معضلة العمل عن بعد أم من المكتب: دراسة تكشف التوليفة المثالية

6 دقيقة
الوضع الطبيعي الجديد
الرسم التوضيحي: كلو ريتشي (Klawe Rzeczy)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تحاول الشركات تجربة استراتيجيات مختلفة للتكيف مع “الوضع الطبيعي الجديد” في أساليب العمل، بدءاً من العمل من المكتب بالكامل إلى العمل عن بعد تماماً ومزيج من كليهما معاً. كشفت دراسة شاملة، تضمنت مقابلاتٍ وأبحاث إثنوغرافية في 3 مؤسسات كبرى تنفذ كل منها استراتيجية عمل متميزة، عن نتيجة مثيرة للاهتمام: يؤدي التقاطع بين استراتيجية الشركة وتفضيلات العمل الفردية إلى ظهور 9 شخصيات فريدة للموظفين. توضح هذه الشخصيات، بدءاً من شخصية “المتحمس للعمل عن بعد” الذي يعمل في شركة تعطي الأولوية للعمل عن بعد إلى شخصية “المنتج” في شركة تركز على العمل من المكتب، مدى تأثير التوافق أو عدم التوافق بين نهج المؤسسة وتفضيلات الفرد في عقلية الموظف وسلوكه. بناءً على هذه الرؤى، يجب على المؤسسات تحديد هذه الشخصيات وفهمها وإدارتها على نحو استراتيجي لتعزيز التناغم والإنتاجية في مكان العمل.

تصور المناقشات الحالية مكان العمل وكأنه ساحة معركة يتصارع فيها المدراء الحريصون على إعادة روتين العمل من المكتب مع الموظفين الذين يفضلون العمل من المنزل. قد يبدو هذا التصور مثيراً، لكنه ليس تمثيلاً دقيقاً للموقف، فمكان العمل الحديث هو في الواقع أشبه بمركز اختبار تحاول فيه المؤسسات حالياً تجريب أساليب مختلفة للتكيف مع “الوضع الطبيعي الجديد”. يتحدى بعض المؤسسات هذا الوضع من خلال الالتزام باستراتيجية تمنح الأولوية للعمل من المكتب حفاظاً على ثقافة الشركة، لكن مؤسسات أخرى تتبنى إعادة الابتكار من خلال اعتماد نهج يعطي الأولوية للعمل عن بعد لتوفير أقصى قدر من المرونة لموظفيها. مع ذلك، هناك أيضاً مؤسسات تجد حلاً وسطاً من خلال اتباع استراتيجية هجينة تهدف إلى تحقيق التوازن بين ثقافة الشركة والمرونة.

من أجل فهم فعالية هذه الاستراتيجيات بصورة أفضل، أجرينا مقابلات مع 72 عضو فريق و17 مسؤولاً تنفيذياً وأجرينا أبحاثاً إثنوغرافية في 3 مؤسسات وطنية. نفذت كل من هذه المؤسسات استراتيجية فريدة من نوعها: إحداها تركز على العمل من المكتب والأخرى تعطي الأولوية للعمل عن بعد والثالثة هجينة تستخدم مزيجاً من كليهما. سرعان ما اكتشفنا أنه بينما كانت الشركات تعمل بجد على تطوير استراتيجياتها، كان الموظفون يحددون على نحو مستقل موقع العمل المفضل لديهم؛ من المنزل أو في المكتب أو مزيج من الاثنين معاً.

ولكن هناك مشكلة مثيرة للاهتمام، وهي أن استراتيجيات مكان العمل التي تستخدمها الشركات ترتبط بتفضيلات الموظفين في هذا الشأن، إذ تؤدي كل نقطة من نقاط الاختلاف أو التوافق بين استراتيجية الشركة وتفضيلات الموظف إلى ظهور شخصية فريدة للموظف. دعونا نتعرف إلى 9 شخصيات للموظف مبيّنة في الشكل أدناه.

شخصيات الموظفين

لنبدأ بالموظفين الذين يفضلون العمل من المنزل. عندما يكون هؤلاء الموظفون جزءاً من شركة تعطي الأولوية للعمل عن بعد، فإن هذا التوافق المثالي بين استراتيجية الشركة وتفضيل الموظف يؤدي إلى ظهور شخصية المتحمس للعمل عن بعد. المتحمسون للعمل عن بعد موظفون متمرسون قضوا وقتاً طويلاً في العمل من المكتب، لكنهم أصبحوا من المولعين بالتفاعلات الافتراضية. وهم مناصرون أقوياء لاستراتيجية شركتهم التي تعطي الأولوية للعمل عن بعد، ويظهرون ولاءً شديداً بسبب الحرية التي يوفرها هذا النهج لهم. على الرغم من أنهم يدركون أن المزايا التي يوفرها أسلوب العمل عن بعد يمكن أن تعوق مسيرتهم المهنية، فإنهم لا يرغبون في التخلي عنها.

الآن، ماذا يحدث للموظفين الذين يفضلون العمل من المنزل عندما يعملون في شركة تتبع استراتيجية تركز على العمل من المكتب؟ تؤدي هذه الحالة من عدم التوافق التام إلى ظهور شخصية المُنتِج. يتجنب المُنتِج بوعي الجوانب الاجتماعية للعمل في المكتب. عندما يقول: “أعتقد أنني ربما أفتقد زملائي في العمل قليلاً”، فهذه طريقة مهذبة للقول إنه غير مهتم بالجوانب الاجتماعية للعمل. السبب الرئيسي الذي يجعل المنتجين يفضلون العمل من المنزل هو أنهم ليسوا مقتنعين بأن العمل من المكتب يعزز الإنتاجية، وغالباً ما يرون أن العديد من المهام التي يؤدونها في المكتب يمكنهم تأديتها من المنزل.

ماذا عن الموظفين الذين يميلون إلى العمل من المنزل ولكنهم يعملون في شركات تجرب استراتيجية عمل هجينة؟ يؤدي هذا الوضع من التوافق الجزئي بين استراتيجية الشركة والتفضيل الشخصي إلى ظهور شخصية المتمرد. يتوق المتمردون إلى التحرر من قيود الحياة المكتبية دائماً، وليس بصورة مؤقتة فقط.

بالنسبة للمتمردين، أصبح العمل وسيلة للعيش، بينما تمثل جوانب الأسرة والأصدقاء والعناية بالصحة والنمو الشخصي حياتهم الحقيقية. ما الذي دفع المتمردين إلى تغيير وجهة نظرهم وإعطاء الأولوية للحياة على العمل؟ الإجابة التي سمعناها منهم هي أنهم يشعرون أن تفانيهم في العمل لا يُكافأ بزيادات سنوية مجزية، وبالتالي من السخافة أن يكونوا مخلصين إلى هذا الحد بعد الآن.

الموظفون الذين يميلون نحو نموذج العمل الهجين متنوعون أيضاً. عندما يعمل هؤلاء في شركة تتبنى استراتيجية عمل هجينة، وهو سيناريو التوافق المثالي، تظهر شخصية المحب للتكامل. يقدّر محبو التكامل العمل التعاوني الافتراضي، لكن لا تغيب عن أذهانهم أهمية الحضور إلى المكتب لأنهم يقدرون العمل الجماعي أيضاً كما أن ذلك يحافظ على صورتهم المهنية. عادة ما يكون محبو التكامل راضين عن وظائفهم، ما يجعلهم استثناءً محتملاً في سياق الانخفاض المستمر في معدلات الرضا الوظيفي الذي أبلغت عنه تقارير مؤسسة غالوب. كيف تمكن محبو التكامل من تحقيق توازن بين عملهم وحياتهم الشخصية يمنحهم السعادة؟ لقد تخلوا عن المفهوم غير العملي للتوازن بين العمل والحياة وتبنوا مفهوم التدفق بين العمل والحياة، فهم لا يهدفون إلى إنجاز المهام كلها في الوقت نفسه، بل يتعاملون معها وفق استطاعتهم.

