لماذا يعجز القادة عن إظهار التعاطف عندما يكون مطلوباً؟

8 دقائق
التعاطف
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو

انزعج الكثيرون من ممارسات الإدارة القاسية الموصوفة في مقال لاذع نشرته صحيفة نيويورك تايمز عن شركة أمازون. تأثّر مؤسس أمازون ورئيسها التنفيذي السابق، جيف بيزوس، بالطريقة نفسها، وكتب في مذكرة إلى موظفي أمازون: "يجب ألا نتسامح مع أي تقصير في التعاطف من هذا النوع".

بيزوس محق، ليس فقط لأسباب إنسانية، بل لأسباب من المنطقي أن تقنع رجل أعمال عملي مثله؛ ففي أمازون وغيرها من الشركات، ينبغي أن يكون التعاطف هو المبدأ التوجيهي الأساسي.

على مدى 3 سنوات، سافرتُ أنا وزملائي في كلية أننبرغ للاتصالات والصحافة في جامعة جنوب كاليفورنيا (Annenberg School) عبر الولايات المتحدة الأميركية، وسافرنا إلى دول أخرى أيضاً وسألنا قادة الشركات عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المدراء التنفيذيون حتى ينجحوا في الاقتصاد العالمي الذي أصبح رقمياً.

حدد هؤلاء 5 صفات أساسية:

  • القدرة على التكيف.
  • الكفاءة الثقافية (القدرة على التفكير والتصرف والتحرك عبر أوساط مختلفة).
  • التفكير الشامل (الفهم الشامل والقدرة على إدراك أنماط المشكلات وحلولها).
  • الفضول الفكري.
  • بالطبع التعاطف.

تمثّل هذه السمات "الشخصية" وجهة نظر مميزة للعالم، وهي تُشكّل مجتمعة ما يُشبه "الفضاء الثالث" الذي يختلف اختلافاً جذرياً عن المنظورين الآخرين اللذين هيمنا طويلاً على التفكير في مجال الأعمال: منظور المهندسين ومنظور الحاصلين على ماجستير إدارة الأعمال التقليدي.

بصراحة، شعرتُ بالدهشة عندما استمر ذكر سمة التعاطف في بحثنا. كان المدراء الذين قابلناهم جميعهم من المدراء التنفيذيين الجادين. لم يكن التعاطف أول سمة أتوقعها في عالم الأعمال الشديد التنافسية؛ بل توقعتُ أن أسمع عن الجرأة والمثابرة والصلابة.

عندما أطلعنا قادة آخرين على نتائج بحثنا لاحقاً، قال الكثيرون إن التعاطف هو أهم السمات الخمس التي اكتشفناها (مع أن الفضول الفكري والتفكير الشامل كانا شائعين أيضاً). كان هذا الحماس للتعاطف بين قادة الأعمال منتشراً في البلدان المختلفة. لم يقرّ المدراء التنفيذيون في مجال الترفيه في لوس أنجلوس وقادة تكنولوجيا المعلومات في مانهاتن فقط بالأهمية البالغة للتعاطف، بل فعل ذلك أيضاً متخصصو العلاقات العامة في شنغهاي ورجال الأعمال والمستثمرون الرقميون الذين يجتمعون في مؤسسة ذا جوكي كلوب (Jockey Club) في بكين، ومؤسسو الشركات الناشئة في روما وخبراء الإعلان في باريس. ما يبين أهمية التعاطف أكثر هو أن مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ، أشار إلى أن المنصة أنشأت زِرّاً جديداً يستطيع المستخدمون استخدامه للتعبير عن تعاطفهم مع منشورات الآخرين.

ما هو التعاطف؟ إنه ذكاء عاطفي عميق يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالكفاءة الثقافية. يُمكّن التعاطف مَن يمتلكه من رؤية العالم كما يراه الآخرون وفهم وجهات نظرهم الفريدة.

ما الذي يجعل التعاطف أهم من القيم الأخرى؟ اختبرنا عدة تفسيرات محتملة:

أولاً، المجموعة المتجانسة التي كانت معروفة سابقاً باسم "الجمهور"، مثل العملاء السلبيين والمرضى المطيعين والأشخاص الكسالى، هي من مخلفات الماضي الذي سبق العصر الرقمي، عندما كان التواصل في الغالب طريقاً أحادي الاتجاه يبدأ عند البائع وينتهي عند المشتري. أما الآن، فالتواصل متبادل. جماهير اليوم المتعددة والثرية تطالب بأن يكون صوتها مسموعاً وإلا فستغير الجهة التي تتعامل معها؛ والتعاطف ضروري لفهم هذه الجماهير وتحديد رغباتها.

الفهم المتعاطف ضروري أيضاً في الأسواق التي يزداد تنوعها باستمرار، مثل أسواق الولايات المتحدة وألمانيا، وحتى اليابان، وفي ثقافات أخرى حول العالم. فالمعرفة التقنية والفطنة التجارية غير كافيتين؛ بل يجب أن تكون مهتماً بصدق بفهم التفضيلات والخيارات الثقافية الأخرى.

التعاطف مهم أيضاً داخل الشركة. تخلّى العديد من الشركات عن التراتبيات الهرمية الجامدة والقيادة والتحكم التنازليين، بناءً على الاعتقاد الذي ينص على أن التعاون يولّد نتائج أفضل من المنافسة الشرسة مثل التي ورد أنها سائدة في أمازون. في هذه الشركات، أصبح كلّ من الإقناع والعلاقات عاملاً أساسياً للنجاح. يجب أن تكون قادراً على التعاطف مع الآخرين حتى تتمكن من إقناعهم بفعالية.

خذ في الاعتبار جيل الألفية، المولود بين عامي 1980 و2000. هذا جيل مُربك؛ فمن جهة، ينظر الكثيرون إلى أفراده على أنهم نرجسيون مرحون، مُنغمسون في ذواتهم لدرجة أنهم لا يرفعون أنظارهم عن هواتفهم الذكية عند التحدث إلى الآخرين. من جهة أخرى، يقول الكثيرون عنهم أيضاً إنهم يرغبون غالباً في العمل الهادف مع شركات مسؤولة اجتماعياً تعكس قيمهم (وهي وجهة نظر نجدها في سلسلة التقارير المستمرة من مركز بيو للأبحاث حول جيل الألفية ودراسة نشرها معهد بروكينغز). سواء كانوا نرجسيين أو نبلاء، فإن عددهم يبلغ 80 مليوناً وهم الآن يُهيمنون على سوق العمل. تتطلب قيادتهم وإدارتهم فهماً فردياً لهم، وهو نوع من الفهم الحقيقي الذي لا توفره الأوصاف العامة، بل يوفره التعاطف.

على الرغم من أن البشر في مختلف أنحاء العالم ينظرون إلى التعاطف على أنه سمة مرغوبة، فإنه ليس شائعاً في مستويات الإدارة جميعها بالدرجة نفسها. وفقاً لمسح غير منشور لخريجينا على مدار أكثر من عشر سنوات، ممن يشغلون حالياً مناصب مهنية، فإن مدراء الإدارة الوسطى ومسؤولي الإدارة التنفيذية العليا هم أكثر مَن يفتقرون إلى التعاطف، وهم الذين يحتاجون إليه أكثر من غيرهم لأن أفعالهم تؤثر في أعداد كبيرة من الناس.

يعكس رسم كاريكاتوري كلاسيكي في مجلة ذا نيويوركر هذه المفارقة ببراعة؛ إذ إنه يُظهر مديراً خلف مكتب كبير يقول لمرؤوسه التعيس: "المهم يا سميذرز، ليس أن يفهم أحدنا الآخر، بل أن تفهمني".

لكن التعاطف ليس العامل المهم الوحيد، وزيادة التعاطف قليلاً في شركات مثل أمازون ليس كافياً. سمعنا مراراً وتكراراً أن قادة الأعمال يريدون أن يتمتع المدراء التنفيذيون من مختلف المستويات بالصفات الخمس الأساسية. قد تكون ميالاً إلى التعاطف ولكنك لن تتمكن من ممارسته بكفاءة إذا كنت تفتقر إلى الكفاءة الثقافية اللازمة لفهم الإشارات في محيطك، أو الفضول الفكري لاستكشاف واقع الآخرين، أو التفكير الشامل لرؤية جوانب الموقف جميعها، أو القدرة على التكيف مع الفهم الذي توصلت إليه. لكن التعاطف يبقى أساساً عاطفياً؛ إنه "السمة الأساسية" للقادة الناجحين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي