يدرك خبراء التسويق أن عليهم تقديم رسائل تسويقية بسيطة ومختصرة ومباشرة تتميز عن بقية الرسائل في السوق وتصل بفعالية إلى عملائهم. بالتالي، يكون السؤال الأهم: ما هي مزايا منتجك التي يجب أن تركز عليها؟ يشير بحثنا الأخير إلى أن الشركات قد تستفيد من التركيز على الخصائص الرئيسية نفسها التي يركز عليها منافسوها.
ولنأخذ مثلاً من صناعة المياه المعبأة، إيفيان (Evian) إحدى العلامات التجارية العريقة والرائدة في صناعة المياه المعبأة، بنت سمعتها القوية من خلال ربط العلامة بمفهوم النقاء الاستثنائي. وقد نجحت دانون، الشركة المالكة لعلامة إيفيان التجارية، في ترسيخ هذا الارتباط بالتركيز على مصدر مياهها النقي، وهو الأنهار الجليدية البكر التي تغطي جبال الألب. عند المنافسة مع العلامات التجارية الراسخة مثل إيفيان في سوق المياه المعبأة، قد توصيك مبادئ التسويق السليمة بتمييز منتجك بخصائص تتجاوز نقاء المياه، حتى تمتلك ميزة تنافسية فريدة في سوق مزدحمة بالشركات. ألا ترى أن نمط الحياة قد يمثل نقطة تمايز جيدة في هذا السياق؟ نستله، واحدة من أنجح الشركات في تسويق السلع الاستهلاكية المعبأة في العالم، لا توافقنا هذا الرأي. فقد ارتأت نستله تجاهل هذا المبدأ الأساسي، وأطلقت علامتها التجارية للمياه المعبأة على أساس مفهوم النقاء. فماذا عن الاسم الذي اختارته لمنتجها الجديد؟ إنه "بيور لايف" (Pure Life)؛ أي حياة نقية واليوم، تستحوذ بيور لايف على حصة كبيرة تبلغ 30% من هذه السوق الشديدة التنافسية.
فما هي أسباب نجاح تسويق علامتك التجارية بمحاكاة الاستراتيجية التسويقية نفسها التي تتبعها العلامات التجارية المنافسة؟ في عالم مشبع بالمعلومات، يتلقى المستهلكون سيلاً من الرسائل التسويقية المتنافسة، التي تقلل انتباههم وتضعف قدرتهم على التمييز والمفاضلة بين المنافسين. وهو ما نسميه "تأثير التخفيف" (dilution effect). ويعد التسويق في صناعة المشروبات نموذجاً للمبدأ الأساسي. هاتان علامتان تجاريتان متنافستان في مجال المشروبات؛ حيث تركز العلامة التجارية الأولى في تسويق منتجاتها على موقع مصنعها وكفاءة عملية التصنيع والإنتاج وتميزها، في تركز العلامة التجارية الثانية على ربط منتجاتها بنمط حياة يحلم به المستهلكون. سالي مستهلكة تتلقى تلك الرسائل التسويقية، فهي عميلة محتملة، وأول ما لفت انتباهها هو أن مصنع العلامة التجارية الأولى موجود في مدينتها. وأسعدها ذلك كثيراً، وأصبحت ميالة إلى المنتجات المصنوعة في المكان الذي تحبه. لكن سالي تدرك أن نمط الحياة ميزة رئيسية تركز عليها مصانع المشروبات. ولاحظت أن منتجات العلامة التجارية الأولى ارتبطت بنمط حياة صاخب لا يتماشى مع طبعها وتفضيلاتها. لقد وقعت تحت "تأثير التخفيف"، نتيجة درايتها بالفوارق بين العلامتين التجاريتين، وبالتالي يضعف تأثير ميزة منتجات العلامة التجارية الأولى على قرارها الاستهلاكي.
وإذا ركزت كلتا العلامتين التجاريتين على ميزة المنتج نفسها؛ أي موقع المصنع مثلاً، فإن منتجات العلامة الأولى تصبح خيار سالي الاستهلاكي الأقرب والأقوى. ماذا عن العلامة التجارية الثانية؟ سوف تتحقق النتيجة نفسها إذا ارتبط مستهلك آخر بموقع مصنعها بدرجة أقوى من ارتباطه بموقع مصنع العلامة التجارية الأولى. أي أن العلامتين التجاريتين استهدفتا من التركيز على الميزة نفسها، وهي موقع المصنع في هذا المثال، ضمان أن يختار العملاء بناءً على عنصر جذب قوي وواضح. ونتيجة لذلك، تقلل المنافسة السعرية بين علامتين تجاريتين من قدرتهما على جذب زبائن جدد. في هذا تفسير لتركيز شركات مشروبات عالمية على الموقع الجغرافي عند الترويج لمنتجاتها.
