عندما تضرب الأزمة، تذكر أن تشحن عقليتك الإدارية بالإنسانية

5 دقائق
تعامل الإدارة وقت الأزمة

لدى الكاتب جورج سوندرز تشبيهاً ملائماً لمشهد "كوفيد-19" الحالي حول تعامل الإدارة وقت الأزمة تحديداً: "لقد انزلقنا على الجليد لكننا لم نرتطم بالرصيف بعد. نحن عالقون بين فقدان السيطرة والشعور بألم الارتطام كاملاً".

تشير هذه المقارنة إلى نقطة توتر مليئة بالتناقضات يجب على القادة إدارتها، وهي تقديم التوجيه والإرشاد والطمأنينة، مع الإقرار بأن الطريق الذي نقبل عليه ليس واضحاً. ولن يفيد القيام بأحد هذه الأمور من دون الآخر، فكلاهما ضروريان لمساعدة الموظفين على التوصل إلى رؤية واضحة واستجماع القوة للمضي قدماً.

كيفية تعامل الإدارة وقت الأزمة

وتحقيق التوازن في نقطة الضغط هذه يتطلب من القادة ممارسة أعمال القيادة بإنسانية والقيام ببضعة أمور مهمة.

امنح الموظفين الأولوية

قد يعود توفير التكاليف الطموح وحافز الأرباح، اللذان كانا يفيدان المؤسسة بدرجة كبيرة فيما مضى، بآثار عكسية في الظروف الحالية. في دراسة استقصائية حديثة أجرتها شركة العلاقات العامة "إيدلمان" (Edelman)، قال 71% من المشاركين أنهم قد يفقدون الثقة في علامة تجارية ما إذا رأوا أنها تفضل الأرباح على الموظفين، وكانت ردود الأفعال على الشركات التي اعتبرت أنها تفعل ذلك سريعة ومعاقبة.

  • في غضون 24 ساعة من تخفيض أجور الموظفين في نادي فريق كرة السلة للمحترفين في فيلاديلفيا، "سيفنتي سيكسرز" (76ers)، اضطر المالكون للاعتراف بأنهم ارتكبوا خطأ والاعتذار والعودة عن قرارهم لتجنب رد فعل سلبي واسع النطاق. كما تباطأ مالكو نادي "بوسطن بروينز" (Boston Bruins) لهوكي الجليد للمحترفين وصالته الرئيسية "تي دي غاردن" ( TD Garden) في رد فعلهم، ما أثار هجمات عنيفة عليه في وسائل الإعلام.
  • عندما قدمت شركة توصيل الأطعمة "غراب هاب" (GrubHub) تخفيضاً للزبائن الذين يرسلون طلباتهم عبر الإنترنت، بهدف دعم المطاعم التي تواجه صعوبات في فترة الجائحة، أرغمت المطاعم على حمل عبء الخصم، ما أدى إلى إثارة غضب المطاعم والزبائن وأشعل دعوات لمقاطعتها.

في حين تمنح مؤسسات أخرى الأولوية للموظفين. حيث قالت شركة "لاس فيغاس ساندز" (The Las Vegas Sands) أنها سوف تدفع أجور موظفيها الذين يقارب عددهم 10,000 موظف وكأنهم لا يزالون يمارسون أعمالهم على الرغم من إيقاف نشاط منشآتها. كما أبقى نادي فريق "دالاس مافريكس" (The Dallas Mavericks) على الموظفين الذين يعملون بنظام الساعات فيه.

كذلك الأمر بالنسبة لشركة "فيلدج إم دي" (VillageMD) التي تعمل مع قرابة 2,700 طبيب بين شريك وموظف في الولايات المتحدة. تحدثت مع رئيسها التنفيذي، تيم باري، بشأن استراتيجية شركته. ومع انخفاض أعداد المرضى في كثير من العيادات الطبية بنحو 50% إلى 75% ، وقيام بعض هذه العيادات بتسريح الموظفين الذين يعملون في المهن الطبية وغير الطبية، فإن مؤسسة "فيلدج إم دي" توصلت إلى طرق ابتكارية لإبقاء موظفيها في وظائفهم. إذ قلصت زيارات المرضى وحصرتها بمن يعانون من أوضاع صحية حرجة تحتاج إلى الرعاية الطبية، وزادت خدمات تقديم الرعاية الصحية عن بعد.

قال لي باري حول تعامل الإدارة وقت الأزمة: "نحن نقاوم تخفيض الأجور، لأن هذا ما يجب فعله لكل من المرضى والموظفين على حد سواء. وبدلاً من إقالة المساعدين الطبيين، طلبنا منهم البقاء والتواصل بصورة افتراضية مع المرضى الذين يعانون من مشاكل صحية أشد. يحب المرضى العناية الإضافية أثناء هذه الفترة المربكة والتي غالباً ما يعانون فيها من الوحدة، وموظفونا متحمسون للاستمرار بالتعامل معهم. على الرغم من عدم قدرتنا على ضمان ألا نضطر لإقالة البعض، فإننا نتعامل بشفافية مع الموظفين بشأن الموقف ورغبتنا في تفادي إقالة أي منهم. ونطلب منهم أن يتعاملوا بمرونة مع ما يطلب منهم".

كن صريحاً وحساساً: أحد أساسيات تعامل الإدارة وقت الأزمة

نمر جميعنا بلحظات وأيام وأسابيع صعبة. ولا بأس في أن تسمح للآخرين بإظهار معاناتهم. منذ عدة أعوام مضت، كتبت عن فكرة أن القائد الجيد يظهر انفعالاته العاطفية، وهذا ينطبق على هذه الأوقات على وجه الخصوص.

بعد أن شهد فندق "ماريوت" (Marriott) هبوط عائداته بنحو 75% في أغلب الأسواق بسبب جائحة "كوفيد-19"، أراد رئيسه التنفيذي، آرن سورنسون إيصال رسالة للموظفين عبر تسجيل فيديو. ونصحه فريقه بعدم القيام بذلك بسبب مظهره، فقد كان يتلقى علاجاً لسرطان البنكرياس، وتسبب له العلاج الكيميائي بالصلع. لكن سورينسن لم يكترث لمعارضتهم وسجل مقطع الفيديو، وأعلن فيه أنه هو ورئيس الشركة سيتنازلان عن رواتبهما لعام 2020، في حين ستخفض رواتب الفريق التنفيذي إلى النصف. وكاد يبكي في النهاية أثناء حديثه عن دعم الشركات الزميلة لماريوت حول العالم. ألهم تسجيل الفيديو قادة آخرين للتنازل عن رواتبهم أيضاً.

تجسدت الصراحة والحساسية أيضاً في دان برايس، الرئيس التنفيذي لشركة معالجة البطاقات الائتمانية "غرافيتي بايمنتس" (Gravity Payments) التي تراجعت عائداتها الشهرية بنحو النصف بسبب الجائحة. وتوصلت حساباته إلى أن الشركة ستفلس في غضون بضعة أشهر. ومع رغبته في تفادي تسريح الموظفين ومواجهة الواقع الكئيب، قرر أن يتحدث إلى موظفيه عن الوضع ويستشيرهم بشأن طرق الاستمرار بالعمل. وعلى مدى أربعة أيام، أمضى مع الرئيس التنفيذي للشؤون المالية 40 ساعة في اجتماعات مع مجموعات صغيرة من الموظفين. يقول: "وضعنا كل أوراقنا على الطاولة، واستمعنا إليهم".

وبعد الاجتماعات، قرر قادة الشركة تخفيض الرواتب بدلاً من تسريح الموظفين، لكن ثمة نقطة مفصلية مهمة في خطتهم. فبدلاً من تخفيض رواتب الجميع بنسبة مئوية محددة شاملة، طلبوا من كل موظف على حدة إخبارهم على انفراد بالمبلغ الذي يستطيع التضحية به. نجحت هذه الاستراتيجية لأن برايس تمكن من بناء ثقافة قوية قائمة على الثقة. كتب تغريدة تقول: "أيها الرؤساء التنفيذيون: رجاء، تحدثوا إلى موظفيكم قبل تسريحهم. فقد فقدنا إيرادنا الشهري الذي يبلغ 4 ملايين دولار وكان إفلاسنا متوقعاً في غضون 4 إلى 6 أشهر. وعندما أخبرنا موظفينا بذلك، تطوعوا بتخفيض رواتبهم، الأمر الذي سيمكننا من الاستمرار ما بين 8 إلى 12 شهراً من دون الحاجة لتسريح أحد".

قدم الدعم وتواصل

يختلف أثر الجائحة كثيراً عن آثار الأزمات السابقة، فالمرض يصيب الناس، ويحصد أرواح بعض منهم. وفي خضم مخاوفنا الوجودية، نبذل ما بوسعنا للاستمرار. يعمل من يحالفه الحظ من منزله، وهناك من أصبح عاطلاً عن العمل أو يعمل في الخطوط الأمامية. يحاول أطفالنا التعلم عبر الإنترنت وهم يفتقدون أصدقاءهم. نخشى على حياة أحبائنا المسنين. نقلق بشأن دفع أجرة منازلنا وسداد أقساط القروض العقارية والاحتياجات اليومية الأخرى التي كنا نعتبرها أموراً مسلماً بها منذ بضعة أسابيع. لذا، أصبح التعاطف وفرص التواصل المستمر أموراً مهمة.

وبالنسبة للقادة، هذا يعني على الأقل، إبطاء حركتهم وزيادة مرونتهم ومنح موظفيهم مهلة للتعامل مع هذه التحديات الجديدة. كما يعني أيضاً فرصة للتواصل بعمق أكثر.

الأسبوع الماضي، تحدثت مع الرئيس التنفيذي الأميركي لشركة خدمات مهنية عالمية حول أهمية تخصيص الوقت للتواصل الشخصي. قال لي: "نحن نتعلم الكثير عما ينجح وما لا ينجح في وصل أطراف المؤسسة بعضها ببعض افتراضياً، وأحد الدروس القيمة جداً هو أهمية إفساح مجال أكبر لإجراء تواصل شخصي عفوي غير رسمي. وها نحن نضغط زر التوقف كي نتمكن من الاستماع للآخرين وتقديم الدعم لهم بعد أن كنا في بيئة عمل صرفة".

ذكر لي مثالاً عن اتصال اجتماع عام مفتوح مدد ساعة إضافية نظراً لمشاركة الزملاء في المناطق الأكثر تأثراً بالجائحة لقصصهم. قال: "كنا ندرك كقادة أن أهمية استماع بعضنا إلى بعض ودعم بعضنا بعضاً كانت أكبر من أهمية احتياجات العمليات التجارية في ذاك الوقت. ومن السهل على كثير من كبار القادة المهنيين أن يغفلوا عن هذه الفكرة البسيطة، لكنها حاسمة. فالاستماع وتقديم الدعم سيدعمان العمليات التجارية على المدى الطويل".

كان التواصل على المستوى الشخصي أولوية لدى نيل سبراكلنغ، رئيس شركة "يو إس لايف آند هيلث" (U.S. Life & Health) التابعة لمجموعة إعادة التأمين السويسرية "سويس ري" (Swiss Re). يقول: "أبدأ التعامل مع كل موظف وعميل وأنهيه بملاحظة شخصية، نتحدث عن قصصنا، وأسألهم عن حاجتهم إلى أي نوع من الدعم. يبدو هذا التصرف صغيراً، لكن الاهتمام بتخصيص الوقت للقيام به كان عاملاً مساعداً هائلاً في توطيد العلاقات فيما بيننا والحفاظ على اتزاننا العقلي".

توسع استخدام هذا الأسلوب الشخصي إلى اللقاءات الجماعية. وعندما تقاعدت واحدة من كبار الإداريين التنفيذيين الخاضعين لإدارة سبراكلنغ المباشرة بعد 40 عاماً من العمل في المجموعة، نظم فريقها حفلة وداع افتراضية مفاجئة لها. قال سبراكلنغ: "كانت تعتقد أنها تشارك في اتصال مع مرؤوسيها المباشرين. ثم انضممت مع أكثر من 30 زميلاً إلى اتصال الفيديو عبر ’سكايب‘. وخصصنا بعض الوقت لكل شخص ليقول كلمة تقدير وإشادة. كانت لحظة مؤثرة جداً، وكان الجميع يمسحون دموعهم".

يمكن القول إن الاقتراحات التي ناقشناها أعلاه تصف القيادة الجيدة بغض النظر عن الظروف. قد يكون هذا صحيحاً، لكنه يغفل عن نقطة مهمة، وهي أن فهم القيادة الجيدة وممارستها أمران مختلفان، وخصوصاً في مواجهة الغموض والقلق الشخصي.

في الأسابيع والأشهر المقبلة، يجب على القادة التصرف خارج نطاقهم الشخصي والنظر إلى الأمور بعيون الآخرين من أجل معرفة كيفية تعامل الإدارة وقت الأزمة بشكل صحيح. يجب عليهم أن يعيشوا التحديات نيابة عن الآخرين، وأن يتعاملوا بصدق وحساسية، وأن يختبروا طرق التواصل وتقديم الدعم. ثق بأن القيادة القائمة على الاهتمام وسعة الصدر لن تؤتي ثمارها فحسب، بل ستستمر ثمارها هذه طويلاً في المستقبل.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي