عندما درَست ماغدولينا تشولاكوفا، الأستاذة المشاركة في كلية روتردام للإدارة، الطريقة التي اتبعتها إحدى المؤسسات للدفع قدماً بعملية التحول فيها، اكتشفت أمراً مفاجئاً ألا وهو أن اتّباع تلك المؤسسة لمقاربة قائمة على استعمال الدعابة والمزاح وتنفيذ أنشطة ترفيهية ممتعة في برنامج التغيير، حسّن من قدرة قادة الشركة على إقناع الموظفين بالسير في البرنامج. الخلاصة هي: حس الدعابة يمكن أن يساعد في إنجاح المبادرات.
أستاذة تشولاكوفا، دافعي عن بحثك العلمي
تشولاكوفا: أنا مهتمة بفهم الأسلوب الذي تتّبعه المؤسسات التي تحاول تطبيق التغيير لمواجهة التحديات والمقاومة التي تظهر بين صفوف الموظفين بسبب تلك الجهود. في هذه الدراسة، ركزت أنا وأحد طلابي في الدراسات العليا ألا وهو مارك جيغسبيرغ على مبادرة كان مكتب شركة برايت ووتر هاوس كوبرز "بي دبليو سي" (PwC) – المتخصصة بالمحاسبة والضرائب والاستشارات – في هولندا يطلقها في 2015، وتدعى "رؤية 2020". كانت المؤسسة تسعى في الماضي سعياً حثيثاً للتركيز على تحقيق مستهدفاتها المالية. لكن هذه "الرؤية" الجديدة كانت تنطوي على إخبار الموظفين بعدة أشياء ومنها أنهم يجب أن "يهتموا" وأن "يسهموا في إحداث فرق"، وهو أمر كان من المحتمل أن يبدو وكأنه فيه شيء من التناقض. وعوضاً عن تجاهل قادة "بي دبليو سي" لهذا التحدي، اختاروا الإقرار به بل والتعامل معه بأريحية. ونجحت الخطة، وتبنّى الجميع رؤية 2020. وبطبيعة الحال استعملت "بي دبليو سي" أيضاً الممارسات الفضلى التقليدية المتعلقة بعملية إدارة التغيير في معرض تنفيذ المشروع. لكن الواضح من بحثنا أن الدعابة قد ساعدت في تسريع العملية.
هارفارد بزنس ريفيو: ولكن لماذا نجحت هذه الطريقة؟ عادة عندما تسخرين من شيء، فإنك بذلك لا تساعدينه، بل تقوضينه.
أحد التفسيرات الأساسية لسبب نجاح الدعابة هو أنها تجمع ما بين مفاهيم قد تبدو غير متناغمة من النظرة الأولى. ففي شركة "بي دبليو سي"، كان الموظفون يعملون بموجب مجموعة واحدة من المعايير والممارسات لفترة طويلة، لكنهم اضطروا الآن فجأة إلى مواجهة مجموعة أخرى من هذه المعايير والممارسات. وقد سمحت النكات المتعلقة بهذا الوضع للموظفين بقبول تعايش مجموعتين مختلفتين من الأهداف دون حل التوترات الضمنية الموجودة بينهما بالضرورة. منح ذلك الموظفينَ الفرصة لكي يستوعبوا هذه الأهداف معاً، ويفهموا التوترات تدريجياً، ويجدوا سبلاً لحلها.
تذكّر لماذا تُستعملُ الدعابة في الإعلان. السبب هو أنها قادرة في العديد من الحالات على جعل المستهلكين أكثر ميلاً إلى الانتباه للعلامة التجارية، ويمكن أن تساعد في بناء تصورات إيجابية في أذهانهم عنها. ينشر المعلنون الدعاية أو يبثون الإعلان التجاري عدة مرات من أجل تعزيزه لدى المستهلكين. وبمقدور المدراء استعمال الدعابة بالطريقة ذاتها لترسيخ قيم جديدة ضمن مؤسسة ما ببطء وبطريقة ممتعة بحيث تحظى بالقبول وتظل حاضرة في أذهان الموظفين.
