مع خبرة تزيد عن عشرين عاماً في الدراسات والأبحاث والتدريس ضمن شؤون إدارة الاستثمار والتنمية على مستوى دولي في كلية هارفارد للأعمال، وخبرة امتدت أذرعها للشرق الأوسط، فإنّ البروفيسور لويس فيسيرا كبير معاوني عميد كلية هارفارد للأعمال لشؤون التنمية الدولية يُعتبر فرصة لقياس التحولات التي تشهدها المنطقة العربية اقتصادياً، وخاصة في مرحلة ما بعد الاقتصاد النفطي. فماذا يقول:
هارفارد بزنس ريفيو العربية: بعد الاطلاع على بعض دراساتك، بروفيسور لويس، أوحيت لي أن أسألك حول واحدة من الموضوعات التي تناولتها في أبحاثك، ألا وهي استراتيجيات تنويع إيرادات المحفظة الاستثمارية، إذ تتجه المنطقة العربية اليوم إلى اتباع نموذج أعمال جديد وهو البحث عن خطط اقتصادية بديلة عن تلك التي تعتمد بشكل كلي على الموارد النفطية فقط، والتي تم اتباعها لفترة طويلة على اعتبار أنها الدعامة الوحيدة للمشاريع الاقتصادية. فكيف يمكنك تحديد أو رؤية مستقبل منطقتنا من هذا المنطلق؟
البروفيسور فيسيرا: من هذا المنظور، أعتقد أنّ واحدة من الملاحظات التي نطرحها في مؤتمرات كلية هارفارد للأعمال اليوم تسلط الضوء بشكل مباشر على هذه النقطة، والتي هي أنّ المنطقة العربية في طريقها للتحول من اقتصاد النفط إلى اقتصاد المعرفة.
وعلى الرغم من أنّ المنطقة بالمجمل تحاول التحرك في هذا الاتجاه، إلا أنّ دبي تقف في طليعة هذه المدن، وهي من يقود هذا التحول نحو إيجاد مصادر متنوعة للإيرادات الحكومية بعيداً عن النفط، لاسيما في مجال الاستثمار ضمن مجالات التعليم والموارد البشرية.
كما أنه من الواضح، أنّ حكومة دولة الإمارات بشكل عام تسعى لجعل الإمارة مقصداً لجميع من يرغب في القيام بأعمال استثمارية من جميع أنحاء العالم، وتحويلها إلى نقطة حيوية تتوسط كلاً من إفريقيا وآسيا وأوروبا وأميركا الشمالية.
ربما يكون تأسيس اقتصاد مبني على المعرفة أمراً يمكن تحقيقه في أي مكان آخر، لكن عملية استقطاب الناس من جميع أنحاء العالم، وهو ما تقوم به دبي بهدف تنشئة المزيد من المؤسسات والشركات ذات القاعدة الخدمية والمعرفية، يُعتبر أمراً في غاية الأهمية، ما يجعلها المكان الأمثل لقيادة المنطقة في مرحلة ما بعد النفط.
وإلى جانب القاعدة المعرفية التي عملت الإمارات على تعزيزها رفقة العديد من الشركات الخدمية التي استقطبتها للعمل على أرضها، تتميز دبي بأنها واحدة من البلدان التي تحتوي على مختلف أنواع الخدمات الداعمة للاقتصاد، بداية بالخدمات اللوجستية وانتهاء بالخدمات المالية. ما يُعطيها القدرة أيضاً لتقديم الخدمات على مستوى العالم.
ما هي العقبات التي يمكن أن تواجه دولاً كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات أثناء عملية التحول إلى مرحلة ما بعد النفط وإيجاد مصادر متنوعة للإيرادات الحكومية؟
أعتقد أنّ عملية البحث عن مصادر بديلة للنفط من أجل الإيرادات الاقتصادية، تتطلب من البلدان التي بدأت بهذه الخطوة أن تفكر في رفع المستوى العلمي والثقافي لشعوبها، إذ أنّ التعليم - من وجهة نظري- هو الكلمة الفصل للوصول إلى اقتصاد مبني على الخدمات والمعرفة. والتحدي الرئيسي اليوم بالنسبة للمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، هو أن تقوم باستثمار مواردها في توجيه وتدعيم ثقافة شعبها كي يتمكن من قيادة عملية التحول إلى مجتمع اقتصاد المعرفة والخدمات. فالشعب السعودي شعب فتي وحيوي وتعداده كبير نسبياً. كما أنّ رأس المال البشري هو المفتاح الرئيس لقيادة مرحلة ما بعد النفط. وأعتقد أنّ خير نموذج يمكن الاستشهاد به في المنطقة، هو ما تقوم به كل من دبي وأبوظبي اليوم من استثمارات ضخمة وضخ لمواردها المالية لجذب أكبر الجامعات حول العالم لتعمل على أرضها، وذلك بالتأكيد سيساعد في تعزيز ثقافة المجتمع ورفده لتلك العلوم النوعية التي سترسم ملامح عملية الانتقال إلى مجتمع اقتصاد المعرفة.
