هناك احتمالات بأنك في اللحظة الراهنة تماطل في أمر ما. وربما تقرأ الآن هذا المقال الذي يتحدث عن استراتيجيات التغلب على التسويف لفعل ذلك.
استراتيجيات التغلب على التسويف
منذ فترة، استغرقتُ عاماً واحداً لتجربة كل نصيحة من نصائح الإنتاجية الشخصية التي تمكنت من إيجادها. وبعد أن أصبحت مدركاً للطريقة التي أمضيت وقتي فيها، لاحظت أمراً ما: أنني مارست المماطلة أكثر بكثير مما كنت أظن. ففي أحد سجلات الوقت التي كنت أحتفظ بها، وجدت أنه على مدار أسبوع واحد، أمضيت 6 ساعات وأنا أعمل على تأجيل المهمات، وهذه هي المماطلة في حد ذاتها التي تجسّدت من خلال سجل الوقت الخاص بي.
ما جعلني أفكر: لماذا نماطل، على الرغم من أننا نعرف أن المماطلة تتعارض مع أفضل مصالحنا؟ فكيف يمكننا التغلب عليها، حبذا لو كان ذلك دون كراهية أنفسنا أو الأساليب التي نستعملها لتنفيذ ذلك؟
للإجابة عن هذين السؤالين، تحدثت مع بعض الباحثين، وقضيت وقتاً في البحث في عشرات المقالات الصحفية الأكاديمية. وقد أصبحت التوصيات التي جمعتها الأساس لجزء من كتابي، ولحسن الحظ، اكتشفت أن الكثير منها مفيد.
لماذا نماطل؟
أحد الأشياء الأولى التي تعلمتها هو أن المماطلة طبيعة إنسانية. ذلك أن حوالي 95% من الناس يعترفون بتأجيل العمل، وفقاً لبيرس ستيل، مؤلف كتاب "معادلة التسويف" (The Procrastination Equation). وأعتقد أن نسبة الـ 5% المتبقية من الناس كاذبون.
أما بالنسبة لظاهرة تأجيل الأمور، فهي "رد فعل عاطفي غريزي محض على شيء لا نريد فعله"، كما يقول تيم بيشيل، مؤلف كتاب "حل لغز التسويف" (Solving the Procrastination Puzzle). فكلما وجدت نفوراً من مهمة ما، زادت احتمالية المماطلة.
وفي دراسة بيشيل، يحدد مجموعة من 7 محفزات تجعل المهمة تبدو أكثر نفوراً. فلتفكّر في شيء ما تؤجله في هذه اللحظة - من المحتمل أن تجد أن لهذه المهمة العديد من الملامح التي اكتشفها بيشيل، إن لم يكن جميعها، تجعل المهمة تستحق المماطلة:
- مملة
- محبطة
- صعبة
- غامضة
- غير منظمة
- ليست مجزية بطبيعتها (أي أنك لا تجد العملية ممتعة)
- مفتقرة إلى النزعة الشخصية
على مستوى الجهاز العصبي، ليست المماطلة ناتجة عن ضعف في القدرات المنطقية، إنما هي ناتجة عن الجانب الوجداني في دماغك، من خلال جهازك الحُوفيّ، وقشرة الفص الجبهي التي تعمل بقوة على تعزيز الجانب المنطقي والعقلاني في دماغك. يستسلم الجزء المنطقي من دماغك في اللحظة التي تفضل فيها الفيسبوك على العمل، أو تقرر الانغماس في مشاهدة حلقة أخرى من مسلسل "هاوس أوف كاردز" (House of Cards) عندما تصل إلى المنزل.
ولكن هناك طريقة يمكنك من خلالها منح السيطرة للجانب المنطقي في عقلك. عندما تلاحظ مواجهة وشيكة بين الجانبين المنطقي والوجداني، احرص على مقاومة غريزة المماطلة. وفيما يلي أفضل الطرق التي اكتشفتها في بحوثي لتنفيذ ذلك.
اعكس محفزات المماطلة. تأمَّل في ماهية محفزات المماطلة السبعة لبيشيل التي برزت من خلال تنفيذ نشاط تتخوف منه. ثم حاول التفكير بشكل مختلف في المهمة، ما يجعل فكرة إكمالها أكثر جاذبية.
اعمل على كتابة تقرير ربع سنوي. وإذا وجدت هذا مملاً، يمكنك تحويله إلى لعبة: تعرَّف على عدد الكلمات التي يمكنك إنجازها بأقصى سرعة في فترة زمنية مدتها 20 دقيقة. أو إذا وجدت مهمة العمل غامضة وغير منظمة، فعليك إنشاء مسار عمل ينسّق الخطوات الدقيقة التي يجب أن تتبعها أنت وفريقك كل شهر لإنجازها.
العمل في إطار مستوى مقاومتك. عندما تُطلق المهمة محفزات المماطلة، فإننا نقاوم إنجازها. ولكن إلى أي مدى تكون مقاومتنا تلك؟
دعنا نفترض أنه يجب عليك الخوض في نماذج من البحث المكثف الخاص بمشروع قادم. للعثور على مستوى مقاومتك، عليك التفكير في الجهد الذي تلتزم به لإنجاز هذه المهمة بمقياس تدريجي. على سبيل المثال، هل يمكنك التركيز على القراءة لمدة ساعة؟ كلا، هذه الفترة الزمنية لا تزال مزعجة. ماذا عن 30 دقيقة؟ اختصِر مقدار الوقت حتى تجد الفترة التي تتوقف فيها عن مقاومة المهمة، ومن ثَم نفّذها.
افعل شيئاً -أي شيء- للبدء في تنفيذها. من الأسهل متابعة المهمة بعد التغلب على العقبة الأولى لبدء تنفيذها في المرتبة الأولى. ذلك لأن المهمات التي تؤدي إلى المماطلة نادراً ما تكون سيئة كما نعتقد. فالبدء في شيء ما يتطلب إعادة تقييم العقل الباطن لهذا العمل، فربما نجد أن المهمة الفعلية تُطلق محفزات أقل مما توقعنا في بادئ الأمر.
تشير البحوث إلى أننا نتذكر المهمات غير المكتملة أو التي حدثت مقاطعتها بصورة أفضل من المشاريع التي أنجزناها بالفعل. ويشبه ذلك البدء في الاستماع إلى أغنية جذابة، ولمجرد قطعها بشكل مفاجئ في المنتصف تجدها عالقة في رأسك لبقية اليوم. فإن بدء إحدى المهمات يعني أنك ستواصل تنفيذها، وهذا على الأرجح سيجعلك تستأنف العمل في وقت لاحق.
سجّل تكاليف المماطلة. يعمل هذا الأسلوب بشكل أفضل عندما تؤجل المهمات الكبرى. على الرغم من أنه في بعض المهمات مثل عدم الركض في المساء لا يستحق الأمر قضاء 20 دقيقة في تسجيل تكاليف المماطلة، فإن التسجيل سيساعد بشكل ملموس في مهمات أخرى مثل الادخار لوقت التقاعد عن العمل. أضف في قائمتك جميع طرق المماطلة في معاملات صندوق التقاعد التي يمكن أن تؤثر في حياتك الاجتماعية، وشؤونك المالية، وإجهادك، وسعادتك، وصحتك، وما إلى ذلك.
ومن المهم أيضاً وضع قائمة بالأشياء التي أجَّلتها على الصعيدين الشخصي والمهني، كبيرها وصغيرها، أثناء حساب تكاليف المماطلة لكلٍّ منها.
اقطع الاتصال. تتيح أجهزتنا وفرة من وسائل الإلهاء، سواء كان ذلك عبر البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الرسائل النصية مع الأصدقاء والأسرة. ويعد هذا أمراً صعباً لا سيما أن عملنا يصبح أكثر غموضاً وغير منظم (وهما أمران محفّزان للمماطلة).
عندما تلاحظ أنك تستخدم جهازك للمماطلة، اقطع الاتصال. أحياناً عندما أكتب، أحرص على إبعاد هاتفي عني لدرجة أنني أضعه في غرفة أخرى، وأُغلق الواي فاي على جهاز الكمبيوتر الخاص بي. وفي أوقات أخرى، أنتقل إلى تطبيق مثل "فريدوم" (Freedom) أو "سيلف كنترول" (Self Control)، اللذين يحظران الوصول إلى مواقع الإلهاء، ويطلبان مني إعادة تشغيل جهاز الكمبيوتر فعلياً لاستعادة إمكانية الوصول.
قد يبدو هذا صارماً، وهو كذلك بالفعل. حيث لا يمنحك تعطيل وسائل الإلهاء الرقمية مسبقاً أي خيار آخر سوى العمل على ما هو مهم حقاً.
هناك طرق مؤكدة لمكافحة المماطلة بحيث لا تعوق إنجاز أهم مهماتك. في المرة التالية التي تقاوم فيها مهمة ما، عليك أن تفكر فيما إذا كانت مقاومتك لهذه المهمة تنطلق من أيّ من محفزات المماطلة، أو تعمل ضمن مستوى مقاومتك، أو تجبر نفسك على البدء في تنفيذها، أو تسجّل تكاليف تأجيل المهمة، أو تقطع الاتصال بالإنترنت وهي من أهم استراتيجيات التغلب على التسويف بالفعل.
إذا كنتَ مثلي، فستجد نفسك في كثير من الأحيان أقل مماطلة.
اقرأ أيضا: كيف تتغلب على التسويف وتأجيل العمل