هل يمكن للمحاسبين أن يكونوا مرحين حقاً؟
يبدو أن المحاسبين الهولنديين يمكن أن يكونوا أشخاصاً مرحين. في الحقيقة، كانت الدعابة أصلاً جزءاً أساسياً من الثقافة السائدة في مكتب "بي دبليو سي" في هولندا. فحتى قبل "رؤية 2020"، كان الزملاء يجتمعون بانتظام في حفلات سمر ليلية للنميمة على الشركاء والمدراء. وقد اتكأ نشر "رؤية 2020" على هذا التقليد. فعلى سبيل المثال، كانت إحدى القيم الجديدة هي "إعادة تخيل الممكن". لم يكن ذلك يعني أن "بي دبليو سي" كانت ستتحول إلى شركة معلوماتية، مثلاً، وإنما كان يعني إعادة تعريف القيم الأساسية. وقد استعمل المدراء الشعار بطريقة ساخرة نوعاً ما: "الفريق يا جاك يقدّر لك محاولتك إعادة تخيل الممكن من خلال وضع شرائح عرض باوربوينت بالترتيب الخاطئ، لكنك يمكن أن تكون أكثر حذراً ربما في المرة القادمة!"
تذكّر لماذا تُستعمل الدعابة في الإعلان. السبب هو أنها قادرة في العديد من الحالات على جعل المستهلكين أكثر ميلاً إلى الانتباه إلى العلامة التجارية، ويمكن أن تساعد في بناء تصورات إيجابية في أذهانهم عنها.
كيف كان تجاوب الموظفين بالضبط؟
استعملوا الدعابة أيضاً، فهي منحت العديد منهم طريقة آمنة للتعبير عن إحباطهم من هذه المبادرة الجديدة، لا بل أحياناً التعبير عن تهكمهم عليها، عبر اللجوء إلى الاستهزاء والمفارقة، وهي أمور أظهر بحث سابق أنها يمكن أن تساعد الناس على استيعاب أشياء قد تبدو متناقضة. فعلى سبيل المثال، أصبحت "أعتقد أننا يجب أن نعيد تخيل الممكن إذا ما أردنا إنجاز جميع أعمالنا" طريقة للتعبير عن الإحباط من التحدي الذي فرضه إدماج المتطلبات الجديدة التي فرضتها "رؤية 2020" مع مسؤولياتهم الطبيعية. كما سمحت حفلات السمر الليلية للموظفين بتنفيس غضبهم بطريقة لا تنطوي على تهديد، بعد فترة طويلة من اتباع تقليد يقوم على استعمال الدعابة كطريقة آمنة لقول الحقيقة لأصحاب السلطة. من الأمثلة على ذلك مهرجو البلاط الملكي مثلاً. وكما تقول الكاتبة الساخرة ماري هيرش: "الدعابة هي سيف مطاطي. فهي تسمح لك أن تبدي وجهة نظر معيّنة دون إراقة الدماء".
استعرضت هذه الدراسة مبادرة تغيير واحدة في شركة واحدة في بلد واحد في قطاع واحد. فهل تعتقدون أنكم ستتوصلون إلى النتائج ذاتها في سياقات مختلفة؟
هذا سؤال وجيه جداً. فكما أخبَرَنا باوكي شبرينغر"، الشريك في "بي دبليو سي" والمتعاون معنا في البحث في بادئ الأمر، حتى ضمن مكتب "بي دبليو سي" في هولندا من الصعب أن تتوقع العثور على ثقافة مؤسسية واحدة. هناك أنواع مختلفة من الموظفين الذين يعملون في أقسام التدقيق، والضريبة، والاستشارات في الشركة وهناك تنوع ينبع من تباين القطاعات والزبائن الذين تعمل الشركة معهم. فالمدقق الذي يعمل في مجال الرعاية الصحية لا يشبه على الإطلاق استشارياً متخصصاً بعمليات الاستحواذ والاندماج في مجال الاستثمارات الخاصة. لذلك فإن الدعابة ربما يجب أن تأخذ شكلاً أو تعبيراً مختلفاً في كل وحدة في كل بلد، لكن النقطة الأساسية هي أنها موجودة.