بذور التحول هذه لم تظهر في دبي وأبوظبي فحسب، بل ما تقوم به السعودية أيضاً من إنشاء جامعات رائدة في مجال الأعمال والتكنولوجيا والهندسة سيقدم الوسائل التي يحتاجها شعبها لقيادة عملية التحول.
واحد من أوراقك البحثية يتحدث عن موضوع ذي صلة عنوانه "العبء الناتج عن التردد الحكومي". كيف يمكن للتردد الحكومي أن يكون أحد العقبات التي تقف في وجه عملية التحول آنفة الذكر؟
في بعض الأحيان نكون بحاجة إلى قلب الموازين والحصول على الدعم من المواطنين أنفسهم، لكي تجد القرارات الحكومية انعكاسها على أرض الواقع، وهذا العامل مهم وحيوي لجذب الاستثمار، إذ أنّ القرارات المترددة وغير المدعومة شعبياً، تؤدي بالضرورة إلى عزوف الشركات عن الاستثمار في بلد ما وعن دعم اقتصاده. فالقاعدة القانونية والاستقرار فضلاً عن إمكانية التنبؤ بالسياسات الحكومية هو أمر بالغ الأهمية لتطوير الأعمال وجذب الاستثمار.
إنّ غياب الشروط السابقة يخلق حالة من التردد لدى الشركات في الاستثمار وضخ الأموال، وبالتالي يدفعها للبحث عن أماكن أكثر استقراراً وأكثر وضوحاً في سياساتها، دول تخضع لمحاكم فعالة في تطبيق القانون لتضمن حقوقهم في حال حصل أي أمر غير متوقع.
لاحظت أن تعبير "القدرة على التنبؤ" تكرر في معظم أبحاثك ومقالاتك تقريباً، لذا هل يمكنك رسم الطريقة التي يجب علينا اتباعها أثناء بناء القاعدة الاقتصادية في المنطقة العربية، حيث تبدو السياسات الحكومية والقواعد القانونية غير واضحة وغير مستقرة تماماً؟
إنّ عدم اليقين التام هو أمر لا مهرب منه أينما كنا، فنحن لا نملك تلك الكرة البلورية التي تجعلنا نرى الأشياء واضحة كالشمس، كأن نرى متى سيبدأ الركود ومتى سيعود الازدهار من جديد، وبالتالي نحن لا نمتلك القدرة على التنبؤ بما سيحل بالاقتصاد العالمي. هذا الأمر يخلق منافسة قوية بين الشركات حتى تتمكن من الاستمرار أو النهوض مجدداً. وبما أنّ قواعد التنمية الاقتصادية واضحة إلى حد ما ويمكن التنبؤ بها، يتلخص دورنا في الالتزام بتلك القواعد في ضوء الأحكام والقوانين المطبقة ضمن بلد ما، ثم نتأمل أن نحقق التنمية الاقتصادية المنشودة بأفضل صورة ممكنة.
وهنا تبرز أهمية أن تضع الحكومات قواعد واضحة وقابلة للتطبيق لترسم وفقها الشركات والمؤسسات خطة عملها والتي ستساهم بدورها في تسهيل عملية التنمية الاقتصادية. وتُعتبر السعودية من أهم الأمثلة التي خطت خطوة كبيرة في طريق تقديم تسهيلات لتطوير الأعمال والتنمية المالية.
