كيف تتعامل مع خطر إفشاء الموظفين السابقين لأسرار الشركة؟

5 دقيقة
المعارف والمهارات
shutterstock.com/Andrii Yalanskyi

أصبحت الشركات تطالب الموظفين الجدد بتوقيع اتفاقيات ما بعد انتهاء الخدمة، التي تمنع الموظفين السابقين من العمل في شركات منافسة أو تأسيس شركات تعمل في القطاع نفسه، وقد دعم صانعو السياسات في الولايات المتحدة هذه الجهود من خلال تعديل القوانين بطريقة تسهّل على الشركات فرض قيود على الموظفين السابقين فيما يتعلق باستخدام المعلومات والمعارف التي اكتسبوها في أثناء فترة عملهم لديها. يؤدي استمرار دعم الولايات لهذه الشركات في سعيها للتحكم بالمعلومات والمعارف التي اكتسبها الموظفون الماهرون خلال فترة عملهم لديها إلى عرقلة النمو الاقتصادي في هذه الولايات ويشجع هجرة الأدمغة إلى أماكن أكثر انفتاحاً.

وعلى الرغم من أن بنود الامتناع عن المنافسة وعدم الإفصاح كانت تقتصر في السابق على عقود عمل كبار المسؤولين التنفيذيين والكوادر الفنية فقط، أصبحت شركات كثيرة تطالب مجموعة واسعة من الموظفين بالتوقيع على هذه البنود، ويشمل ذلك في بعض الحالات مدربي رياضة اليوغا والمصممين ومستشاري المعسكرات.

يأتي بعض هذه القيود على شكل بنود عدم الالتماس أو عدم التعامل، التي تمنع الموظف من التعامل مع عملاء الشركة التي عمل لديها سابقاً، في حين يأتي البعض الآخر على هيئة قيود تمنع استخدام أي معلومات اكتسبها الموظف في أثناء فترة عمله. يزداد عدد الشركات التي تلجأ إلى القضاء لمنع موظفيها السابقين من العمل لدى الشركات المنافسة، مدعيةً أن السماح لهم بذلك سيؤدي حتماً إلى الكشف عن الأسرار التجارية التي تملكها هذه الشركات. وقد شهد عدد الدعاوى القضائية المتعلقة باتفاقيات الامتناع عن المنافسة والأسرار التجارية زيادة كبيرة منذ عام 2000.

تعكس هذه الزيادة في الدعاوى القضائية تأثير عدة عوامل تشمل المنافسة الحالية الشرسة بين الشركات على المواهب المتميزة وفجوة المهارات المثيرة للجدل، بالإضافة إلى التعديلات القانونية التي منحت الشركات سلطة أكبر للتحكم في المعلومات والمعارف التي يمتلكها موظفوها. وعلى الرغم من أن جهود الشركات في زيادة التحكم وتطبيق القوانين بطريقة صارمة قد تبدو أمراً مفيداً لحماية أسرارها التجارية المهمة، فإن الدلائل تشير إلى أن هذه التغييرات تقلل دوافع الموظفين للتعلم والابتكار إلى حد كبير.

تعتمد القوانين التي تنظم الأسرار التجارية واتفاقيات الامتناع عن المنافسة غالباً على قوانين كل ولاية على حدة، وبالتالي تختلف هذه القوانين بدرجة كبيرة من ولاية إلى أخرى. على سبيل المثال، لا تطبّق ولاية كاليفورنيا اتفاقيات الامتناع عن المنافسة على الموظفين عموماً، بالإضافة إلى أن تطبيق قوانين الأسرار التجارية فيها محدود نسبياً. تُظهر الأبحاث الاقتصادية أن هذه السياسات هي من الأسباب الرئيسية لنجاح الشركات الناشئة في منطقة وادي السيليكون مقارنة بشركات التكنولوجيا في العديد من الولايات الأخرى. لكن على الرغم من هذه الاختلافات من ولاية إلى أخرى، فقد شهد العقدان الماضيان توسعاً كبيراً في نطاق تطبيق قانون الأسرار التجارية.

أولاً، اعتمد العديد من الولايات مفهوماً أوسع لنطاق المعلومات والمعارف التي يمكن أن تسعى الشركة إلى حمايتها. في الماضي، كان قانون الأسرار التجارية يحمي فقط معلومات ومعارف محددة وواضحة، مثل تركيبة مشروب كوكا كولا أو الرموز البرمجية لبرامج الكمبيوتر، أما الآن، فقد توسع نطاق قانون الحماية في العديد من الولايات ليشمل أنواعاً أخرى من المعارف والمعلومات الأعم، مثل الخبرة العملية للموظف والعلاقات مع العملاء والمهارات الأساسية والمعلومات غير المستخدمة تجارياً. على سبيل المثال، أصبحت الأسرار التجارية في العديد من الولايات تشمل الآن قوائم العملاء والموردين الفعليين أو المحتملين، بالإضافة إلى قوائم التسعير واستراتيجيات التسويق، وبالتالي، فقد أصبح من الصعب على الموظف منافسة الشركة التي عمل لديها سابقاً على جذب العملاء.

ثانياً، تستطيع الشركات في بعض الولايات مثل إلينوي وفلوريدا اتخاذ إجراءات قانونية ضد أحد موظفيها السابقين دون أن تحتاج إلى إثبات أنه أساء استخدام المعارف والمعلومات السرية بالفعل؛ إذ يكفي أن تقدم الشركة دليلاً على وجود تهديد كبير بأن يسيء هذا الموظف استخدام هذه المعلومات في المستقبل، أو تدّعي بأنه سيكشف عن المعلومات السرية حتماً وإن لم يحدث ذلك بعد. على سبيل المثال، تمكنت شركة آي بي إم (IBM) من الحصول على حكم قضائي يمنع أحد مسؤوليها التنفيذيين السابقين من العمل في شركة آبل (Apple)؛ إذ كان مسؤولاً عن إدارة هندسة أشباه الموصّلات والخوادم في الشركة، وادّعت شركة آي بي إم أن هذا المسؤول السابق سيكشف حتماً عن الأسرار التجارية للشركة في وظيفته الجديدة التي تتضمن إدارة هندسة أجهزة آيبود وآيفون. بهذه الطريقة، تستطيع الشركات أن تمنع الموظفين السابقين من العمل في الشركات المنافسة في القطاع نفسه، حتى عندما لا يوقّع الموظفون على اتفاقية الامتناع عن المنافسة أو عندما لا تكون هذه الاتفاقيات قابلة للتنفيذ.

ثالثاً، تمكّنت بعض الشركات من إقناع السلطات الفيدرالية باتخاذ إجراءات جنائية ضد الموظفين السابقين بموجب "قانون التجسس الاقتصادي" (Economic Espionage Act). على سبيل المثال، في العام الماضي، حكمت المحكمة على أحد مبرمجي الكمبيوتر السابقين في شركة جولدمان ساكس (Goldman Sachs) بالسجن مدة 8 سنوات بسبب نقل بعض الملفات التي كان يعمل عليها في الشركة إلى حسابه الشخصي على الكمبيوتر. في الوقت الحالي، يدرس الكونغرس إمكانية توسيع نطاق القانون من خلال السماح برفع الدعاوى المدنية وإصدار الأوامر القضائية في المحاكم الفيدرالية.

منح القانون الشركات صلاحيات جديدة للتحكم في المعارف والمعلومات التي يملكها الموظفون، وقد أصبحت الشركات تستخدم هذه الصلاحيات أكثر فأكثر. على الرغم من ذلك، فقد أثبت الباحثون الاقتصاديون أن هذه التغييرات تتسم بنظرة ضيقة وقصيرة المدى سواء من حيث السياسة العامة أو استراتيجية الشركات؛ إذ تشير الدلائل التجريبية في الواقع إلى أن هذه التغييرات عموماً لم تكن مفيدة سواء للشركات أو للمجتمع. لكن لماذا؟ لأنه من الضروري أن تسعى الشركات إلى تحقيق توازن دقيق بين حماية أسرارها وتشجيع الموظفين على اكتساب مهارات ومعارف ومعلومات جديدة. وإذا لم يتمكن الموظفون من استخدام المعارف والمعلومات التي يكتسبونها في وظائفهم في مراحل لاحقة من حياتهم المهنية، فستكون دوافعهم للتعلم في أثناء العمل أضعف، وبالتالي، سيكونون أقل استعداداً للاستثمار في تعلّم مهارات ومعارف جديدة، ما يؤدي إلى انخفاض مهاراتهم وقدرتهم على الابتكار.

تظهر الدلائل أن تطبيق الإجراءات القانونية القاسية يؤدي إلى تقليل التعلم وخسارة المواهب والكفاءات وانخفاض مستوى الابتكار على المدى الطويل، بالإضافة إلى أن تطبيق القوانين الصارمة المتعلقة باتفاقيات الامتناع عن المنافسة وقانون الأسرار التجارية يؤدي إلى انخفاض الأجور وتقليص قدرة الموظفين على الانتقال بين الوظائف. قد يبدو هذا الأمر مفيداً بالنسبة للشركات، لكنه أيضاً سلاح ذو حدين، فهو يؤدي إلى انخفاض الدافع للتعلم في أثناء العمل وصعوبة أكبر في توظيف العاملين الموهوبين والمتميزين. في الواقع، وجد الباحثون الذين يدرسون الاختلافات بين الولايات أن الولايات التي تطبق اتفاقيات الامتناع عن المنافسة بصرامة أكبر تعاني هجرة الأدمغة؛ إذ يفضّل المخترعون الانتقال إلى الولايات التي لا تتشدد في تطبيق هذه القوانين، وتكون هذه الظاهرة أكثر انتشاراً بين المخترعين الأكثر إنتاجية. ليس من المستغرب أيضاً أن يؤدي التشدد في تطبيق هذه القوانين إلى انخفاض الاستثمار في رأس المال والبحث والتطوير.

تجد الشركات الأكثر ابتكاراً طرقاً إبداعية لتحفيز موظفيها بطريقة إيجابية، بدلاً من الاعتماد على التهديد بمقاضاتهم، مثل برنامج "مكافآت الأقران" (Peer-to-Peer Reward Program) الذي تنفذه شركة زابوس (Zappos)، أو نظام مكافأة براءات الاختراع في شركة كوالكوم (Qualcomm)، أو خطة استرداد الرسوم الدراسية للموظفين في شركة ستاربكس (Starbucks). تعمل الشركات أيضاً بصورة متزايدة على تحديد الطرق التي يستطيع من خلالها الموظفون السابقون تعزيز علاقات الشركة وتعاونها مع الأطراف الأخرى، بالإضافة إلى المساعدة في عمليات التوظيف الجديدة، وذلك بالطريقة نفسها التي تستفيد بها الجامعات من خريجيها.

تقدم هذه النتائج والمستجدات رسالة واضحة إلى المدراء مفادها أن القانون يوفر أداة قوية للتحكم باستخدام المعارف والمعلومات التي اكتسبها الموظفون السابقون في أثناء عملهم، لكن يجب استخدام هذه الأداة بحذر وحكمة. يجب أن يحمي المدراء الأسرار التجارية الحقيقية، لكنّ التشدد والإفراط في تطبيق الإجراءات القانونية يؤديان إلى إضعاف دافعية الموظفين ويصعّب عملية توظيف المواهب والكفاءات ويسهم في انخفاض القدرة على الابتكار في الشركة. يؤدي الإفراط في استخدام قيود ما بعد انتهاء الخدمة أو اللجوء إلى إجراءات قانونية صارمة وقاسية بخصوص الأسرار التجارية ضد الموظفين السابقين إلى منح قسم الشؤون القانونية قدراً أكبر من السلطة والسيطرة على سياسة الموارد البشرية، وقد ينجم عن ذلك انخفاض مستوى الابتكار واستنزاف رأس المال البشري.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي