ فترة طويلة بعض الشيء، ولكنهم يودون التواصل معه من جديد. تخيل هؤلاء المشاركون الشعور المتولد عن هذا التواصل لو أنهم راسلوا أصدقاءهم القدامي عن طريق الكتابة (بالبريد الإلكتروني) أو عن طريق التحدث (بالهاتف). وكانت النتائج متباينة. فعلى الرغم من أن المشاركين توقعوا الشعور بحميمية التواصل مع أصدقائهم القدامى لو أنهم تحدثوا إليهم بدلاً من مراسلتهم عن طريق الكتابة، فإنهم توقعوا أيضاً أن التحدث إلى أصدقائهم سيكون أكثر مدعاة للحرج مقارنة بمراسلتهم عن طريق الكتابة. وعندما طُلب منهم اختيار وسيلة التواصل التي يفضلون استخدامها، بدا لهم أن التكلفة المتوقعة للحديث ستكون كبيرة: حتى إن معظمهم قالوا إنهم يفضلون الكتابة إلى أصدقائهم القدامى.

لكن هذه المخاوف لم تكن مبررة. نثق في ذلك لأننا اخترنا عينة عشوائية من بين هؤلاء المشاركين وطلبنا منهم إعادة التواصل مع أصدقائهم القدامى إما عن طريق الكتابة (بالبريد الإلكتروني) أو عن طريق التحدث (بالهاتف). وسرعان ما شعر هؤلاء الأشخاص بحميمية التواصل مع أصدقائهم القدامى، مثلما توقعوا، بعد التحدث إليهم مقارنة بشعورهم بالاكتفاء بمراسلتهم عن طريق الكتابة. لكن، وعلى عكس التوقعات، لم يكن هناك فارق في مدى شعورهم بالحرج بعد التحدث بدلاً من الكتابة. يبدو أن مخاوف الشعور بالحرج في غير محلها، ولكنها قد تؤدي إلى ارتكاب هذا الخطأ القاتل بتفضيل الكتابة على التحدث.

مكالمات الفيديو اليوم أكثر حميمية

قد يبدو للبعض أن رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية باتت الآن تقنيات قديمة، خاصة الآن بعد أن صارت مؤتمرات الفيديو جزءاً من الروتين اليومي للكثير من الأشخاص، لاسيما في العمل، إثر تفشي جائحة "كوفيد-19"، ولكن إضافة فيديو إلى مكالمة هاتفية "قديمة الطراز" قد لا تزيد من إحساسنا بالحميمية مع شخص آخر، كما توحي تجربة أخرى.

طلبنا من المشاركين في هذه الحالة التواصل مع شخص غريب من خلال مناقشة عدة أسئلة ذات مغزى (مثل، "هل هناك شيء تحلم بفعله منذ فترة طويلة؟ ولماذا لم تفعله؟")، إما عن طريق إرسال رسالة نصية في أثناء الدردشة المباشرة أو عن طريق التحدث باستخدام الصوت فقط أو التحدث عبر دردشة الفيديو. أخبَرَنا المشاركون أولاً عن توقعاتهم لما سيشعرون به في أثناء التواصل الذي يوشكون على الإقدام عليه، ثم أبلغونا بما شعروا به فعلياً بعد انخراطهم في عملية التواصل. يبدو أنهم لم يكونوا يتوقعون قبل التواصل أن الطريقة التي يتواصلون بها مع هذا الشخص ستؤثر على مدى شعورهم بالحميمية أو الحرج، ولكنهم مرة أخرى شعروا بأن تواصلهم كان أكثر حميمية (وليس فيه ما يدعو إلى الحرج) بعد التحدث بدلاً من الكتابة.

يمكن القول باختصار إن القدرة على رؤية الطرف الآخر لا تجعلنا نشعر بحميمية أكبر مما لو اكتفينا بالحديث معه بكل بساطة، إذ لا يبدو أن الإحساس بالحميمية ينبع من القدرة على رؤية الطرف الآخر بل من سماع صوته. تتفق هذه النتيجة مع العديد من النتائج الأخرى التي تشير إلى أن صوت الشخص هو الإشارة الحقيقية التي تخلق الفهم والشعور بالحميمية.

لكن من المهم أن نضع نتائج تجاربنا في نصابها الصحيح، فهي لا تقترح بالضرورة أنه يجب عليك دائماً الرد على الهاتف والتحدث إلى زملائك وأصدقائك، فقد يكون التواصل القائم على المراسلات النصية في بعض الأحيان أبسط وأكثر كفاءة ويمكّن الطرف المتلقي من الاستجابة في أوقات فراغه.

وإذا أردت إرسال رسالة بسيطة أو عرض تحديث عاجل أو إرسال مرفقات، فستفي رسائل البريد الإلكترونية والرسائل النصية بالغرض على الوجه الأكمل، لكن بياناتنا تشير إلى ميل الإنسان إلى المبالغة في تقدير مدى شعوره بالحرج عند التحدث عبر الهاتف، أو الاستهانة بشعوره بالحميمية نتيجة لذلك، وبالتالي قد يلجأ المرء إلى إرسال رسائل نصية عندما يكون التواصل الصوتي أكثر فائدة. لذا، احرص على الإكثار من الكلام  والاقتصاد في الكتابة والتحدث إلى الآخرين أكثر مما تكتب إليهم، وستشعر أنت ومن تتحدث معهم بأنكم أفضل حالاً حينذاك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي