وجد فؤاد نفسه في موقف لا يعرف كيف يتصرف فيه، فهو الرئيس التنفيذي الجديد لشركة نشر مرموقة اختارته لخبرته الكبيرة في مجال الطباعة؛ قضى 20 عاماً في مجال العمل التحريري، وهو متحمس لمواجهة تحدٍ يتمثل في ملاءمة محتوى الشركة مع احتياجات عصرنا الحالي. وهو يعلم في الواقع أحد الأسباب التي دفعت مجلس الإدارة لاختياره بدلاً من الرئيس التنفيذي المتقاعد: تركيزه على البحث عن فرص ومنصات جديدة لنشر ثروة المؤسسة الكبيرة من المحتوى.
تبدأ القصة بحضوره اجتماعاً لمرؤوسيه المباشرين ومرؤوسيهم، تحدثت فيه رئيسة التسويق الرقمي، مارية، عن كيفية التعاون مع مواقع التواصل الاجتماعي لنشر المحتوى بطرق تحقق أرباحاً من رسوم الترخيص ومشاركة إيرادات الإعلانات، ليُدرك فؤاد حينها أنه لا يفهم كل ما تتحدث عنه مارية.
هل يطرح سؤالاً يكشف نقص خبرته حول الموضوع أمام أهم 30 مسؤولاً تنفيذياً في الشركة؟ أم يلتزم الصمت على أمل ألا يحرجه جهله بالموضوع لاحقاً في الاجتماع؟
ثمة تحدٍ يواجهه أي رئيس تنفيذي دائماً، وهو أن الجميع يتوقعون منه التوجيه وتوضيح الأمور، ويقع على عاتقه تحديد التوجه العام للمؤسسة، نظرياً وعملياً، في حين يتوقع منه مجلس الإدارة والمساهمون، إذا كانت الشركة عامة، أن يوجّه المؤسسة نحو النجاح المالي المستدام.
لكن التغيرات التي حصلت في بيئة الأعمال في العقد الأخير صعّبت المهمة؛ فالتسارع المستمر في وتيرة التغيير خلق حاجة إلى ابتكار أساليب جديدة للتشغيل، وتعزيز القدرة على فهم التكنولوجيا الجديدة ودمجها في الأعمال اليومية.
ينبع مأزق فؤاد من هذا الضغط الجديد الذي يواجهه، وهو شائع تقريباً بين جميع الرؤساء التنفيذيين اليوم. كيف أُظهر قدرتي على قيادة الشركة نحو المستقبل في ظل جهلي لكثير من جوانب العمل؟ وكيف أحصل على المعلومات الضرورية دون أن أكشف نقص خبرتي؟
ما يدعو للتفاؤل هو أن تحقيق هذا الهدف ممكن؛ وشهدت في عملي مع القادة اعتراف بعض أبرز الرؤساء التنفيذيين وكبار المسؤولين التنفيذيين بنقص خبرتهم بالفعل وسعيهم لاكتساب المهارات والمعارف الجديدة الضرورية لنجاحهم. وفي الواقع، يتزايد عدد البحوث التي تدعم فكرة أن انفتاح الرؤساء التنفيذيين على التجارب الجديدة والتحدث عنها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالكفاءة التنظيمية. وإليك أهم الخصائص التي تُعينك على النجاح في بداية عملك بمنصب مهم.
تميّز في الجوانب الأساسية من وظيفتك
شريكي في العمل متميز جداً في مجال عمله؛ وأنا معجبة بقدرته على بناء علاقات قوية مع عملائنا ودعمهم ليقودوا شركاتهم بفعالية ويستعدوا لمواجهة المستقبل. وبما أنني أكنّ له الكثير من الاحترام بصفته شخصاً يتمتع بقدرات عالية، فعندما يطلب مني توضيح موضوع معين أو تزكية شخص آخر يمكنه ذلك، لا أفترض أنني أخطأت في تقديري له، أو أنه ليس بهذا الذكاء أو البراعة كما ظننت، بل أفترض أن سبب كفاءته وخبرته هو انفتاحه على تعلّم المجالات التي لا يمتلك فيها أي خبرة. إذا أظهر القائد تفوقه في العديد من المهارات والقدرات الأساسية المطلوبة للقيادة، فسيثق العاملون معه بقدرته على تعلم المزيد، وسيرون في انفتاحه على التعلّم ميزة.
