كيف تُحسّن طريقتك في اتخاذ القرارات المصيرية باستخدام تكنولوجيا التوائم الرقمية؟

5 دقيقة
تكنولوجيا التوائم الرقمية

ملخص: اقتصرت التطبيقات التقليدية لتكنولوجيا التوائم الرقمية في الماضي على المجالات المادية الملموسة، مثل مواقع البناء أو حتى المدن في حالة سنغافورة، لكن الوضع اختلف الآن في ظل القدرة على الجمع بين أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي وتكنولوجيا التوائم الرقمية لنمذجة العمليات المؤسسية وسلاسل التوريد. علاوة على ذلك، لم تعد هذه التكنولوجيا حكراً على الشركات الكبرى؛ لأن تكلفتها المنخفضة تجعلها في متناول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أيضاً. وبمقدور الشركات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى جانب تكنولوجيا التوائم الرقمية لتحليل بيانات العملاء الحالية وإنشاء نماذج افتراضية مفصلة لمختلف شرائح العملاء دون الحاجة إلى موارد ضخمة أو محللين متخصصين. تتناول هذه المقالة بالتفصيل حالتين لشركتين توضحان كيفية تحقيق نتائج مذهلة بالجمع بين الذكاء الاصطناعي التوليدي وتكنولوجيا التوائم الرقمية.

قد يؤدي التغيير الاستراتيجي إلى زعزعة المؤسسات، مهما حرصنا على تنفيذه بأفضل الأساليب، ومن الممكن أن تدمّر الاستراتيجيات السيئة أي مؤسسة. لذلك للأسف، يبدو تغيير الاستراتيجية أشبه بضربة حظ في ظل العوامل المؤثرة الكثيرة، لكن ماذا إن كانت ثمة طريقة دقيقة وغير مكلفة للتنبؤ بأثر سيناريوهات التغيير المعقدة؟ ربما رفضت أنظمة التنبؤ الآلية في الماضي، لكن حان الوقت الآن لإعادة النظر فيها.

كانت التطبيقات التقليدية لهذه الأنظمة، المعروفة أيضاً بتكنولوجيا التوائم الرقمية، تقتصر على المجالات المادية الملموسة، مثل توربينات الرياح أو مواقع البناء أو حتى المدن في حالة سنغافورة؛ إذ يمكن استخدام التوأم الرقمي للكائن أو النظام المادي من أجل إخضاعه لعدة عمليات محاكاة بهدف التنبؤ بتفاعلاته مع التغيرات في بيئته الخارجية والاستفادة من البيانات الناتجة لإجراء تحسينات على تصميمه أو بنيته.

أدت القدرة على الجمع بين أدوات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا التوائم الرقمية إلى تمكين الشركات مؤخراً من إنشاء توائم رقمية للعمليات المؤسسية وسلاسل التوريد، علاوة على ذلك، لم تعد هذه التكنولوجيا حكراً على الشركات الكبرى؛ لأن تكلفتها المنخفضة جعلتها في متناول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أيضاً، وبات بمقدورها استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى جانب تكنولوجيا التوائم الرقمية لتحليل بيانات العملاء الحالية وإنشاء نماذج افتراضية مفصلة لمختلف شرائح العملاء دون الحاجة إلى موارد ضخمة أو محللين متخصصين.

وعلى النقيض من إصدارات التوائم الرقمية العتيقة الطراز المصنوعة بحسب الطلب وذات التكلفة الباهظة، فإن إصداراتها الحالية تتميز بالسرعة وانخفاض التكلفة والتطور؛ إذ تنطوي على إنشاء نسخة افتراضية طبق الأصل من نظام يضم عناصر حقيقية باستخدام بيانات سابقة وآنية، إضافة إلى التحليلات المحوسبة ونماذج تعلم الآلة المتقدمة. وهذه العملية ليست مجرد محاكاة بسيطة؛ إذ يُخضع المدراء التوائم الرقمية للأنظمة الحقيقية لعمليات محاكاة بسيناريوهات متعددة، ثم يجرون تعديلات على الأنظمة الحقيقية استناداً إلى البيانات التي تنتجها السيناريوهات النموذجية، ثم يستخدمون البيانات الناتجة لتعريض التوائم الرقمية لسيناريوهات جديدة منقَّحة تنتج المزيد من البيانات التي يمكنهم تطبيقها على الأنظمة الحقيقية، وهكذا دواليك. ونتيجة لهذا، يتمتع المدراء الآن بمرونة غير مسبوقة لتجربة التغييرات قبل تنفيذها، ما يعني تغييراً جوهرياً في طرق تصميم الاستراتيجية المتبعة.

ونستعرض هنا بالتفصيل حالتين لشركتين، كان أحدنا يقدم لهما خدماته الاستشارية، توضحان كيفية تحقيق نتائج مذهلة بالجمع بين الذكاء الاصطناعي التوليدي وتكنولوجيا التوائم الرقمية.

المحتوى التلفزيوني الموجَّه

لدى شركة تلفزيونية بريطانية رائدة، سنسميها إكلبس (Eclipse)، جمهور متنوع يتألف من شرائح عمرية مختلفة في مواقع جغرافية متعددة ولها تفضيلات متباينة. وقد أوضح مدير إدارة جمهور المشاهدين، آرون، قائلاً: "أثبتت أبحاثنا أننا نفقد تفاعل الجمهور، وعلينا أن نقدم محتوى ينسجم مع التفضيلات الشخصية لمختلف شرائحه والتفاعل معهم آنياً عبر موقعنا الإلكتروني وتطبيق الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي كي نستعيد حصتنا السوقية". ولتحقيق هذه الغاية كان على الشركة فهم تفضيلات مختلف شرائح جمهورها وسلوكياتها وتلبيتها.

التوأم الرقمي

أكد آرون قائلاً: "جمعنا أولاً معلومات مفصلة عن شرائح جمهورنا، منها البيانات الديموغرافية وعادات المشاهدة ومقاييس التفاعل، وكذلك السلوك مثل أنماط التصفح". ثم شرعت شركة إكلبس في تصميم توأم رقمي قائم على الخوارزمية لجمهورها يمكنه التنبؤ بأثر تغيُّر تفضيلات المحتوى على سلوك المشاهد استناداً إلى بيانات التدريب. واعتمدت الشركة في تشغيل هذا النموذج على الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما أتاح لها إجراء محاكاة آنية والتوصُّل إلى توقعات دقيقة.

ومن ثم بدأ التفاعل بين التوأمين المادي والرقمي، ووضحه آرون قائلاً: "نستخدم التنبؤات المستمدة من التوأم الرقمي لتقديم تجربة مشاهدة تنسجم مع التفضيلات الشخصية للجمهور الحقيقي، ويدمج التوأم الرقمي بدوره البيانات الجديدة الآنية حول تفاعل الجمهور مع الموقع الإلكتروني وتطبيق الهاتف المحمول ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي في نموذجه التنبؤي". أدى هذا الإجراء إلى تعزيز نتائج الشركة، وهو ما أوضح آرون أنه يمثل "دورة تحسين مستمر".

وقد ضرب آرون مثالاً على ذلك، قائلاً: "أردنا الترويج لمسلسل خيال علمي جديد. نروج عادة للمسلسلات الجديدة على نطاق واسع اعتماداً على الدعاية الشاملة دون مراعاة توقيتات أو قنوات محددة، لكننا قررنا هذه المرة تجربة ما سيوصي به التوأم الرقمي الذي عمل على محاكاة الخيارات الاستراتيجية لمجموعة من الأساليب الإعلانية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات عبر المدونات الصوتية والبث المجاني في أوقات مختلفة من اليوم".

توصّل آرون باستخدام التوأم الرقمي إلى وجود شريحة رئيسية من المشاهدين في الفئة العمرية من 18 إلى 24 عاماً يشاهدون على نحو متكرر مسلسلات الخيال العلمي والأبطال الخارقين والأفلام الكرتونية "الأنمي" في وقت متأخر من الليل، وهو جمهور مستهدف مثالي للمسلسل الجديد. قد لا يبدو هذا مفاجئاً في حدّ ذاته، لكن التوأم الرقمي توصّل أيضاً إلى أن هذه المجموعة لا تتفاعل بقوة مع محتوى الدعاية الشاملة للمسلسل الجديد، لذلك اختبر آرون سيناريوهات افتراضية متعددة على التوأم الرقمي واكتشف أن بث مواد ترويجية على منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشط بها هذه الشريحة العمرية أكثر من غيرها، مثل إنستغرام، بمقدوره زيادة عدد المشاهدين، كما توقع التوأم الرقمي جذب المزيد من المشاهدين عند تأخير توقيت بث المحتوى الترويجي حتى ساعات متأخرة من الليل وتغيير طبيعة المحتوى بحيث يصبح أكثر ملاءمة للشباب وتقديم إعلانات موجَّهة.

النتائج

قال آرون: "أثبتت أبحاثنا ارتفاع مستوى تفاعل المستخدمين ورضاهم بنسبة كبيرة، فضلاً عن زيادة الحصة السوقية". وأدى تقديم محتوى ينسجم مع التفضيلات الشخصية لمختلف شرائح الجمهور إلى ارتفاع معدلات النقر على محتوى الخيال العلمي بموقع الشركة الإلكتروني بنسبة 30% وارتفاع الوقت الذي يمضيه المستخدمون على موقع الشركة الإلكتروني بنسبة 21%. وأشار آرون موضحاً: "لاحظنا ارتفاع معدلات تفاعل المستخدمين وازدياد عدد مشاهدي المسلسل الجديد على نحو ملحوظ عند الترويج له باستخدام مقاطع دعائية وإعلانات مخصَّصة".

التواصل مع المستهلك بأسلوب يوائم تفضيلاته الشخصية

تدير شركة سنسميها دالكيث (Dalkeith) مجموعة من متاجر بيع الأغذية بالتجزئة في الولايات المتحدة. وقد أوضحت الرئيسة التنفيذية للتسويق، كريستين، مشكلة الشركة قائلة: "نجد صعوبة في خلق تجربة عميل متسقة عبر قنوات تسويقنا الثلاث: الإعلانات عبر الإنترنت، والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، والعروض الترويجية داخل المتاجر". أدى ضعف التكامل عبر هذه القنوات إلى عدم اتساق رسائل شركة دالكيث وخفض فعالية الحملات التسويقية. أرادت كريستين صياغة رسالة موحَّدة اختصرتها بقولها: "نريد تحقيق المزيد من العائدات على ما ننفقه على التسويق".

التوأم الرقمي

أوضحت كريستين أن شركة دالكيث استخدمت بيانات من قنواتها الثلاث لإنشاء توأم رقمي قائم على الخوارزمية لمحاكاة مختلف ردود فعل العملاء تجاه الحملات التسويقية عبر قنواتها. وبالاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، استطاع التوأم الرقمي حينذاك محاكاة سلوكيات العملاء وتفاعلاتهم المعقدة قبل إطلاق حملاتها التسويقية على نطاق واسع.

قبل تفعيل التوأم الرقمي، كانت الشركة تستخدم الإعلانات العامة نفسها طوال العام، وقد أوضحت كريستين هذه النقطة قائلة: "عملنا على محاكاة سيناريوهات متعددة باستخدام التوأم الرقمي الذي توقع استجابة العملاء الأصغر سناً للرسائل الصديقة للبيئة أكثر من غيرهم، كما توقع تحقيق نتائج جيدة عند مزامنة الإعلانات عبر الإنترنت مع العروض الترويجية داخل المتاجر". استطاعت كريستين بعد ذلك استثمار ميزانية التسويق المخصَّصة لها في تنفيذ السيناريوهات التي خضعت للاختبار، ما قلل خطر سوء التقدير؛ فصممت شركة دالكيث رسائلها الترويجية الموجَّهة إلى العملاء الأصغر سناً بأسلوب يركز على الفوائد البيئية لمنتجاتها العضوية. تقول كريستين: "استثمرنا أيضاً في الإعلانات عبر الإنترنت التي تتناول العروض الترويجية داخل المتاجر؛ فصممنا مثلاً منشورات موجَّهة على وسائل التواصل الاجتماعي حول فعاليات تذوق المنتجات".

النتائج

شهدت شركة دالكيث زيادة فعالية الحملة عموماً بنسبة 20%، واستندت الشركة في تحديد هذه النسبة إلى قياس معدلات تفاعل العملاء ومعدل التحويل وتكرار عمليات الشراء ومستويات رضا العملاء، كما سلطت كريستين الضوء على نتيجة إضافية، قائلة: "شهدنا زيادة معدلات الاحتفاظ بالعملاء بنسبة 15%" (معدل استمرار تعامل العملاء مع الشركة خلال فترة زمنية معينة).

لطالما تمنى الرؤساء التنفيذيون وكبار المسؤولين التنفيذيين اختبار عملية صناعة القرارات الاستراتيجية قبل تنفيذها، ولم تكن أساليب اختبارها موثوقة بالدرجة المطلوبة حتى وقت قريب، لكن الوضع اختلف الآن في ظل تطبيق الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي التوليدي وتطور تكنولوجيا التوائم الرقمية. وسواء كانت مؤسستك كبيرة أو صغيرة، يجدر بك إعادة النظر في تكنولوجيا التوائم الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي لتعزيز فرص نجاح عملية صناعة القرارات الاستراتيجية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي