كيف تستغل وقت الازدحام المروري لتحسين حياتك المهنية؟

5 دقيقة
وقت الازدحام المروري
مصمم الصورة: (هارفارد بزنس ريفيو، مهدي أفشكو)

تخيّل أن تصنيف مدينة عربية مثل الرياض هو المرتبة 15 عالمياً من حيث شدة الازدحام المروري، إذ يستغرق قطع مسافة 10 كم داخل المدينة نحو 17 دقيقة و40 ثانية، ما يعني على سبيل المثال، إذا كان مقر عملك يبعد 15 كم فقط عن سكنك، فمعناه أنك ستقضي أقل من ساعة بقليل يومياً في التنقل ذهاباً وإياباً للعمل، ما يُعادل نحو 6 ساعات أسبوعياً و24 ساعة شهرياً، وهذا يعني أنك ستضيّع يوماً كاملاً من حياتك مع كل ما يترتب عليه من أعراض الانتظار من تعب وتوتر وقلق. وفي مدينة دبي، يقضي ركّاب السيارات ما يعادل 20 دقيقة في الازدحام المروري يومياً خلال رحلتهم إلى العمل التي تستغرق 37 دقيقة. لن نخوض في أسباب الازدحام المروري وآثاره ولا الحلول المقترحة سواء كانت تكنولوجية أو تنظيمية أو حتى سلوكية، لأن الموضوع ببساطة أسال الكثير من الحبر في شتى الدول حول العالم، بل سنحاول التكيّف مع الوضع حتى إيجاد حل ناجع يخفف من آثار هذه المشكلة.

إذا بحثت في جوجل أو أيّ بوت دردشة ذكي مثل تشات جي بي تي عن كيفية استغلال وقت الانتظار في أثناء الازدحام المروري، فستجد الكثير من النتائج مثل ممارسة التأمل واليقظة الذهنية، وتمارين التمدد، ومشاهدة فيلم وثائقي مفيد، والاستماع إلى بودكاست، وغيرها من الأفكار الجميلة، لكن الأفكار التي سنذكرها فيما يلي "غير تقليدية" ومرتبطة مباشرة بتحسين أدائك في العمل، ولا بد أن تكون أفكاراً عقلية، لأن حركة الإنسان محدودة داخل السيارة.

1. مارس "وقفة الفهد": ثمة مصطلح اسمه "وقفة الفهد" يشير إلى أخذ وقت مستقطع "استراتيجي" يمنح عقولنا فترة قصيرة للراحة ثم التفكير بتركيز عالٍ في الصورة الكاملة لما سنقوم به لاحقاً. يجب توجيه هذا التفكير بالغاية وليس بالأهداف القصيرة الأجل كما هو مذكور في كتاب "بياع الدقيقة الواحدة"، فإن كانت غايتك ترك أثر إيجابي في المجتمع من خلال عملك، ففكر في كيفية إتقان عملك وإسعاد الناس في هذا اليوم. إن فترات الإبطاء المدروس هذه مفيدة في تعزيز صناعة القرارات، إذ تتيح عمليات التوقف المحسوبة التحقق من تحيزاتك وتحدّيها وتحييد آثارها السلبية.

أما في أثناء عودتك إلى المنزل، فيمكنك أخذ وقت كافٍ لإجراء عملية تغيير مصغّرة للحالة الذهنية التي تشعر بها، من خلال ابتكار طقوس معيّنة تتوافق مع شخصيتك. على سبيل المثال، يمكنك تحديد مشهد جميل تمر به يومياً وتجعله مذكّراً لتغيير مزاج العمل إلى مزاج المنزل والعائلة، يمكن أن يكون منظراً طبيعياً أو لوحة إعلانية أو برنامجاً إذاعياً أو إجراء مكالمة هاتفية أو غير ذلك. تمثّل الطقوس اليومية إشارة لطي صفحة مشكلات العمل، على الأقل إلى بعد فترة العشاء، والاستعداد لمجموعة مختلفة من التفاعلات في المنزل. يمكنك ابتكار طقوس أخرى لتحقيق هذا التغيير الذهني المتعمد من حالة إلى أخرى. يمكنك النظر إلى صور العائلة على هاتفك بعد ركن سيارتك بهدف إعادة توجيه تركيزك إلى عائلتك.

2. مارس التقطيع الرفيع (Thin Slicing): معناه القدرة على إيجاد أنماط أو عوامل مشتركة في الأحداث التي تحصل بناءً على لمحات بسيطة (أجزاء أو شرائح بسيطة ورفيعة من الحدث)؛ أي تكوين استنتاجات بسرعة فائقة حول موقف معين أو سلوك فرد ما باستخدام الحد الأدنى من البيانات والمعلومات المتاحة؛ مثل لغة الجسد والصوت وطريقة الكلام. استخدم وقت الازدحام المروري للتفكير في الأحداث التي حصلت في العمل، وحاول استنتاج بعض الفرضيات التي يمكن التأكد من صحتها لاحقاً في مكان العمل. مثلاً، هل طريقة رد زميلي عليّ اليوم توحي بأنه يكيد لي؟ كيف يمكنني التحقق من هذه الفرضية؟ هل يجب أن أطلب منه المساعدة في موضوع محدد لأتأكد من أسلوب رده؟ أو: لماذا طلبت مني الإدارة تقييم المنتج الفلاني؟ هل تفكر في الاستغناء عنه أم تريد تطويره؟ كيف يمكنني أن أبادر لأبرز مهاراتي في إدارة حافظة المنتجات أمام الإدارة العليا؟ لقد أكدت الأبحاث أن القرارات المستندة إلى "التقطيع الرفيع" تشبه تلك القرارات المستندة إلى مزيد من المعلومات من حيث جودتها، وقد تكون أكثر فعالية منها.

3. افتح "الصندوق الأسود": حيلة "الصندوق الأسود" هي تقنية للسيطرة على استجابتك في حال ارتكبت خطأ كبيراً في العمل، فبدلاً من أن تستسلم لهذه الاستجابة تمهل قليلاً، وتخيّل صندوقاً أسود في ذهنك. خذ نفساً عميقاً، وقل في نفسك: "ليس هذا وقت التفكير في الخطأ"، ثم تخيّل أنك تضع سبب تعثّرك داخل ذلك الصندوق الأسود، وبعد مرور الموقف الذي أخطأت فيه، وبمجرد أن تهدأ عاصفة العواطف عليك تفريغ الصندوق وتحليل ما فيه. يتيح لك وقت الازدحام المروري فرصة لفتح هذا الصندوق، ولا سيما أن الخطأ غالباً لم يمر عليه الكثير من الوقت، وتكمن الطريقة في تقبّل العواطف التي ولّدها الخطأ في تلك اللحظة ثم وضعها جانباً، واتّباع طريقة منهجية لتقييم ما حدث من منظور أكثر موضوعية. يمكنك أن تسأل نفسك:

  • "ما الذي حدث ولماذا؟"
  • "ما الذي يمكنني أن أتعلمه من هذا الحدث؟"
  • "كيف يمكنني تطبيق ما تعلّمته لتحسين أدائي؟"

إن تعلّم كيفية عزل الأخطاء من خلال تخزينها في هذا الصندوق الخيالي الأسود ثم تفريغه لاحقاً وتحليل ما فيه لاستخلاص الدروس وتحقيق التحسّن، هو مهارة يوظّفها الآلاف من أصحاب الأداء العالي عبر العالم، فهي توقف الاستجابة الطبيعية للضغوط وتساعدك على ضبط تركيزك وتوجيهه على العمل الأهم. تتقاطع هذه الحيلة مع تقنية "وقت القلق" التي يمكن ممارستها هي الأخرى في أثناء الازدحام المروري، والتي تعني الوقت الذي يخصصه الفرد يومياً للتفكير أو "القلق" بشأن مهام غير منجزة أو نتائج قرارات معينة تم اتخاذها أو كيفية معالجة مسائل عالقة. تنصح المؤلفة ميلودي وايلدِنغ أن يكون وقت القلق بين 15 و20 دقيقة يومياً، وهو يمثّل ممارسة تحمي الفرد من التفكير المفرط في باقي اليوم، وتنفيذ المهام تنفيذاً أكثر فعالية ودون تشتت.

4. تعلّم من أخطائك: يمكن تناول أخطاء العمل من زاوية أخرى غير زاوية الاستجابة الآنية لها، وهي كيفية التعلّم منها، فقد تشعر بأنك فشلت على الصعيد الشخصي عندما لا يسير مشروعك على النحو المخطط له، أو عند رفض مقترحك، أو عندما يعبّر عميلك عن عدم رضاه، ما يسبب لك الإحباط ويجعلك تشكّ بقدرتك على تحقيق النجاح. ليس من الضروري أن تعتبر فشلك أمراً إيجابياً، لكن من المهم أن تستفيد من التجربة وتستخلص منها الدروس والحِكم. ويساعدك هذا النهج الأكثر تطوراً على تقبّل الجوانب العشوائية والمعقدة للعمل دون السماح لها بتقويض إحساسك بالذات. وبدلاً من أن تسأل: "لماذا يحدث هذا لي؟"، ركّز على طرح استفسارات بنّاءة مثل:

  • ما الذي يمكنني فعله؟ ينقلك هذا السؤال إلى عقلية حل المشكلات التي تتيح لك السيطرة على الوضع واتخاذ إجراءات عملية.
  • ما الذي يجب أن أتعلمه من هذه المشكلة؟ يشجعك هذا السؤال على استخلاص الدروس من تجاربك.
  • هل هذا الوضع لصالحي أم ضدي؟ يساعدك هذا السؤال في معرفة كيفية تحسين الموقف وتعزيز قدرتك على التكيّف والتحمّل عند التعامل مع التحديات.

5. عزّز ثقتك بنفسك: يتيح وقت الازدحام المروري التفكير في كيفية تعزيز الثقة بالنفس، وهي ميزة مهمة في العمل. اطرح على نفسك هذه الأسئلة الثلاثة وفكر في الإجابة عنها:

  • ما الذي أجيد فعله؟ يساعدك هذا السؤال على تحديد القدرات التي مكّنتك من النجاح حتى الآن. ركّز على مواهبك: ما تجيد فعله. على سبيل المثال، ربما تمتلك مهارات مفاهيمية قوية؛ فأنت شخص يمكنه التفكير بطريقة استراتيجية، والنظر إلى الصورة الكبيرة ورؤية فرص لا يراها الآخرون. هذه القدرات هي نقاط قوتك، وأنت مَدين لنفسك بتقديرها.
  • لماذا ينبغي للآخرين اتباعي؟ يجب أن تتمتع بإحساس قوي بالذات حتى تثق بنفسك وربما تتولى قيادة الآخرين، لذا فكّر في الطرق التي تستخدمها لتقييم المشكلات وإيجاد الحلول. تذكّر المواقف التي جمعت فيها أعضاء فريقك وتعاونتم معاً لإنجاز مهمة صعبة. ربما اضطلعت بمشروع في طريقه إلى الفشل ولكنك أنجزته بنجاح، أو ربما وجدت طرقاً لخفض التكاليف وتحسين الكفاءة في وقت قال فيه الآخرون إنه من المستحيل تحقيق ذلك. ففي مثل هذه الحالات، وفي الحالات الأخرى التي يمكنك تذكُّرها، أعطيت الأشخاص سبباً للإيمان بقدرتك على إنجاز الأمور.
  • ما الذي فعلته لكسب ثقة الآخرين؟ يجب أن يذكّرك هذا السؤال بما فعلته لغرس مفهوم "الاتباع" (followership). ربما أنهيت نزاعاً بين زميلين، أو أخذت زمام المبادرة للعمل على مهمة مزعجة لم يرغب أي شخص آخر في العمل عليها، أو ربما حاولت جاهداً أن تلاحظ الإدارة العليا جهود فريقك وتشيد بها. وربما تتحمل دائماً المسؤولية، ليس فقط عما يسير على ما يرام، ولكن أيضاً عن الأخطاء التي تحدث.

يمكن تطبيق بعض هذه الأفكار يومياً في أثناء قيادة السيارة مثل "وقفة الفهد" و"التقطيع الرفيع"، أما في أوقات الازدحام المروري، فيمكن استخدام التقنيات التي نفكر فيها على نحو أعمق في أسئلة متعلقة بتصوّر المستقبل أو تعزيز الثقة بالنفس.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي