كيف تتحكم في عواطفك وتستخدمها لاتخاذ قرارات أفضل؟

5 دقيقة
تصوير: خافيير زاياس/غيتي إميدجيز

ملخص: في أغلب الأحيان، عند الحاجة إلى اتخاذ قرار عصيب، نستعجل العملية حتى نتفادى البقاء فترة طويلة مع مشاعر غير مريحة. لكن توجيه تلك المشاعر -وهي عملية يطلق عليها المؤلف اسم "التغليف العاطفي" (emotional bookending)- يمكن أن يساعد على ضمان الوصول إلى قرار صحيح، والاستعداد للمضي قدماً بثقة وقدرة على رؤية العوامل المؤثرة بوضوح. تتسم هذه العملية بالبساطة، وتتضمن تخصيص شيء من الوقت لتحديد 1) المشاعر التي تشعر بها عند مواجهة قرارك، و2) المشاعر التي تريد أن تشعر بها عند التفكير في قرارك لاحقاً بعد اتخاذه، وكأنك تنظر إليه في المرآة الخلفية للسيارة بعد أن تركته خلفك. ما الذي تراه؟ كيف أصبحت حياتك أفضل بعد نتيجة مُرضية للقرار؟

ألقيت مؤخراً كلمة رئيسية في جامعة كورنيل حول كيفية ضمان نجاح القرارات التي نتخذها بصورة أفضل. وبدأت المحاضرة من خلال استطلاع لآراء الحضور الذين بلغ عددهم 2,000 شخص تقريباً لمعرفة إن كان يساورهم القلق بشأن ارتكاب الأخطاء عندما يتصدون لاتخاذ قرار مهم. وأجابت الأغلبية العظمى من الجمهور بنسبة 92% بنعم.

طلبت من الحضور بعد ذلك وصف الأخطاء التي يخشون ارتكابها بكلمة واحدة أو اثنتين. وقد أظهرت الإجابات الأكثر تكراراً من ضمن سحابة الكلمات التي جُمعت، أن الكثير منا يخشون المبالغة في الاعتماد على الحدس أو الغريزة في اتخاذ القرار. وعلى وجه التحديد، أعرب الحضور عن قلقهم إزاء الاندفاع والاستعجال والتهور والطيش، واتخاذ القرارات بناءً على العواطف.

إذا كان الكثير منا يشعرون بالقلق من ارتكاب الأخطاء بسبب الاستعجال في اتخاذ القرارات، فلماذا نستعجل إذاً؟

عندما نواجه قرارات صعبة ومعقدة، عادة ما ترافقها مشاعر صعبة ومعقدة. ولا يريد الكثير منا معايشة هذه المشاعر غير المريحة فترة طويلة، ولهذا نحاول اتخاذ القرار بأسرع ما يمكن. لكن هذا الأسلوب يؤدي في أغلب الأحيان إلى قرارات خاطئة. فمن المحتمل ألا يؤدي القرار إلى حل فعلي للمشكلة، وغالباً ما ينتهي بنا المطاف إلى شعور أسوأ من ذي قبل. إنها حلقة مفرغة عقيمة تغلف قراراتنا بالمشاعر السلبية.

غير أن هذه التغليفات العاطفية يمكن أن تتحول إلى سلاح سري يساعدنا على اتخاذ قرارات أفضل. تتسم هذه العملية بالبساطة، وتتضمن تخصيص شيء من الوقت لتحديد 1) المشاعر التي تشعر بها عند مواجهة قرارك، و2) المشاعر التي تريد أن تشعر بها عند التفكير في قرارك لاحقاً بعد اتخاذه، وكأنك تنظر إليه في المرآة الخلفية للسيارة بعد أن تركته خلفك. ما الذي تراه؟ كيف أصبحت حياتك أفضل بعد نتيجة مُرضية للقرار؟

يتيح هذا التمرين المكون من 4 خطوات لتفكيرنا أو "دماغنا المتطور" إمكانية التحقق من دماغنا العاطفي أو "دماغنا البدائي" وتوجيهه كي لا نتخذ قرارات مبنية على ردات الفعل. وإليك فيما يلي الخطوات المطلوبة.

1. تحديد القرار الواجب اتخاذه

عندما نحاول حل مشكلة شائكة، غالباً ما نضطر إلى دراسة الكثير من المعلومات المتضاربة، إضافة إلى مشاعرنا. ولهذا، فإن أول شيء يجب فعله هو تحديد القرار الذي يجب اتخاذه.

ولنأخذ تشارلي مثالاً. فقد ابتكر تكنولوجيا لتحسين السمع في أثناء عمله على أطروحة الدكتوراة. يشغل تشارلي الآن منصب الرئيس التنفيذي لشركة ناشئة مختصة ببيولوجيا الأعصاب، وهو شغوف وواسع المعرفة حول كل ما يتعلق بهذا الاختراع. لكنه لا يمتلك أي خبرة سابقة في الأعمال التجارية، وهو يواجه الآن بعض القرارات المهمة المتعلقة بالأعمال: ما أفضل طريقة للاستفادة من الأموال التي جمعها بالفعل لنقل منتجه إلى الأسواق؟ وما المبلغ المعقول الذي يمكن إنفاقه على تطوير منتج قابل للتطبيق بالحد الأدنى واختباره؟ وكيف يمكن جمع أموال إضافية لتمويل شركته الناشئة التي ما زالت في بداياتها؟

يريد ممولو تشارلي منه أن ينهي تجربته السريرية ويبني منتجاً يمكن اختباره في إطار برنامج تجريبي. ويريد تشارلي تنفيذ ما يُعد صائباً في نظر مستثمريه وتلبية متطلبات جدولهم الزمني القصير جداً بحسب وجهة نظره.

كان بعض من مستشاري تشارلي ومستثمريه يحثّونه على العثور على شريك بارع في مجال الأعمال. والقرار الذي يجب على تشارلي أن يتخذه هو إن كان يجب عليه أن يوظف مؤسساً مشاركاً يتمتع بخبرة في الأعمال لمساعدته على حل هذه المشاكل.

2. تحديد شعورك إزاء القرار الذي يجب أن تتخذه

فكر في عواطفك عندما تتأمل قراراً مهماً يجب أن تتخذه. ما الشعور الذي يسيطر عليك؟ أهو الخوف؟ أم القلق؟ هل الفرصة السانحة تُشعرك بالعجز عن مواجهة المستجدات، أم بالحماسة؟ هل مشاعرك مبنية على تجارب سابقة أو مصادر أخرى للمعلومات؟

يمكن أن تساعدنا تسمية المشاعر على خلق حيّز صغير يفصل بين عواطفنا وأفعالنا. وتتيح لنا هذه المسافة دراسة المشاعر، والاعتراف بوجودها، دون السماح للعاطفة بأن تقود عملية اتخاذ القرار، والحلول محل إرادتنا وتفكيرنا الواعي.

يؤمن تشارلي بمنتجه بشدة، ويرغب في رؤية هذه التكنولوجيا الرائعة منتشرة في العالم وتقدم المساعدة إلى الناس. لكنه يشعر بأنه عالق في مكانه، ولا يعرف كيفية اتخاذ هذا القرار. يشعر تشارلي بالتوتر والتردد إزاء أصحاب المصلحة الآخرين من حوله. فهو يتلقى نصائح متضاربة من المستثمرين والمستشارين، إذ يحثه البعض بشدة على جلب شريك مختص بالأعمال، في حين يصر البعض الآخر على قدرته على تولي هذه المسائل بنفسه إذا نظم وقته بصورة أفضل.

شكّل خلق المسافة الفاصلة التي أتاحت لتشارلي الشعور بأنه "عالق" نقطة تحول جذرية له. لقد ساعده ذلك على إدراك أنه لم يكن عالقاً قط بوصفه الرئيس التنفيذي للشركة، بل كان بدلاً من ذلك الشخص الوحيد الذي يتخذ القرارات المتعلقة بها. وأدرك أيضاً أن كلمة "عالق" ليست الكلمة الصحيحة. وبدلاً من ذلك، قال إنه يشعر بالمقاومة. عندما ألححت عليه بألا يصنف المقاومة على أنها عاطفة، بل هي رد فعل نفسي، تمكّن من تحليل الوضع بدقة أكبر. وقال لي إن ما كان يشعر به فعلياً هو عدم الراحة. لقد أدى هذا التوضيح إلى كشف الكثير من الأمور. والآن، أصبح قادراً على البحث عما كان ينغص عليه راحته.

3. تخيل نجاحك وما يُشعرك به

تخيل أنك اتخذت قراراً ناجحاً. كيف تشعر الآن؟ هل ينتابك شعور بأنك حققت إنجازاً كبيراً، أم شعور بالراحة؟ هل أصبح توجهك المستقبلي أوضح؟ هل حققت مزيداً من التقدم في حياتك المهنية، أو ربما جعلت علاقاتك أقوى من قبل؟

عندما تخيل تشارلي توظيف مؤسس مشارك، أدرك أن شعور الضيق ينبع من القلق بشأن النزاع الناتج عن اضطراره إلى مشاركة سلطة اتخاذ القرار مع شخص آخر. وظن أنه يمكن أن يشعر بالثقة في المعرفة التي يمتلكها الشخص الذي سيوظفه، لكنه لا يرغب في نهاية المطاف في أن يشاركه شخص آخر ملكية الرؤية التي حلم بها وبذل جهوداً كبيرة من أجلها سنوات عديدة. كان إدراك مصدر الضيق لديه لحظة اكتشاف عظيمة، على الرغم من أن هذه الحقائق كانت موجودة طوال الوقت.

4. طبّق فكرة التغليف العاطفي

بعد دراسة القرار الأولي والتغليفات العاطفية المتعلقة به، فكر فيما يلي: هل حددت القرار الذي ستتخذه على نحو صحيح؟

من خلال تطبيق التغليف العاطفي، أدرك تشارلي أنه يشعر بالارتباك لأنه خلط بين عدة قرارات. فالقرار الذي كان يتعين عليه اتخاذه لم يكن يتعلق بتوظيف مؤسس مشارك أو عدم توظيفه، بل برغبته في مشاركة ملكية مشروعه التجاري. فقد افترض أن امتلاك الفطنة التجارية اللازمة تتطلب منه الحصول على شريك، على غرار الكثير من الشركات الناشئة الأخرى المحيطة به، كما بدا له.

لكن ممارسة التغليف العاطفي ساعدته على إدراك وجود طرق أخرى تتيح الحصول على الفطنة التجارية التي تحتاج إليها الشركة. فمن الممكن أن يوظف شخصاً يعمل تحت إمرته، أو يوظف مستشاراً. يُعَد القرار المتعلق بالأعمال قراراً قصير المدى، في حين تمثل الشراكة قراراً بعيد المدى. لم يقتصر خطؤه على الخلط بين قرارات مختلفة، بل إنه لم يفكر ملياً في الآثار المترتبة على وجود شريك على المدى البعيد.

نعتقد أنه ليس لدينا ما يكفي من الوقت لتخصيصه لعملية اتخاذ القرار، ومن المؤكد أننا لا نرغب في قضاء وقت طويل في حالة من الانزعاج العاطفي، مثل القلق والإحباط، عند مواجهة قرارات كبيرة. قد يبدو لنا أنه من الأسهل أن نسلم عملية اتخاذ القرارات المعقدة إلى عواطفنا، أو إلى دماغنا البدائي.

قد تبدو مناشدة دماغنا المتطور ضرباً من السحر، لكنها ليست كذلك. يتطلب الأمر بذل جهد كبير حتى نتمالك أنفسنا ونتمكن من كشف مفاعيل دماغنا البدائي؛ أي تحديد المشاعر والتعامل معها. مناشدة دماغنا المتطور تخلق نوعاً من الشراكة مع عواطفنا، بدلاً من أن نكون مدفوعين بها.

تساعد عملية التغليف العاطفي على تسمية العواطف وتحملها، بدلاً من دفنها أو التهرب منها، حتى نتمكن من تحديد القرار الحقيقي واتخاذه بصورة أفضل؛ أي القرار الصحيح الذي يساعدنا على المضي قدماً نحو المستقبل بوضوح وثقة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .