كيف يمكنك التعامل مع الأنماط الصعبة من العملاء تحديداً؟ قبل 25 عاماً، وبينما كان ستيف هيوز، المدير التنفيذي لشركة "صن رايز استرتيجيك بارتنرز" (Sunrise Strategic Partners)، يمشي في مصنع لعصير البرتقال، أتته لحظة إلهام بفكرة سرعان ما تحولت إلى مشروع تجاري بقيمة 500 مليون دولار.
في ذلك الوقت، كان هيوز قد أصبح لتوه نائب الرئيس التنفيذي لمصنع "تروبيكانا" للعصائر، وكان يتجول في مرافق المصنع في محاولة لمعرفة المزيد عن المشروع. وعندما اقترب هيوز من من أحد خطوط التصنيع التي تفصل اللبّ عن عصير البرتقال، لا حظ أن العمال يأخذون اللب الزائد، والذي عادة ما يذهب إلى النفايات، ويضعونه في عصير لاستهلاكهم الشخصي. "هذا مضحك" هذا ما قاله لنفسه بعد أن أثار هذا المشهد فضوله.
كان يمكن لمدراء آخرين أن يتابعوا تحرّكهم وحسب. إلا أن هيوز توقف وسأل العمال عن سبب تصنيعهم لعصير يحتوي على هذه الكمية الكبيرة من لبّ البرتقال. وكانت إجابة العمال أن هذا يجعل طعمها طازجاً تماماً، وقد أيد هيوز رأيهم هذا بعد أن تذوق ذلك العصير بنفسه. وبعد ذلك بوقت قصير، اضطلع ستيف بإطلاق "تروبيكانا جروفستاند" (Tropicana Grovestand) -وهو شراب جديد بلبٍّ إضافي- تحت شعار "طعم عصير البرتقال الطازج". وحقق هذا المنتج الجديد، في عامه الأول، إيرادات تصل إلى 200 مليون دولار. وبعد 4 أعوام، أصبحت "جروفستاند" علامة تجارية بقيمة 500 مليون دولار، وتمثّل 90% من هذه المبيعات إيرادات تزايدية. ومنذ ذلك الحين، ازدادت مبيعاتُ علامات تجارية أخرى تختص بالمأكولات والمشروبات بشكل كبير، مثل "هيلثي تشويز أند سيلك" (Healthy Choice and Silk)، التي تصنّع حليب اللوز ومشروبات نباتية أخرى.
تكمن إحدى الصفات المميزة لأسلوب إدارة هيوز في التصرفات التي يراها الآخرون غريبة ويرفضونها بسبب غرابتها، أما هو فغالباً ما يتفاعل مع هذه الغرابة، ويصبح لديه فضول فوري ليتعلم منها. ما يعني أن "جروفستاند" لم تكن محض خيال هيوز وحده.
وعلى الرغم من دقة الفارق بين قول "هذا غريب" و"هذا مضحك"، فهو مهم، إذ إن الدافع من قول "هذا مضحك" هو الفضول. حيث يتعلم الناس الفضوليون أكثر من الأشخاص غير الفضوليين. هناك اقتباس رائع للراهب البوذي شونريا سوزوكي يقول فيه "هناك العديد من الاحتمالات في عقل المبتدئ، لكن هناك بعض الاحتمالات فقط في عقل الخبير". لذلك، يتم اكتشاف الفرص، التي يتم تجاهلها عادة، عندما يستمر المدراء -على الرغم من خبراتهم- في رؤية العالم من خلال عقول المبتدئين.
يُبنى الفضول الذي يقوده التواضع على الاحترام والتعاطف مع الآخرين. فالأشخاص الذين يُشّكل تعليقاً مثل "هذا مضحك" لهم، العدسة التي يلاحظون من خلالها الأشياء من حولهم، لا يتوهّمون الإحساس بالمتعة تجاه تصرفات لم يروها من قبل. وبدلاً من تسجيل أي تصرف غير معتاد على أنه شاذ، يفترض القادة الذين يمكنهم الاستمتاع بكل شيء أنها فرصة جديدة للتعلم.
أما الإحساس بالغرابة تجاه الأشياء الجديدة فهو أمر مختلف؛ حيث إن هذه النظرة تخلق المسافات وتنفّر الناس بدلاً من توليد الألفة والتعاطف. كما أن مثل هذه التعليقات تضع التصرفات الجديدة في إطار الحكم والسلبية. وهو أسلوب يمنع التعلم ويفوّت الفرص الجديدة على القادة.
يكمن الفرق الأساسي بين هذين الأسلوبين في الطريقة التي تتعامل بها المؤسسات أو قادتها مع السلوكيات المغايرة للمعتاد.
فكر في هذا المثال. لنفترض أن لديك 3 أشخاص. ينظف الشخص الأول أسنانه 4 مرات يومياً، وينظف الشخص الثاني أسنانه مرتين يومياً، والثالث نادراً ما ينظف أسنانه. إذا قمتَ بحساب المتوسط، فستقول إن معظم الناس ينظفون أسنانهم مرتين يومياً، ولكن هذا سيحجب عنك القصة وراء التصرفات غير الاعتيادية التي تخرج عن حدود المتوسط أو المألوف. فالشخص الذي ينظف أسنانه 4 مرات يومياً قد يكون هدفه جعل ابتسامته ساطعة من أجل الحصول على وظيفة جديدة ستُعطيه الثقة لطلب الزواج ممن يحب. لكن ماذا عن الشخص الذي لا ينظف أسنانه أبداً؟ هل السبب هو أن لثته تنزف وأسنانه حساسة جداً، أو أن تنظيف الأسنان قد يجعله يشعر بالسوء، لذلك يختار أن يقتصر على شطفها بالماء الدافئ فقط، على الرغم من أنه يعلم أن هذا ليس كافياً، وبالنتيجة تجده بعيداً عن الحياة الاجتماعية لأنه يشعر بالخجل من أسنانه ولكنه لا يعلم ما الذي يتوجب عليه فعله. بمجرد أن تتجاوز الحالات المألوفة، ستجد الكثير من القصص غير الاعتيادية، والتي قد تختبئ وراءها العديد من الفرص، مثل معجون جديد لإزالة التصبغات أو فرشاة أسنان شديدة النعومة.
إذاً، يحدث الابتكار في الأطراف وليس في المركز (المتوسط). وفي كثير من الأحيان، يمكننا التعلم من خلال التحدث إلى كل من المستهلكين الأساسيين والنادرين والربط بينهما أكثر بكثير من المستهليكن المتوسطين؛ لأن المستخدمين الأساسيين يتحدثون إلينا من خلال استخداماتهم غير المتوقعة، في حين أن المستهلكين الأقل استخداماً يتواصلون من خلال تصرفاتهم التعويضية وغير الاستهلاكية وغير المتوقعة.
نحن نقلل من قيمة الاختلاف إلى حد ما لأنها طبيعة بشرية فينا لرفض الأشياء المختلفة عنا. لكن يمكن للفضول أن يولّد التعقيد، كما أن طرح الأسئلة قد يحول ما عملنا جاهدين على إبقائه سهلاً ومألوفاً.
علينا أن نتعلم كيف ندرك الاختلاف على أنه فرصة. ذكر نفسك وفريقك أنه إذا استطعتم تدريب أنفسكم على التفاعل مع الأشياء بطريقة "هذا مضحك" بدلاً من "هذا غريب"، فقد تكتشفون فكرة مربحة للغاية تمكنك من التعامل مع الأنماط الصعبة من العملاء بنجاح.
اقرأ أيضاً: