في شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي، وقبل أسبوعين تقريباً من تخرّجي في "جامعة هارفارد"، قررت الحصول على شهادة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية، أو نيل ماجستير الفنون الجميلة في اختصاص الكتابة الإبداعية. بعد مرور أسبوعين من حصولي على الشهادة التي باتت في يدي، قررت أنه من الأفضل لي أن أصبح معالجة بالإبر الصينية.
الآن وبعد مرور أكثر من عام على ذلك، لم أحرز أي تقدم في ملء الطلبات الخاصة بكليات الدراسات العليا أو في مهنتي بمجال المعالجة بالإبر الصينية. عوضاً عن ذلك، أصبحت، وعلى نحو مفاجئ نوعاً ما، كاتبة تعمل لحسابها الخاص مع مجموعة متنوعة من الشركات والمؤسسات، تتراوح ما بين مؤسسة تستثمر في المبادرات الرقمية الجديدة الرامية إلى إحداث تغيير، وشركة للعصير المطهر للجسم ومقرها مدينة شنغهاي الصينية، ومجلة متخصصة بالتأليف بين جملة أخرى أوسع من الشركات والمؤسسات.
وأتساءل بيني وبين نفسي ما إذا كنت "ألاحق هواي وشغفي" أو أفعل الشيء "الذي أحبه". بالتأكيد أحب الكتابة – إلا أنني لست شغوفة بوصف منافع إضافة بذور بعض النباتات إلى العصير الأخضر. ولكن بعد رحلة دامت أكثر من عام في محاولة للبحث عن ذلك الشيء الذي استثمرت فيه عاطفياً وفكرياً، سواء تعلق الأمر بالشعر أو معالجة أمراض الكبد وفقاً لمبادئ الطب الشعبي الصيني القديم، أدركت أنه قد يكون من المفيد التخلي عن الافتراض القائل إن "حياتي المهنية" والأمور التي أحبها متشابهة.
فما يثير شغفي يمكن أن يتواصل بالكامل وينمو دون أي تغيير، بينما يمكنني أن "أفعل" كل ما أفعله لأسدد فواتيري الشخصية باهتمام وعناية، مع تعلم مهارات وأمور جديدة عن نفسي بغض النظر عما إذا كانت تدخل المتعة والبهجة في نفسي وتلبّي شغفي أم لا. وبعد مرور عام تقريباً على تخرجي في الجامعة، صادفت شعاراً يرضيني وينطبق على حياتي وعملي: "افعل ما تحب". وهذه مقاربة قائمة على التفكير العقلي المتأني، وليس على الشغف.
لقد وجهت ميا توكوميتسو (Miya Tukomitsu)، سهام النقد إلى شعار "افعل ما تحب"، والذي يُعتبر "الشعار غير الرسمي للعمل في عصرنا" بوصفه شعاراً نخبوياً وغير قابل للتحقيق، وباعتباره "نظرة إلى العالم تخفي نخبويتها تحت ستار التحسين الملحوظ للذات"، فهو "يشتّت انتباهنا عن ظروف عمل الآخرين مع التأكيد على صحة خياراتنا الشخصية". لكن الحجة الإجمالية التي ساقتها توكوميتسو غير قابلة للنقاش نسبياً: فالفكرة القائلة إننا جميعاً يجب أن نتبنّى مفهوم "افعل ما تحب" تعتمد على الافتراض المزيف بأن الحصول على مهنة "محببة" هو دائماً مسألة نستطيع اختيارها.
وبغية استكشاف هذه الأفكار بمزيد من التفصيل تحدثت مع شارون سالزبيرغ (Sharon Salzberg)، مؤلفة كتاب جديد بعنوان "السعادة الحقيقية في مكان العمل" (Real Happiness at Work)، وتصف فيه مجموعة واسعة من الطرق العملية الملموسة للعثور على "السعادة الحقيقية في مكان العمل". حتى في المهن التي لا نحبها، فإن ممارسة تقنيات التركيز، والوعي، والشغف، وفقاً لسالزبيرغ تجعل ذلك العمل "مكاناً يمكننا فيه التعليم والنمو وتحقيق السعادة".
فعندما نمارس فن الوعي، نستطيع الاستفادة من فرصة غنية للتعلم والنمو في مكان العمل. وعلى حد رأي سالزبيرغ، بوسعنا "أن نكون أشخاصاً مفيدين ومنتبهين حتى في وظائف تعتبر تقليدياً من الوظائف البسيطة أو الساذجة".
بالتأكيد هناك أشخاص محظوظون بما يكفي لتكون لديهم فكرة عما يحبون فعله – ومن ثم يجدون فرصة للحصول على أجر مقابل ممارسة المهنة التي يحبونها. ولكن عوضاً عن محاولة العثور على التناغم الكامل بين الأمور التي تثير شغفنا وحياتنا، قد يكون من المفيد أكثر ببساطة الإيمان بإمكانية العثور على فرص للنمو والرضا في مكان العمل، حتى وسط المصاعب – مثل وجود مدير متحكم، وزبائن متطلّبين، والمنافسة مع الزملاء، وعدم وجود حدود دقيقة فاصلة بين الحياة المهنية والحياة الشخصية.