لماذا إذاً لا يزال الكثيرون منا يحاولون العمل على مهمات متعددة؟ نحن مشغولون للغاية بمهمات كثيرة علينا إنجازها في وقت قليل، ولذلك يبدو إنجاز مهمات متعددة في آن واحد إغراءً لا يقاوم من الناحية العملية، حتى إذا كنا نعلم أنه لا ينجح.

كنت أفكر في هذا الإغراء بينما كنت أركب دراجتي ذاهباً إلى موعد في وسط المدينة في مكان يَبعُد عن شقتي في مدينة نيويورك بنحو 8 كيلومترات. وعندما كانت أنفاسي وضربات قلبي متسارعة، أدركت فجأة أنني تغلبت على عقبة إنجاز مهمات متعددة معاً؛ فقد كنت أتمرن مدة 30 دقيقة وأتوجَّه إلى موعدي في آن واحد.

بعبارة أخرى، يمكنك العمل على مهمات متعددة طالما أنك تفعل شيئين لا يرهقان الأجزاء نفسها من عقلك. على سبيل المثال، لا يُفضَّل أن ترسل رسالة إلكترونية في أثناء مكالمة جماعية ، ولكن يمكنك ممارسة تمارين رياضية في أثناء تنقلاتك .

من المناسب فعل ذلك ليس لأنه قابل للتنفيذ فقط، بل أيضاً لأن دمج النشاطين معاً يجعل كلاً منهما يعزز الآخر. تكون تنقلاتي أقصر ومنتظمة أكثر عندما أستخدم الدراجة مقارنة بمترو الأنفاق، كما أنني أصل إلى وجهتي مفعماً بالنشاط. وتبدو رحلتي هادفة أكثر عندما أكون متجهاً إلى وجهة محددة، فالتنقل هو الدافع الذي أحتاج إليه لركوب الدراجة.

اتضح أن وقت التنقل رائع لممارسة أنشطة مختلفة، ونظراً إلى أن الكثيرين منا يقضون جزءاً كبيراً من يومهم في التنقل، فيَجدُر بنا أن نفكر بطريقة استراتيجية في كيفية استثمار هذا الوقت. إذاً، ما أفضل طريقة لاستثماره؟

أولاً، حدد الفجوة الأبرز في حياتك: هل تحتاج إلى مزيد من الاسترخاء؟ هل تحتاج إلى ممارسة المزيد من التمارين الرياضية؟ هل ترغب في تعلم مهارة معينة؟ هل تشعر أنك منعزل عن الآخرين؟ ما الذي تشعر أنه يحظى بالقليل من الاهتمام في حياتك؟

بمجرد تحديد الفجوة، استخدم تنقلاتك لسدها. إذا كنت بحاجة إلى ممارسة تمارين رياضية، فيمكنك ركوب الدراجة أو المشي إلى العمل، حتى لو نصف المسافة فقط. إذا كنت تحتاج إلى الاسترخاء، فلا تفعل شيئاً أو اقرأ كتاباً ممتعاً. إذا كنت ترغب في تعلم مهارة ما، فاقرأ عنها، أو إذا كان لديك اتصال بالإنترنت، فشاهد مقطع فيديو أو انضم إلى دورة تدريبية عبر الإنترنت. إذا كنت تشعر بالوحدة، فاكتب بعض الرسائل الإلكترونية التي تساعدك على إعادة التواصل مع من تحبهم.

بالطبع يجب أن تأخذ الطريقة التي تستخدمها للتنقل في الاعتبار؛ لا أنصح بالقراءة أو إرسال رسائل نصية في أثناء القيادة، ولكن سيكون من الجيد الاستماع إلى كتاب صوتي (الاسترخاء والتعلم) أو إجراء مكالمة هاتفية دون استخدام اليدين (إعادة التواصل).

الفكرة هي ألا تلجأ ببساطة إلى ملء وقت فراغك بالطريقة المعتادة. استثمر وقت التنقل لتجعل حياتك أقرب إلى ما تتمنى أن تكون عليه. واختر ما يجعلك تشعر بقدر أكبر من الإنجاز والنشاط عند وصولك إلى وجهتك.

بغض النظر عن الفجوة التي تسدها ووسيلة التنقل التي تستخدمها، ثمة شيئان ينبغي لنا جميعاً دمجهما في تنقلاتنا كل يوم:

في أثناء تنقلاتك الصباحية، اقضِ 5 إلى 10 دقائق في التحضير ليومك. وخلال تنقلاتك المسائية، اقضِ 5 إلى 10 دقائق في اختتام يومك.

في الصباح، فكّر فيما ستفعله في يومك، ساعة بساعة. ما الذي سيجعل هذا اليوم ناجحاً؟ بمَن ستلتقي؟ ما الذي تحاول إنجازه؟ ما الذي قد يحول دون ذلك؟ وكيف ستتعامل معه؟ هل تتوقع إجراء أي محادثات صعبة؟ وكيف ستتعامل معها؟ ما المخاطرات التي تريد خوضها؟ وكيف ستخوضها؟ من المرجح أن يكون يومك مثمراً إذا فكرت ملياً فيما ستفعله وخططت له.

في أثناء تنقلاتك المسائية، فكّر فيما حدث في يومك ساعة بساعة، واستخلص منه الحكم وأنشئ روابط. كيف سار يومي؟ ما الذي سار على ما يرام؟ وما الذي لم يكن جيداً؟ ما الذي تريد فعله غداً بالطريقة نفسها، أو بطريقة مختلفة؟ مع مَن يمكنك مشاركة الملاحظات؟ مَن الذي يجب أن تشكره؟ ما الذي جعلك تشعر بالامتنان اليوم؟

تنقلاتك الصباحية ستجعل يومك مثمراً، وستساعدك تنقلاتك المسائية على التعلم والنمو والتواصل.

لن تنجز بعض الأنشطة في أثناء تنقلاتك فحسب، بل ستصبح أيضاً أكثر إنجازاً في الأعمال التي ستؤديها بعد تنقلاتك. وستزداد قدرتك على الإنجاز بمقدار 3 أضعاف، ما يعني تنفيذ 3 أنشطة.

وإذا كنت تعمل عليها بينما تركب دراجتك، فأنت بذلك تمارس 4 أنشطة: التنقّل والرياضة والتحضير ليومك، وبما أن الرحلة ستزيدك نشاطاً، فستستعدّ نفسياً أيضاً لمواجهة أي تحديات بشجاعة وقوة.

مَن قال إنك لا تستطيع ممارسة عدة أنشطة في آن واحد؟