من الشائع أن يتذمر الناس من ارتفاع أسعار السلع عندما يتجاوز العرض الطلب، مثلما هي الحال عند ارتفاع أسعار المجارف بعد العواصف الثلجية وارتفاع أسعار تذاكر حفلات المغنية الشهيرة تايلور سويفت. لكن المتسوقين الذين ضاقوا ذرعاً من التضخم يشهدون الآن تقلّب الأسعار عبر فئات منتجات مختلفة بنطاق وتواتر غير مسبوقين. وفي الغالب، يرون التسعير الديناميكي تكتيكاً تجارياً مخادعاً آخر ابتكرته الشركات القوية لتعزيز أرباحها، وهو ما يثير استياءهم ورفضهم المتزايد.
ليس مفاجئاً إذاً أن يزداد سؤال المدراء والطلاب والصحفيين حول إذا ما كان احتمال تحقيق أرباح إضافية قليلة تستحق المخاطرة بتنفير السوق. وإجابتنا عن هذا السؤال هي "نعم" كبيرة، ولكن مع بعض التحفظات المهمة. إليك ما يجب على الشركات معرفته لجعل التسعير الديناميكي يعمل لصالحها ولصالح عملائها.
نادراً ما يكون التسعير الثابت الخيار الأمثل
على الرغم من الانتقادات التي تطول التسعير الديناميكي، فإن التسعير الثابت ليس حلاً مثالياً أو شاملاً أيضاً، فهو يتعامل مع كل عميل وكل حالة شراء على نحو متساوٍ، في حين أن الواقع مليء بالاختلافات. بالنسبة للعملاء، يمكن أن تصبح الأسعار الثابتة مصدراً للإحباط عندما تمنعهم من الوصول إلى المنتج أو الخدمة، ويمكن أن يحدث ذلك عندما يكون السعر مرتفعاً جداً، ما يجعل المنتج أو الخدمة غير ميسورة التكلفة، أو عندما يكون السعر منخفضاً جداً، ما يؤدي إلى طوابير انتظار طويلة أو نفاد المخزون. يمكن رؤية أمثلة مهمة على ذلك في قطاع الرعاية الصحية الخاص في الولايات المتحدة وقطاع الصحة العامة في كندا. على العكس من ذلك، تُحبط الأسعار الثابتة الشركات عندما تؤدي إلى فائض في المخزون أو نقص في المعروض. لنفترض مثلاً أن خدمات النقل التشاركي أبقت أسعارها ثابتة، سيقل حينها دافع السائقين للعمل خلال الفترات المزدحمة مثل ساعة الذروة أو بعد الأحداث الكبيرة. لن تُعدل القدرة الاستيعابية، وسيضطر العديد من الركاب المحتملين للانتظار على جانب الطريق. وحتى لو اشتكى العملاء من التسعير الديناميكي، فإن المنطق وراء وجوده واضح تماماً.
في ظل ظروف السوق الحالية، يصعب تخيل قدرة شركة على الصمود أمام التضخم والركود الاقتصادي والجائحة العالمية وغيرها من الصدمات الكبرى دون القدرة على تكييف أسعارها مع ظروف السوق. فمن خلال تغيير الأسعار، يمكن للشركات تلبية احتياجات عدد أكبر من الأشخاص بهامش ربح أفضل، مع تحسين تجربة العملاء والعمليات في الوقت نفسه من خلال تخفيف حدة الطلب. من الواضح أن التغيرات في الأسعار في شكل تخفيضات موسمية أو تصفية بضائع، أو عروض "الساعة السعيدة"، أو الأسعار المخفضة خارج أوقات ذروة الطلب، تصب في مصلحة المتسوقين. بالإضافة إلى ذلك، بالنسبة للسلع اليومية التي يميل العملاء إلى شرائها تلقائياً، يمكن أن تجذب التغييرات غير المتوقعة في الأسعار انتباههم وتحسّن عملية اتخاذ القرار.
لكن هل يمكن أن تبالغ الشركات في تطبيق هذا المبدأ؟ لقد شهد كل عميل بالطبع تغييرات في الأسعار، لكن هذه الممارسة يمكن أن تتحول إلى مشكلة عندما يكون نمطها عشوائياً أو يجبر الأشخاص على التخطيط الدقيق للغاية لزياراتهم إلى المقهى أو المطعم، فضلاً عن إجازاتهم المفترضة للاسترخاء والاستجمام. يمكن أن يدفع الغموض الذي يدخل إلى عملية الشراء الأشخاص إلى الشعور بأنهم فقدوا السيطرة على قرار الشراء وافتراض وجود نوايا خادعة من جانب الشركات. علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي التغييرات المستمرة في الأسعار إلى زيادة حذر العملاء بشأن عملية إنفاق المال وتسريع ظهور الحساسية السعرية.
نؤمن بأن نجاح التسعير الديناميكي يعتمد في النهاية على خدمة المصالح المشتركة للشركات والعملاء على المدى الطويل. وهذا لا يتحقق إلا بشرطين. أولاً، مثلما ناقشنا سابقاً، يجب أن يقدم بديلاً أفضل من الأسعار الثابتة. وثانياً، يجب على الشركات أن تنظر إلى التسعير الديناميكي بصفته جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات التركيز على العملاء، وليس جانباً يتعارض معها. في ظل هذه الظروف، يصبح التسعير الديناميكي وسيلة فعالة للشركات والعملاء لتبادل القيمة، وأشبه بمادة تشحيم تسهّل دوران عجلات التجارة، وليس عصياً تعوقها.
لتحقيق ذلك، يجب أن تدرك الشركات أن تنفيذ برنامج تسعير ديناميكي ليس مجرد تحدٍّ رياضي فحسب، بل يتطلب أيضاً جهداً كبيراً في مجال التواصل. فبينما تبحث الخوارزميات عن الأسعار التي تحقق التوازن بين العرض والطلب، يتعين على الإدارة التحكم بالسرد من خلال شرح أن تغييرات الأسعار تسهّل العلاقة بين الشركة والعملاء. يجب فهم التسعير الديناميكي على حقيقته: أداة تقع بين طرفين في السوق وتنسق إجراءاتهما ولكن لا يملكها أي منهما تماماً. صحيح أن الشركات هي من يحدد الأسعار، لكن في الوقت نفسه، يمكن للعملاء قبولها أو رفضها.
متى يعترض العملاء على الأسعار؟
نرى العديد من الشركات تسيء التواصل مع العملاء أو تتجاهله تماماً، ما يخلق فراغاً تملؤه على الفور أصوات العملاء المربكين. وفقاً لتجربتنا، تكمن إحدى المشكلات في تلقي الشركات لنصائح عامة مثل "احرص على أن ينظر عملاؤك إلى الأسعار على أنها منصفة"، ولكنها في حيرة من أمرها بشأن الوقت المناسب لتغيير الأسعار أو كيفية نقل هذه التغييرات بفعالية. "الإنصاف" مفهوم صعب المنال وغير موضوعي في كثير من الأحيان.
لذلك فإن نقطة الانطلاق المفيدة في هذا الصدد هي إدراك أن الإنصاف يشمل كلاً من النتائج (عدالة التوزيع) والعملية (العدالة الإجرائية)، وتُقيم بطريقة مختلفة وفقاً لبضعة شروط يمكن التنبؤ بها. ومن ثم، لتحديد الفرص المتاحة للتسعير الديناميكي بصورة أفضل، نوصي الشركات بالنظر في هذه الأسئلة الأربعة بالتتابع:
هل تعديل السعر هو خيارك الوحيد؟
في حين أن اختلالات السوق يمكن أن تحدث بسبب تقلبات العرض أو الطلب، ينبع معظم المواقف التي تدفع الشركات إلى التفكير في تغيير الأسعار بصورة متكررة من تقلبات الطلب. العرض أقل تقلباً عموماً، وتوفر التغييرات في الأسعار حلاً أسرع. لكن ليست هذه هي الحال دائماً بالطبع. إذا كان العرض والطلب غير متوازنين بحيث يضطر العملاء لدفع أسعار أعلى، يجب على الشركات أولاً البحث عن حلول من ناحية العرض. إذا كان هناك خيار مجدٍ لإتاحة المزيد من المخزون والحفاظ على الأسعار، فقد يتوقع العملاء من الشركات أن تبدأ من هنا أو، وهو الأهم، رد الجميل للشركات التي تفعل ذلك. إذا لم يكن هذا الخيار متاحاً، فانتقل إلى السؤال الآتي.
هل سيلاحظ العملاء تذبذب أسعارك؟
كلما كانت التغييرات السعرية أوضح، احتاج العملاء إلى مساعدة أكبر على فهم المنطق وراءها وما الفائدة التي تعود عليهم منها. هذه الملاحظة واضحة إلى حد ما، لكن توجد على الأقل 3 تعقيدات ملحوظة. أولاً، في حين أن الشركات قد تسعى جاهدة للحفاظ على خصوصية الأسعار (من خلال تقديم عروض مخصصة على تطبيقات الهاتف المحمول، على سبيل المثال)، فإنها لا تستطيع ضمان بقاء الأسعار خاصة، إذ تزداد قدرة الأشخاص على اكتشاف الممارسات التي يرونها غير عادلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركتها.