في أثناء إعداد مقال، نشرته مجلة علم التسويق، أجرينا مقابلات مع 5 مدراء تسويق من قطاعات متنوعة. وقد أعرب المدراء جميعهم عن قلقهم بشأن التسويق الفعال لمستهلكين يواجهون قيوداً متزايدة على انتباههم الاستهلاكي. كما اتفقوا على أن من المفيد، في بعض الحالات، التركيز على الميزة نفسها التي يركز عليها المنافس. ففي سياق حديث مدير تسويق منتجات تنظيف صناعية عن أن النظافة هي الميزة المهمة الوحيدة في صناعته، قال:
"نبيع الفنادق والمنتجعات منتجات تنظيف المناشف والمفارش والملاءات وتعقيمها. وانتقد منافسنا الرئيسي منتجاتنا لدى عملائنا، وزعم أنها قاسية على الأقمشة وتجعلها خشنة بعد أن كانت ليّنة. ولأن المنافس يستهدف بمنتجاته ربات البيوت بالأساس، فقد ركز على ميزة أنها تجعل الأقمشة أكثر نعومة وراحة. لكننا التزمنا بتموضعنا الذهني الأصلي لاقتناع عملائنا بأن منتجنا ينظف الأقمشة بفعالية بفضل تركيبته القاسية".
فإذا كنت تتفوق في مهارة أو ميزة معيّنة أكثر من أي منافس آخر، فيجب أن تركز على استغلال نقطة القوة تلك، لأنها تبرز القيمة التي تقدمها لعملائك. لهذا السبب تربط شركة الطيران ساوث ويست علامتها التجارية بميزة تجربة السفر المريحة، في حين تربط فيرجن أميركا علامتها بميزة الاستمتاع برحلة فاخرة داخل المقصورة. لكن مدراء التسويق الذين حاورناهم اتفقوا على أن الوضع أقل وضوحاً في فئات المنتجات التي تشبه السلع الأساسية، مثل المياه المعبأة.
وحتى ندرس هذه المشكلة بدقة، استخدمنا نظرية الألعاب في تطوير نموذج لشركتين متنافستين، تتنافسان استراتيجياً على جذب انتباه المستهلكين إلى ميزة بعينها في المنتج. كان الهدف الرئيس لتحليلنا هو تحديد قرارات التوازن الأمثل للمزايا التي يجب إبرازها. فعندما لا تمتلك أي من الشركتين أفضلية واضحة في أي ميزة، يقتضي التوازن أن تبرز كلتا الشركتين الميزة نفسها. ولكي تفهم أن هذه الخطوة في صالح الشركتين، افترض أن إحداهما حادت عن هذا القرار وركزت على ميزة مختلفة عن ميزة منافستها. عندئذ "يخف" انتباه المستهلك، لأنه توزع على ميزتين، فقلّ تركيزه على ميزة بعينها. ونتيجة لذلك، تبدو العلامتان التجاريتان أقل تمايزاً بالنسبة له. وللحفاظ على حصتهما في السوق، تضطر الشركتان إلى خفض الأسعار.
في المقابل، تسمح استراتيجية التوازن الأمثل للمدراء بتجنب تأثير التخفيف، ما يضمن أن يحسم المستهلك خياره بتأثير من الميزة التي تحظى بكامل تركيزه واهتمامه. نفهم من ذلك أن سعيك أنت ومنافسك إلى تركيز انتباه المستهلكين على ميزة وحيدة للمنتج قد يُفقدكما بعض العملاء. ومع ذلك، فإن العملاء الذين تحتفظان بهم سيكونون على استعداد لدفع المزيد من المال للحصول على المنتج.
ويساعد تجنب تأثير التخفيف في فهم نهج نستله تجاه علامة بيور لايف التجارية. فالنقطة الجوهرية هنا هي إدراك أن النقاء يمكن أن ينبع من مصادر غير طبيعية أيضاً، وليس على النحو الذي تركز عليه إيفيان في الترويج لمياهها. وبفضل تقنية ترشيح متطورة، أصبحت بيور لايف مياهاً نقية تماماً مثل تلك التي تأتينا من مدينة إيفيان الجبلية الفرنسية. ما الذي يمنع احتدام المنافسة إذاً؟ يمنعها اختلاف تفضيلات المستهلكين فيما يتعلق بمصدر النقاء. فبعضهم يثق بالتنقية الطبيعية، في حين يتشكك فيها آخرون ويثقون أكثر في تكنولوجيا تنقية المياه المتقدمة. فعند تجنب التنافس على ميزات أخرى، تعكس خيارات المستهلكين تركيزهم الكامل على تفضيلاتهم، سواء للنقاء الطبيعي المنبع أو تكنولوجي المصدر. ولو كانت نستله قد ركزت على ميزة بديلة، مثل نمط الحياة، لخففت تحفيز المستهلكين لتفضيل منتج علامة تجارية على أخرى بناءً على النقاء، حيث ستتأثر قراراتهم عندئذ بعاملي نمط الحياة والموقع.