هنالك الكثير من المقالات التي تتحدث عن التحديات والضغوطات التي يواجهها الوالدان العاملان. لكن هذا المقال يتطرق إلى النواحي الإيجابية.
دعوني ولبرهة فقط، أسلط الضوء على الملذات التي تنتظركم عندما يكبر أولادكم ويتركون المنزل. هذه اللحظة تأتي أسرع مما تعتقدون.
ربما سمعتم عن مسار السعادة في الحياة الذي يكون على شكل الحرف (U). ففي جميع أنحاء العالم، تتراجع سعادة الإنسان بين سن الـ30 وسن الـ50. وربما تكون سنوات الأبوة والأمومة والزواج والعناية بالأولاد إلى جانب العمل سنوات صعبة، كما سيعترف كثير منا لبعضنا البعض.
لكن ما سيعترف به عدد أقل من الآباء هو إثارة المرحلة التالية للممارسة المباشرة للأبوة والأمومة. إنها فرحة مشاهدة الأولاد الذين عشقتموهم، ورافقتموهم، وأشدتم بهم لعقدين يزدهرون بأنفسهم، ويتركون لكم الحرية لفعل الشيء نفسه. هو الفراغ المفاجئ المذهل للوقت عندما لا يبقى ما تقومون به سوى العمل. فالقدرة على إعادة التركيز على الأولويات والأحلام المهنية هي هدية غير متوقعة، ونادراً ما نخطط لها. في الثلاثينيات من عمري، افترضت أنني سأتقاعد في الستينيات. لكن اليوم، في سن الـ56، بدأت أعتقد أنني بدأت للتو.
وبالنسبة لمزودي الرعاية الأولية، يُعد هذا اكتشافاً وتحرراً. استغرق الأمر مني سنوات للتكيف مع حقيقة أنّ عطلات نهاية الأسبوع والمساءات أصبحت خاصة بي. لقد وجدت نفسي أتحقق من علبة البريد الخاصة بي، وأنا واثقة من أنّه عليّ إيصال شخص ما بالسيارة إلى مكان ما، أو عليّ تدقيق مقال ما، أو تعلم نمط الرسائل النصية الجديد الغريب للمراهقين. وبدلاً من ذلك، أطلقت المساحة البيضاء التي تحررت في عقلي العنان للإبداع والفرص. الآن، أستطيع أن أتأنق وأذهب إلى جلسة صباحية في نهاية الأسبوع بعد فطور متأخر يوم الأحد مع زوجي. أشعر بأنني بلغت سن الرشد! يمكنني أيضاً السفر عبر الكرة الأرضية للعمل، من دون شعور بالذنب ومن دون توقف. وينضم زوجي شبه المتقاعد إليّ أحياناً. فجأة أصبح السفر للقيام بالأعمال ممتعاً ومثيراً، بدلاً من أن يكون مستنزفاً ومسرّعاً للشيخوخة.
وثمة اكتشاف آخر مثير للدهشة: يصبح أولادكم في كثير من الأحيان أشخاصاً مثيرين للاهتمام للغاية - بل وملهمين أيضاً. هم يقومون بعمل مثير للاهتمام في أماكن مثيرة للاهتمام، ويمكنكم زيارتهم. وكلما اكتسبوا مزيداً من الاحترافية، اكتشفوا أنكم أصبحتم أكثر أهمية. ولا تصبح شبكات العمل الخاصة بكم في متناول اليد فحسب، بل كذلك كل ما تعلمتموه - من المحاسبة إلى القيادة. وما من جوائز أكبر من رؤية بصيص من الفخر في عيون أبنائكم. فلا شيء يضاهي الطريقة التي ينظر بها أولادكم إليكم عندما يكتشفون فجأة أنكم في الواقع مثيرون للدهشة، ومثيرون للاهتمام. هذه هي اللحظات التي تستحق كل وخزة من الذنب الرهيب الذي شعرتم به يوماً لأنكم تجاوزتم عن مسرحية مدرسية، أو تخطيتم مباراة في كرة القدم لأحد أبنائكم.
إنّ كل الشكوك الصغيرة والكثيرة التي تقول إنّ الأبناء الصغار خبيرون في زرع الشعور بالذنب في قلوب والديهم عندما يكونوا صغاراً، تتبخر في الهواء عندما يصبحون أكبر سناً وبحاجة إلى مشورة مستندة إلى معرفة، أو صديق ماهر، أو عرض عمل. إنّ من دواعي سروري الخاص للغاية أن أظل مهمة مع تقدم أولادي بالعمر. أن أدرك أنهم لا يكبرون ويغادرون - بل يكبرون ويتصلون. ويفعلون ذلك كثيراً.
لكن هذه، للأسف، ليست الحال دائماً. أعرف الآباء الذين تفرغوا للمنزل، والذين ركزوا بشكل حصري على العمل، وفي تجربتي، تبدو تلك العلاقات في الأغلب أكثر صعوبة. فالآباء يريدون أن يقدّر الأولاد تضحياتهم؛ لكن الأولاد لم يطلبوا من الآباء تضحيات. لقد رأى عالم النفس كارل يونغ ذلك بوضوح: "ليس هناك أثر من الناحية النفسية على الأولاد أقوى من حياة الآباء التي لم يعيشوها". وثمة حل وسط، فالتوازن والاعتدال لا يُحكم عليهما على مدار يوم أو سنة، لكن على مدار عقود.
وبعد أن أصبحت حياة الناس أطول، أصبحت عقود حياة الآباء بعد استقلال الأولاد أكثر صحة وأغنى من أي وقت مضى. واعتماداً على عمر ذروة الأبوة والأمومة الخاص بكم (كان بالنسبة لي العمر الكلاسيكي من 30 إلى 50)، فإنّ مقدار وقتكم المخصص للمساهمة بمواهبكم آخذ في الازدياد. فالناس "لا يتقاعدون"، ويعودون إلى العمل بعد محاولة التوافق مع الأفكار القديمة المتعلقة بالعمر. هم يعيدون اكتشاف الغرض من العمل والسرور فيه - عندما لا يكون العمل مدفوعاً بالضغط الساحق للجداول الزمنية للدوام الكامل أو زيادة العائدات.
إذا نظرنا إلى سنوات الذروة لدي كوالدة تعمل، هناك 4 أمور أتمنى لو كان تذكرها أسهل عندما كنت في غمرة الأشياء:
- لا تجهد نفسك من أجل الأشياء الصغيرة. لا يجعلك أسبوع سيء واحد والداً سيئاً. وعندما يكبر الأبناء، ربما لن يتذكروا ذلك.
- لا تحرق نفسك لتكون والداً منشداً للكمال. بدلاً من ذلك، استثمر بشكل مستدام ومنتظم في نفسك وفي أولادك.
- أحببهم كثيراً، لكن حافظ على طموحك مركّزاً على مهنتك وليس على مستقبلهم.
- إذا كنت متزوجاً، أحبب الشريك، ولا تخفض علاقتكما إلى الحد الأدنى لهرم الأولويات. لن يشكرك أحد. ويتعلم أولادك مهارات العلاقات منك. ألهمهم.
كلنا نريد أن نكون شيوخاً حكماء لأولادنا. لكن من كان يعلم أنّ أداء هذا الدور يمكن أن يأخذ التفاني باتجاه شيء آخر غير الأولاد؟ وفي النهاية، إنهم الأولاد الذين أظهروا لنا أنهم لم يكونوا كافيين.
يمكن لتولي مهمة الوالد العامل أن يكون أمراً صعباً. لكن مع تقدمك في العمر، وعلى غرار العديد من الأمور الأخرى، يصبح الوضع أفضل.