تتنافس الشركات على الدوام لجذب انتباه العملاء المحتملين. وهذا ليس بالأمر السهل؛ فالعلامات التجارية المختلفة تملأ الشوارع وتغمر الناس أثناء تنزهاتهم، وتنهمر مع الأخبار التي يتلقونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال مشاهدتهم المفرطة للتلفاز. فالمواطن الأميركي العادي يتعرض لأكثر من 4,000 إعلان كل يوم.
يمكن لمفهوم بسيط أن يساعد الشركات على شق طريقها عبر كل هذه الضوضاء. هذا المفهوم يُسمى الملكية النفسية "psychological ownership". وهو يتبدى عندما يتحمس المستهلكون للغاية بالمنتج لدرجة أنه يصبح جزءاً منهم.
يمكن للشركات التي تشجع الملكية النفسية إغراء العملاء لشراء المزيد من المنتجات بأسعار أعلى، وحتى الترويج عن طيب خاطر لتلك المنتجات بين أصدقائهم. ولكن إذا لم تحترم الشركات هذا الشعور، فقد ينعكس ذلك سلباً على المبيعات.
لذا من أجل بناء الملكية النفسية، يجب على الشركات استخدام واحد على الأقل من ثلاثة عوامل: التحكم، واستثمار الذات، والمعرفة الوثيقة.
تعزيز تحكم العملاء
تقوم إحدى الطرق على السماح للعملاء بلعب دور في تشكيل المنتج. لنأخذ على سبيل المثال شركة "ثردلس" (Threadless) للقمصان القطنية (تي شيرت). تسمح هذه الشركة الإلكترونية، التي تأسست في عام 2000، للمستخدمين بتقديم تصاميم للقمصان والتصويت على أفضلها، ثم تطبع القمصان الفائزة وتبيعها.
وقد حقق هذا النموذج نجاحاً منقطع النظير. فبحلول عام 2006، تلقت الشركة 150 تصميماً في اليوم وزاد عدد الذين يشاركون في التصويت لاختيار أفضل القمصان على 400 ألف مستخدم. وفي ذلك العام أيضاً، باعت الشركة 60 ألف قميص شهرياً وتباهت بتحقيق هامش ربح بنسبة 35%؛ وهو أعلى بكثير مما تحققه العديد من المتاجر التقليدية لبيع الملابس بالتجزئة.
يضفي لمس المنتج إحساساً بالتحكم. فمن المرجح أن يُقبل المستهلكون على الشراء إذا لمسوا المنتج بأيديهم أولاً.
هذا الأمر سهل على متاجر التجزئة التقليدية. ولكن في عالم رقمي يزداد اتساعاً، يتعين على الشركات أن تبتكر. تتيح شركة "نوردستروم" على سبيل المثال للعملاء اختيار الملابس التي تعجبهم عبر الإنترنت ومن ثم اختيار أحد المتاجر لتجربتها. وعندما يصل العميل إلى المتجر المحدد، تكون الملابس جاهزة في غرفة القياس.
تشجيع "استثمار الذات"
يجب أن تسعى الشركات جاهدة إلى جعل المنتجات موائمة لذوق المستهلك. فعندما يحصل المستهلكون على منتجات تناسب أهواءهم فإنهم يشترون المزيد منها، بل وسيسعدهم أن يوصوا بهذه المنتجات لأصدقائهم.
لنأخذ حملة "كوكاكولا" لعام 2014 "كوكاكولا أحلى مع ..." (Share a Coke) مثالاً. فقد ظل إجمالي حجم المشروبات الغازية التي تبيعها الشركة يسجل انخفاضاً على امتداد 11 عاماً متتالية. لذا قررت كوكا كولا بيع زجاجات وعلب تحمل مئات الأسماء الشائعة. كما دُعي المستهلكون إلى طلب علب تحمل أسمائهم. ومن ثَم ارتفع حجم المبيعات ارتفاعاً بالغاً بنسبة 2.5 % في 12 أسبوعاً فقط.
وتُعد الحملة البريطانية لتنشيط السياحة مثالاً آخر. حيث دعت هيئة السياحة البريطانية (فيزيت بريتين - VisitBritain) المقيمين الصينيين إلى تسمية معالم بريطانية كلاسيكية باللغة الصينية. قدم هؤلاء أكثر من 13,000 اسم وصوتوا على الأسماء المفضلة من بينها. على سبيل المثال، سُمِّيَ منتجع "بلاكبول" الساحلي "مكان يُسعد من يزوره"، وسُمي شارع التسوق الشهير "سافيل رو": "شارع الأغنياء المبني حسب الطلب". ثم استخدمت هيئة "فيزيت برتين" هذه الأسماء على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية. وبذلك زاد عدد الزوار الصينيين الوافدين إلى المملكة المتحدة بنسبة 27 %ة.
بناء المعرفة الوثيقة
يحدث هذا عندما يؤمن العملاء أنهم يعرفون تماماً كل جانب من جوانب المنتج أو العلامة التجارية بحيث يكوِّنون علاقة خاصة وفريدة معها. فكِّر في صديق يدّعي أنه "اكتشف" فرقة موسيقية لأنه تعرَّف عليها قبل أي من أصدقائه؛ أو بشخص ينتظر في الطابور لساعات لشراء جهاز آيفون الجديد لأنه يريد أن يكون أول من يقتنيه.
يمكن للشركات تنمية هذا الشعور بطرق عديدة. مثلاً تبيع شركة "آر أي آي" (REI)، للملابس ومستلزمات الأنشطة الخارجية، عضويات تعاونية غير مكلفة توفر مبيعات مخصصة للأعضاء فقط وحصصاً مجانية وحتى تنزيلات كبيرة داخل المتجر على البضائع المرتجعة. كما يوفر موقع "ريلتورز" (Realtors)، لخدمات السمسرة العقارية، لعملائه الذهاب في رحلات بتقنية الواقع الافتراضي إلى المنازل التي يصعب زيارتها، مع خيار إضافي لإدخال تعديلات افتراضية على المنزل الذي يفكرون في شرائه. فكلاً من هذين التكتيكين من شأنه ترسيخ الشعور بالملكية.
مخاطر الملكية النفسية
يُعرف عشاق سلسلة أفلام حرب النجوم (Star Wars) بملكيتهم النفسية لتلك الأفلام التي يتعلقون بها تعلقاً شديداً. حتى أن مجموعة من هؤلاء المشجعين أطلقت في الآونة الأخيرة حملة لإعادة إنتاج الفيلم الأخير من السلسلة "الجيداي الأخير" (The Last Jedi) لأنه لم يرق لهم ما فعله "بعلامتهم" التجارية. وقد ظهر الاستياء العام تجاه الفيلم في شباك التذاكر؛ إذ انخفضت مبيعاته بنحو 200 مليون دولار بعد وقت قصير من صدور توقعات العديد من محللي "وول ستريت".
وبالتالي، يُظهر غضب جماهير أفلام حرب النجوم، أن الشركات بمجرد أن تغرس الملكية النفسية، يتعين عليهم احترامها. فالمالكون النفسيون يمكن أن يتخذوا موقفاً دفاعياً قد يصل إلى حد التعصب لحماية "علامتهم" التجارية.
مرّت شركة "تروبيكانا" للعصائر بتلك التجربة في عام 2009 عندما ألغت شعارها الممَيَّز المتمثل في شفاطة بسيطة داخل برتقالة. وتسببت إعادة تصميم شعار العلامة في عزوف جيل من العملاء عن الشراء؛ فهؤلاء العملاء نشأوا مع تلك الصورة وشعروا بأنهم يملكون التصميم الأصلي لشعار الشركة.
وفي أقل من شهرين، انخفضت مبيعات "تروبيكانا" بنسبة 20% وزادت مبيعات المنافسين بنسبة أكبر من 10%. وسرعان ما عادت تروبيكانا إلى تصميمها الأصلي.
لدى الشركات فرص لا تحصى لغرس الشعور بالملكية النفسية في المستهلكين. على سبيل المثال، يمكن أن يشجع متجر أثاث العملاء على تجميع قطعة صغيرة من الأثاث عند دخولهم إلى المتجر لأول مرة، ويُمكن أن يتم ذلك بمساعدة الموظفين إذا اقتضت الحاجة. فالشعور بالإنجاز عند النجاح في تركيب شيء من شأنه أن يغرس الشعور بالملكية في وقت مبكر من عملية الشراء. وبالمثل، فإن جذب المتسوقين عبر الإنترنت من خلال إتاحة التحكم في المنتجات من خلال تحريكها على شاشة تعمل باللمس سيعزز شعورهم بالملكية النفسية. ويمكن حتى لمأوى حيوانات عبر دعوة الناس إلى اقتراح أسماء عبر الإنترنت لحيوانات المأوى أن يشجعهم على تبني حيوانات أليفة!
قانوناً تمتلك الشركات علامتها التجارية، ولكن عملاءها الأكثر إخلاصاً لها يمتلكونها نفسياً. لذا على الشركات أن تغرس هذا الشعور لدى عملائها أولاً، ثم عليها أن تحترمه.