يجد الموظفون الآخرون الذين يميلون نحو نموذج العمل الهجين أنفسهم متوافقين جزئياً فقط مع سياسة شركتهم. في الشركات التي تتبع نهجاً يركز على العمل من المكتب، يطور الموظفون الذين يميلون نحو نموذج العمل الهجين شخصية التقدمي. يجد التقدميون صعوبة في فهم سبب اتباع شركاتهم استراتيجية “قديمة وسامّة وغير شاملة”، ويخشون فقدان مهارات العمل عن بعد التي اكتسبوها مؤخراً ويشعرون بالقلق من احتمال تهميش أولئك الذين يفضلون العمل من المنزل. من ناحية أخرى، في الشركات التي تتبنى استراتيجية العمل عن بعد أولاً، يطور هؤلاء الموظفون الذين يميلون إلى نموذج العمل الهجين شخصية الوسطي. يشعر الوسطيون بالقلق من أن شركتهم تبالغ في تبني نموذج العمل عن بعد، لأنهم يعتقدون أن ذلك قد يتسبب في ضرر دائم بالعلاقات بين الموظفين وبأساليب التوجيه وبالعمل الجماعي. هل لاحظت نمطاً مشتركاً؟ يثير هذا التوافق الجزئي قلق الوسطي والتقدمي على حد سواء.

أخيراً، دعونا ننظر إلى أولئك الذين يفضلون العمل في المكتب. عندما يعمل هؤلاء الموظفون في شركة تتبنى نهجاً يركز على العمل من المكتب، أي سيناريو التوافق المثالي، تظهر شخصية المتحمس للمكتب. يرى هؤلاء المكتب منزلاً ثانياً، فيظهرون ولاءً قوياً لشركتهم بسبب الإحساس بالانتماء إلى المجتمع الذي يمنحهم إياه نمط العمل هذا. في حين أنهم يستمتعون بالتفاعلات الاجتماعية، فإن هاجسهم الأساسي هو أن العمل عن بعد يلغي الجانب الإنساني من تجربة العمل. يعتقدون أن العمل من المنزل منتج بالقدر نفسه، لكنه يفتقر إلى التفاعل البشري الذي يوفره العمل من المكتب.  لإعادة إضفاء طابع إنساني على العمل، يقدم المتحمسون للمكتب باستمرار نموذجاً يُحتذى به للعمل من المكتب، ويقدمون الدعم الكامل لاستراتيجية الشركة التي تركز على نموذج العمل هذا.

ماذا عن أولئك الذين يفضلون المكتب ويعملون في شركات تعطي الأولوية للعمل عن بعد؟ ينتج عدم التوافق التام هذا شخصية المتحمس للتفاعل الاجتماعي. يشعر هؤلاء الموظفون بعدم الرضا الشديد، ويصف أحدهم شعوره وكأنه زاهد يعيش وحيداً بعيداً عن الناس؛ ويقول آخر إنه مثل كيان بلا روح تسيطر عليه أدوات التواصل الافتراضي. لقد أخذ المتحمسون للتفاعل الاجتماعي زمام المبادرة لبناء مجتمع ضمن شركاتهم، إذ يحثون زملاءهم على القدوم إلى المكتب، ولكن جهودهم هذه تفشل غالباً. يلجؤون إلى العمل من الأماكن العامة مثل مقاهي ستاربكس أو من مساحات العمل المشتركة، ويأملون قضاء يوم إلزامي واحد على الأقل في المكتب، ودائماً ما يفكرون في احتمالات أو بدائل أخرى.

