إليك هذه القصة التي تتحدث عن استقطاب الكفاءات تحديداً. بعد تخرجه، انضم الشاب جاك ويلش، الملقب اليوم بـ"مدير القرن"، إلى جنرال إلكتريك كمهندس كيميائي مبتدئ في عام 1960، وبعد أقل من عام، وبسبب عدم رضاه عن الراتب والطريقة التي تُدار بها الشركة آنذاك، قرر الاستقالة. إلا أنه وقبل أيامٍ من رحيله استطاع أحد المسؤولين في الشركة، ويُدعى "روبن غوتوف"، أن يثنيه عن قراره ونصحه بالتريث.
بعد عشرين عاماً من هذه الحادثة، عُين جاك رئيساً تنفيذياً لجنرال إلكتريك، واتخذ خطواتٍ تطويرية قفزت بالقيمة السوقية للشركة من 14 مليار دولار إلى 410 مليارات دولار في العام 2001 عند مغادرته لها.
لم تكن تنقص جاك المهارة، بل حكمة اتخاذ القرارات المناسبة التي تكتسب مع الممارسة، والتي قد تتضاعف بشكل متسارع إذا ارتبطت بمحيط تملؤه الفرص المتجدّدة، والتحديات المرهونة بابتكار أدواتٍ جديدة تضمن التغلُّب عليها، والاحتكاك بأصحاب الخبرات والكفاءات العالية، وهي العوامل المتوفرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي البيئة التي نعمل فيها، والمهيئة لولادة العشرات من جاك ويلش وغيره من الخبراء العالميين.
المستقبل في دولة الإمارات طرقه واضحة المعالم، ونجومه من الأكفاء أصحاب الخبرات المتميزة، فهناك من يستقطب الكفاءات الجاهزة، وهناك من يصنع الكفاءات، وهناك من يقوم بالاثنين معاً، وهو أهم ما تتميز به حكومة الإمارات، فالاهتمام بصقل المواهب الوطنية جزء من أي استراتيجية عامة تُطلَق في الدولة، إضافة إلى برامج إعداد القادة وبرامج التدريب والتطوير المستمرة والمُصممة وفق أفضل الممارسات وأكثرها تقدماً، وذلك بالتوازي مع احتضان أفضل المواهب والكفاءات العالمية لخلق مناخٍ متحضر تُغرس فيه الأفكار الجديدة بمختلف تحدياتها، فتنبت إنجازات وأفكاراً جديدة تُحدث أثراً إيجابياً يترك صداه محلياً وعالمياً.
أثناء حدث إطلاق برنامج "خبراء الإمارات" مطلع هذا العام، بهدف إعداد قاعدة من الخبرات والكوادر الوطنية الاستشارية تسهم في دفع مسيرة التطوير والتنمية في دولة الإمارات، وبعد كلمة ألقاها راعي المشروع سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، مؤكداً خلالها أهمية تدريب وتأهيل كوادر إماراتية شابة تحافظ على ديمومة العمل المستمر في الدولة، لاحظتُ مدى التطابق التام في رؤى قيادتنا الإمارات، حيث استذكرتُ الكلمات التي يكررها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عند لقائه المسؤولين وحثه المتواصل لهم على الاستثمار في خلق قيادات وطنية طموحة، تقود فرق العمل لصنع الإنجازات، ورفع مستوى الكفاءات من حولها، وتحقيق الريادة في كل ميدان تشارك فيه.
الأمثلة كثيرة عن استقطاب الكفاءات حول العالم، وظروف تنشئة الخبراء متعددة، ويبقى السر في مدى رغبة الإنسان بتحمل المسؤولية وأخذ زمام المبادرة وخوض التحديات، ليكون من الصفوة ممّن يملكون مفاتيح التغيير الإيجابي. ويمكننا القول إننا في دولة الإمارات نزخر بالعديد من الكفاءات والخبرات المتعلمة الشابة التي ستقودنا لتحقيق قفزات أكبر مستقبلاً. وقد لمستُ أحدها خلال جلسات النقاشات المتعددة التي دارت بيني وبين الخبير المنتسب لبرنامج خبراء الإمارات، الشاب الطموح خليفة السويدي، حيث لاحظتُ مدى اهتمامه بتطوير معارفه في المشروع الذي كان يعمل عليه، وحرصه على رصد التجارب المماثلة ووضع الخطط التي من شأنها أن تجعل هذا المشروع أكثر إفادة وتفرداً، رغم ضيق الوقت وتطلّب البحث ساعات عمل متواصلة.
وبالحديث عن الخبرات الشابة، أودُّ التطرُّق بإيجازٍ إلى بعض الأمور التي يهمّني أن ألفت انتباه كل شاب خبير إليها في مسيرة عمله، أياً كان مجاله:
عند التخطيط لأي مشروعٍ أو مبادرة، اسْرح بخيالك حتى أبعد مدى يمكن الوصول إليه. ابتعد عن التواضع في الطموح، اترك أفكارك بلا سقف، تغاضَ قليلاً عن الموازنة المرصودة والأطر الموضوعة مسبقاً وعد إليها بعد اكتمال فكرتك، وستجد الطريقة المناسبة لتنفيذها بالإمكانيات المتاحة، وليكن هدفك الأسمى دائماً هو تحقيق أعظم تأثير إيجابي للمشروع مهما كان بسيطاً.
كُن على اطلاع دائم على قصص الناجحين والتجارب الملهمة، وتذكّر أن الناجح ليس بالضرورة من اشتهر وبات معروفاً بين الناس، بل قد تكون هناك قصص مجهولة بالنسبة لنا، أعظم وأكبر تأثيراً، يتوجب البحث عنها والتأمل فيها، الأمر الذي قد يتطلب ساعات من البحث والمطالعة في مختلف المنصات البحثية، وهو استثمار في الوقت سيعود عليك بالفائدة في حينه، كما ستحمل مكاسبه معك حين تتقدم في حياتك العملية.
كما أنه من المهم تنظيم الوقت وموازنته، وعدم الاستهانة بالآراء المختلفة، وتقبل النقد، وخلق بيئة عمل من حولك تبث فيك الطاقة الإيجابية وروح العطاء.
ختاماً، أقتبس كلمات قالها سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قبل سنوات: "إن الاستثمار في الإنسان هو مبدأ قامت عليه مسيرة الاتحاد منذ البداية المباركة في عام 1971، ونحن مستمرون على هذا المبدأ".
هذا هو النهج الذي رُسّخ في أذهاننا عن استقطاب الكفاءات تحديداً، وهو كفيل بجعل دولة الإمارات ماضية في مسيرة تنميتها لعشرات السنين القادمة، فدولة تستثمر في كفاءاتها الوطنية، وتخلق المزيد من الخبراء والأكفاء من أبنائها، هي بلا شك، دولة تتجه نحو تحقيق مستقبل عظيم، سينعكس إيجاباً على شعوب المنطقة بإذن الله تعالى.
اقرأ أيضاً: