يمكن أن تواجه المؤسسات تهديدات معقدة ومتسارعة في أي وقت، مثل الزعزعة الناتجة عن الأحوال الجوية القاسية والهجمات السيبرانية وحوادث إطلاق النار الحي، وكذلك العديد من الأخطار الداخلية النابعة من المؤسسة، سواء بفعل فرد فاسد أو بسبب ثقافتها المسمومة، وجميعها قد تُحدث دماراً حقيقياً. وقد شهدنا الفضائح التي تعرضت لها شركة "بوينغ" (Boeing) و"بوردو فارما" (Purdue Pharma) وفيسبوك وكذلك العديد من حوادث التحرش المسجلة على هاشتاغ "أنا أيضاً" (#MeToo).
وفقاً لبحث صدر مؤخراً عن "الرابطة الوطنية لمدراء الشركات" (National Association of Corporate Directors)، أفاد نصف المشاركين فيه تقريباً أن تركيزهم على المخاطر المعروفة كان عائقاً أمام فهم التهديدات صعبة أو مستحيلة التنبؤ والاستعداد لها. بالإضافة إلى ذلك شعر أقل من 20% من المشاركين بالثقة حيال قدرة الإدارة على التعامل مع هذه المخاطر.
عندما تكون الشركات غير مستعدة كما يجب للتصدي لأزمة ما، فإن أول سؤال يطرحه الناس عادة: "أين الإدارة العليا من هذه الأزمة؟"، ويتبعه: "أين مجلس الإدارة من هذه الأزمة؟"، وخاصة عندما تتضمن المشكلة الرئيس التنفيذي أو غيره من كبار المسؤولين التنفيذيين.
في أمثل الأحوال ينبغي على مجلس الإدارة تخصيص فترة زمنية سنوياً لفهم التهديدات الكبرى التي تواجه الشركة بصورة أفضل والاستعداد لها. ويجب أن يكون هذا الإجراء جزءاً من أمانتهم المهنية في تمثيل المساهمين الذين سيدفعون ثمن العواقب الناتجة عن الزعزعة غير المُدارة جيداً. ولكن بما أن جدول أعمال مجلس الإدارة مزدحم أكثر من قطار الأنفاق في ساعة ذروة، فإن الاهتمام بالاستعداد للأزمات عادة لا يلقى اهتماماً كبيراً. وبذلك غالباً ما يدرك مجلس الإدارة متأخراً أهمية الاستعداد لأزمة ما بعد الانهماك في التعامل مع تداعياتها التي كان يمكن معالجتها مسبقاً.
نقسم الأزمات، من خلال عملنا لأكثر من 15 عاماً في أبحاث قيادة الأزمات والتعليم في هذا المجال، إلى قسمين: الحدث بحد ذاته والاستجابة له. يتعاطف معظم المساهمين، من عملاء ومستثمرين وموظفين، عندما تحلّ بالشركة كارثة يصعب تجنبها، ولكن يكونون أقل تسامحاً في حال كانت الاستجابة هلعية أو ضعيفة، أو إذا تجاهلت الشركة اتخاذ بعض الإجراءات التي كان يمكن اتخاذها مسبقاً للتقليل من الآثار، أو في حال قللت القيادة من قيمة تأثير الموقف الحالي على الشركة. فلا يتم إبداء سوى القليل من الصبر أو التعاطف تجاه حدوث كارثة كان من الممكن تفاديها في إطار كارثة أخرى.
الاستجابة الاستراتيجية
ينبغي على الإدارة ومجلس الإدارة اتباع استراتيجيتين للتخفيف من هذا النوع من العواقب السيئة: تتمثل الاستراتيجية الأولى في ضمان استعداد الشركة للتعامل مع التهديدات المحتملة، أما الاستراتيجية الأخرى فتتمثل في إعداد مجلس الإدارة بحد ذاته بحيث يتمكن من اتخاذ ما يلزم من إجراءات عند الحاجة.
عملنا في مجال قيادة الأزمات مع شركة "شلمبرجير" (Schlumberger) العالمية لخدمات الطاقة لأكثر من 7 أعوام. ونظراً إلى عمل الشركة في هذا المجال وتأثيرها على صعيد عالمي، فهي تواجه مجموعة واسعة من المخاطر والتهديدات، بما في ذلك حوادث العمل والاضطرابات الجغرافية السياسية واحتجاجات النشطاء والهجمات الإرهابية. وقد ساعدنا الشركة خلال أعوام عملنا معها على تطوير نهج مدعوم من مجلس الإدارة لقيادة الأزمات وإدارتها والذي أصبح الآن متغلغلاً داخل ثقافتها.
جوهر هذا البرنامج هو الالتزام المؤسسي الجوهري بسلامة الشركة وأمنها وبيئتها، باعتباره إحدى كفاءات التميز الأساسية. حيث تنظر شركة "شلمبرجير" إلى هذه النشاطات باعتبارها استثماراً في أصولها الثلاثة الأكثر أهمية وهي: عملائها وسمعتها وقدرتها على العمل، بدلاً من تصنيفها باعتبارها تكاليف امتثال.
حيث إن التكاليف تُدار، بينما يُتوقع أن تُثمر الاستثمارات عن إيرادات. ولتحقيق هذه الغاية تُستخدم نتائج العديد من مقاييس السلامة والأمن والبيئة باعتبارها مؤشرات أداء مهمة. فمثلاً عندما اكتشفت الشركة أن حوادث السيارات هي المسبب الأول لوفاة الموظفين عالمياً، أطلقت مبادرة متعددة المسارات لمعالجة المشكلة التي تضمنت برنامجاً تعليمياً للسائق ونظاماً لإدارة الرحلة بهدف رصد الطرق وتعرُّض السائقين للإرهاق وغيرها من المسارات. كما يُمنع الموظفون من استخدام هواتفهم أثناء القيادة، حتى وإن كان دون الاعتماد على استخدام أياديهم، وقد يوقفوا عن عملهم لعدم ارتداء حزام الأمان ولو لمرة واحدة أياً كانت مناصبهم. ويُخول الموظفون تماماً لتقديم السلامة على اعتبارات التكلفة والسرعة قصيرة المدى فيما يتعلق بمجموعة من المخاطر التشغيلية المحتملة. وبذلك يحث هذا النهج الصارم موظفي المؤسسة على البحث عن المخاطر المحتملة الصغيرة والكبيرة ومحاولة استباقها والاستعداد لها.
ينطوي الشق الثاني من استراتيجية إدارة المخاطر على إعداد فرق مدربة جيداً لإدارة حالات الطوارئ محلياً، ويتكامل عملها مع فرق إقليمية مؤسسية لإدارة الأزمات وهي مسؤولة عن التعامل مع الحوادث التي لا يمكن التعامل معها محلياً. حيث تُخطِر هذه الفرق المدراء بالمخاطر التي قد يواجهونها، بالإضافة إلى الخطوات اللازمة للتخفيف منها والاستجابة لها عند الضرورة. ويُتوقع إدارة كل حادث أقرب ما يكون من مصدره. وبدوره يساعد هذا الهيكل متعدد المستويات على تجنب المخاطر وتقليل آثارها إذا حدث خطب ما.
عملنا مع الفرَق الإقليمية لضمان الاتساق العالمي مع مبادئ قيادة الأزمات وممارساتها ومفرداتها. حيث يقلل هذا الاتساق خطر الاستجابة البطيئة أو المفككة وغير المفهومة في الشركات التي تتغير فيها مناصب الأفراد باستمرار ومواقعهم الجغرافية كذلك.
يتمثل دور مجلس الإدارة في تقديم الدعم المتواصل لعمليات التقييم الشامل والتدريب والمراقبة اللازمة لبقاء الشركة على استعداد لمواجهة المخاطر، حتى عند وجود تحديات ملحة وعاجلة ينبغي التعامل معها. على سبيل المثال، وقع ضغط شديد على الشركات لتخفيض تكاليف النفط عندما هبطت أسعاره في عامَي 2015 و2016، والذي كان هبوطاً بنسبة 75% عن أسعاره في شهر يونيو/حزيران من عام 2014. وعلى إثره اضطلعت شركة "شلمبرجير" لاحقاً بعملية إعادة هيكلة كبيرة. وعلى الرغم من هذا الاضطراب، استمرت الشركة في الاستثمار في مبادرات السلامة مع موافقة مجلس الإدارة لضمان قدرتها على التعامل مع الزعزعات المحتملة.
ومنذ أن تم تشكيل فريق إدارة الأزمات، اضطرت "شلمبرجير" إلى تفعيل دوره مرة واحدة فقط أثناء فترة تفشي وباء الإيبولا بسبب تداعياته العالمية. وما عدا ذلك من حوادث، فقد أُديرت محلياً أو إقليمياً. ولم تكن هذه الحوادث مجرد صدفة عارضة.
نموذج "كوبرا" (COBRA)
عندما يتعامل مجلس الإدارة مع مسألة الاستعداد للمخاطر بجدية فهو يقلل احتمالية استدعائه لإدارة أزمة ما. ولكن عموماً لا يوجد أي نظام وقائي كامل ومثالي تماماً. وبالتالي فإن مقترحنا الثاني هو: اعتماد شكل مختلف من نظام الاستجابة للأزمات المستخدم في المملكة المتحدة على مستوى مجلس الإدارة.
حيث تعتمد المملكة المتحدة، وغيرها من دول الكومنولث، هيكل للإدارة الاستراتيجية والتكتيكية والتشغيلية لإدارة الحوادث. بحيث يخصص قائد استراتيجي وآخر تكتيكي للاستجابة لكل حادث بالإضافة إلى العديد من القادة التشغيليين (الجغرافيين أو الموضوعيين) بحسب الحاجة للاضطلاع بالمسؤوليات. وبالتالي يمثل المسؤولون الاستراتيجيون الإدارة العليا لتنفيذ الاستجابة. وأما من الناحية السياسية تتضمن المجموعة موظفين كبار منتخبين وصناع سياسات، وهؤلاء يشار إليهم بمجموعة أو لجنة "كوبرا" لأنهم يجتمعون في "غرفة اجتماعات مكتب مجلس الوزراء" (Cabinet Officer Briefing Room A) في "طريق وايت هول" (Whitehall) بالقرب من 10 شارع "داوننغ ستريت" (Downing Street)، والتي تكافئ تقريباً غرفة العمليات (Situation Room) في البيت الأبيض. يشغَل مسؤول كبير معيَّن، وهو مدني غير منتخب، منصب مسؤول الاتصال الرسمي لتعزيز التدفق المنتظم للمعلومات بين الجهتين. يمكّن هذا الهيكل القادة السياسيين من الإسهام في إدارة العملية مع ضمان عدم محاولة تسييرها. ومن ناحية أخرى، يستقبل أعضاء الفريق الاستراتيجي معلومات قيمة حول التداعيات السياسية لقراراتهم مع المحافظة على وجود "عملية أساسية لإدارة المعرفة التشغيلية" لمواكبة الأحداث الجارية.
والآن فلنطبق هذا النموذج في السياق المؤسسي. يعد فريق إدارة الأزمات في المؤسسة مكافئاً للفريق الاستراتيجي في نموذج المملكة المتحدة، ومجلس الإدارة هو المكافئ لمجموعة كوبرا. ويمكن تعيين عضو مجلس إدارة مسؤول عن الاتصال ضمن الفريق الأول، وآخر مماثل في الفريق الآخر (مع وجود ممثلين مناوبين لكل منهما). حيث إن افتراض هذه المناصب مسبقاً يمكّن فريق إدارة الأزمات ومجلس الإدارة من الإلمام بالأمور وبناء الثقة. ويعد هذا مهماً خاصة بالنسبة إلى مدير الفريق والذي قد يكون مضطراً إلى نقل حقائق صعبة في خضم مواقف مربكة إلى أعضاء مجلس الإدارة الأقوياء. وبالمثل يمكن أن يقدم عضو مجلس الإدارة، الذي يعرف أعضاء فريق إدارة الأزمات وكيفية عملهم، معطيات قيمة مع محاولة التخفيف من اندفاع أعضاء المجلس للتدخل في العمليات.
عموماً ينبغي على مجالس الإدارة ألا تتدخل مباشرة في معظم الأزمات. ومن الأفضل ترك مهمة الاستجابة لكبار المدراء القادرين على يتفهمون تفاصيل الأعمال جيداً. وعلى أي حال، فإن أعضاء مجلس الإدارة يمثلون المساهمين وبالتالي عليهم الاستعداد للمشاركة والانخراط عند الحاجة. وختاماً، في عالمنا المضطرب قد يتسبب مجلس الإدارة الذي لا يولي اهتماماً لإدارة الأزمات في حدوث كوارث كبرى.