من ناحية أخرى، يطور الموظفون الذين يفضلون العمل من المكتب ولكنهم يعملون في شركات هجينة (سيناريو توافق جزئي) شخصية التقليدي. يقدر التقليديون الفصل الواضح بين العمل والحياة الشخصية. لا يذهبون إلى المكتب لمجرد تحقيق التوازن بين العمل والحياة، إذ يعتقدون أن العمل من المكتب يعزز الإنتاجية ويدعون الآخرين إلى تبني النهج نفسه.

مواءمة استراتيجيات مكان العمل وتفضيلات الموظفين

لقد حان الوقت لندرك أن استراتيجيات طريقة العمل تؤدي إلى ظهور شخصيات مختلفة للموظفين. الجانب المشرق؟ سوف تسفر استراتيجيتك، مهما كانت، عن مؤيدين يدعمونها، أقواهم هم الذين يتوافقون معها، المتحمس للعمل عن بعد والمحب للتكامل والمتحمس للمكتب، لذا استفد منهم! ولكن احرص على أن يدرك هؤلاء المؤيدون وجود شخصيات أخرى داخل الشركة. لقد أذهلنا الانقسام الذي لاحظناه بين الموظفين في بحثنا. في الشركات التي تركز على العمل من المكتب، كان المتحمسون للمكتب والتقدميون على خلاف، بينما شعر المنتجون بالتهميش. بالمقابل، في الشركات التي تركز على العمل عن بعد، كان المتحمسون للعمل عن بعد يهيمنون على الوسطيين، وشعر المتحمسون للتفاعل الاجتماعي بالتهميش. في الشركات التي تعتمد نهجاً هجيناً، بدا محبو التكامل سعداء، لكن المتمردين والتقليديين كانوا على خلاف، ما أدى إلى أخذ الشركة في اتجاهين متعاكسين. إذاً، ما الذي يجب على قادة الشركة فعله؟

ابدأ بتثقيف نفسك وفريقك حول تنوع شخصيات موظفيك

بعد ذلك، افهم معارضي استراتيجيتك. من المثير للاهتمام أن المعارضين هم عادة الموظفون الذين تتوافق تفضيلاتهم جزئياً مع استراتيجية الشركة أي المتمردون والتقدميون والوسطيون والتقليديون. كيف يمكنك دعمهم؟ تتمثل إحدى الطرق في إيصال استراتيجية مكان العمل التي تتبعها بوضوح، ولا سيما إذا كنت تتبع استراتيجية العمل الهجين. يجب أن توضح معنى مصطلح “هجين”، خلاف ذلك، سيحدث سوء فهم. بالإضافة إلى ذلك، أشرك هؤلاء المعارضين في عملية صنع القرار. سيساعدك الاستماع إلى مخاوفهم على صياغة استراتيجية فعالة أكثر. هذه هي الطريقة الحقيقية لإيجاد حل وسط يأخذ في الاعتبار استراتيجية الشركة وتفضيلات الموظفين.

بعد ذلك، خصص بعض الوقت لاتخاذ القرارات الصعبة والاستراتيجية بشأن الشخصيات التي لا تتوافق تفضيلاتها مع طريقة العمل في الشركة. هل يمكنك تعيين المنتجين في أدوار الموظفين العاديين وتلبية رغبتهم في العمل من المنزل؟ هل يمكنك إنشاء مساحات مكتبية صغيرة حيث يمكن للمتحمسين للتفاعل الاجتماعي أن يشبعوا حاجتهم إلى المشاركة الاجتماعية؟ أم أن الخيار الأفضل هو مساعدة الموظفين غير المتوافقين في العثور على أدوار تلائمهم أكثر؟

أخيراً، فكّر في وضعك أنت. اسأل نفسك: هل أنا متوافق مع استراتيجية شركتي؟ هل تعجبني الشخصية التي دفعتني لتبنيها؟ في المشهد التجريبي الحالي لمكان العمل، يُعد تحقيق التوافق بين التفضيلات الشخصية واستراتيجية الشركة مفتاح النجاح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .