يملك إنترنت الأشياء القدرة على إحداث تغييرات جذرية في عمليات الشركات. وهذا أيضاً يحتم على الشركات الاستعداد للتحولات الكبرى التي ستطرأ على استراتيجياتها التنافسية مع ازدهار إنترنت الأشياء، الذي سيغير طبيعة الفئة التي تتنافس ضمنها، والمنتجات والخدمات التي تبيعها، والطريقة التي تعتمدها لللتسويق، وحتى المواهب التي تكتسبها. فيما يلي 3 دراسات حالات مصغّرة ستُظهر لكم مدى هذه التحولات.
شركة "لوز" (Lowe's)
في الوقت الراهن، تُعرض المنتجات المنزلية المباعة بالتجزئة على شبكة إنترنت الأشياء، بالقسم الأكبر منها، بصيغة منفردة، بما يشمل أجهزة الترموستات، وأنظمة الأمان والإنارة. بيد أن السوق لن يتسع إن لم تستطع الشركات مساعدة المستهلكين على ربط هذه المنتجات فيما بينها، والتحكم بها معاً. وقد قامت متاجر التجزئة "لوز" المتخصصة بمنتجات المنازل، التي تبلغ قيمتها 53 مليار دولار ويقع مقرها في الولايات المتحدة، بتطوير وتسويق نظام إدارة منزلية متكامل اسمه "أيريس". ويرى كيفن ميغر، نائب رئيس ومدير نظام "سمارت هوم" التابع لمجموعة "لوز"، أن "خدمة توصيل المنزل بالإنترنت هي أول فئة جديدة فعلاً تضيفها "لوز" خلال عشرين عاماً تقريباً، لأننا ندرك أن الجمع بين هذه الأجهزة كلها سيحقق لنا قيمة مضافة".
ويتطلب استحداث فئة جديدة من المنتجات مهارات جديدة، وبالتالي، نشأت فجأة ضرورة لتحول عدد كبير من موظفي التجزئة في "لوز"، البالغ عددهم 240 ألفاً، إلى خبراء برمجيات وتطبيقات، ولإلمامهم بكيفية وصل نظام "أيريس" بمنتجات أخرى. وفي الوقت نفسه، ومع دخول 15 مليون مستهلك أسبوعياً إلى متاجر "لوز"، يؤمن ميغر وفريقه بالدور المهم الذي يؤدونه في تدريب المستهلك على استخدام التكنولوجيا المنزلية الذكية، وتخفيف قلقه إزاء المعايير المعتمدة، والحد من ارتباكه عند تزويده بمنتج موحد. وإن لم يتمكنوا من تأدية هذا الدور، فقد يقدم الزبون على شراء جهاز يستخدم إنترنت الأشياء من المتجر، ويتعامل مع المصنّعين مباشرة، متى أراد الحصول على خدمات ومنتجات في المستقبل – فيذهب مباشرة إلى "جوجل" للاطلاع على منتجات تتعلق بشركة "نيست".
وتحتاج "لوز" أيضاً إلى معاودة ابتكار طريقة بيعها وتسويقها المنتجات للمستهلكين. وتتوقع الشركة بيع مصافي الهواء للزبائن مستقبلاً وإيصالها إلى بيوتهم مباشرة، لأن نظام "أيريس" يوفر استخداماً دقيقاً لتقنية التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، ولأن الزبائن اشتركوا في برنامج يحصلون من خلاله على مصافي هواء. وقرر ميغر النظر إلى أبعد من ذلك، فرأى احتمالاً بأن تستخدم "لوز" بيانات استهلاك الطاقة، لإعلام الزبائن ببرامج تخولهم ادخار المال الذي يدفعونه لشركات الطاقة المحلية. وسيتطلب ذلك إدارة دقيقة وإذناً باستعمال بيانات المستهلكين، إلى جانب خبرة في مجال استنباط المعلومات لتوفير خدمات جديدة ومفيدة.
شركة "ثيرمو فيشير ساينتيفيك" (Thermo Fisher Scientific)
مع ظهور إنترنت الأشياء، وجدت شركات الأجهزة الطبية نفسها فجأة تعمل في مجالَي البرمجيات وخدمات الاشتراك. وبالتالي، طورت "ثيرمو فيشبر ساينتيفيك" أجهزة ترسم خرائط الجينوم باستعمال تقنية السحابة، ما سمح للعلماء بالاشتراك بقوة الحوسبة التي يحتاجون الحصول عليها بأسعار ميسرة. وتجني "ثيرمو فيشبر ساينتيفيك" من ذلك قيمة مزدوجة، إذ صار بإمكانها أولاً تحديد زبائنها النهائيين، ومعرفة الطريقة التي يستعمل فيها هؤلاء الأطباء والباحثون أجهزتها. وثانياً، سمح الازدهار الحديث للتحليلات في مجال البحوث حول الرعاية الصحية بإطلاق تخصص تجاري جديد يتمحور حول تكديس النتائج وبيع التراخيص للاطلاع على قواعد بيانات كبرى.
يعني ذلك طبعاً أن شركة أجهزة طبية اعتادت توفير الخدمات لمجموعات توريد اشترت أجهزة بالجملة، ستركز اهتمامها الآن على المستخدمين النهائيين والفعليين لأجهزتها. واللافت أن شركة "ثيرمو فيشير ساينتيفيك"، التي تضم مجموعة قوية من المدراء والمهندسين المتخصصين في مجال منتجات الأجهزة، وظفت مديراً واحداً لقسم منتجات البرمجيات عندما أطلقت أدوات رسم خرائط الجينوم التي تستخدم تقنية السحابة. أما اليوم، فتعمل الشركة باستثمارات كبيرة لاستقطاب المزيد من الأشخاص إلى الميدان، وتلجأ إلى مهارات لم يسبق أن ركزت عليها يوماً، للتوسع نحو تخصصات تجارية جديدة. بما يشمل مدراء منتجات رقمية وعلماء بيانات.
شركة "أول ترافيك سولوشنز" (All Traffic Solutions)
من الطبيعي أن تقرر شركة تصنيع إشارات مرور اعتماد إنترنت الأشياء. وقد أقدمت "أول ترافيك سولوشنز"، التي تأسست قبل 10 أعوام، على تحول استراتيجي، فزودت منتجاتها بمجسات راصدة لبيانات حركة المرور. ويأتي أكثر من 25% من عائداتها من تطبيق "ترافيكلاود" (TrafficCloud)، الذي يستند إلى الإنترنت ويستخدم مجسات موصولة بالشبكة لجمع بيانات حركة المرور، ومن ثم ينقلها إلى قاعدة بيانات مركزية، ما يسمح للمستخدمين (وهم غالباً من البلديات) بإطلاق تقارير ذات صلة.
وفي هذا السياق، أعلن تيد غرايف، رئيس "أول ترافيك سولوشنز"، أن أحد أكبر التحديات التي واجهتها شركته كان تكييف فريق مبيعاتها مع الانتقال من بيع الأجهزة إلى بيع حزم تشمل أجهزة وخدمات برمجية. وأجرت الشركة عدداً من التجارب في مجالي التسعير والتسويق، إلى أن اكتشفت حلاً اعتبرته منطقياً لزبائنها ولقنوات البيع التي تعتمدها. وقال غرايف: "سرعان ما تعلمنا أن إنشاء حزم أسعار ترويجية، وتوفير تدريب داخل الشركة عجّل وتيرة اعتماد الزبائن لخدماتنا". وقد عينت "أول ترافيك سولوشنز" فريق عمل يعرّف الزبائن بكيفية إعداد تطبيق "ترافيكلاود" واستعماله. ومع الاستثمار في التدريب داخل الشركة، وهو مهارة جديدة كلياً لها، تراوحت مستويات تجديد الاشتراك في الخدمة بين 70 و80%.
لا تكتفي هذه الشركات بتطوير مهارات جديدة والنفاذ إلى مجالات تخصص حديثة. وقد تكون التحولات الضخمة في الاستراتيجية والثقافة بطيئة أو مكلفة أو غاية في الصعوبة من ناحية الانطلاق بها داخلياً. وبالتالي، يتطلع الرؤساء التنفيذيون وكبار المسؤولين إلى خارج مؤسساتهم للحصول على مساعدة في القيام بهذا الانتقال. والواقع أن مجالات أعمال جديدة تتطور لمساعدة الشركات على تحقيق هذه القفزة، فتتطلع إلى شركات ناشئة على غرار "سبروستي" التي تساعد الشركات في بحوث السوق التي تجريها حول شعور المستهلك، واستراتيجية الأعمال وتطوير المنتجات بمساعدة إنترنت الأشياء. إلى ذلك، عمدت شركة أخرى اسمها "زوورا" إلى مساعدة الشركات على تطوير وتوسيع نطاق أعمالها في مجال الاشتراكات، وعلى فهم حركياتها التي تشمل التسعير ومستويات تجديد الاشتراكات ومعدل خسارة المشتركين.
ما من طريق واحد للنجاح على صعيد بيع وتسويق الأجهزة الذكية الموصولة بالإنترنت. تعيد موجة الابتكار الثالثة هذه، القائمة على تكنولوجيا المعلومات، تحديد معالم القطاعات ورسم أطر المزاحمة التنافسية. ومن الضروري أن تحدد الشركات مجموعات المهارات التي تريد توظيفها أو الاستحواذ عليها أو تعهيدها إلى شركاء. ويتجلى الهدف بالتقرب أكثر من المستهلكين وبناء علاقات مستدامة. وستصبح الفوارق بين الصناعات أقل وضوحاً من الاختلافات بين رواد السوق المنتمين إلى الفئات نفسها والمتباطئين فيه.