أخشى أن تحوّل نصيحتك المدراء إلى شخصية مايكل سكوت في مسلسل "ذي أوفيس" (The Office) أو "المكتب"، وقد نرى أشكالاً محرجة من استعمال الدعابة.
نعم، نحن جميعاً مررنا بتجارب كان فيها مدراء يحاولون إطلاق النكات ويفشلون، ويمكن أن يكون الوضع غريباً وغير مريح. فإذا لم تكن شخصاً مرحاً بحد ذاتك، إلا أنك تظل قادراً على المشاركة في بعض المحادثات المفعمة بالمزاح التي تحصل من حولك، أو يمكن أن تساعد شخصاً آخر على استعمال الفكاهة. لم تكن غايتنا الأساسية هي دراسة الدعابة بحد ذاتها، لكنك إذا أردت نصيحة محددة بهذا الشأن، فإن كتاب "الدعابة الجادة" (Humor, Seriously) من تأليف جينيفر آكر ونعومي باغدوناس هو نقطة انطلاق جيدة. الشيء الأهم هو أن تكون الدعابة منسجمة مع الأسلوب الذاتي للشخص بحيث تبدو حقيقية وليست مصطنعة. وبشكل عام، أعتقد أن القادة لا يستعملون الفكاهة بالقد الكافي. فقد أظهرت الأبحاث أن الدعابة لا تحسّن المزاج فحسب، وإنما الأهم من ذلك هو أنها يمكن أن تكسر حلقة الأفكار غير المفيدة وأن تطلق العنان لآلية أكثر إبداعاً في حل المشاكل.
أليس الخطر الأكبر الذي يرافق استعمال الدعابة هو توجيه الإهانة إلى شخص ما؟
نعم، بعض النكات توضع في خانة التعدي على الأقليات والفئات المحمية من العاملين أو يمكن أن يُنظر إليها على أنها كذلك. لكننا لا نقول للناس إنهم يجب أن يذهبوا إلى العمل للمشاركة في مسرحية كوميدية. نحن نتحدث عن العثور على الفكاهة ضمن آليات العمل الداخلية للشركة. في "بي دبليو سي"، كان ذلك يعني الإشارة إلى التناقض المتأصل في التحول الفجائي في اهتمام شركة ذات أسلوب إداري متحفظ نحو قيم طموحة.
ولكن في مثل هذه الحالة، ألست تهينين الشخص الذي اقترح مبادرة التغيير التي تسخرين منها؟ على سبيل المثال، ما هو شعور الشخص الذي طرح شعار "إعادة تخيل الممكن"؟
لم تكن "بي دبليو سي" تسخر من المبادرة بحد ذاتها، وإنما من التعارض الذي تسببت به في الأنشطة اليومية للموظفين. كانت هذه طريقة آمنة وغير عدوانية تسمح بإمكانية عدم الاضطرار إلى الاتفاق على كل شيء في هذا الزمان وهذا المكان، وتعترف أن التغيير هو أمر لا يبعث على الارتياح.
ما هي بعض القواعد الأخرى لاستعمال الدعابة أيضاً؟
ينبغي استعمال الدعابة بحذر، لذلك يجب أن تضمن أن يكون معظمها إيجابياً وليس سلبياً. تميّز الأبحاث بين هذا النوع من الدعابة "التي تلم شمل الناس" والنوع الآخر الذي تسميه الدعابة "العدوانية". هناك مثلاً حالة استشاري يعاني من بيروقراطية موجودة لدى شركة عميلة معيّنة وهو وضع قد يستدعي تعليقات ساخرة من قبيل "كأننا في الجزء الثاني من فيلم المهمة المستحيلة"، أو "لا شك أن كافكا كان سيُعجب جداً بهذه البيروقراطية". هنا الوضع يختلف عن الدعابة العدوانية التي تستهدف أشخاصاً محددين وقد تقلل من شأنهم أو تهينهم. تكمن البشرى السارة في أن من السهل جداً التمييز بين النوعين.