ملخص: يجب أن يمارس المسؤولون التنفيذيون دوراً استباقياً في ضمان أن يعمل تصميم شركاتهم الرقمي بما يتوافق مع مصالح المستخدمين، فذلك سيتيح للشركات بناء علاقة أعمق وأفضل مع عملائها. والشركات التي تعمل على استغلال العملاء وتستغل تحيزات المستهلكين السلوكية في تصميم مواقعها الإلكترونية (أو التي لا تدرك أنها تفعل ذلك من دون قصد) قد تستفيد على المدى المنظور، لكن الضرر الذي يسببه ذلك لسمعتها سيكون دائماً. من أجل معرفة ما إذا كانت شركتك تستغل العملاء على الإنترنت اطرح على نفسك الأسئلة التالية: 1) هل تتسم اتفاقيات المستخدم لديك بالشفافية؟ 2) هل تجعل عملية إلغاء الخدمات سهلة؟ 3) هل تعين خيارات تلقائية تمثل الخيار الأفضل بالنسبة للعملاء؟ 4) هل تضع الخيارات في إطار مضلل؟ 5) هل يسبب منتجك الإدمان عليه؟
عندما تستغل شركات التكنولوجيا المستخدمين فهي تخاطر بثقتهم في بيئة العمل الرقمية بأكملها. ومن أشكال استغلال العملاء الشائعة هو تصميم المنصات الرقمية على نحو يتيح لها الاستفادة من تحيزات العملاء السلوكية. يجب أن يفهم المدراء هذه التحيزات ويبذلوا جهداً بنية خالصة لاكتساب ثقة العملاء عن طريق تعيين خيارات أخلاقية ضمن تصميم المنصات.
درس صناع السياسات في أوروبا والمملكة المتحدة دراسة تأثير تصميم التفاعلات على الإنترنت وهندستها على المستهلكين والأسواق، وأصدروا قوانين لحماية المستهلكين بالفعل. ومؤخراً، بدأت الولايات المتحدة بدراسة المسألة أيضاً، لكن ثمة قيود على سلوك الشركات حالياً، وعندما يكون من المحتمل أن يصاب المستهلكون بالضرر يمكن للقوانين التي تتم صياغتها على نحو جيد حمايتهم هم والشركات التي تلتزم بها.
لكن يجب أن تمارس الشركات أيضاً دوراً استباقياً في هذه العملية. ثمة خطوات فعلية يمكن للمدراء اتخاذها من أجل دعم عملائهم وتقديم تكنولوجيا جديرة بالثقة يسهل على العملاء استخدامها بدرجة أكبر. ومن أجل معرفة كيف أصبح استغلال العملاء سائداً لهذه الدرجة وطرق تفادي المشاركة فيه، من المفيد أن نفهم أدبيات الاقتصاد التي درست أحد أشكاله المتمثل في الاستغلال المنهجي للتحيزات السلوكية.
افترضت غالبية التحليلات الاقتصادية في القرن العشرين أن الناس يتبعون طرقاً معقدة للغاية في اتخاذ قراراتهم اليومية باستخدام كافة المعلومات المتاحة ومن دون التأثر بطريقة صياغة المسألة ودون ارتكاب أي خطأ تقريباً، وقد استكشفت مجموعة كبيرة من الأبحاث على مدى العقود الأخيرة الاختلافات المنهجية بين هذه الافتراضات وطرق صناعة القرار الفعلية. وثق هذا العمل مجموعة من التحيزات السلوكية المنهجية، مثل النزعة لملاحظة المعلومة الأبرز فقط والتأثر بالتغيرات الصغيرة في إطار الخيارات والتمسك بأي خيار تلقائي تحدده الشركة وحتى إن توفرت خيارات أفضل والمبالغة في إهمال التفكير في المستقبل من أجل تحقيق فوائد آنية.
تقف الشركات أمام خيارات أخلاقية واستراتيجية حين تقدم خدماتها للمستهلكين الذين لديهم تحيزات سلوكية؛ يمكن أن تحاول تخفيف تحيزات عملائها أو أن تلتف حولها أو تستوعبها مع محاولة التصرف بما يصب في صالحهم، أو أن تستغل هذه التحيزات السلوكية لتحقيق الأرباح على المدى المنظور. لكن الأمر البديهي هو أنه يجب على الشركات العمل على تفادي استغلال تحيز العملاء، لذلك سنوضح عدداً من التحيزات الشائعة على الإنترنت.
التحيز الأول: سهو العملاء
لا يمكن للمستهلكين توجيه انتباههم وإدراكهم بالكامل إلى كافة المعلومات المتعلقة بكل منتج وخدمة يشترونها، ولذلك فهم يبدون رد فعل أقوى تجاه المعلومات الأبرز. الجدير بالاهتمام هو إمكانية اختيار هذه المعلومات البارزة وإنشائها في الشركة نفسها. تشير الأبحاث التي أجراها مايكل بالتعاون مع جينجر زي جين ودانييل مارتن إلى أن العملاء لا يأخذون في حسبانهم المكون الاستراتيجي لقرارات الإفصاح هذه بصورة كاملة، ما يؤدي إلى أخطاء مكلفة وإلحاق الضرر بالمستهلك. تتلاعب المنصات باهتمام المستهلك غالباً، بدءاً من ترتيب نتائج البحث وصولاً إلى درجة تفضيل المحتوى المدفوع على المحتوى المجاني وغيرها من الأساليب.
مثلاً، يحجب موقع "ستاب هاب" الرسوم المرافقة للتذاكر ما يصعّب على العملاء حساب التكاليف الإجمالية التي يجب أن يتوقعوا دفعها ومقارنتها (الأمر الذي ندرسه بمزيد من التفصيل لاحقاً). كما يستخدم موقع "جوجل" جزءاً كبيراً من صفحات البحث الرئيسية لجذب انتباه المستخدمين إلى محتواها الخاص والإعلانات المدفوعة، ما يؤدي إلى استبعاد نتائج البحث المجانية التي يحتمل أن تكون أكثر فائدة للعملاء.
التحيز الثاني: اعتماد المرجع وتأثيرات التأطير
يمكن أن تؤثر طريقة تأطير خيارات المنتج والنقاط المرجعية التي يتم توفيرها في الطريقة التي يتبعها المستهلكون للاختيار. خذ هذا المثال من كتاب دان أريلي الذي صدر عام 2008 بعنوان "لا منطقي بصورة متوقعة" (Predictably Irrational): تقدم إحدى المجلات 3 اشتراكات: اشتراك في محتواها الرقمي بمقابل 59 دولاراً، واشتراك في المجلة المطبوعة بمقابل 125 دولاراً، واشتراك في المحتويين الرقمي والمطبوع معاً بمقابل 125 دولاراً. هل سيشتري أحد الاشتراك في المجلة المطبوعة فقط إذا كان بإمكانه الحصول على المجلتين المطبوعة والرقمية بنفس السعر؟ بالتأكيد لا، وهذا هو بيت القصيد. من المحتمل أن يكون الخيار الأوسط موجوداً فقط كي يجعل خيار الاشتراك بالمجلتين المطبوعة والرقمية بقيمة 125 دولاراً يبدو صفقة أفضل، وهذا ما يعرف باسم تأثير التمويه أو التأثير الخادع.
التسعير الخادع ليس إلا أحد أشكال التأطير الذي يمكن أن يكون استغلالياً. خذ مثلاً التحذيرات المروعة التي تستخدم غالباً بهدف حمل العملاء على شراء تأمين على مشترواتهم: "اشتر الآن قبل فوات الأوان"، "إذا فشلت في حماية جهازك فستكون مسؤولاً عن جميع الأضرار"، "70% من الناس قاموا بحماية أجهزتهم. فهل ستحمي جهازك أنت أيضاً؟" يتم تصميم هذه الرسائل غالباً للاستفادة من معلومات الاقتصاد السلوكي بهدف حثّ العملاء على الشراء بغضّ النظر أحياناً عن الفائدة التي ستعود بها عملية الشراء على العميل.
التحيز الثالث: التحيز للخيارات التلقائية
يميل الناس إلى اختيار الخيار التلقائي حتى إن توفرت خيارات أفضل وحتى إذا كان هذا الخيار سيوقع أثراً كبيراً على حياتهم. كما ذكرنا آنفاً، يمكن استخدام هذه النزعة من حيث المبدأ بطرق تساعد الناس. مثلاً، أجرى الخبراء الاقتصاديون جيمس تشي وديفيد ليبسون وبريدجيت ميدريان وأندرو ميتريك بحثاً لفهم تأثير الخيارات الافتراضية على التسجيل في برنامج خطة المعاش التقاعدي 401(k) بالولايات المتحدة ولاحظوا أن تغييرات بسيطة مثل تحديد "التسجيل" كخيار افتراضي بدلاً من "عدم التسجيل" أدى إلى زيادة كبيرة في احتمالات التسجيل (وتوصلوا إلى نتائج مماثلة عندما قاموا بتغيير سعر الاشتراك الأساسي أيضاً). ولكن ثمة أمثلة كثيرة عن إمكانية ضبط عملية التسجيل التلقائي والخيارات التلقائية الاستراتيجية بطرق تضرّ بالمستخدمين، لذلك يجب اتخاذ هذه القرارات بعناية.
