ملخص: تنفق الشركات ثروات هائلة على هندسة تصميم المنتجات بالطرق التقليدية، كإضافة تعديلات على الأزرار والمقابض. لكن الشركات الأكثر نجاحاً اليوم خبيرة أيضاً في هندسة قضايا الملكية لخلق قيمة من خلال إدارة ملكيتها للمنتجات والخدمات. ويحدد المؤلفون 3 من أنجح استراتيجيات هندسة الملكية وأقلها شهرة، ألا وهي 1) التسامح مع السرقة، والتي قد تمثّل استراتيجية للاستحواذ على العملاء؛ 2) والتنازل عن الملكية، أو معرفة وقت نشر استراتيجيات بديلة للملكية القانونية، مثل السرية أو ميزة المتحرك الأول في السوق؛ 3) والميل إلى الغموض أو اغتنام الفرص عندما تكون الجوانب القانونية المتعلقة بالملكية غير واضحة.
قد نفترض أن قضايا الملكية تنطوي على إجراءات واضحة في الأعمال التجارية، وهي أن تحصل على براءة اختراع أو حقوق نشر عندما تبتكر شيئاً ما، وأن تفرض رسوماً على استخدام ابتكارك، وأن تتجنب الغموض حول هوية المالكين.
لكن ذلك الافتراض خاطئ في معظمه.
وتعرف الشركات الأكثر ذكاءً في العالم تلك الحقيقة بالفعل. على سبيل المثال، تتسامح شبكة "آتش بي أو" (HBO) مع سرقة منتجها الأساسي. ولا تزال شركة "سبيس إكس" (SpaceX) تتخلى عن رغبتها في الحصول على براءات اختراع لمنتجاتها. وأطلقت شركة "إير بي إن بي" (Airbnb) خدماتها قبل أن تقرر المدن ما إذا كانت الإيجارات قصيرة الأجل قانونية أم لا.
وتُعتبر تلك الشركات الناجحة خبيرة في هندسة قضايا الملكية، وهو مصطلح يعني خلق القيمة من خلال إدارة ملكيتها للمنتجات والخدمات. تنفق الشركات ثروات هائلة على هندسة تصميم المنتجات بالطرق التقليدية، كإضافة تعديلات على الأزرار والمقابض. لكنها تتجاهل من جهة أخرى هندسة الملكية، على افتراض أنها حقيقة ثابتة وغير قابلة للتغيير. لكن ذلك الافتراض الخاطئ مكلف للغاية.
استراتيجيات هندسة الملكية
ويحدد المؤلفون في هذه المقالة 3 من أنجح استراتيجيات هندسة الملكية وأقلها شهرة. لا يجري تدريس تلك الأساليب في كليات إدارة الأعمال، ولن تتعلمها من محامين الشركات. ومن يستفيد من تلك الاستراتيجيات في الواقع هم أولئك الذين يدركون ماهية قضايا الملكية بالفعل.
1- التسامح مع السرقة
عندما استطلعنا آراء الجماهير، اعترف معظمهم بسهولة باستخدام كلمات مرور الآخرين بشكل غير قانوني لبث برامج شبكة "آتش بي أو" الناجحة. والمثير للدهشة هو أن شبكة "آتش بي أو" تحملت تلك السرقة لسنوات. يمكن للشركة تحديد هوية من يسرق محتواها بسهولة، لكنها آثرت عدم القيام بذلك بزعم أنها فرصة لاستحواذ المستهلكين. وقد أوضح ريتشارد بلبلر، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لشركة "آتش بي أو" في عام 2014 أن مشاركة كلمات المرور غير القانونية "تتيح للعلامة التجارية الوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص، وتمنحهم فرصة أن يصبحوا مدمنين عليها".
وعلى الرغم من علم شركة "مايكروسوفت" من احتمال قرصنة برمجياتها، اتبعت الاستراتيجية ذاتها لتعزيز وجودها في الصين. وقد أكد بيل غيتس ذلك في عام 1998 بقوله: "طالما أنهم سيسرقونها، فأهلاً بهم". وأضاف مؤكداً على رأي بلبلر: "سنكتشف طريقة ما لتحصيل الأموال منهم في العقد المقبل، أي بعد أن يصبحوا مدمنين عليها". وبالفعل، تُمثل الصين اليوم ما يصل إلى 10% من عائدات "مايكروسوفت" السنوية البالغة 125 مليار دولار.
حتى شركة "ديزني" تتسامح مع السرقة بشكل استراتيجي. اشتهرت الشركة على مدى عقود بالدفاع بقوة عن حقوق النشر وعلاماتها التجارية، لكنها غالباً ما تغض الطرف وتتسامح مع القراصنة الذين يلفتون أنظار معجبيها من خلال صنع منتجات مبتكرة. على سبيل المثال، عندما ابتكرت منصة البيع الإلكتروني "بيبيدي بوبيدي بروك" (Bibbidi Bobbidi Brooke) خط إنتاج ذائع الصيت تمثّل في صنع آذان ميكي ماوس مطلية بلون الذهب الوردي في عام 2016، لم تتخذ "ديزني" أي إجراءات لوقف الإنتاج، على الرغم من أن ذلك كان من حقها القانوني، بل قامت ببساطة بنسخ تصاميمها. وبعد أن أصبحت نسخة "ديزني" الرسمية متاحة في المتاجر، بيعت آذان ميكي ماوس الجديدة على الفور. وعبّرت منصة "بروك" عن تقبّلها تلك الخطوة بأن نشرت عبر موقعها عبارة: "سعداء برؤية عروض سلعنا الجديدة".
وبالتالي، كل الأطراف تربح، حيث واصلت منصة "بروك" أعمالها واستفادت شركة "ديزني" من تطوير منتجات منخفضة التكلفة.
يمكن للتسامح مع السرقة أن يفيد صانعي السلع الكمالية أيضاً. على سبيل المثال، لا يؤثر السائحون الذين يشترون ساعات "رولكس" المقلدة في تايمز سكوير على كمية المبيعات المشروعة. فقد تكون المنتجات المقلدة أفضل إعلان مجاني يُرشد المستهلكين إلى ما يجب أن يطمحوا إليه بالفعل. وقد كشفت إحدى الدراسات بالفعل أن 40% من الأشخاص الذين اشتروا سلعاً فاخرة مزيفة اشتروا السلع الأصلية في وقت لاحق.
2- التنازل عن الملكية
يمتلك قادة الشركات ومحاميهم تحيزاً وافتراضاً غير مبرر بأن الملكية القانونية مهمة. والمثير للدهشة هو أن الملكية القانونية غير مهمة، وتتخلى بعض الشركات اليوم طواعية عن الملكية تماماً، حتى عندما يتيح القانون أنظمة حماية لها.
ويكمن سر النجاح في معرفة وقت وكيفية نشر بدائل فاعلة للملكية القانونية. على سبيل المثال، يفضّل بعض رواد الأعمال المتميزين التزام السرية على الحصول على براءات الاختراع. ويقول إيلون ماسك، مؤسس شركة "سبيس إكس": "ليس لدينا أي براءات اختراع أساساً، فمنافستنا الرئيسة طويلة الأجل هي الصين، وسيكون من المضحك أن ننشر براءات اختراع، لأن الصينيين سيستخدمونها كدليل تفصيلي فقط".
وتتمثل الاستراتيجية الأخرى في الاستفادة من منصة أخرى يستخدمها الجميع بالفعل، وهو ما يُطلق عليه الاقتصاديون "العوامل الخارجية للشبكة". يُقال أن شركة "آي بي إم" هي الشركة الحاصلة على أكبر عدد من براءات الاختراع في العالم، لكنها تكسب اليوم أرباحاً قليلة من تراخيص مجموعة براءات الاختراع مقارنة بالإيرادات التي تحصل عليها من منصة "لينوكس" (Linux)، وهي لغة برمجيات "مفتوحة المصدر" أسسها ويديرها متطوعون. البرنامج مجاني لاستخدامه من قبل أي شخص، بما في ذلك شركة "آي بي إم" التي تبيع الأجهزة والمعدات التي تستخدمها منصة "لينوكس". وأصبحت تلك المنصة ذات قيمة كبيرة لشركة "آي بي إم" لدرجة أنها ساهمت حتى بمليار دولار في الخدمات الهندسية لدعم تطوير المنصة المجانية.
قد تكون "ميزة المتحرك الأول" استراتيجية أخرى ذات قيمة. على سبيل المثال، يؤمن المدربون بضرورة تطوير خطط جديدة كل موسم، حتى من دون الحصول على ملكية. على سبيل المثال، قاد كريس أولت، مدرب كرة القدم في فريق جامعة نيفادا في لوس أنجلوس فريقه إلى قمة الدوري بخطته المبتكرة "هجوم المسدس"، التي تنطوي على وقوف لاعب الدفاع خلف لاعب الوسط. لم يتمكن أحد من ابتكار تلك الخطة من قبل، ومع ذلك، قام الكثيرون بتقليدها لاحقاً، بما فيهم أعضاء فرق اتحاد كرة القدم الأميركية. ودائماً ما يحصل المبتكرون في عالم الرياضة وحتى في المسابقات في الواقع على فرص عمل جديدة من قبل فرق أخرى برواتب أعلى، وقد يُعرض عليهم في بعض الأحيان زيادة في رواتبهم لحثهم على البقاء في فرقهم. وغالباً ما يُجزى المبتكرون على أفكارهم خير الجزاء، دون تقديم أي حوافز ملكية إضافية لهم.
3- الميل إلى الغموض
قد يتردد قادة الشركات في الاستثمار عندما تكون بيئة الملكية لمنتجاتهم أو خدماتهم غير مستقرة. يفترض الكثيرون أن قواعد الملكية الواضحة هي شرط أساسي لدخول الأسواق. لكن لا يحظى الوضوح القانوني بتلك الأهمية دائماً.
يمتلك الملايين من الأشخاص سياراتهم وشققهم الخاصة، لكن هل يمكنهم تحصيل رسوم من الآخرين لقاء الرحلات أو الإقامات القصيرة؟ كان القانون غير واضح حتى وقت قريب بشأن نطاق حقوق المالكين، لكن لم يمنع ذلك الغموض شركتي "أوبر" و"إير بي إن بي" من دخول أسواق جديدة.
كما أنه لم يعق تقدم عمل مئات الشركات الناشئة القائمة على شعار عالم التكنولوجيا، "اطلب الصفح بدلاً من أن تطلب الإذن".
لا يُعتبر ذلك الشعار دعوة لخرق القانون بالتأكيد، على العكس تماماً، بل هو إقرار بأن قواعد الملكية دائماً ما تكون أقل اكتمالاً مما يفترضه الأفراد، وأن الغموض المرتبط بالملكية قد يوفر فرصاً تجارية مشروعة وقيمة.
وهذا ليس بجديد، إذ كان غموض الملكية سائداً خلال القرن التاسع عشر عندما كان المزارعون يستقرون في الغرب الأميركي. وتلك هي الطريقة التي ادعى بها أوائل المهاجرين تملكهم أراض في أوكلاهوما، والتي طالب من خلالها مهاجرو عام 1849 بتملكهم أراض في كاليفورنيا لاستخراج الذهب. ولم يُفرض القانون إلا مؤخراً، لكن الولايات لم تعترف إلا بالادعاءات المبكرة.
واليوم، لا يوجد للمعلومات المهمة التي ترغب الشركات في الحصول عليها قوانين ملكية واضحة. على سبيل المثال، تطالبنا منصة "فيسبوك" بالنقرات؛ وتطالبنا شركة "23 آند مي" (23andMe) بالجينات، وهذه البيانات تساوي مليارات الدولارات، لكن من يمتلكها بالفعل؟ القانون ليس واضحاً بعد، لكن تلك الشركات الذكية تستبق الأحداث وتحاول من خلال عرض مطالبها فرض حدود الملكية.
قد تبدو الملكية طبيعية ولا جدال فيها، لكن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، لأن تحديد حدود الملكية هو موضع جدال دائم. وهذا يعني أن بإمكان الشركات كسب ميزة تنافسية من خلال إيجاد طرق جديدة لهندسة الملكية، تماماً كما تقوم بهندسة ميزات سلعها وخدماتها.
إن التسامح مع السرقة والتخلي عن الملكية والميل إلى الغموض هي 3 من أهم الاستراتيجيات التي تستخدمها أنجح الشركات في العالم بالفعل لتحديد حدود الملكية.
وقد وجدنا في عملنا مع قادة الشركات أن أصعب خطوة تمثّلت في طرح السؤال الأول: "هل يمكنني حقاً تحقيق الربح من خلال هندسة الملكية؟" الجواب هو نعم بالطبع، وبمجرد أن تفهم طبيعة قضايا الملكية لن تتمكن من التغاضي عنها.