هناك انفصام كبير بين ثروة البيانات الرقمية المتاحة لنا وبين العالم المادي الذي نستخدم تلك الثروة فيه. تعرف على هذه التطوارات وافهم استراتيجية الواقع المعزز في هذا المقال.
ورغم أن العالم الواقعي من حولنا ثلاثي الأبعاد، فإن البيانات الغنية التي بحوزتنا الآن للاسترشاد بها في صنع قراراتنا وتحديد أفعالنا ما زالت محصورة في صفحات وشاشات ثنائية الأبعاد.
إن الفجوة بين العالميْن الواقعي والرقمي تحد من قدرتنا على استغلال سيل المعلومات والأفكار المتعمقة التي تنتجها مليارات المنتجات الذكية المتصلة بالانترنت، على مستوى العالم.
ويَعِد الواقع المعزز، وهو مجموعة من التقنيات التي تساعد على تركيب المعلومات والصور الرقمية على العالم المادي، بسد تلك الفجوة وإطلاق الإمكانات غير المستغلة والبشرية على نحوٍ فريد.
ورغم أن استراتيجية الواقع المعزز ما برحت في مهدها، فإن من المتوقع أن تسود قريباً؛ فبحسب أحد التقديرات، سيبلغ الإنفاق على تقنية الواقع المعزز 60 مليار دولار أميركي عام 2020. وسيكون لتقنية الواقع المعزز أثر على الشركات في جميع الصناعات وعلى كثير من أنواع المؤسسات الأخرى، بدءاً من الجامعات وانتهاءً بالمؤسسات المجتمعية.
ستُحْدِث تلك التقنية خلال الأشهر والسنين القادمة ثورة في طريقة تعلمنا واتخاذنا للقرارات وتفاعلنا مع العالم المادي من حولنا. وستبدل أيضاً الطريقة التي تخدم بها الشركات عملاءها وتدرب موظفيها وتصمم وتبتكر منتجاتها وتدير سلاسل قيمتها، وستغير في نهاية المطاف الطريقة التي تتنافس بها مع غيرها من الشركات. نوضح في هذا المقال ماهية الواقع المعزز وتقنيته المتطورة وتطبيقاته، وسبب أهميته الشديدة. وستزداد أهمية الواقع المعزز زيادة مطردة بالتزامن مع انتشار المنتجات الذكية المتصلة بالانترنت. لأنه يُضاعف قدرتها على خلق قيمة وإعادة تشكيل المنافسة. سيصبح الواقع المعزز حلقة الوصل الجديدة بين البشر والآلات، فيقيم جسوراً بين العالمين الرقمي والواقعي. ورغم أن التحديات المتعلقة بتوسعة نطاق تلك التقنية ما انفكت قائمةً، نجد أن الشركات الرائدة، أمثال أمازون وفيسبوك وجنرال إليكتريك ومايو كلينيك والبحرية الأميركية، تستعين بالفعل بالواقع المعزز وتشهد أثراً كبيراً على الجودة والإنتاجية.
ونقدم في هذا المقال خارطة طريق لبيان كيفية تبني الشركات لتقنية الواقع المعزز على نطاق واسع، وتفسير الخيارات الحرجة التي ستصطدم بها حين تبادر بدمج تلك التقنية في الاستراتيجية والعمليات.
ما هو الواقع المعزز؟
شاع على مدار عقود، استخدام تطبيقات منفصلة للواقع المعزز، لكن التقنيات اللازمة لإطلاق إمكاناته لم تُتَح لدينا إلا حديثاً فقط. إن الواقع المعزز Augmented Reality يُحَوّل في الأساس كميات كبيرة من البيانات والتحليلات إلى صور ثابتة أو متحركة تتراكب على عالم الواقع. واليوم، فإن أغلب تطبيقات الواقع المعزز تصلنا عبر أجهزة نقالة، لكن توفر تلك التطبيقات سيتحول بشكل متزايد إلى الأجهزة القابلة للارتداء من دون استخدام اليدين، مثل الشاشات أو النظارات الذكية المُثبتة بالرأس. ورغم أن عدداً كبيراً من الناس يألفون تطبيقات الواقع المعزز الترفيهية، مثل مُرشحات برنامج سناب شات ولعبة بوكيمون، يجري حالياً تطبيق الواقع المعزز بطرائق أهم بكثير على صعيد المستهلك وفيما بين الشركات.
على سبيل المثال، إن شاشات العرض الرأسية التي تعمل بالواقع المعزز وتضع معلومات الملاحة وتحذيرات الاصطدام، وغيرها من المعلومات، مباشرة في مرمى بصر السائق، مُتاحة في العشرات من أنواع السيارات. وتجري حالياً تجربة الأجهزة القابلة للارتداء للعاملين بالمصانع التي تعمل على تركيب تعليمات الإنتاج أو التجميع أو الصيانة في آلاف الشركات. إن الواقع المعزز يُتَمّم أو يحل محل الكتيبات الإرشادية التقليدية وأساليب التدريب بوتيرة أسرع بكثير من ذي قبل. وبشكل أعم، يُفعّل الواقع المعزز نموذجاً جديداً لتقديم المعلومات نعتقد أنه سيكون له أثر عميق على كيفية تنظيم البيانات وإدارتها وتقديمها على شبكة الإنترنت. ورغم أن شبكة الإنترنت أحدثت تحولاً في كيفية جمع المعلومات ونقلها والوصول إليها، فإن نموذجها لحفظ البيانات وعرضها – الذي يتخذ هيئة صفحات تعرض على شاشات مسطحة – ينطوي على قيود كبيرة: فهو يتطلب من البشر ترجمة المعلومات الثنائية الأبعاد ذهنياً لاستخدامها في عالم ثلاثي الأبعاد. وهذا ليس بالأمر الهين السهل دائماً، كما يعلم أي شخص استخدم كتيب إرشادات لإصلاح آلة تصوير مستندات مكتبية. وبتركيب المعلومات الرقمية مباشرةً على أغراض أو بيئات واقعية، يسمح الواقع المعزز للأشخاص بمعالجة المادي والرقمي في آن واحد، مما يحد من الحاجة إلى إقامة جسور بين العالميْن ذهنياً. ويُحَسّن ذلك من قدرتنا على استيعاب المعلومات بسرعة ودقة واتخاذ القرارات وتنفيذ المهام المنوطة بنا بسرعة وكفاءة.
وتعد شاشات الواقع المعزز المُلحقة بالسيارات مثالاً ساطعاً على ذلك. حتى وقت قريب، اقتضى الأمر أن ينظر السائقون الذين يستعينون بتقنية تحديد المواقع العالمي إلى خريطة على شاشة مسطحة ثم يقررون كيف يمكن مطابقة الخريطة على عالم الواقع. ولكي يسلك السائق المخرج الصحيح من الدوّار مثلاً، فقد كان بحاجة إلى أن يتردد ببصره ما بين الطريق والشاشة ويصل ذهنياً ما بين الصورة الموضحة على الخريطة والمنعطف المناسب.
تضع شاشات العرض الرأسية صوراً ملاحية مباشرةً فوق ما يراه السائق عبر الزجاج الأمامي للسيارة. ويقلل ذلك من المجهود الذهني المبذول لتطبيق المعلومات، ويحول دون انصراف انتباه السائق، ويحد إلى أقصى درجة ممكنة من الخطأ أثناء القيادة، ويحرر السائقين من أي شيء يصرفهم عن الطريق (لمزيد من المعلومات حول هذه التقنية، انظر الشريط الجانبي "تحسين اتخاذ القرار البشري"). ويُحرز الواقع المعزز طفرات في الأسواق الاستهلاكية، لكن أثره الوليد على الأداء البشري أكبر حتى في البيئات الصناعية.
فَكِّر في الطريقة التي تستخدم بها شركة نيوبورت نيوز شيبيلدينغ Newport News Shipbuilding، المتخصصة في تصميم حاملات الطائرات للبحرية الأميركية، تقنية الواقع المعزز قرب نهاية عملية التصنيع من أجل فحص السفن، بحيث تُميّز الهياكل الإنشائية الصلبة التي يتعين إزالتها حيث إنها ليست جزءاً من حاملة الطائرات المُكتملة الصنع.
على مر التاريخ، دائماً ما كان المهندسون يضطرون إلى المقارنة بين السفينة الفعلية والمخططات الأولية المعقدة الثنائية الأبعاد. أما في ظل تقنية الواقع المعزز، فقد صار بإمكانهم رؤية التصميم النهائي متراكباً على السفينة، مما يقلص من زمن الفحص بنسبة 96% - وتحديداً من 36 ساعة إلى 90 دقيقة فقط. وبشكل عام، فإن الوفر في الوقت البالغ 25% أو أكثر يعد نموذجاً مثالياً للمهام التصنيعية التي تستعين بالواقع المعزز.
الإمكانات الأساسية للواقع المعزز
كما أوضحنا سابقاً، فإن المنتجات الذكية المتصلة والمنتشرة في بيوتنا ومحلات عملنا ومصانعنا تسمح للمستخدمين بمراقبة عمليات المنتَج وظروفه في الزمن الفعلي، والتحكم في تلك العمليات وتخصيصها عن بُعد، وتحسين أداء المنتج إلى أقصى حد ممكن بواسطة بيانات الزمن الفعلي. وفي بعض الحالات، تسمح المعلومات وإمكانية الاتصال للمنتجات الذكية المتصلة بأن تعمل على نحو مستقل بالكامل.
إن الواقع المعزز يضاعف بقوة القيمة التي تخلقها تلك القدرات والإمكانات، ويُحسّن تحديداً الطريقة التي يرى بها المستخدمون جميع بيانات المراقبة ومن ثم فهو يرقى بطريقة الوصول إليها، وكذلك كيفية تلقي التعليمات والإرشادات المتعلقة بعمليات المنتج واتباعها، بل ويُحسّن أيضاً من أسلوب تفاعل المستخدمين مع تلك المنتجات والتحكم فيها بأنفسهم.
التصور المرئي
توفر تطبيقات الواقع المعزز نوعاً من الرؤية بالأشعة السينية، فتكشف عن الخصائص الداخلية التي قد يكون من الصعب رؤيتها.
على سبيل المثال، في شركة الأجهزة الطبية أكيوفين (AccuVein) تُحَوِّل تقنية الواقع المعزز البصمة الحرارية لأوردة المريض إلى صورة تتراكب على الجلد، مما يجعل من الأسهل على الأطباء المعالجين تحديد مكانها. ويحسِّن ذلك إلى حد بعيد من معدل النجاح في عمليات سحب الدم وغيرها من الإجراءات ذات الصلة بالأوعية الدموية.
إن الواقع المعزز يضاعف أكثر من ثلاث مرات احتمالات النجاح في غرس الإبر من المرة الأولى، ويقلص من الحاجة إلى "الإجراءات التصعيدية" (كالتماس مساعدة أحدهم مثلاً) بنسبة 45%. وتستعين شركة بوش ريكسروث (Bosch Rexroth)، المتخصصة في توريد وحدات الطاقة الكهربائية المُستخدمة في التصنيع ووحدات التحكم فيها، بصور مجسمة مُحسَّنَة بواسطة الواقع المعزز لاستعراض تصميم وقدرات وحدة الطاقة الهيدروليكية الذكية المتصلة الخاصة بها "سايتروباك" CytroPac. ويسمح تطبيق الواقع المعزز للعملاء برؤية صور ثلاثية الأبعاد للمضخة الداخلية للوحدة وخيارات التبريد في تشكيلات متعددة، وكيفية توافق النظم الفرعية معاً.
التوجيه والإرشاد
يُعيد الواقع المعزز بالفعل تعريف مفاهيم التلقين والتدريب. إن هذه المهام المحورية التي تُحسِّن إنتاجية فريق العمل مكلفة أصلاً وكثيفة العمالة وغالباً ما تُحقق نتائج متفاوتة.
وكثيراً ما تتسم التعليمات المكتوبة لمهام التجميع مثلاً بالصعوبة الشديدة وتستنفد وقتاً طويلاً لاتباعها. والتعليمات المُسجلة على مقاطع الفيديو القياسية ليست تفاعلية ولا يمكن أن تتكيف مع احتياجات التعلم الفردية. والتدريب وجهاً لوجه باهظ التكلفة ويتطلب التقاء الطلاب والمعلمين في مكان مشترك، وأحياناً لعدة مرات. وإذا لم تكن المُعدة التي يتعرف عليها الطلاب متاحة، فقد يحتاجون إلى المزيد من التدريب لنقل ما تعلموه إلى سياق عالم الواقع.
إن الواقع المعزز يعالج هذه المشكلات، حيث يوفر إرشادات بصرية، في الزمن الحقيقي وفي موقع الحدث خطوة بخطوة، حول مهام مثل تجميع المنتج وتشغيل الأتمتة واختيار المخزن. ذلك أن المخططات البيانية الثنائية الأبعاد المُعقدة، اللازمة لإجراء ما في كتيب ما مثلاً، تتحول إلى صور مُجسمة تفاعلية ثلاثية الأبعاد توجه المستخدم أثناء العمليات الضرورية. ولا يبقى للخيال أو التفسير إلا القليل. وفي شركة بوينغ، كان للتدريب على الواقع المعزز أثر مهول على إنتاجية وجودة الإجراءات المعقدة لتصنيع الطائرات.
في واحدة من دراسات شركة بوينغ، وُجِدَ أن الواقع المعزز استُخدمَ لإرشاد المتدربين أثناء التعامل مع الخمسين خطوة الضرورية لتجميع قطاع من جناح الطائرة يتكون من 30 قطعة. وبمساعدة الواقع المعزز، أتم المتدربون عملهم في زمن أقل بنسبة 35% من المتدربين الذين يستعينون برسوم ثنائية الأبعاد ووثائق تقليدية. وزاد عدد المتدربين الذين لا يملكون خبرة كافية أو لا يملكون خبرة بالمرة واستطاعوا إنجاز تلك العملية على نحو سليم من أول مرة بنسبة 90%.
ويمكن للأجهزة المُزودة بتقنية الواقع المعزز أيضاً نقل ما يراه المستخدم في موقع الحدث إلى خبير بعيد بوسعه الاستجابة بإرشادات فورية. والواقع أن هذا السيناريو يضع الخبير إلى جوار المستخدم على الفور، بغض النظر عن الموقع. لا تُحسّن هذه القدرة من أداء العامل وحسب، بل تقلّص كذلك التكاليف بقدر هائل، وهو الأمر الذي اكتشفته شركة "لي" (Lee) التي تبيع نُظم البنايات وتقدم خدمات صيانتها.