التحيز الرابع: الإدمان والتحيز للحاضر
تشير تقديرات الأبحاث الحديثة إلى أن قرابة ثلث استهلاك وسائل التواصل الاجتماعي مدفوع بالإدمان. على نطاق أوسع، يمكن أن يدفع الإدمان الرقمي المستخدمين إلى استخدام الإنترنت لفترة أطول مما خططوا له أو يرغبون فيه، ويمكن أن تتفاقم هذه المشكلة بسبب نماذج العمل والطرق التي تتبعها الشركات لاستخدام الخوارزميات والتحليلات. تعمل شركات التكنولوجيا بانتظام على قياس تفاعل المستخدمين كنتيجة ومقياس للنجاح، ويمكن أن يؤدي ذلك بالنتيجة إلى زيادة التفاعل ولكن مع احتمال الإضرار برفاهة العميل. بما أن الخيارات الخارجية للمستخدم أصبحت أكثر إلحاحاً (النوم والواجبات المنزلية ووضع الأواني في غسالة الصحون)، فقد تستخدم المنصة إجراءات أقوى للحفاظ على تفاعله.
خمسة أسئلة يجب أن تأخذها شركتك في حسبانها
عن طريق التمعن أكثر في إمكانية الإضرار بالعملاء والأسس السلوكية لصناعة القرار، يمكن للمدراء استخدام الخوارزميات والتجريب على نحو استباقي وأخلاقي أكثر، يمكن أن يساعد ذلك شركات العلامات التجارية في تطبيق حواجز الحماية والاستثمار من أجل ضمان قياس النتائج كي تتمكن من تجنب استغلال التحيزات السلوكية عن غير قصد.
عند اتخاذ خيارات تصميم المنصة يجب أن يتراجع المدراء عن استخدام المقاييس القصيرة المدى المحدودة مثل معدلات التحويل، والتفكير في المسائل ذات النطاق الأوسع حول القيمة التي يخلقونها لأصحاب المصلحة. هنا، ندرس هذه الأسئلة ونقدم للمدراء توصيات محددة وقابلة للتنفيذ.
1. هل توضح الأسعار والرسوم بشفافية؟
في عام 2015، قدمت شركة "ستاب هاب" نفسها على أنها علامة تجارية تتسم بالشفافية لبيع التذاكر، ووعدت عملاءها في موادها التسويقية بأنه: "لا رسوم مفاجئة عند إتمام عملية الدفع". عند البحث عن التذاكر سيرى المستخدم الأسعار التي تتضمن جميع الرسوم بصورة مسبقة لتسهيل البحث عن التذاكر ومعرفة ما سيدفعونه بالضبط. ومع ذلك، لم تدم هذه الشفافية في التعامل طويلاً.
أجرت شركة "ستاب هاب" تجربة قارنت فيها النظام الذي يتسم بالشفافية بنظام آخر يظهر فيه سعر التذكرة الأساسي على صفحة البحث الرئيسية والسعر الكامل عند إتمام عملية الدفع. أنفق مستخدمو موقع "ستاب هاب" الذين لم تظهر لهم تفاصيل الرسوم إلا عند خطوة إتمام الدفع 21% أكثر على التذاكر وكان احتمال إتمامهم عمليات الشراء أكبر أيضاً بنسبة 14% مقارنة بالمستخدمين الذين رأوا تفاصيل التكلفة الإجمالية للتذكرة مقدماً. فتخلت الشركة عن نهجها الشفاف وعادت إلى حجب الرسوم.
على الرغم من أن ذلك مربح على المدى المنظور، فهو يترافق مع مخاطر تشمل استياء المستخدمين من انعدام الشفافية وسعيهم للشراء من مكان آخر، ودفع السلطات التنظيمية لفرض قانون جديد يحدّ من قدرة الشركة على حجب أسعارها.
2. هل تجعل عملية إلغاء الخدمات سهلة؟
يكون الاشتراك في الخدمات عبر الإنترنت أمراً سهلاً عادة، في حين يكون إلغاؤها صعباً للغاية غالباً. تخلق الشركات عوائق وإزعاجاً كبيراً للمستهلكين بفرض خطوات كثيرة لإنهاء علاقتهم معها، وتتبع أسلوب التأطير والإقناع في محاولة لمنع إلغاء الخدمة، مثلاً: "هل أنت متأكد من رغبتك في إلغاء الخدمة؟"، "يمكنك إيقافها مؤقتاً بدلاً من ذلك"، "تذكر جميع مزايا العضوية!".
من المحتمل أن تكون إضافة الخدمات وإلغاؤها متناسباً بدرجة أكبر في سوق تخدم مصالح المستهلكين أكثر. مثلاً، إذا كان من الممكن شراء الخدمة عبر الإنترنت، فليس من المفترض أن تتطلب عملية إلغائها القياسية أن يرسل المستخدم طلباً برسالة ورقية في البريد، وإذا كان من الممكن بدء الخدمة بنقرة واحدة فمن المفترض عموماً أن يكون إلغاؤها بنفس السهولة.
3. هل تستخدم إعدادات افتراضية تعود بالفائدة على العملاء حقاً؟
عندما تحدد مسبقاً مكان تعيين خيار تلقائي للعملاء، اطرح على نفسك الأسئلة التالية: هل أساعد المستخدمين على اتخاذ قرارات جيدة بهذا الخيار؟ هل يختار المستهلكون فعلياً كل ما يدفعون المال لأجله؟ هل تم تعيين الإعدادات الافتراضية على نحو لا يجعل أي مستهلك مضطراً "للانسحاب" تجنباً للشراء؟
يجب أن تجري الشركات بحثاً عن تفضيلات العملاء كي تطبق إعدادات افتراضية أخلاقية، إذا أظهر هذا البحث أن معظم العملاء يختارون مجموعات المنتجات أو الخدمات ذات ثاني أعلى مستوى سعري فسيكون من المنطقي تعيينها كخيار تلقائي. عموماً، يجب ألا يتم تعيين خيار تلقائي يدفع المستهلك لشراء شيء اختياري لم يختره فعلاً، هذا ما يسمى تصميم "الانسحاب" وهو يجذب المستهلكين الذين لم ينتبهوا إلى التفاصيل أو ارتكبوا خطأ ما في العملية. يجب أن تكون نفقات الشراء عموماً "اختيارية" للمستهلكين.
4. هل تضع الخيارات في إطار مضلل؟
كي تحافظ على رضا العملاء على المدى الطويل، يتعين عليك تقديم الخيارات بطريقة تسمح لهم باتخاذ القرارات التي تصبّ في صالحهم. عند صياغة القرارات اطرح على نفسك السؤال التالي: ما هي القرارات التي سيتخذها عملاء الشركة إذا كانوا على دراية بكافة المعلومات ولديهم متسع من الوقت للتمعن في هذه القرارات؟
لن يشتري العملاء المنتج الأرخص دائماً إذا قضوا وقتاً أطول في التفكير في خياراتهم. مثلاً، عندما غيرت شركة "ماساتشوستس هيلث كونكتور" (Massachusetts Health Connector) أسلوبها من عرض جميع خيارات الخطط على شاشة واحدة إلى مطالبة المستهلكين باختيار مستوى سخاء الخطة أولاً ثم اختيار خطة ذات علامة تجارية، ازداد عدد المستهلكين الذي اختاروا خططاً أكثر سخاءً (وتكلفة)، وذلك وفقاً لبحث أجراه الخبراء الاقتصاديون كيث إريكسون وأماندا ستارك نشرته مجلة "الصحة والاقتصاد" (The Journal of Health Economics).
