ملخص: التناقض العاطفي هو الشعور بمشاعر إيجابية وسلبية في الوقت نفسه تجاه شيء ما. فهذا هو ما نشعر به عندما نقول إننا "مشتتون". ونظراً إلى أن المؤسسات تطور طرق عمل تراعي على نحو أفضل الاحتياجات الجماعية لمجتمعنا، فمن المهم للغاية أن يتكيف القادة ويطوروا التوقعات والهياكل وأنظمة المكافأة بطرق تدعم حياة الموظفين العاطفية المتزايدة التعقيد. استناداً إلى الرؤى الجماعية المستقاة من البحوث السابقة والمستمرة للمؤلفات، تقدم المؤلفات في هذه المقالة 6 دروس مهمة في القيادة لبناء الثقافات والهياكل التي تشجع على التناقض العاطفي وتسخير فوائده بينما نبني "واقعاً جديداً" في النصف الثاني من عام 2021.
في حين أن العديد من الأشخاص فترت همتهم خلال جائحة "كوفيد-19"، فقد شعر آخرون بحالة أكثر تعقيداً تسمى التناقض العاطفي؛ أي الشعور بمشاعر إيجابية وسلبية في الوقت نفسه تجاه شيء ما. فهذا هو ما نشعر به عندما نقول إننا "مشتتون". على سبيل المثال، يشعر الكثير من الأشخاص بمشاعر متناقضة إزاء العودة إلى المكتب. وبالنسبة إلى آخرين، تظهر تلك المشاعر عندما يفكرون في إجابة عن سؤال "كيف حالك؟" حين يطرحه عليهم أحد الزملاء في اجتماع عبر برنامج "زووم". ومع استمرار هذه الجائحة التي طال أمدها وحالة القلق المصاحبة لها، يشعر العديد من الموظفين ببعض أكثر المشاعر تعقيداً في حياتهم.
لكن ما يشعر به الموظفون لا يتوافق دائماً مع ما يشاركونه مع الآخرين. فغالباً ما يتردد الأشخاص في مشاركة مشاعرهم المتناقضة مع زملائهم خوفاً من أن يؤثروا سلباً على الحالة المزاجية لزملائهم أو أن يظهروا ضعفاء عاطفياً، وكأن الجميع لا يشعرون بالمشاعر نفسها. وللأسف، هذه المخاوف لها ما يبررها. ففي المواقف التنافسية، غالباً ما يقدّر الأشخاص الحزم والثقة بالنفس. ولكن يمكن أن تشير مشاركة المشاعر المتناقضة إلى عكس ذلك وتدفع الآخرين إلى استغلال الموقف. يعتقد العديد من القادة أن التحلي بالإيجابية هو الأسلوب الأفضل والأكثر أماناً للتعبير عن المشاعر في العمل. فالسعادة تعبر عن الثقة والكفاءة، ويحب الأشخاص أن يكونوا بالقرب من الأشخاص الإيجابيين والسعداء.
لكن البحوث الجديدة تشير إلى أن تصرفك بإيجابية باستمرار بوصفك قائداً قد لا يكون النهج الأفضل. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي مشاركة المشاعر المتناقضة في العلاقات التعاونية إلى حل المشكلات بطريقة تجعل الجميع أفضل حالاً. تحدثنا مع مدير في إحدى الشركات المدرجة في قائمة "فورتشن 500"، وقد ذكر كم كان مريحاً أن يشارك المدير الإداري بصراحة مشاعره المتناقضة بخصوص العودة إلى المكتب. وقد ألهمتهم هذه الشفافية حول المشاعر المختلطة ليكونوا مبدعين ويضعوا خططاً مرنة مناسبة لهم ولفِرقهم وللشركة.
لم تكن مشاعر هذا المدير مفاجئة؛ إذ تشير الأدلة إلى أن الشعور بمشاعر متناقضة يمكن أن يجعل الأشخاص أكثر إبداعاً وتقبلاً للنصيحة وقابلية للتكيف. من ناحية أخرى، فإن تعزيز ثقافة السعادة من خلال الضغط الاجتماعي لعدم مشاركة المشاعر السلبية يمكن أن يزيد في الواقع من اجترار الأفكار والشعور بالوحدة ويقلل رفاهة الأفراد الذين يمرون بحالات نفسية سيئة.
على مدار العامين الماضيين، كنا نتتبع ظهور وتطور العديد من المجموعات على موقع "إنستغرام" التي تركز على تقديم الدعم الاجتماعي لفئات مستهدفة مثل الأمهات العاملات. ومن خلال هذا المشروع البحثي المستمر، اكتشفنا أن المجموعات يمكن أن تختلف في النغمة العاطفية (على سبيل المثال، نغمة إيجابية مقابل نغمة متناقضة عاطفياً) وأن المجموعات ذات النغمة المتناقضة عاطفياً قد تكون مصدراً قوياً للرفاهية في وجه الصعاب. على وجه التحديد، باستخدام برنامج لتحليل النصوص من أجل تحليل المنشورات والردود، اكتشفنا أن المنشورات التي حدد البرنامج أنها تعبر عن تناقض عاطفي ترتبط بمستويات أعلى من التفاعل الإيجابي والإدراك والتركيز على الحاضر. ونستكشف الآن ما إذا كانت هذه التعبيرات العلنية عن المشاعر المختلطة، التي يقوم بها قادة المجموعة وأعضاؤها، نموذجاً للسلوكات الصادقة والواعية، ما يمكّن الأعضاء من مواجهة التحديات والصعوبات في الحياة على نحو أفضل.
ونظراً إلى أن المؤسسات تطور طرق عمل تراعي على نحو أفضل الاحتياجات الجماعية لمجتمعنا، فمن المهم للغاية أن يتكيف القادة ويطوروا التوقعات والهياكل وأنظمة المكافأة بطرق تدعم حياة الموظفين العاطفية المتزايدة التعقيد. استناداً إلى الرؤى الجماعية المستقاة من بحوثنا السابقة والمستمرة، نقدم 6 دروس مهمة في القيادة لتشجيع التناقض العاطفي وتسخير فوائده بينما نبني "واقعاً جديداً" في النصف الثاني من عام 2021.
شجّع على التناقض العاطفي.
في مواجهة حالة عدم التيقن بشأن المستقبل، ربما حاول العديد من الموظفين تنمية المشاعر المتناقضة بالفعل باعتبارها حاجزاً عاطفياً لحماية مشاعرهم في مواجهة النكسات والعقبات. إذ تشير بحوثنا إلى أن التناقض العاطفي يمكن أيضاً أن يجعل الأشخاص أكثر قابلية للتكيف لأنه يساعدهم على التفكير في الأشياء بطريقة أكثر مرونة، ما يسمح لهم بالتوصل إلى طرق بديلة لحل المشكلات.
يمكن للقادة استخدام نهج مستوحى من المقابلات التحفيزية لمساعدة الموظفين على استكشاف الجوانب الإيجابية والسلبية لمشكلة ما. في الاجتماعات الفردية، اطرح أسئلة توجيهية لإبراز مشاعر الموظفين المختلطة لتحفيزهم على التفكير المرن. على سبيل المثال، "أخبرني يا فؤاد عن شيء واحد أنت متحمس له وشيء واحد يثير قلقك بخصوص عملية إطلاق المنتج".
أظهِر أن المشاعر المختلطة لا بأس بها
على الرغم من أن القادة قد يميلون إلى مساعدة الموظفين على معالجة هذا التناقض في مشاعرهم وأن يصبحوا أكثر إيجابية، فإن الممارسة الأكثر فعالية هي مساعدتهم على تسمية مشاعرهم المتناقضة من أجل جني فوائدها. فهذا يُظهر للموظفين أن الشعور بمشاعر مختلطة وإظهارها هو رد فعل مقبول ومقدّر تجاه الأحداث التي تحدث في العمل والحياة وليس شيئاً يخجلون منه. استمع إليهم بطريقة متعاطفة وتتسم بالاحترام ولا تنطوي على إصدار أحكام، فهذا لا يجعل الموظفين أكثر وعياً بتناقضهم العاطفي فحسب، بل يجعلهم أيضاً أكثر تسامحاً معه. يمكنك أيضاً القيام بذلك ببساطة من خلال تعبيرات الوجه ولغة الجسد والنبرة الصوتية التي تدل على الاستجابة، ما يمكن أن يعزز قيمة ردود الفعل المتناقضة ويساعد على تجنب الإيجابية السامة.
أظهر نموذجاً حقيقياً للتناقض العاطفي
تُظهر الدراسات الأكاديمية أن التشابه في المشاعر يمكن أن يخفف من استجابة الأشخاص للتوتر الناتج عن التهديدات المتصورة. وهذا يشير إلى أن الاستجابة لمشاعر الموظفين المتناقضة من خلال مشاركة تجاربك معهم يمكن أن يكون فعالاً في تقليل استجابات موظفيك للتوتر. بالإضافة إلى ذلك، فإن نمذجة التناقض العاطفي قد تساعد الموظفين على رؤيتك كإنسان متفهم لمشاعرهم ولا تجعلهم يشعرون بالنبذ والاستبعاد. برهن الراحل آرن سورنسون، الرئيس والرئيس التنفيذي السابق لشركة "ماريوت" (Marriott)، على فعالية نمذجة التناقض العاطفي عندما أرسل رسالة تمزج بين الحزن والأمل في الوقت نفسه إلى الشركات الزميلة للشركة في خضم الجائحة.
بالإضافة إلى الخطابات، يمكن للقادة أيضاً تطبيع التناقض العاطفي من خلال نمذجته في الاجتماعات الروتينية. إذ يمكن أن يساعد ذلك الموظفين على الشعور بأنهم مقدّرون ومقبولون ومرتبطون بزملائهم مع تقليل شعورهم بالوحدة. ولكن لا تبالغ في ذلك؛ إذا كان الموظفون لا يشعرون بالتناقض العاطفي ويعتمدون بشكل كبير على القائد فيما يتعلق بالموارد المادية، فإن مشاركة المشاعر المتناقضة يمكن أن تشير إلى عدم القدرة على التنبؤ وبالتالي ستقلل من انخراط الموظفين في المهام.
استخدم الرموز الثقافية
يمكن إرسال رموز ثقافية للتناقض العاطفي من خلال القصص المؤسسية والحيز المادي. على سبيل المثال، ذكر المدير الذي تحدثنا معه بالشركة المدرجة في قائمة "فورتشن 500" أن الحل المرن الذي توصل إليه فريقه فيما يتعلق بعودتهم إلى العمل من المكتب قد نتج عن شعوره وشعور مديره الإداري بالتشتت. استخلاص قصة كهذه وإعادة سردها بوصفها نقطة تحول عند سرد القصص التنظيمية يمكن أن يساعد في الحفاظ على التناقض العاطفي بوصفه قيمة ثقافية.
يمكن للقادة أيضاً تعزيز التناقض العاطفي في الحيز المادي باستخدام الأعمال الفنية والموسيقى التي تثير استجابات عاطفية مختلطة. على سبيل المثال، يمكنهم وضع صورة إيجابية بجانب صورة سلبية وتشغيل مقطوعات موسيقية تحمل إشارات مختلطة تدل على السعادة (مقطوعة سريعة - ماينور) والحزن (مقطوعة بطيئة - مايجور).
ابنِ تفاعلات تشجع على التناقض العاطفي.
في حين أن الخطوات الواردة في هذه المقالة حتى الآن قد تساعد في إزالة الحواجز النفسية والثقافية التي تحول دون تقبُّل التناقض العاطفي، إلا أنه يجب على القادة أيضاً تعديل هيكل مؤسساتهم لبناء بيئة تشجع على التناقض العاطفي. على سبيل المثال، لتشجيع الموظفين على تجربة التناقض العاطفي ومشاركة مشاعرهم المتناقضة في المقام الأول، يمكن للقادة تنظيم العمل بشكل مترابط، من خلال تسهيل بذل جهد جماعي أكبر فيما بين أعضاء الفريق وتحفيزهم على إيلاء اهتمام أكبر لتلميحات الآخرين الاجتماعية والعاطفية (بدلاً من التركيز على أنفسهم بشكل رئيسي). فالبلدان المترابطة ثقافياً التي يرى أفرادها أنهم يعملون معاً لتحقيق هدف مشترك يظهر فيها قدر أكبر من التناقض العاطفي. ويمكن للمؤسسات تقليد ذلك من خلال تعزيز الشعور بالاعتماد المتبادل فيما بين القادة والموظفين.
بالإضافة إلى ذلك، لتسخير الفوائد المتأتية من مشاركة المشاعر المتناقضة وتقليل تكلفتها، يمكن للقادة أيضاً تسطيح التسلسل الهرمي. وفقاً لهذا البحث، عند مشاركة المشاعر المتناقضة في سياق علاقات العمل القائمة على المساواة، فإنها تدعو الآخرين إلى المشاركة في عملية حل المشكلات لكي يصبح الجميع أفضل حالاً، شريطة أن تكون العلاقات تعاونية. في الواقع، استخدم المعالجون النفسيون الذين يتبعون نهج المقابلات التحفيزية أسلوباً مشابهاً لعقود يقوم على بناء علاقات صادقة وغير هرمية مع العملاء ("العميل هو الخبير") ثم إثارة التناقض العاطفي داخلهم لدفع عجلة التغيير والنمو.
عزز قيمة التناقض العاطفي من خلال وضع أنظمة مكافآت عادلة
لإجراء أي من هذه التغييرات في مؤسستك، يجب عليك مواءمة أنظمة المكافآت. غالباً ما تكافئ الشركات على السمات التي تتعارض مع التناقض العاطفي: الثقة والتفاؤل والإيجابية والتيقن. فمقياس القائد الجيد في الولايات المتحدة هو أن يكون "قوياً" و"يحظى بمكانة رفيعة" و"بطلاً مؤثراً"، وغالباً ما يقترن نموذج القائد بالتحلي بالإيجابية.
قد تؤدي أنظمة المكافآت هذه إلى نتائج عكسية في عصر الجائحة. لذا، يجب وضع أنظمة لضمان إزالة التحيزات الإدراكية التي تعاقب الموظفين على مشاعرهم المتناقضة (على سبيل المثال، لأنهم يفتقرون إلى الثقة بالنفس) من أنظمة تقييم الأداء الشخصي والتوظيف. على سبيل المثال، تسمح أدوات مثل منصة "برايت هاير" (BrightHire) لفِرق التوظيف بتوثيق محادثاتهم مع المرشحين والعودة إليها لمراجعة المقابلات ومشاركتها مع الآخرين والحصول على وجهات نظر متنوعة قبل اتخاذ القرارات.
على الرغم من أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل في هذا المجال، فإن أحد الآثار الجانبية للقيام بذلك قد يتمثل في إزالة بعض الحواجز أمام القيادات النسائية، إذ قد تكون النساء أكثر عرضة للتمثيل العاطفي المعقد للتجارب، بالنظر إلى أنهن مهيآت اجتماعياً للانتباه إلى الإشارات الاجتماعية والترحيب بوجهات النظر المختلفة عن وجهات نظرهن وتقديرها. في الواقع، أظهرت دراسة استقصائية أجريت مؤخراً على القادة أن القيادات النسائية كن أكثر ميلاً بكثير من القادة الذكور إلى الإفادة بأنهن "غالباً ما يشعرن بمشاعر مختلطة". ومن خلال التحقق من وجود تحيزات إدراكية للسمات التي تتعارض مع التناقض العاطفي، قد نرى المزيد من النساء يصعدن السلم الوظيفي، ما قد يكون مفيداً عند إدارة الأزمات.
المؤسسات التعاونية والمترابطة والقائمة على المساواة نسبياً ترسي الأساس لتسخير قوة التناقض العاطفي، فهذه هي البيئات التي يُنظر إليه فيها على أنه دعوة للتعاون وحل المشكلات معاً. فهي بيئات جذابة وشاملة للجميع وديمقراطية.
ومع دخولنا هذه المرحلة الجديدة من الجائحة، يحتاج القادة إلى إدراك أن التركيز المتواصل على تعزيز الإيجابية قد لا يكون كافياً لإبقاء الموظفين مندمجين في العمل، بل يمكن أن ينفر هؤلاء الذين أصبحوا يعون حقيقة تناقضهم العاطفي. وعلى الرغم من أن المشاعر الإيجابية يمكن أن تؤدي إلى التفكير الإيجابي، ما يمكن أن يجعل الأشخاص يشعرون بتحسن على المدى القصير، فإن عقوداً من البحوث تشير إلى أن تلك المشاعر يمكنها أيضاً إعادة توجيه دوافع الأشخاص للتركيز على الحفاظ على الحالة العاطفية الإيجابية وإضعاف دوافعهم للتغيير والنمو طويل المدى. قد يكون التناقض العاطفي مزعجاً، ولكنه يمكن أن يحسن جاهزية مؤسستك للاستجابة بمرونة مع الظروف المعقدة والمتغيرة التي نمُر بها والتكيف معها.