تقبّل جهلك في بداية تعلم أي مهارة
ينبع تردد فؤاد في الكشف عن نقص خبرته من شعور إنساني لدى غالبية البشر، وهو حب التميز، خاصة حين نصبح بالغين ونكتسب بعض الخبرة في مجال معين، فتصعب حينها العودة إلى مستوى المبتدئ، لكننا للأسف لن نجيد أي مهارة جديدة في البداية. هذا واقع بالفعل؛ فعندما تحاول اكتساب أي مهارة أو معرفة جديدة، ستشعر أنك لا تتقنها وترتكب الأخطاء وتضطر إلى طرح أسئلة على مستوى المبتدئين.
لا يمكن تغيير هذه الحقيقة ولا تجنب الحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة نظراً لسرعة التطور الحالية في العالم، لكن يمكنك تسهيل عملية التعلم عن طريق قبول حقيقة أن أداءك سيكون ضعيفاً في بداية رحلة التعلم.
شاركت هذا النهج مؤخراً مع أحد عملائي، إذ كان يواجه صعوبة في تعلم طريقة جديدة لإدارة سلسلة التوريد في شركته، وكان يرفض فكرة عدم امتلاكه الخبرة ويخجل منها. لكن بمجرد أن غيّر طريقة تفكيره وتقبّل فكرة أن يكون غير ماهر في البداية تخلّص من عبء ثقيل، فإدراك جهله وتقبله له خفف الضغط عنه وزاد تفاؤله وثقته بقدراته. قال لي لاحقاً إنه شعر بالهدوء والسكينة، ما أسهم في تسهيل عملية التعلم وتسريعها.
تقبل أنك مبتدئ واعترف بذلك علناً
هذه هي اللحظة الحاسمة التي تواجه الرئيس التنفيذي. قد يبدو لك التصرف أمام الجميع على أنك مبتدئ لا قائد كفء وقوي خطوة مُحرجة ومثيرة للخوف، ولكن إذا امتلكت الشجاعة الكافية لطرح أول سؤال لك بصفتك مبتدئاً على الملأ، فستجد أن مخاوفك لا مبرر لها. لست مضطراً إلى الاستسلام والاعتراف بعدم معرفتك، بل كل ما عليك هو طلب توضيح وشرح تفصيلي لما يتحدث عنه الآخرون.
على سبيل المثال، يمكن للرئيس التنفيذي الجديد فؤاد أن يأخذ نفساً عميقاً ويطلب من رئيسة الإدارة الرقمية شرح الفكرة بطريقة مختلفة تعزز فهمه لها. قد تتسارع نبضات قلبه قليلاً، ويتساءل في قرارة نفسه عما إذا كان هذا القرار صائباً، لكن من المؤكد أن مارية ستُبدي استعدادها لتقديم شرح إضافي. وذلك ما اكتشفته بالفعل حين تعاملت ذات مرة مع شركتَي فيسبوك وهافينغتون بوست لنشر مقالاتي. ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ سيستمع فؤاد ويفهم، وستشعر مارية بأهمية منصبها وقدرتها على تقديم المساعدة، ما يؤدي إلى زيادة طفيفة في مستوى الثقة والانفتاح داخل الفريق.
بعبارة أخرى، لن يكون لذلك أثر سلبي، بل على العكس، ستكون له آثار إيجابية كثيرة، وسيسهل على فؤاد إبداء نقص خبرته في المرات القادمة. وقد ينتشر خبر بأن فؤاد مهتم بآراء فريقه ومستعد للتعلم منه، ما يقود إلى محادثات أغنى، وزيادة في عدد الأسئلة الفضولية التي سيطرحها الموظفون في اجتماعاتهم الخاصة. وفي النهاية، قد تتسارع عملية التعلم في المؤسسة، ويصبح الفريق قادراً على إحداث تغييرات جوهرية في المؤسسة تضمن له النجاح على المدى الطويل.