تستعين الشركة بالواقع المعزز لمساعدة خبرائها الفنيين الميدانيين في أعمال التركيبات والإصلاحات. ويمكن للخبير البعيد أن يرى ما يراه الفني عبر جهازه الذي يدعم الواقع المعزز، ويوجهه خلال العمل المزمع إنجازه، بل إن بوسعه حتى إضافة تعليمات شارحة على واجهة الفني.
إن الحصول على دعم خبير من موقع مركزي وقت وقوع الحدث قد زاد من استغلال شركة "لي" للتقنية إلى حد بعيد. وبتقليص عدد الزيارات المتكررة، وفّرت الشركة أكثر من 500 دولار أميركي من مصاريف العمالة والانتقالات لكل فني شهرياً. وتُقَدّر الشركة حصولها على عائد قدره 20 دولار أميركي على كل دولار استثمرته في تقنية الواقع المعزز.
التفاعل
استخدم الناس على مر التاريخ أدوات تحكم فعلية كالمفاتيح والمقابض، ومؤخراً الشاشات اللمسية المدمجة، للتفاعل مع المنتجات. وبالتزامن مع صعود نجم المنتجات الذكية المتصلة، حلّت تطبيقات الأجهزة المحمولة بشكل متزايد محل أدوات التحكم المادية وسمحت للمستخدمين بتشغيل المنتجات عن بُعد. وينتقل الواقع المعزز بواجهة المستخدم إلى مستوى جديد كلياً. فمن الممكن أن تتشكل لوحة تحكم افتراضية مباشرة على المنتج، وأن يتم تشغيلها باستخدام جهاز واقع معزز مثبت على الرأس وبإشارات اليد والأوامر الصوتية.
وقريباً، سيكون باستطاعة المستخدمين الذين يرتدون نظارات ذكية ببساطة التحديق إلى منتج ما أو الإشارة إليه لتنشيط واجهة المستخدم الافتراضية وتشغيلها. والعامل الذي يرتدي نظارات ذكية مثلاً سيكون بوسعه السير إلى جوار صف من آلات المصنع، وتفقد مُعاملات أدائها وضبط كل آلة دون أن يلمسها فعلياً.
إن إمكانية التواصل التي يتمتع بها الواقع المعزز ما زالت في مهدها في المنتجات التجارية، لكنها ثورية الطابع.
يَعِد تطبيق "رياليتي إديتور" (Reality Editor)، الذي طورته مجموعة فلويد إنترفيسيز (Fluid Interfaces) في مختبر الوسائط الإعلامية التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، بإمدادنا بلمحة عن كيفية التطور السريع لتلك الإمكانية. يُسِهِّل تطبيق رياليتي إديتور إضافة تجربة الواقع المعزز لأي منتج ذكي متصل. وبمساعدته يمكن للناس توجيه هاتف ذكي أو حاسوب لوحي إلى منتج ذكي متصل (أو التطلع إليه عبر نظارات ذكية)، و"رؤية" واجهاته الرقمية والإمكانات التي يمكن برمجتها، والربط ما بين تلك الإمكانات وإشارات اليد أو الأوامر الصوتية أو حتى بينها وبين منتج ذكي آخر.
على سبيل المثال، يمكن لتطبيق رياليتي إديتور أن يسمح لمستخدم ما بأن يرى أدوات التحكم في مصباح ذكي لتعديل اللون وشدة السطوع وإعداد أوامر صوتية مثل "ساطع" و"حالة مزاجية" لتفعيلها. أو من الممكن الربط ما بين الإعدادات المختلفة للمصباح وأزرار على مفتاح مصباح ذكي يستطيع المستخدم أن يضعه في أي مكان مناسب له.
إن التقنيات الكامنة وراء هذه الإمكانات ما زالت ناشئة، لكن دقة الأوامر الصوتية في البيئات الصاخبة تتحسّن باستمرار، والقفزات التي تحققت في ميدان تتبع الإيماءات وتثبيت البصر اتسمت بالسرعة. وقد اختبرت شركة جنرال إلكتريك بالفعل استخدام الأوامر الصوتية في تجارب على الواقع المعزز تُمَكّن عاملي المصانع من أداء عمليات تمديد أسلاك مُعقدة في توربينات الرياح، وحققت الشركة زيادة في الإنتاجية بنسبة 34%.
كيف يخلق الواقع المعزز قيمة
يخلق الواقع المعزز قيمة في مجال الأعمال بطريقتين شموليتين: أولاً، بأن يصبح جزءاً من المنتجات نفسها، وثانياً بتحسين الأداء في سلسلة القيمة كلها – في تطوير المنتج وتصنيعه وتسويقه وصيانته والعديد من الجوانب الأخرى.
الواقع المعزز كخاصية من خصائص المنتج
تدعم إمكانات الواقع المعزز الركيزة المتزايدة على التصميم المتعلقة بخلق واجهات مستخدمين وهندسة بيئة عمل أفضل. وقد أصبحت الطريقة التي تعرض بها المنتجات معلومات تشغيلية ومعلومات أمان مهمة للمستخدمين نقطة فارقة على نحو متزايد (انظر كيف كمَّلَت تطبيقات الأجهزة المحمولة أو حلت محل الشاشات المُدمجة في منتجات مثل مشغلات صوت سونوس (Sonos). ومن المتوقع أن يُحَسّن الواقع المعزز بسرعة من تلك الواجهات البينية. فقد كانت شاشات عرض الواقع المعزز الرأسية، التي دُمِجَت مؤخراً فقط في السيارات، خاصية أساسية في منتجات عسكرية راقية، مثل المقاتلات النفاثة، لسنوات عدة، وتم تبنيها في الطائرات التجارية أيضاً. إن هذه الأنواع من شاشات العرض باهظة التكلفة وأضخم من أن تُدمج في أغلب المُنتجات، لكن الأجهزة القابلة للارتداء كالنظارات الذكية هي واجهة بينية ثورية لها تطبيقات واسعة النطاق لجميع المُصنّعين.
يستطيع المستخدم بالاستعانة بالنظارات الذكية لرؤية شاشة عرض الواقع المعزز على أي مُنتج مُفعَّل للتواصل معها. فإذا شاهدت فرن مطبخ عبر النظارات الذكية مثلاً، ربما أمكنك أن ترى شاشة افتراضية تعرض لك درجة حرارة الخَبْز والدقائق المتبقية على ساعة التوقيت والوصفة التي تتبعها. وإذا دنوت من سيارتك، فقد تعرض لك شاشة واقع معزز أن السيارة مؤصدة وأن خزان الوقود مملوء بالكامل تقريباً وأن ضغط الإطار الخلفي جهة اليسار منخفض.
ولأن واجهة مستخدم الواقع المعزز قائمة محضاً على برمجيات وتُقدَّم للمستخدم عبر السحابة الإلكترونية، فمن الممكن تخصيصها وبإمكانها التطور باستمرار.
إن التكلفة الإضافية لتوفير مثل هذه الواجهة تعد تكلفة منخفضة، وإن بإمكان المصنعين أيضاً توفير مبالغ طائلة عند إزالة الأزرار والمفاتيح والأقراص التقليدية. وكل مُصنِّع مُنتجات بحاجة إلى أن يدرس بعناية شديدة الأثر المزعزع الذي يمكن أن يكون لواجهة الجيل التالي تلك على عرضه ووضعه التنافسي.
الواقع المعزز وسلسلة القيمة
يمكن رؤية آثار الواقع المعزز بالفعل عبر سلسلة القيمة، لكنها تكون أكثر تقدماً في بعض المجالات منها في غيرها. وبشكل عام، فإن تطبيقات التصور المرئي والتوجيه/ الإرشاد لها الآن أكبر الأثر على عمليات الشركات، في حين أن القدرة على التفاعل ما زالت ناشئة وفي طور الاختبار التجريبي.
تطوير المنتج
على الرغم من أن المهندسين ظلوا لمدة 30 عاماً يستخدمون قدرات التصميم بمساعدة الحاسوب لإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد، فإن قدراتهم كانت قاصرة على التفاعل مع تلك النماذج من خلال نوافذ ثنائية الأبعاد على شاشات حواسيبهم، مما يجعل من الأصعب عليهم أن يبنوا تصوراً للتصاميم على الوجه الأكمل. إن الواقع المعزز يسمح بتركيب النماذج الثلاثية الأبعاد على العالم الواقعي على هيئة صور مجسمة، ويعزز قدرة المهندسين على تقييم وتحسين التصاميم. فعلى سبيل المثال، يمكن وضع صورة مجسمة ثلاثية الأبعاد بالحجم الطبيعي لآلة البناء على الأرض، ويكون بمقدور المهندسين السير حولها، وإنعام النظر فيها من أعلى ومن أسفل، بل وحتى الولوج إلى داخلها من أجل التقدير الكامل لخطوط الرؤية والهندسة البشرية في تصميمها بشكل كامل في البيئة المزمع وضعها فيها.
يتيح الواقع المعزز أيضاً للمهندسين تركيب نماذج التصميم المنجزة بمساعدة الحاسوب على النماذج الحقيقية لمقارنة مدى تطابقها. تستخدم شركة فولكس فاغن هذه التقنية – التي تجعل أي فارق بين أحدث تصميم وبين النموذج الأصلي واضحاً للعين - للتحقق من التوافق في استعراضات التصميم الرقمي. وهذا يحسّن من دقة عملية ضمان الجودة، التي كان المهندسون في السابق يقاسون الأمرين فيها لمقارنة الرسومات الثنائية الأبعاد بالنماذج الأصلية، ويجعل المقارنة أسرع من المعتاد بخمسة إلى عشرة أضعاف. نتوقع في المستقبل القريب أن الأجهزة المزودة بتقنية الواقع المعزز، كالهواتف والنظارات الذكية، بكاميراتها المدمجة، وبرامج التسريع، ونظام تحديد المواقع العالمي، وغير ذلك من المستشعرات، سيتم الاستعانة بها بشكل متزايد في تصميم المنتجات عن طريق إظهار زمان ومكان وكيفية تفاعل المستخدمين فعلياً مع المنتج، ومتى تبدأ مثلاً سلسلة إصلاحات معينة. وبهذه الطريقة، ستمسي واجهة الواقع المعزز مصدراً مهماً من مصادر البيانات.
التصنيع
غالباً ما تكون العمليات معقدة أثناء التصنيع، إذ تتطلب مئات، بل حتى آلاف الخطوات، وتكون الأخطاء باهظة الثمن. وكما نعلم، فإن الواقع المعزز يمكنه تقديم المعلومات الصحيحة وحسب في اللحظة التي يحتاجها عمال المصانع على خطوط التجميع، وأن يحد من الأخطاء ويعزز الكفاءة ويحسّن الإنتاجية.
وفي المصانع، يستطيع الواقع المعزز أيضاً التقاط المعلومات من أنظمة التشغيل والتحكم الآلي، والمستشعرات الثانوية، وأنظمة إدارة الأصول، وإظهار بيانات المراقبة والتشخيص الخاصة بكل آلة أو عملية. إن رؤية معلومات مثل الكفاءة ومعدلات الخلل في سياق الواقع المعزز، تساعد فنيي الصيانة على فهم المشاكل، وتنبه عمال المصنع لعمل الصيانة الاستباقية التي قد تمنع ضياع الوقت الثمين بسبب الأعطال.
وقد بدأت شركة آيكونكس (Iconics)، المتخصصة في برامج التشغيل الآلي للمصانع والمباني، تدمج الواقع المعزز في واجهات استخدام منتجاتها. فمن خلال ربط المعلومات ذات الصلة بالموقع الحقيقي حيث ستتم ملاحظتها وفهمها بأفضل ما يكون، تُمكن واجهات الواقع المعزز المستخدِم من مراقبة الآلات والعمليات بكفاءة أكبر.
الإمدادات اللوجستية
وفقاً للتقديرات، تمثل تكاليف عمليات المستودعات حوالي 20٪ من إجمالي التكاليف اللوجستية، في حين أن انتقاء الأصناف من الرفوف يمثل ما يصل إلى 60٪ من تكاليف المستودعات. وما فتئ العمال في معظم المستودعات يؤدون هذه المهمة بالرجوع إلى قائمة ورقية بالأغراض المراد جمعها ثم يشرعون في البحث عنها. وهذه الطريقة بطيئة وعرضة للخطأ.
إن عملاق الإمدادات اللوجستية دي آتش إل (DHL)، وعدد متزايد من الشركات الأخرى، يستخدمون الواقع المعزز لرفع كفاءة ودقة عملية الانتقاء. ذلك أن تعليمات الواقع المعزز توجه العمال إلى موقع كل منتج المراد جلبه ثم تقترح أفضل طريق للوصول إلى المنتج التالي. وقد أدى هذا النهج في شركة دي آتش إل إلى تقليل الأخطاء، وزيادة انخراط العمال، وإلى مكاسب إنتاجية بنسبة 25%. وتنفذ الشركة الآن عالمياً نظام الانتقاء الموجه بالواقع المعزز وتختبر كيف يمكن أن يحسن الواقع المعزز أنواعاً أخرى من عمليات المستودعات، مثل تحسين وضع السلع والآلات في نماذج التخطيط. وتستخدم إنتل أيضاً الواقع المعزز في المستودعات، ونجحت في تقليص وقت الانتقاء بنسبة 29%، مع خفض معدلات الخطأ إلى الصفر تقريباً. ويسمح تطبيق الواقع المعزز لعمال إنتل الجدد بأن يحققوا على الفور سرعات انتقاء أعلى بنسبة 15% من السرعات التي يحققها العمال الذين حصلوا على تدريب تقليدي وحسب.
التسويق والمبيعات
إن الواقع المعزز يعيد صياغة مفهوم صالات العرض وطرق عرض المنتجات، ويحدث تغيراً كبيراً في تجارب العملاء. فعندما يكون بمقدور العملاء أن يروا بشكل تصويري كيف ستبدو المنتجات أو تعمل في البيئة الحقيقية قبل شرائها، ستكون لديهم توقعات أدق، وثقة أكبر في قرارات الشراء، ورضاً أكبر عن المنتج. وفي المستقبل، قد يحد الواقع المعزز حتى من الحاجة إلى إقامة المتاجر وصالات العرض التقليدية تماماً.
عندما يمكن تهيئة المنتجات بميزات وخيارات مختلفة - والتي قد تجعل تخزينها صعباً ومكلفاً – يكون الواقع المعزز أداة تسويقية قيمة بشكل خاص. فعلى سبيل المثال، تستخدم شركة منتجات البناء أزيك (AZEK) الواقع المعزز لتبين للمقاولين والمستهلكين كيف تبدو منتجاتها الخاصة بعمل الأرضيات والرصف في مختلف الألوان والترتيبات. ويستطيع العملاء أيضاً رؤية المحاكاة في السياق الواقعي: إذا نظرت إلى منزل من خلال الهاتف أو الحاسوب اللوحي، يمكن أن يُركب تطبيق الواقع المعزز أرضية افتراضية له. هذه التجربة تقلل أي تردد قد يشعر به العملاء بشأن خياراتهم، وتقلص زمن دورة المبيعات.
وفي التجارة الإلكترونية، تسمح تطبيقات الواقع المعزز للمتسوقين عبر الإنترنت بتحميل صور مجسمة للمنتجات. وتقدم شركتا واي فير (Wayfair) وإيكيا مكتبات تحتوي على الآلاف من الصور والتطبيقات الثلاثية الأبعاد للمنتجات، والتي تدمجها في واجهة عرض بغرفة واقعية، مما يمكِّن العملاء من أن يروا كيف سيبدو الأثاث والديكور على الطبيعة في منازلهم. كما تستخدم إيكيا تطبيقها لجمع بيانات مهمة حول تفضيلات المنتجات في مناطق مختلفة.
خدمة ما بعد البيع
هذه وظيفة يُظهر الواقع المعزز فيها إمكانات هائلة لإطلاق قدرات خلق القيمة التي تتسم بها المنتجات الذكية المتصلة. ويساعد الواقع المعزز الفنيين الذين يخدمون العملاء في هذا المجال بالطريقة نفسها التي يساعد بها العمال في المصانع؛ وذلك من خلال إظهار بيانات تحليلية تنبؤية يبثها المنتج، وتوجيههم بصرياً خلال عمليات الإصلاح في الوقت الفعلي، وربطهم عن بُعد بالخبراء الذين يمكنهم المساعدة في تحسين الإجراءات. فعلى سبيل المثال، قد تكشف لوحة تحكم الواقع المعزز لفني ميداني أن جزءاً معيناً من الآلة سيتعطل على الأرجح في غضون شهر، مما يسمح للفني باستباق حدوث المشكلة عند العميل بأن يستبدله الآن.
في شركة كيه بي إن (KPN)، وهي شركة أوروبية تقدم خدمات الاتصالات، يستخدم المهندسون الميدانيون الذين يجرون إصلاحات عن بعد أو في مواقع العمل نظارات الواقع المعزز الذكية لرؤية بيانات تاريخ خدمة المنتج، والتشخيص، ولوحات المعلومات المستقاة من الموقع. وتساعدهم أجهزة عرض الواقع المعزز هذه على اتخاذ قرارات أفضل بشأن كيفية حل المشاكل، مما يؤدي إلى انخفاضٍ في التكاليف الإجمالية لفرَق الخدمة بنسبة 11%، وانخفاض بنسبة 17% في معدلات الخطأ في العمل، وزيادة جودة الإصلاحات.
استخدمت شركة زيروكس الواقع المعزز لتوصيل المهندسين الميدانيين بالخبراء بدلاً من تقديم أدلة الخدمة والدعم عبر الهاتف. وارتفعت معدلات الإصلاح من أول محاولة بنسبة 67%، وتحسّنت كفاءة المهندسين بنسبة 20%. وفي الوقت نفسه، انخفض متوسط الوقت الذي كان يستغرق في حل المشاكل بمقدار ساعتين، وبالتالي تقلّصت الحاجة إلى تعيين مزيد من الموظفين. والآن، تستخدم زيروكس الواقع المعزز لتوصيل الخبراء الفنيين عن بُعد مباشرة بالعملاء. وقد زاد هذا معدل قدرة العملاء على حل المشاكل الفنية دون أي مساعدة في موقع العميل بنسبة 76%، مما خفض لزيروكس تكاليف السفر وقلّل من الوقت الضائع بالنسبة للعملاء. ولعل من غير المستغرب أن ترى زيروكس معدلات رضا عملائها قد ارتفعت إلى 95%.
الموارد البشرية
اكتشف أوائل من تبنوا الواقع المعزز بالفعل، أمثال شركة دي آتش إل، والبحرية الأميركية وشركة بوينغ، قوة تقديم التدريب بالتصور المرئي خطوة بخطوة للعاملين عند الطلب من خلال الواقع المعزز. ذلك أن الواقع المعزز يسمح بتهيئة التعليمات على نحو يناسب تجربة عامل بعينه أو لتعكس مدى انتشار أخطاء بعينها. فعلى سبيل المثال، إذا كان شخص ما يكرر نوع الخطأ ذاته مراراً، فيمكن أن يطلب منه الاستعانة بتقنية الواقع المعزز إلى أن تتحسّن جودة عمله. وقد أدى الواقع المعزز في بعض الشركات إلى خفض وقت التدريب للموظفين الجدد في أنواع معينة من العمل إلى ما يقرب من الصفر، كما قلّص متطلبات المهارة للموظفين الجدد.
هذا الأمر مفيد بشكل خاص لشركة دي آتش إل، التي تواجه زيادة في الطلب خلال مواسم الذروة وتعتمد اعتماداً كبيراً على التوظيف الفعال وعلى تدريب العمال المؤقتين. فمن خلال تقديم التدريب في الوقت الحقيقي والإرشاد العملي للتنقل ما بين المستودعات وتعبئة وتغليف وفرز المواد بشكل صحيح، قلّص الواقع المعزز من حاجة دي آتش إل للمدربين التقليديين وزاد من سرعة تأهيل الموظفين الجدد.
استراتيجية الواقع المعزز
سيكون لتطبيق استراتيجية الواقع المعزز تأثير واسع النطاق على كيفية تنافس الشركات مع بعضها بعضاً. وكما أوضحنا في مقالاتنا السابقة من هارفارد بزنس ريفيو، فإن المنتجات الذكية المتصلة بصدد تغيير هيكل جميع الصناعات تقريباً، فضلاً عن طبيعة المنافسة في نطاقها - مما يوسع حدود الصناعة عملياً في كثير من الأحيان. ذلك أن المنتجات الذكية المتصلة تُفرز خيارات استراتيجية جديدة للمصنعين، بدءاً من اختيار أسلوب التشغيل الواجب اتباعه وكيفية إدارة حقوق وأمن البيانات، إلى تحديد ما إذا كان على الشركة أن توسّع نطاق منتجاتها وتنافس في مجال النظم الذكية أم لا.
إن توغل الواقع المعزز المتزايد، جنباً إلى جنب مع قوته كواجهة اتصال بشرية بين البشر وبين تقنيات المنتجات الذكية المتصلة، يثير بعض الأسئلة عن استراتيجية الواقع المعزز الجديدة. وعلى الرغم من أن الإجابات ستعكس طبيعة عمل كل شركة وظروفها الفريدة، سيمسي الواقع المعزز أكثر وأكثر جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية كل شركة.
أسئلة عن استراتيجية الواقع المعزز
ونبين فيما يلي الأسئلة الأساسية عن استراتيجية الواقع المعزز التي تواجهها الشركات:
-
ما نطاق فرص تطبيق الواقع المعزز في القطاع، وبأي تسلسل ينبغي متابعتها؟
يجب على الشركات أن تزن تأثير الواقع المعزز المحتمل على العملاء، وعلى قدرات المنتج وسلسلة القيمة.
-
كيف سيعضد الواقع المعزز تمايز منتجات الشركة؟
إن الواقع المعزز يفتح مسارات متعددة للتمايز، ويمكن أن يخلق خبراتٍ مرافقة توسّع قدرات المنتجات، وتمنح العملاء مزيداً من المعلومات، وتزيد من ولائهم للمنتج. وواجهات الواقع المعزز التي تحسِّن مستوى وظائف المنتجات أو تيسّر استخدامها، يمكن أن تكون عوامل تمايز كبيرة تماماً على غرار العوامل التي تؤدي إلى تحسينات هائلة في دعم المنتج والخدمة والاستعداد. كما أن قدرة الواقع المعزز على تقديم أنواع جديدة من التغذية الرجعية حول كيفية استخدام العملاء للمنتجات يمكن أن تساعد الشركات على كشف المزيد من فرص التمايز بين المنتجات.
وسيتوقف مسار التمايز الصحيح على استراتيجية الشركة القائمة؛ وعلى ما يفعله المنافسون؛ وعلى وتيرة التقدم التقني، وخاصة في الأجهزة.
-
من الأسئلة عن استراتيجية الواقع المعزز في الشركات: أين سيكون للواقع المعزز الأثر الأكبر على خفض التكاليف؟
إن الواقع المعزز يساعد على تمكين الكفاءات الجديدة التي يجب على كل شركة أن تستكشفها. فالواقع المعزز، كما لاحظنا، يمكن أن يقلّص إلى حد كبير تكلفة التدريب والخدمة والتجميع والتصميم، وغير ذلك من مكونات سلسلة القيمة. ويمكنه أيضاً أن يقلل إلى حد كبير تكاليف التصنيع عن طريق الحد من الحاجة إلى واجهات التحكم الواقعية.
ستحتاج كل شركة إلى إعطاء الأولوية لجهود تخفيض التكاليف التي يقودها الواقع المعزز بطريقة تتفق مع موقعها الاستراتيجي. وسيتعين على الشركات التي لديها منتجات متطورة أن تستفيد من واجهة الواقع المعزز الفائقة والمنخفضة التكلفة، بينما سيركز العديد من منتجي السلع على الكفاءة التشغيلية في سلسلة القيمة ككل. وفي الصناعات الاستهلاكية والتجزئة، ستكون تطبيقات التصور المرئي المرتبطة بالتسويق هي نقطة البداية الأكثر احتمالاً. وفي مجال التصنيع، تحقق تطبيقات التلقين العائد الأسرع من خلال معالجة أوجه القصور في الهندسة والإنتاج والخدمة. وبالرغم من أن قدرة الواقع المعزز على التفاعل ما فتئت ناشئة، فإنها ستكون مهمة في جميع الصناعات التي تُفرز منتجات تتمتع بإمكانية التهيئة تبعاً لاحتياجات المستخدم وبقدرات تحكم معقدة.
-
هل ينبغي على الشركة أن تجعل تصميم الواقع المُعزز وتطويره نقطة قوة محورية لديها؟ أم أن الاستعانة بمصادر خارجية أو إقامة الشراكات ستكون كافية؟
كثير من الشركات تتهافت على الوصول إلى المواهب الرقمية اللازمة لتطوير الواقع المُعزز، والتي تتسم بندرتها. ومن بين المهارات التي يكثر الطلب عليها تصميم تجربة المستخدم وواجهة المستخدم.
من المهم غاية الأهمية عرض المعلومات الرقمية الثلاثية الأبعاد بطرق تجعل من السهل استيعابها والتصرف بناءً عليها؛ ويجب أن تتفادى الشركات صناعة تجربة واقع مُعزز تكون مُبهرة لكنها عقيمة لا تفي بالغرض الأساسي منها. وتتطلب تجارب الواقع المُعزز الفعالة أيضاً المحتوى المناسب، وعليه تتجلى أهمية الأشخاص القادرين على إنشاء ذلك المحتوى وإدارته – وهي مهارة جديدة أخرى. إن إمكانات النمذجة الرقمية، والإلمام بكيفية تطبيقها على برمجيات الواقع المُعزز، مطلب أساسي أيضاً.
إننا نتوقع أن تُشكّل الشركات بمرور الوقت فرقاً مخصصة للتعامل مع الواقع المُعزز، بالضبط كما شكّلت فرقاً لبناء مواقع الويب وتشغيلها في التسعينيات وفي بداية الألفية الثانية. وستكون فرق العمل المُكرسة ضرورية لبناء البنية التحتية التي ستسمح لهذا الوسط الجديد بالازدهار وتطوير محتوى الواقع المُعزز والحفاظ عليه. وقد بدأت كثير من الشركات بالفعل في بناء مهارات الواقع المُعزز داخل أروقتها، ولكن لم يتقنها إلا قليل منها حتى الآن. إن مسألة ما إذا كان يتعين توظيف وتدريب موظفين للاضطلاع بمهام الواقع المُعزز، أو إقامة شراكة مع شركات برمجيات وخدمات خاصة، ما زالت قيد البحث.
لا يوجد لدى بعض الشركات خيار سوى التعامل مع مهارة الواقع المُعزز كميزة استراتيجية والاستثمار في اكتساب تلك المهارة وتطويرها، بالنظر إلى الأثر الواسع مستقبلاً للواقع المُعزز على المنافسة في مجال أعمالها. ولكن، إذا كان الواقع المعزز مهماً لكنه غير ضروري للميزة التنافسية، فمن الممكن أن تعقد الشركات شراكات مع شركات برمجيات وخدمات خاصة لدعم المهارات والتقنية الخارجية. إن التحديات والوقت والتكلفة التي ينطوي عليها بناء مجموعة كاملة من تقنيات الواقع المُعزز التي وصفناها أعلاه مهولة، ويتجلى عامل التخصص دائماً في كل مكون من تلك المكونات.
في المراحل الأولى من تطبيق استراتيجية الواقع المُعزز في الشركات، كان عدد مزودي التقنية والخدمات محدوداً، وكانت الشركات قد بادرت ببناء إمكانات داخلية. ولكن، بدأ مزودو خدمات الواقع المُعزز المُثلى الذين يقدمون حلولاً شاملة في الظهور، وسيصبح من الصعب بقدر متزايد على الجهود الداخلية مواكبة هؤلاء المزودين.
-
كيف سيغير الواقع المُعزز من التواصل مع أصحاب المصالح؟
يُكمّل الواقع المُعزز أساليب التواصل المطبوعة والرقمية الثنائية الأبعاد، وفي بعض الحالات من الممكن أن يحل محلها بالمرة. لكننا ننظر إلى الواقع المُعزز على أنه أكثر من مجرد قناة تواصل أخرى. فهو وسيلة جديدة أصلاً للتواصل مع الناس.
فكّر وحسب في الطريقة المبتكرة التي يساعد بها الناس على استيعاب المعلومات والتعليمات والتصرف بناءً عليها. لقد تحولت الويب التي بدأت كوسيلة لمشاركة التقارير الفنية في نهاية المطاف إلى ميدان لمزاولة الأعمال ونافذة للتعلم والتواصل الاجتماعي.
وإننا نتوقع أن الواقع المُعزز سيفعل الشيء عينه فيما يختص بالتواصل، حيث سيغيره بطرق تتجاوز بكثير ما يمكننا تصوره في عصرنا الحالي. وستحتاج الشركات إلى التفكير على نحو إبداعي حيال كيفية استخدام هذه القناة الوليدة.
تعميم استراتيجية الواقع المعزز
يجري حالياً بالفعل تجريب تطبيقات الواقع المُعزز بالفعل وتطويرها في المنتجات وعبر سلسلة القيمة بأسرها، ومن المتوقع أن يزداد عدد تلك التطبيقات ويتسع نطاقها.
إن كل شركة بحاجة إلى تعميم استراتيجية الواقع المعزز عن طريق خارطة طريق للتنفيذ تبين كيف ستشرع المؤسسة في حصد منافع الواقع المُعزز في ميدان عملها بالتزامن مع بناء القدرات اللازمة لتوسيع نطاق استخدامه. ويتعين على الشركات عندما تحدد تعاقب ووتيرة تبنيها تلك التقنية أن تدرس التحديات الفنية والمهارات المؤسسية التي تنطوي عليها وتتفاوت من سياق إلى آخر؛ فالشركات بحاجة إلى التعاطي تحديداً مع خمسة أسئلة أساسية:
1. ما الإمكانات التطويرية التي ستقتضيها الحاجة؟
تنطوي بعض تجارب الواقع المُعزز على درجة من التعقيد أكثر من غيرها. والتجارب التي تسمح للناس بتصور منتجات على هيئة تكوينات أو في بيئات مختلفة – كتلك التي تخلقها شركات مثل "إيكيا" و"واي فير" و"أزيك" – هي مكان سهل نسبياً يمكن للشركات أن تبدأ منه.
إن المستهلكين بحاجة فقط إلى شيء من التشجيع لتنزيل تطبيقات الواقع المُعزز وتشغيلها، وجهاز محمول فقط لاستخدامها. وتطبيقات التعليمات، كتلك التي توظفها شركتا بوينغ وجنرال إليكتريك في التصنيع، أصعب في بنائها واستخدامها. فهي تتطلب القدرة على تطوير محتوى ديناميكي ثلاثي الأبعاد والحفاظ عليه، وغالباً ما تستفيد كثيراً من استخدام الشاشات الرأسية أو النظارات الذكية التي ما زالت في مراحل تطويرها المبكرة.
إن التطبيقات التي تُنتج تجارب تفاعلية وتخلق قيمة عظيمة للمستهلكين والشركات على حد سواء هي الأصعب في تطويرها، حيث تنطوي على تحديات كبيرة. وهي تنطوي أيضاً على تقنية أقل نضجاً، كالتعرف على الصوت أو الإيماءات، وتستوجب الحاجة لدمج برمجيات تتحكم في الأجهزة الذكية المتصلة.
إن أغلب الشركات ستبدأ بالمؤثرات البصرية الثابتة للنماذج الثلاثية الأبعاد، ولكن ينبغي عليها بناء القدرة على الانتقال سريعاً إلى التجارب التوجيهية الديناميكية التي تتمتع بأثر استراتيجي أكبر.
2. كيف ينبغي أن تُنشئ المؤسسات محتوى رقمياً؟
إن جميع تجارب الواقع المُعزز، من الأقل تعقيداً إلى الأكثر تعقيداً، تتطلب محتوى. وفي بعض الحالات، من الممكن إعادة توجيه الغرض من المحتوى الرقمي الموجود، كتصاميم منتج ما. ولكن، بمرور الوقت، يجب بناء تجارب سياقية أكثر تعقيداً ودينامية من الصفر، الأمر الذي يتطلب خبرة متخصصة.
إن التطبيقات البسيطة، مثل دليل الأثاث المُحسَّن بتقنية الواقع المُعزز، قد تتطلب رسوماً أساسية فقط للمنتج. وأما تطبيقات تعليمات الأعمال الأكثر تعقيداً، كتلك المُستخدمة لإصلاح الماكينات، فسوف تتطلب رسوماً رقمية للمنتج دقيقة ومُفصّلة تفصيلاً شديداً. ويمكن أن تنتج الشركات تلك الرسوم بواسطة تهيئة نماذج تصاميم بمعونة الحاسوب تُستخدم في تطوير المنتج، أو باستخدام تقنيات الرقمنة، مثل المسح الثلاثي الأبعاد.
تتطلب تجارب الواقع المُعزز الأكثر تعقيداً أيضاً استغلال تدفقات البيانات في الزمن الحقيقي من نظم أعمال الشركات أو المنتجات الذكية المتصلة، أو مصادر بيانات خارجية، ودمجها في المحتوى. وللإعداد لتوسعة محفظة استثمار الواقع المُعزز، ينبغي على الشركات وضع قائمة بالأصول الرقمية الثلاثية الأبعاد الموجودة في التصاميم المُنجزة بمعونة الحاسوب وفي أي مكان آخر، والاستثمار في إمكانات النمذجة الرقمية.
3. كيف ستتعرف تطبيقات الواقع المُعزز على البيئة المادية؟
لتركيب المعلومات الرقمية بدقة على العالم المادي، يجب أن تتعرف تقنيات الواقع المُعزز على ما تتطلع إليه. وأبسط أسلوب على الإطلاق هو تحديد موقع جهاز الواقع المُعزز باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي مثلاً، وعرض المعلومات ذات الصلة لذاك الموقع دون ربطه بغرض بعينه.
ويُعرف ذلك باسم تجربة الواقع المُعزز "غير المُسَجَّلة". إن شاشات الملاحة الرأسية للمركبات تعمل عادةً بهذه الطريقة. وتربط التجارب "المُسجّلة" الأعلى قيمة المعلومات بأغراض محددة. ويمكنها أن تفعل ذلك عبر إشارات؛ كالباركود أو الشعارات أو الملصقات التي يمكن وضعها على الأشياء ومسحها بمعرفة المستخدم بواسطة جهاز يدعم الواقع المُعزز. ولكن، ثمة أسلوب أقوى يستغل تقنية تتعرف على الأشياء بواسطة مقارنة شكلها بدليل لنماذج ثلاثية الأبعاد. ويسمح ذلك لفني الصيانة مثلاً بالتعرف على الفور على أي نوع من المعدات يتحمل مسؤولية صيانته والتفاعل معه، وبأن يفعل ذلك من أي زاوية.
ورغم أن الإشارات التي نحددها تُعد نقطة انطلاق جيدة، فإن تقنيات التعرف على الأشكال تتطور بسرعة الصاروخ، وستحتاج المؤسسات إلى أن تتمتع بالقدرة على استخدامها لاستغلال العديد من تطبيقات الواقع المُعزز الأعلى قيمة.
4. ماذا عن العتاد المطلوب للواقع المُعزز؟
لقد صُممت تجارب الواقع المُعزز التي تستهدف جماهير المستهلكين عموماً أساساً للهواتف الذكية، حيث إنها تستغل بساطتها وانتشارها في كل مكان. ولتجارب أكثر تعقيداً، تستخدم الشركات الحواسيب اللوحية التي توفر شاشات أكبر ورسومات أعلى وقوة مُعالجة أكبر.
وبما أن انتشار الحواسيب اللوحية أقل من الهواتف الذكية، فغالباً ما ستوفرها الشركات للمستخدمين. وبالنسبة لتطبيقات عالية القيمة بعينها – وأشهرها تلك المستخدمة في الطائرات والسيارات – يقوم المُصنعون بتصنيع شاشات عرض الواقع المعزز تثبت بالرأس، مُكرسةً في منتجاتهم بلا مقابل، وهو توجه باهظ التكلفة. ولكن، في نهاية المطاف، فإن تطبيقات الواقع المُعزز للصيانة والتصنيع، وحتى واجهات المنتج، ستتطلب شاشات تثبت على الرأس تتيح للمستخدمين تحريك أيديهم بحرية.
إن هذه التقنية حالياً غير ناضجة ومُكلفة، لكننا نتوقع أن تصبح النظارات الذكية الميسورة التكلفة متاحة على نطاق واسع خلال السنوات القليلة المقبلة، وستلعب دوراً رئيساً في إطلاق العنان للقوة الكاملة للواقع المُعزز.
تقدم شركات مايكروسوفت وجوجل وأبل حالياً تقنيات واقع مُعزز مُحسّنة للاستخدام مع أجهزتها الخاصة. لكن أغلب المؤسسات ينبغي أن تتبنى منهجاً متعدد المنصات يسمح بتعميم تجارب الواقع المُعزز عبر أنواع متعددة من الهواتف والحواسيب اللوحية، وينبغي أن تضمن تلك المؤسسات أن تكون متأهبة للنظارات الذكية عندما تُطرح بالأسواق (راجع "معركة النظارات الذكية").
5. هل ينبغي أن تستعين بتطوير برمجي أم بنموذج لنشر المحتوى؟
قُدِّمَت العديد من تجارب الواقع المُعزز الأولى عبر تطبيقات برمجية مستقلة يتم تنزيلها بما يتعلق بها من محتوى رقمي بالكامل على هاتف أو على حاسوب لوحي. ويخلق هذا الأسلوب تجارب موثوقة عالية الدقة، ويسمح للمؤسسات بصنع تطبيقات لا تتطلب اتصالاً بشبكة الإنترنت.
إن المشكلة التي تشوب هذا النموذج هي أن أي تغير في تجربة الواقع المعزز يتطلب من المبرمجين إعادة كتابة التطبيق، الأمر الذي يمكن أن يخلق عقبات باهظة التكلفة.
ثمة بديل ناشئ يستغل برمجيات نشر الواقع المُعزز لخلق محتوى للواقع المعزز واستضافته على سحابة إلكترونية. يمكن بعد ذلك تحميل تجربة الواقع المعزز بحسب الطلب باستخدام تطبيق متعدد الاستخدامات يعمل على جهاز للواقع المُعزز. وعلى غرار محتوى المواقع الإلكترونية، يمكن تحديث محتوى الواقع المعزز أو إضافة ملحقات إليه دون تغيير البرنامج نفسه، وهي الميزة المهمة عندما ينطوي الأمر على كميات كبيرة من المعلومات وتغييرات متكررة في المحتوى.
سيصبح نموذج نشر المحتوى شائعاً إذ يتضمن المزيد من الآلات والمنتجات تفاعلاً وتحكماً بالواقع المُعزز في الزمن الحقيقي. إن إمكانية نشر المحتوى محورية لترقية تقنية الواقع المعزز في أرجاء المؤسسة.
الأثر الأوسع نطاقاً لفكرة استراتيجية الواقع المعزز
إن الثورة الرقمية، بما تتمتع به من منتجات ذكية متصلة وسيل من البيانات، تُطلق العنان للإنتاجية وتفتح آفاقاً جديدة للقيمة في جميع جوانب الاقتصاد. ولم يعد القيد، على نحو متزايد، يتمثل في قصور البيانات والمعرفة، بل في كيفية استيعابها والتصرف بناءً عليها، وهي التي تمثل بتعبير آخر الواجهة البينية مع البشر؛ والواقع المُعزز هو تقنية ناشئة كحل رائد لهذا التحدي. وفي الوقت عينه، فإن التطور السريع للتعلم الآلي والأتمتة يثير مخاوف جادة حيال فرص العمل البشري.
هل سيكون هناك عدد كافٍ من الوظائف للجميع؟ ولا سيما للأشخاص الذين لم ينالوا تعليماً متقدماً ولم يحصلوا على معرفة حديثة؟ وفي عالم الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي، هل سينتهي زمن البشر؟
من السهل استنباط أن التقنية الحديثة تقلّص من فرص البشر في العمل.
ومع ذلك، فإن الاختراعات الجديدة ما برحت تحل محل البشر منذ قرون، وما كان منها إلا أن أدت إلى زيادة وليس تراجعاً في نسبة العمالة فيها.
لقد زادت التقنية إلى حد كبير من إنتاجيتنا ورفعت مستوى معيشتنا. وقد خلقت أنواعاً جديدة من العروض التي تتماشى مع الاحتياجات الجديدة وتتطلب ألواناً جديدة من العمالة. وكثير من الوظائف في عصرنا الحالي ينطوي على منتجات وخدمات لم يكن لها وجود حتى منذ مئة عام. ثمة درس يعلمنا إياه التاريخ مفاده أن الثورة الرقمية لعصرنا الحالي ستخلق موجات جديدة من الابتكار وأنواعاً جديدة من العمل ليس بوسعنا أن نتخيلها. لقد أُسيء فهم دور البشر في هذا المستقبل. فالبشر لديهم نقاط قوة لا تستطيع الآلات والخوارزميات محاكاتها قريباً قط. ولدينا نحن البشر مهارات حركية مُعقدة – تتجاوز ما يستطيع الإنسان الآلي الحالي القيام به – تسمح لنا بالقيام بإجراءات دقيقة جداً ضرورية مثلاً عند إحلال قطعة من آلة أو توصيل أسلاك توربين.
وحتى الأعمال التي تتطلب مهارة أقل نسبياً، كسحب عينات الدم أو تقليم حديقة أو إصلاح إطار مفرغ من الهواء يتطلب مهارة بشرية ويستعصي على الأتمتة.
إن إدراك البشر يتكيف فوراً مع المواقف الجديدة؛ فالناس يُعدّلون بسهولة ويُسر من طريقة تفسيرهم للمعلومات وحلهم للمشكلات، وإطلاقهم الأحكام وتصرفهم بما يناسب ظروفهم الخاصة. ويتمتع بالبشر بالمرونة والخيال والحدس والقدرة الإبداعية، وهي الإمكانات التي ستظل بعيدة المنال لأي آلة في المستقبل القريب. ورغم أن الطفرات في الذكاء الاصطناعي وصناعة الإنسان الآلي مُذهلة، فإننا نعتقد أن المزج ما بين إمكانات الآلات ونقاط القوة المميزة للبشر سيفضي إلى إنتاجية أكبر بكثير، وسيخلق قيمة أكبر بكثير مما يستطيع أي منهما إنجازه بمفرده.
إن ما تقتضيه الحاجة لإدراك هذه الفرصة هو الصلة البينية البشرية التي تسد الفجوة بين العالمين الرقمي والمادي. وإننا لننظر إلى الواقع المُعزز باعتباره ابتكاراً تاريخياً يحقق لنا هذه الصلة. فهو يساعد البشر على تحسين قدراتهم بأن يستغلوا المعرفة الرقمية الجديدة وقدرات الآلات الاستغلال الأمثل. ستُحدث استراتيجية الواقع المعزز تغييراً عميقاً في التدريب وتطوير المهارات، حيث سيسمح للناس بأداء الأعمال المُعقدة دون تعليمات تقليدية مُطولة ومُكلفة – وهو النموذج الذي لا يستطيع كثيرون الوصول إليه في وقتنا الحالي. وعليه، فإن الواقع المُعزز يُمكّن الناس من الاستفادة من الثورة الرقمية على نحو أفضل، والاستفادة كذلك من كل ما تُقدمه تلك الثورة.