5. هل تنشئ محتوى يسبب الإدمان؟
يجب على المدراء التفكير في العادات التي يدفعون العملاء إلى تكوينها. مثلاً، توصلت الأبحاث إلى أن المراهقين الذين يقضون وقتاً على الإنترنت أطول من الوقت الذي يقضونه مع أصدقائهم هم أقل سعادة، ما يشير إلى احتمال أن تسبب عناصر النشاط على الإنترنت الإدمان. هذا الأمر مهم في عدد من نواحي قطاع التكنولوجيا وتحديداً في وسائل التواصل الاجتماعي؛ أجرى الخبراء الاقتصاديون هانت ألكوت ولوكا براغيري وسارة آيكماير ومات جينتزكو تجربة ميدانية سعوا فيها إلى فهم الدرجة التي يمكن أن يصل إليها إدمان المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي، وقاموا فيها بتجربة تغيير الوقت الذي يقضيه المشاركون على وسائل التواصل الاجتماعي ودفع المال للبعض كي لا يتصلوا بالإنترنت. يقدّر فريق الباحثين أن قرابة ثلث الوقت الذي يقضيه الناس على وسائل التواصل الاجتماعي هو نتيجة للإدمان. يعود الإدمان الرقمي بتبعات مهمة بالنسبة للمدراء وحماية المستهلكين وحتى بالنسبة لإنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، وهذا ما يوضحه البحث الذي أجرته فيونا مع الطبيب النفسي جيمس نيلز روزنكويست وأستاذ القانون سامويل واينستين.
يمكن أن يؤدي قضاء وقت أقل على الإنترنت إلى زيادة السعادة، لكن نموذج الإيرادات المدعوم بالإعلانات، كالذي تتبناه شركة "يوتيوب" يغير حوافز المدراء على كافة المستويات ويوجههم نحو إنشاء منتجات تسبب الإدمان وتعزز التفاعل المستمر وغير المنقطع. يعتبر قرار موقع "يوتيوب" بتشغيل مقطع فيديو جديد تلقائياً فور انتهاء المقطع السابق مثالاً على اختيار شركة ذات علامة تجارية أسلوب تفاعل يضحي برفاهة العملاء. إذا أجريت بحثاً عن الدعم الذي تقدمه شركة "يوتيوب"، فستلاحظ أنها تقول: "إذا كنت تستخدم موقع يوتيوب على جهاز الكمبيوتر فسيتم تفعيل التشغيل التلقائي كخيار افتراضي" (وتقول إن الشيء نفسه ينطبق على استخدام الموقع على متصفح الإنترنت في الهاتف النقال وتطبيق "يوتيوب"). بمعنى آخر، تلزمك شركة "يوتيوب" بإلغاء الاشتراك إذا كنت تفضل مشاهدة مقطع فيديو واحد في كل مرة.
يجب أن تفكر الشركات أيضاً في تأثير نموذج أعمالها على حوافزها لإنشاء منتج يسبب الإدمان. من الممكن أن تخلق نماذج الاشتراك حافزاً كي تقدم الخدمة قيمة وتفاعلاً على المدى الطويل مع حافز أقل لإبقاء المستخدمين على المنصة طوال اليوم بصورة يومية.
ستعمل القوانين على تسوية الميدان الرقمي
نحن نؤمن بإمكانيات الإنترنت لكننا نعتقد أيضاً أنها بحاجة إلى تنظيم محسن. فالإنترنت مثل أي أداة قوية تخدم المجتمع بشكل أفضل عندما تلتزم بإجراءات وقائية مناسبة. ثمة سبب لإنشاء إشارات المرور ومعايير اختبار التصادم وتراخيص القيادة الإلزامية وأحزمة الأمان والوسائد الهوائية في السيارات، فالسيارات هي وسيلة نقل قوية ومفيدة تقدم فائدة صافية أعلى بكثير للمجتمع عندما يتم تنظيمها بهذه الطرق. تمارس حماية المستهلك نفس الدور بعيداً عن الإنترنت في مجالات مثل التمويل والغذاء، ومع ذلك، فهذه الإجراءات هي قيد التنفيذ على الإنترنت بشكل واسع، وهي قضية نناقشها في دراسة حديثة للسياسات في مركز "توبين" كجزء من مشروع جارٍ للتنظيم الرقمي.
نعتقد أن حماية المستهلك الرقمي ضرورية، ومن المؤكد أن القوانين ستتمتع بدور رئيسي في جعل التجارة الرقمية أكثر جدارة بالثقة. لكن القوانين ليست كافية. يجب أن يمارس المسؤولون التنفيذيون دوراً استباقياً في ضمان أن يعمل تصميم شركاتهم الرقمي لخدمة صالح العملاء، فذلك سيعينهم على بناء علاقة أعمق وأفضل مع عملاء شركتهم وسيجنبهم المخاطر على سمعتها فيما يتعلق بما يسمى "استغلال العملاء". والأهم من ذلك هو أنه عندما يحين وقت تطبيق هذه القوانين، ستكون الشركة بالفعل في وضع جيد يتيح لها الالتزام بالمعايير الجديدة والمساعدة في إنشاء عالم أكثر جدارة بالثقة على الإنترنت.