ثانياً، المهم هو إدراك تقلب الأسعار. على سبيل المثال، قد يحدد بائع التجزئة أسعاراً ثابتة مختلفة لمنتج واحد عبر نقاط البيع الفعلية وعبر الإنترنت، ولكن العملاء الذين يتسوقون في أماكن متعددة يدركون أن السعر يتغير.
ثالثاً، قد تطبق الشركات التسعير الديناميكي، لكن طبيعة الشراء تجعل معظم العملاء يرون سعراً واحداً فقط في وقت معين. إذا كانت شركتك قادرة على ضمان عدم ملاحظة التسعير الديناميكي، يمكنك البدء. إذا لم يكن الأمر كذلك، ففكر في السؤال الآتي.
ما حافز الشراء الأساسي؟
تختلف نظرة العملاء لتغير الأسعار بناءً على إذا ما كان اختيار معين نابعاً من رغبتهم الشخصية أو عامل خارجي. على سبيل المثال، يتفاعل العملاء بصورة مختلفة مع تغيرات الأسعار على السلع التي يرغبون في شرائها فقط مقارنة بالسلع التي يشعرون بأنها ضرورية. من المرجح أن ينظر العملاء إلى اختلاف الأسعار على السلع والخدمات التي يرون أنها ضرورية على أنه استغلال. أما إذا كان قرار الشراء يستند إلى تفضيل شخصي، فإن التسعير الديناميكي يبدو مبرراً أكثر. إذا كان الاختيار ناتجاً عن تأثير خارجي، فاقرأ السؤال الأخير.
هل هناك بدائل مقبولة أمام العملاء؟
كلما قلّ شعور المستهلكين بالتحكم بخياراتهم، زاد احتمال تذمرهم. على سبيل المثال، قد ترتفع تكلفة شراء مشروب مساءً من المقهى بسبب ارتفاع الطلب، ولكن هل تناول مشروب في منتصف يوم العمل بديل واقعي؟ إذا كان هذا المقهى هو الوحيد من بين المقاهي القليلة التي تتبع سياسة التسعير الديناميكي في ساعات الذروة، يمكن للأشخاص الذهاب إلى مقهى آخر، لكن ذلك قد يتسبب بعدم الراحة لبعد المقاهي الأخرى أو تغيير الجو المعتاد.
3 توصيات للشركات
بمجرد أن تكوّن الشركات فهماً أفضل للفرص المتاحة للتسعير الديناميكي، عليها التفكير في التنفيذ. لقد وجدنا أن بإمكانها تحسين فرص نجاحها من خلال تقديم التفسير المنطقي لاختلاف الأسعار بشفافية، ومساعدة العملاء على اتخاذ خيارات أفضل، وتحسين كيفية عرض الأسعار الديناميكية عند زيادة الأسعار:
تقديم التفسير المنطقي بشفافية
الشفافية حول سبب تغيير الأسعار وتوقيته ضرورية بالنسبة للشركات لإقناع العملاء بأن التسعير الديناميكي مفيد للطرفين. إذا كان التسعير الديناميكي أفضل طريقة لمشاركة القيمة التي تخلقها المؤسسات، يجب ألا يكون لديها ما تخفيه، بل على العكس، يجب أن تغتنم الفرصة لشرح البرنامج الجديد لعملائها.
لكن الشفافية وحدها لا تكفي للنجاح. إذ يحتاج المستهلكون إلى فهم منطقك وراء قرارك وتقبّله. على سبيل المثال، كشفت سلسلة ستونغيت مقدماً عن سبب تحولها إلى التسعير الديناميكي وحددت بعض التكاليف التي ستغطيها زيادة الأسعار، لكن العملاء لم يروا الفوائد التي ستعود عليهم.
على العكس من ذلك، قد يؤدي إخفاء التغييرات عن العملاء إلى ردّ فعل سلبي أقوى. ففي حال اكتشاف العملاء محاولات خفية لتطبيق التسعير الديناميكي، قد يشاركون تجاربهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات، وإذا ما حدث ذلك، فلن يكون لدى الشركة أي سيطرة على السرد على الإطلاق. من الأمثلة على ذلك الانتقادات التي تعرضت لها شركة التشخيص الطبي سيفيد (Cepheid) بسبب رفع سعر تكنولوجيا اختبار تشخيص السل الضرورية جداً، وذلك بعد التحقيق في تكاليف المنتج بتحريض من منظمة أطباء بلا حدود.
ساعد العملاء على الاستفادة من نظامك
لقد شرحنا سابقاً أن احتمال تذمر العملاء، مع تساوي العوامل الأخرى جميعها، يقلّ إذا ما شعروا بأن لديهم القدرة على تغيير وضعهم من خلال إجراءاتهم الخاصة. كلما زادت قدرة الشركات على إرشاد العملاء حول كيفية الاستفادة من نظام التسعير الديناميكي، زاد الوقت والرغبة لديهم لتعديل سلوكياتهم مع قدر أقل من التخطيط الجزئي ويقين أكبر. يمكن تحقيق ذلك من خلال إخطارهم بالوقت الذي سيؤدي فيه التسعير الديناميكي إلى انخفاض الأسعار وربما ترغيبهم أو تحفيزهم لتحويل مشترياتهم إلى تلك الأوقات. على سبيل المثال، عندما اعتمدت شركة ديزني التسعير الديناميكي في منتزهاتها الترفيهية، اكتشف الزوار أن بمقدورهم جدولة عطلاتهم خلال الفترات التي تكون فيها المتنزهات أقل ازدحاماً. كما يُعد الانضمام إلى نادٍ أو برنامج ولاء خياراً آخر للعملاء المنتظمين للحد من تأثرهم بتقلبات الأسعار.
عندما ترتفع الأسعار، ركّز على الفوائد التي تعود على العملاء
مثلما هي الحال مع أي زيادة في الأسعار، يجب على الشركات أن تقدم للعملاء أسباباً مقنعة للتركيز على القيمة وليس السعر. ويمثل ذلك فرصة للشركة لتسليط الضوء على عرض القيمة الفريد الذي تقدمه وتعزيز مدى قدرة التسعير الديناميكي على زيادة الوصول، بحيث تتاح للأشخاص ذوي الدخل المحدود فرصة الاستفادة من المنتج أو الخدمة. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين الخدمة بطريقة تعود بالنفع على الطرفين، على سبيل المثال، عندما يستفيد العملاء من تخفيف الازدحام وتسريع الخدمة، في حين تستطيع الشركة خفض تكاليف العمالة من خلال موازنة الطلب على مدار اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو السنة.
يمكن أيضاً أن يساعد استخدام مصطلحات مختلفة على صرف انتباه العملاء عن ارتفاع الأسعار. فمصطلح "التسعير الديناميكي" يستحضر صوراً لخوارزميات تتحكم في حياتنا بعيداً عن سيطرتنا، ومن المستحيل تقريباً وضع صورة إيجابية لمصطلح مثل "التسعير الديناميكي". ولكن إذا قدمت الشركة فترات رفع الأسعار أو خفضها في إطار عروض منفصلة، لكل منها مزايا مختلفة وعرض قيمة مميز، فسيشعر العملاء بقدرة أكبر على اتخاذ خيارات أفضل وتعديل سلوكياتهم الشرائية.
نعتقد أن الشركات ترتكب الخطأ الجوهري نفسه الذي ترتكبه عند تحديد الأسعار والإعلان عنها عموماً؛ فهي تحاول جعل الأسعار تبدو أقل تكلفة أو أقل أهمية مما هي عليه في الواقع لتعزيز فرص إتمام المعاملات على المدى المنظور. لكن القواعد تختلف إلى حد كبير في سياق العلاقة مع العملاء، إذ "يفهمون ما بين السطور" لاستيعاب قيم الشركة ونواياها. تحتاج الشركات إلى مراعاة التأثير الطويل المدى لإجراءاتها على علاقتها مع العملاء.
المبرر النظري للتسعير الديناميكي قوي، حتى من وجهة نظر العميل، فمن النادر أن تجد منتجاً مثل كوكاكولا سعره ثابت عند 5 سنتات لـ 70 عاماً! لكن المبررات العملية غالباً ما تكون ضعيفة ولا تراعي مصلحة العميل بأي شكل من الأشكال. يتمتع التسعير الديناميكي بالقدرة على زيادة إيرادات الشركات مع توسيع نطاق الوصول وتعزيز رضا العملاء. ولكن عندما تروي الشركة قصة مجتزأة فقط، أو لا تروي أي قصة مطلقاً، فإنها تقوّض هذه الفرصة من خلال تشجيع العملاء ووسائل الإعلام على التركيز فقط على ارتفاعات الأسعار المحرجة.