استخدام الذكاء الاصطناعي لجعل أصحاب المهارات المعرفية أكثر فاعلية

5 دقائق
تطوير المهارات بالذكاء الاصطناعي

تفتح إمكانات الذكاء الاصطناعي الجديدة التي يمكنها التعرف على السياق والمفاهيم والمعنى مسارات جديدة مفاجئة متعلقة بتطوير المهارات بالذكاء الاصطناعي عبر التعاون بين أصحاب المهارات المعرفية والآلات. حيث يمكن للخبراء الآن إضافة المزيد من مدخلاتهم الخاصة عند تدريب الآلات، وفي مرحلة مراقبة الجودة وصقل مخرجات الذكاء الاصطناعي. ويمكن للآلات تعزيز خبرة المتعاونين معها من البشر وتدريب خبراء جدد في بعض الأحيان. وأثبتت هذه الأنظمة التي تحاكي الذكاء البشري عن كثب أنها أكثر قوة من الأنظمة التي تعتمد على البيانات الكبيرة التي سادت قبلها.

تطوير المهارات باستخدام الذكاء الاصطناعي

قد يكون لهذه الأنظمة تأثير بالغ على نسبة 48% من القوى العاملة المتمثّلة في أصحاب المهارات المعرفية في الولايات المتحدة، وعلى أكثر من 230 مليون موظف معرفة على الصعيد العالمي. وستحتاج الشركات إلى إعادة تصميم عمليات ومهام موظفي المعرفة بهدف تحقيق الاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاء الاصطناعي الأكثر ذكاء.

ويوافق أصحاب المهارات المعرفية على عملية إعادة التصميم هذه إلى حد كبير. ويشمل موظفو المعرفة الأفراد الذين يتمتّعون بالقدرة على التفكّر في الرؤى الثاقبة وخلقها وتبنّيها ومن ثم تطبيقها في العمليات المعرفية غير الروتينية. وقد صرّح حوالي 60% من بين أكثر من 150 خبيراً مشاركاً في استبانة عالمية حول الذكاء الاصطناعي في المؤسسات أن توصيفات وظائفهم القديمة أصبحت بالية في ضوء تعاونهم الجديد مع الذكاء الاصطناعي. بينما أفاد حوالي 70% من هؤلاء الخبراء أنهم بحاجة إلى التدريب وصقل المهارات والتعلم أثناء العمل، نظراً للمتطلبات الجديدة للعمل مع الذكاء الاصطناعي. وأبدى 85% منهم موافقتهم على ضرورة إشراك المسؤولين التنفيذيين في المناصب الإدارية العليا في الجهد العام المبذول في إعادة تصميم مناصب العمل المعرفي وإجراءاته. وبينما يشرع هؤلاء المسؤولون التنفيذيون في مهمة إعادة تخيل كيفية تحسين الاستفادة من العمل المعرفي من خلال الذكاء الاصطناعي، إليك بعض المبادئ التي يمكنهم تطبيقها:

دع الخبراء البشر يخبرون أنظمة الذكاء الاصطناعي باهتماماتهم

تأمل مجال التشخيص الطبي الذي من المحتمل أن يسوده الذكاء الاصطناعي. عندما يشخص الذكاء الاصطناعي حالة ما، لا تكون استنتاجات الخوارزمية واضحة للطبيب الذي يجب عليه تقديم شرح للمريض في نهاية المطاف، تماماً مثل مشكلة الصندوق الأسود. ولكن تمكّن فريق عقل جوجل "جوجل برين" (Google Brain) اليوم من تطوير نظام يفتح الصندوق الأسود ويوفر مترجماً للبشر. على سبيل المثال، قد يرغب الطبيب الذي يفكر في تشخيص الإصابة بالسرطان في استخدام الذكاء الاصطناعي بهدف تحديد مدى نظر النموذج في العوامل المختلفة التي ارتأى الطبيب أنها مهمة مثل عمر المريض، وخطط العلاج الكيميائي السابقة، وأكثر من ذلك.