قد تكون أبحاثك الأكاديمية تستهدف الكثير من المجالات والقطاعات، إلا أنها ليست ذات صلة مباشرة بالمنطقة العربية. لكن هل تستطيع أن تستخلص من مجمل تلك الأبحاث بعض النصائح والتوصيات التي يمكن العمل بها والاستفادة منها في منطقتنا؟
كنت أركز في أبحاثي على أمرين اثنين، أولهما العمل الأكاديمي ودراسة الحالات، إذ أنني أوليت اهتماماً خاصاً بالكيفية التي سيتم من خلالها استثمار مجموعات كبيرة من الأصول والموارد الاقتصادية لشركة ما، وكيف يمكن لهذه الأصول أن تساهم في عملية التنمية. ويُعتبر هذا الموضوع من أكثر القضايا ارتباطاً بالمنطقة لأنها تحوي أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم.
ويمكن لصناديق الثروة السيادية تلك أن تكون أداة مهمة وفعالة في يد البلدان المالكة لها لتعزيز المستوى التعليمي لمواطنيها، وتسهيل الأعمال والاستثمارات ودعم المشاريع الناشئة والتنمية الاقتصادية ككل، وذلك عبر استثمار تلك الأموال في مشروعات ناجحة، وذات إنتاجية عالية ونمو مستدام على المدى الطويل.
أما الأمر الآخر الذي كنت أسلط عليه الضوء بشدة في أبحاثي هو الابتكار المالي. حيث تبين لي أنّ تأسيس قاعدة اقتصادية مبنية على المعرفة، أمر لا يتطلب من الشركات أن تكون موجودة في مقرّات المراكز المالية العالمية التي تضمّ عدداً كبيراً من المصارف والمؤسسات التجارية والبورصات المالية البارزة عالمياً، مثل ولاية نيويورك الأميركية والمملكة المتحدة.
بل إنّ الثروة البشرية أينما وجدت جنباً إلى جنب مع التسهيلات الحكومية في مجال التنمية الاقتصادية فضلاً عن توافر البنى التحتية المناسبة للأعمال والاستثمارات، ستكون قادرة على بناء قاعدة اقتصاد المعرفة تلك. وإنّ القدرة على تجاوز تلك العقبات هي ما يميز فكرة الاقتصاد المبني على المعرفة، كما هو الحال بالنسبة لشركات دبي أو شركات أبوظبي والتي أصبحت الآن قادرة على خدمة العالم بأسره من مكانها.
ما الذي جعل كلية هارفارد للأعمال تبرز كمركز إشعاع للاقتصاد حول العالم؟ كيف تدرّسون الممارسات الاقتصادية المُثلى آخذين بعين الاعتبار الاختلافات في الثقافات والنّظم الاقتصادية؟ وما هي رؤية كلية هارفارد للأعمال وكيف تطبّقونها هنا في المنطقة؟
إننا نعمل على ذلك من خلال محاولة معرفة ما يحدث حول العالم خصوصاً في عالم الأعمال، وجلب تلك المعرفة إلى الغرفة الدراسية. ومن خلال متابعة تلك التقاليد الأكاديمية في كليتنا التي بلغ عمرها أكثر من 100 عام، أدركت الكلية في التسعينات أنّ ظاهرة العولمة مهمة للغاية. كانت عولمة للتجارة وسوق رأس المال والمعرفة وكيفية اجتياز الاقتصاد المعرفي للحدود. وأدركنا أنه من المهم ضمان كل ذلك في مناهجنا. وكان هناك تعطش من جانب كلية هارفارد للأعمال لأن نفهم هذه الظاهرة وطريقة تغيّر الأعمال التجارية على ضوئها، وكيف يمكن لنا أن نجلب كل ذلك إلى الغرفة الدراسية. أحد البرامج التي أنشأناها هو "برنامج القيادة التنفيذية العليا" (Senior Executive Leadership Program). ولدينا العديد من البرامج الدولية حيث يمكن لأي شخص أن يلتحق بها. ونحن بصدد إطلاق جيل جديد من البرامج بحيث تتم عملية التعلّم خارج الجامعة، ومن ثم تُصقل التجارب لاحقاً إلى داخل الجامعة. وهي برامج مقسّمة على أساس وحدات دراسية. وذلك لأننا نعلم أنّ القادة الكبار يتطلّعون للتعلّم واكتساب أفضل الممارسات وإلى التفاعل فيما بينهم. ولكن يتوجّب عليهم كذلك أن يُديروا أعمالهم ومسؤولياتهم الكبرى.
لدي سؤال يتعلق بكلية هارفارد للأعمال والدراسات كنموذج مثالي للناس الذين يسعون إلى تعلم أفضل الممارسات بالنسبة لإدارة الأعمال. أحيانا هناك التباس بالنسبة للقادة، حيث يقرؤون بحثاً قامت به كلية هارفارد للأعمال، ولكنهم يجدون نتائج مغايرة أحياناً بناء على الحالة التي تُدرس والوقت الذي نُفّذت به الدراسة. كيف يمكن للناس أن يفهموا ذلك؟ لأن هناك أشياء تقليدية أحياناً نؤمن بها وقد رأينا دراسات متعددة أثبتت ذلك، وفجأة نجد دراسة مغايرة صادرة عن كلية هارفارد للأعمال تقول أنّ الممارسات القائمة على العُرف التقليدي ليست صحيحة بعد الآن؟
هناك أمران يجب وضعهما في عين الاعتبار. الأول، هو أنّ عالم الأعمال بطبيعته عالم معقد، والثاني، هو الظروف المحيطة به. والعاملون في الأعمال التجارية يعلمون أنهم بحاجة لاتخاذ قرارات تتعلق بالاستثمار والتوظيف وطرح منتجات جديدة وتطوير الاستراتيجيات في العالم الواقعي، وهذا أمر معقد للغاية ومتغير بتغيّر الزمان والمكان. لذلك فإنّ قراراً ما اتُخذ في سياق ما ربما لا يكون الأفضل في سياق آخر بالضرورة. وعليه، فإنّ اتخاذ القرار لا يمكن أن يتم في الفراغ، بل في سياق محدد.
كما أنّ خصائص ذلك التعقيد متنوعة وتتغير بتغير الزمان وديناميكياته، وتتطور بتطور التكنولوجيا وتوافر رأس المال. فالتكنولوجيا المالية (fintech) مثلاً أمر ما كنا لنُفكر بالاستثمار به في السبعينات. اليوم الأمر ممكن. لماذا؟ لأن الظروف تغيرت.
كذلك المعرفة بحد ذاتها هي عملية ديناميكية. وسيكون من الصعوبة ألا نتحدى العرف التقليدي. لذلك من المهم في أبحاثنا وفهمنا وممارسات أعمالنا وفي ما يتعلق بما يُجدي أو لا يجُدي، نحاول دائماً مقاومة العرف التقليدي وأن نكون خلّاقين ونشكك في الأشياء. ويمكن أن نخرج من ذلك التقييم لنكتشف أنّ العرف التقليدي صحيح، أو أنه في عالم جديد وظروف متغيرة يمكن أن يقودك لاتخاذ قرارات خاطئة. لذلك من المهم أن تستوعب المعرفة وأن تكون خلاقاً، وتحاول أن تقاوم العرف التقليدي وأن تتعلم وتحرز تقدّماً في مجالات المعرفة.
ماذا تنصح أصحاب القرار الاقتصادي والسياسي حول المرحلة الحالية والقادمة من التحول الاقتصادي في المنطقة؟
إنّ جيلاً جديداً سيستلم مقاليد الأمور وهو جيل الألفية الجديدة. وهو جيل يشكل كتلة كبيرة من عدد السكان في العالم، خصوصاً ضمن الاقتصادات وفي الدول الفتية كبلدان هذه المنطقة. ومن وجهة نظر إدارة الأصول وتقديم الخدمات المالية، هم ليسوا عملاء جاذبين، لأنهم شباب ولا يمتلكون الكثير من المدّخرات. ولذلك فإنّ شركات الخدمات المالية ليست مكترثة بهم اليوم، على الرغم من أهميتهم في المستقبل. لكن المهم أن تتعلم كيف تجذبهم. وسبب ذلك أنّ الناس حين يثقون بشركة ما، فإنهم يُصبحون زبائن ملتزمين ومخلصين لتلك الشركة. وأقصد هنا أنّ الذين لا يبدو أنهم عملاء جاذبون كأفراد، سوف يكونون كذلك في ظرف 15 عاماً من الآن. سوف يدّخرون أموالاً مع الوقت. والوقت الذي يجب عليك أن تفكر خلاله في جذبهم ليس لاحقاً، بل الآن. لأنك ستكسب من ذلك. سيُراكمون المدخرات وسيصبحون أكثر غنى، وسيخلصون لك.
هناك صورة نمطية عن جيل الألفية الثالثة تقول: "إنّ هؤلاء يفضلون العمل بمفردهم مقارنة بالعمل الجماعي. ولا يمكنهم الاستمرار طويلاً في العمل في شركة واحدة". قرأت إحدى الدراسات التي تقول إنه وبعد الأزمة المالية العالمية عام 2009، بدأت الأجيال الجديدة الالتصاق في عملها لفترة أطول. كما أنهم لا يرغبون في ترك أعمالهم بعد خمس سنوات، وهذا مناقض للصورة النمطية المأخوذة عنهم. كيف يجب أن ننظر إلى الجيل الجديد من تلك الزاوية؟، فعموماً هل نحكم عليهم من خلال تلك الصورة النمطية، أم يجب أن ننظر لكل حالة على حدة؟
المسألة الرئيسية للأجيال الجديدة هي أنهم يثقون بالتكنولوجيا بشكل كبير. ويجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار، فهم يريدون أن يعملوا ضمن فريق العمل، ولكنهم يرغبون في التفاعل بطريقة مختلفة. فالتفكير في جيل الألفية الجديدة على أنهم يرغبون بالعزلة أمر ليس بالضرورة صحيحاً. فهم يستخدمون طرقاً مختلفة للتفاعل وهي ما تسمى وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك فإنّ الاعتقاد أنهم فردانيون كثيراً وأنهم غير مرتبطين ببعضهم هو أمر ليس دقيقاً في الواقع. هم يتفاعلون مع بعضهم، ولكنهم يفضلون التواصل عبر وسائل بديلة أُخرى. ومن خلال ذلك يستطيعون أن يتفاعلوا مع أناس آخرين بعيدين عنهم وفي مناطق أُخرى من العالم، ويسهّل الإعلام الرقمي ما يعتقدون أنه هو التفاعل الاجتماعي بنسبة أكبر بالمقارنة مع ما كان في الماضي.
إننا ننتقل إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وهذا يعني أنّ الناس يتعلمون أشياء جديدة ويتطلعون لتعلم أشياء جديدة، وذلك ربما سيقود نحو استقرار إلى حد ما في الوظيفة. ولكن أعتقد أنّ هذا مدفوع بالحرص على المعرفة.
لقد ساعدت كثيراً من الشركات على الخروج من المشاكل وإيجاد الحلول والتعامل مع المفاجآت. حين تجلس إلى رجال الأعمال على الأرض، هل تجد فجوة بين عملك كخبير أكاديمي في مجال الأعمال التجارية وبين عملك مع رجال أعمال؟
أجد نفسي مستمتعاً بالاستماع إليهم فأنا معهم كمراقب، وهم في قلب الحدث وهم الذين يتخذون قراراتهم. وأجد نفسي متحمّساً للاستماع إليهم وإلى فهم أي نوع من المشاكل يتعرضون لها وكيف يتخذون القرارات ويتعاملون مع المواقف المعقدة. وهذا أفضل شيء يمكن أن تتعلمه منهم.
الواقع معقد للغاية. يمكنك أن تتعلم من مُمارس أنّ اتخاذ القرارات في قضية معقدة، وأنّ قراراً ما في بيئة ما قد لا يكون بالضرورة هو الأفضل في بيئة أُخرى. وما أحاول فهمه من خلال الاستماع إليهم هو طريقة تفكيرهم وآلية اتخاذ قراراتهم. وهذا ما يحاول أناس مثلي فهمه: كيف يتخذون القرار؟، كيف يتعاملون مع المشاكل؟، وهكذا فنحن نتعلم تلك الممارسات ونجلبها إلى الغرفة الدراسية حتى يتعلم طلابنا من تجارب اتخاذ القرارات تلك.
كيف ينظرون إليك وأقصد رجال الأعمال؟
ينظرون إلي كخبير، بحيث يمكنني أن أسألهم الأسئلة المناسبة وأحصل على المعلومة، وأتيح لهم فرصة الحديث مع الناس.
وأفضل شيء في أن تكون أكاديمياً، خصوصاً في كلية هارفارد للأعمال، هو أننا نكون قريبين جداً من الممارسة الفعلية وأننا نتواصل مع الناس، لذلك فهم حين يستمعون إلي، هم يعلمون أني كنت أستمع وأتعلم من أناس آخرين، ثم أجلب لهم تلك المعرفة. أتعلم منهم ويتعلمون مني.