وتتيح أداة جوجل للخبراء الطبيين أيضاً إدخال المفاهيم التي يعتبرون أنها مهمة في النظام، فضلاً عن إمكانية اختبار فرضياتهم. على سبيل المثال، قد يرغب الخبير في معرفة ما إذا كان النظر في عامل ما أغفله النظام سابقاً سيغير التشخيص، مثل حالة خلايا معيّنة. ويقول بين كيم الذي يساعد في تطوير النظام، "يمتلك خبراء المجال بالفعل قائمة بالمفاهيم التي يهتمون بها في التطبيقات التي تنطوي على مخاطر عالية. ونحن نرى هذا يتكرر مراراً وتكراراً في تطبيقاتنا الطبية في جوجل برين. إذ لا يرغب الخبير في الحصول على مجموعة من المفاهيم، بل يريد إخبار النموذج بالمفاهيم التي يهتم بها."

طوّر نماذج تنصاع للحس السليم

مع تصاعد المخاوف بشأن الأمن السيبراني، زاد استخدام الأدوات من قبل المؤسسات بهدف جمع البيانات في نقاط مختلفة في شبكتها بغية تحليل التهديدات. ومع ذلك، لا تقوم العديد من هذه التقنيات القائمة على البيانات بدمج البيانات المتأتية من مصادر متعددة. كما أنها لا تدرج المعرفة البديهية لخبراء الأمن السيبراني الذين يدركون حجم الهجمات والدوافع المتنوعة للمهاجمين، ويفهمون التهديدات الداخلية والخارجية النموذجية، ودرجة المخاطر التي قد تتعرض لها المؤسسة.

ويحاول الباحثون في معهد آلان تورينج الذي يعتبر المعهد الوطني البريطاني لعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي تغيير ذلك. إذ ينطوي منهجهم على استخدام نموذج بايزي المتمثّل في التحليل الاحتمالي الذي يرصد الترابط المعقد بين عوامل الخطر ويجمع بين البيانات والحكمة. وتشمل تلك العوامل المعقدة في مجال الأمن السيبراني لشبكات الشركات وجود أعداد كبيرة وأنواع مختلفة من الأجهزة على الشبكة ومعرفة خبراء أمن المؤسسة بالمهاجمين والمخاطر وأمور أخرى كثيرة. وفي حين أن العديد من أنظمة الأمن السيبراني القائمة على الذكاء الاصطناعي تدرج عملية اتخاذ القرار البشري في اللحظة الأخيرة، يعمل باحثو المعهد على البحث عن طرق لتمثيل معارف الخبراء وإدراجها في جميع أنحاء النظام. على سبيل المثال، يعمل الباحثون على برمجة النظام بشكل صريح منذ البداية ليشمل وعي خبراء محللي الأمن بالدوافع والسلوكيات التي تكمن وراء أي هجوم لسرقة بروتوكول الإنترنت، ومدى اختلاف هذه الدوافع والسلوكيات عن هجوم حجب الخدمة.  وستُستخدم تلك المعرفة البشرية في المستقبل بالتزامن مع مصادر البيانات من الآلات والشبكات لتدريب الأنظمة على دفاعات أكثر فاعلية فيما يتعلق بالأمن السيبراني.

استخدم الذكاء الاصطناعي لتحويل المبتدئين إلى خبراء معترف بهم

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحول المبتدئين إلى محترفين بسرعة كبيرة. وقد أثبتت شركة "هيوليت-باكارد" (آتش بي) (Hewlett Packard) هذه الفرضية عندما استخدمت منصة الحوسبة الإدراكية الخاصة بمختبر الذكاء الاصطناعي في الشركة بهدف تحليل بيانات مكالمات مركز اتصالات أحد العملاء لمدة عامين. كان مركز الاتصال يستخدم نظاماً قائماً على الانتظار إلى حين توجيه مكالمات الزبائن، وهو ما أدى إلى انتظار الزبائن أوقاتاً طويلة إضافة إلى رداءة جودة الخدمة. وتمكنت منصة الحوسبة الإدراكية من تحديد "المهارات الدقيقة" الفريدة لكل مندوب، أي مدى معرفة المندوب بنوع معين من طلبات الزبون استناداً إلى تحليل المكالمات السابقة. وتُستخدم هذه المهارات الدقيقة الآن لربط المكالمات الواردة بالعملاء الذين نجحوا في معالجة طلبات مماثلة. وشهد مركز دعم الزبائن تحسناً بنسبة 40% في حل المشكلات عند الاتصال الأولي وتخفيضاً بنسبة 50% في معدل المكالمات المحولة.

ومع تعلم مندوبي خدمة دعم الزبائن مهارات جديدة، يتولى برنامج الذكاء الاصطناعي تحديث خبراتهم تلقائياً، مما يلغي الحاجة إلى تحديث ملفات تعريف مهاراتهم الشخصية يدوياً في سجلات الموارد البشرية. علاوة على ذلك، يتعلم البرنامج توجيه مشكلات أكثر تعقيداً للعميل عندما يصبح الوكيل أكثر خبرة ودراية. وفي الوقت نفسه، يعزز البرنامج من خبرة العميل باستمرار ويزيد استخلاص الذكاء الاصطناعي "للمهارات الدقيقة" من الكفاءة التي "درّب" بها الخبير البرنامج.  وتجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً من الشركات الأخرى التي تعمل على تحدي إعادة التدريب المشار إليه. على سبيل المثال، تقدم شركة أيه إس أيه بي بي (ASAPP) الناشئة وجيدة التمويل اقتراحات في الوقت الفعلي لمندوبي خدمة الزبائن.

استخدم أساليب التحقق من كفاءة بيانات الذكاء الاصطناعي لتحديد عمليات التشغيل للخبراء البشر

قد يكون من الصعب توليد كميات كبيرة من البيانات نظراً لندرة أنواع معينة من خبراء المجال. لكن يحتاج التعلم العميق وتعلم الآلة، الذي استندت عليه العديد من مراحل تطور الذكاء الاصطناعي، إلى أحجام ضخمة من البيانات لتدريب النظم وبنائها من أسفل إلى أعلى. لذلك سنرى في المستقبل المزيد من الأنظمة ذات الاتجاه من أعلى إلى أسفل التي تتطلب بيانات أقل بكثير لبناءها وتدريبها، وتمكينها من رصد المعرفة المتخصصة للعمال وتجسيدها.

تأمل المسابقة الأخيرة التي نظمها مختبر معالجة الصور الطبية في مستشفى جامعة بريست وكلية الطب ومعهد تيليكوم بريتان للاتصالات (Telecom Bretagne) في بريتاني بفرنسا. لقد تنافس المشاركون على تطوير نظام تصوير طبي يمكنه التعرف بدقة على الأدوات التي كان الجراح يستخدمها في كل لحظة من لحظات عملية إعتام عدسة العين التي تطلبت تدخلاً جراحياً محدوداً. وكان الفائز هو آلة نظام رؤية تعتمد على الذكاء الاصطناعي دُرّبت في ستة أسابيع على 50 فيديو فقط من عمليات إعتام عدسة العين التي أُنجز 48 عملية منها جراح شهير، وعملية واحدة من قبل طبيب جراح لديه سنة واحدة من الخبرة، وعملية أخرى بواسطة أحد المتدربين. وتتيح أنظمة التعرف على الأدوات الدقيقة للفرق الطبية إجراء تحليل دقيق للإجراءات الجراحية والبحث عن طرق لتحسينها. وتنطوي التطبيقات المحتملة لمثل هذه الأنظمة على توليد التقارير، والتدريب الجراحي، ودعم القرار في الوقت الحقيقي للجراحين في غرفة العمليات في المستقبل.

وكما تشير هذه الأمثلة، يقوم المهندسون والرواد في مختلف التخصصات بتصميم آلات الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعل من تدريبها وتقييمها من قبل الخبراء أسهل، فضلاً عن إمكانية دمج هولاء الخبراء معارفهم القيّمة للغاية والنادرة في كثير من الأحيان في هذه الآلات. وللبدء في الاستفادة من هذه الإمكانات الجديدة، سيتعين على المؤسسات تخصيص إنفاقها على الذكاء الاصطناعي وفقاً لذلك. وستحتاج الشركات إلى إعادة تصور الطريقة التي يتفاعل بها المتخصصون مع الآلات بهدف تحقيق أقصى استفادة من أنظمة الذكاء الاصطناعي وأصحاب المهارات المعرفية.

وكما تعمل أنظمة تعلم الآلة اليوم على زيادة قدرات العمال العاديين، ستعمل أنظمة الغد على تطوير المهارات بالذكاء الاصطناعي عبر رفع أداء أصحاب المهارات المعرفية إلى مستويات من التميّز الموحد التي كانت بعيدة المنال في السابق.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي